|
مددتُ كفي صوبَ السماء و أنا أناغي سحابة بيضاء بدتْ لي كالحسناءِ في خِدرها , تكتمُ سرَّ حيائها خلفَ وشاحها النقيّ , تفترُّ عن ابتسامةٍ ماطرةٍ تتقاطرُ مَعها دمعاتٍ عَذراء ؛ لكأنَّها تُودّعني , أقصدُ أنَّها تُودِّعُ ماضيها المِبسام .
تأملتُها باستغراب , و ناجيتُها نَجوى الحَبيبِ للحبيب :
|
أنْ يا سَحابةُ خَافقي مُضنىً و شعري حائرُ |
و الذكرياتُ تُفيضُ من دَمعي و جُرحي غائرُ |
و الأمنيات تَذوبُ في حبري و وجدي ماطرُ |
وَي يا سحابة ما أرى إلا الصباح يغادرُ |
فيلفُّني ليلُ الأسى و الظلمُ وحشٌ كاسرُ |
|
|
|
يا سحابتي الهَيفاء :
|
ظعائنُ الذّكرى تميسُ بخاطري |
|
|
تَيماءُ تلثمُ جبهتي و تُسلِّمُ |
حيناً تبينُ و بعدَ حينٍ تَختفي |
|
|
يا مَا أميلحَ وجهها إذ يبسمُ !! |
|
|
:: لا شيء في خاطري سوى الذكريات تمرُّ ظعائنها أمامي ماضيةً نحو البعيد البعيد في حاضرٍ مسكونٍ بالأحلام
تخلعُ عليّ أنماطَها العِتاق , الوِرادَ الحَواشي تاركةً لي بِدعاً من الألوان أًطالعُ فيها ما كان من أمر الأمس .
تنثرُ فُتاتَ العِهن في فناء قلبي , و تمرُّ قافلة الأحزان عليها فتحطّمُ حبَّات الفَنا ليدلهمَ لونُ الذّكرى فيودّع لونَ العَندم .
هاؤم خبايا نفسي تُذوّبُ نبضي ليُسيلَ دُموعَ الشّوقِ على أمسهِ الرّاحل , و إن كان دامعاً ..!!
فهل من مكفكفٍ لطللها الأغيد ..؟!!
:: لاشي في خاطري سوى الذكريات تُناسمني أنداؤها الشذيَّة , فتتوردُ أزهاري الذابلة و تَنتشي بعطرِ الظعينة حين تَردُ الماء و تبدأ في وضعِ عصيّها لتخيّمَ في صحراءِ نفسي المُتألمة ..
ثمَّ لا تلبثُ الخاطرة في فكري أن تُشرعَ بالذّكرى حتى تُجهشَ بالبكاء , و يُطفأ الدَّمعُ قنديلَ الأسرارِ و ثُلَّة المَعاني الحُلوة التي كانت تبحثُ عن الماءِ و الكلأ , و تنزع عصيّها مني و تُكسرّها كِسرةً كِسرة .
:: ما أنتِ يا ذكرياتي إلا ازدهاءُ الشّفق في صدرِ السّماء يتزيَّا بالأنوار .
و عطايا المَساء تُلبِسُكِ ثَوباً قُدَّ من حَريرِ الجَنَّةِ , فأبحثُ عن بابِكِ السَّامقِ مُجاهدةً في الوصولِ إليهِ , و لكنَّ يَدُ الليل تسرقُ المفتاحَ من قلبي , كَيلا أتوغلُ في حَناياكِ فأعودُ مُنكسرةَ النفس !!
فأنتِ وليدةُ أعوامي التي مَاتتْ اليوم ؛ لكنَّها ما زَالتْ تَحيا في رَحمِ القلبِ و الرُّوحِ و أوراقِ الخريفِ التي تعبثُ بها ريحُ الشِّمال.
:: ما أنتِ يا وَليدتي المَيتة إلا لَمسةُ القدر على لَوحِ حَياتي , أَلا فنعمَتْ تلكَ اللمسةُ بالأمسِ , و مَا أَبأسها و أشدَّ وقعها على قلبي في هذه اللحظة ..!!
إني لأحسُّكِ الساعةَ كطعنةِ الخنجرِ المسموم في خاصرةِ الحلم , إذاً هو الحلم النازف ..!!
ليتني لم أعرف له اسماً ..!!
على أنك بالأمس كنتِ لطيفة كنسيمِ الصباحِ العَليلِ إذا أبلجَ وجهه بأنوارِ الحياة , و أسيلةُ الخدّ كبناتِ الزّهرِ الذي نَدَّاهُ الفجرُ بالطهر ..
شتَّان بين الدارين ..!!
وما أدري بماذا أُشبّهك بعد أنْ أَحرقَ الأنينُ شِغافَ قلبي ؟!!
و ها هي أنفاسي تَشهقكِ و تزفرك ِ تنفس الصُّعداء ..
:: ألا يا ظعينتي المُسافرة بي نحو الضياع , وعنّي نحوَ السَّماء : حاولي أن تُغطيني بألوانِ السَّرابِ , و ارحلي عنّي و انسي اسمي و عنوان قلبي .
فذاكرتي هَشَّة أمام جمالِ أيامك الظّاعنة .
كلُّ شيءٍ من حولي تَمثَّلَ بكِ , حتّى عقلي باتَ أيضاً ظاعنٌ عني ..!!
ألا ما أبعد اليوم عن الأمس !!
و بالأمس كم كانَ يومي يُشبهُ غَدي و أمسي ..!!
بيدَ أنّي اليوم أُفتشُ عن كلِّ الأزاهير التي تَناثرتْ بَتلاتُها في محرابِ الرّوح و أحاول أن أعيد لها الحياة .
مَيتَةٌ هي الأخرى , ضائعةٌ من مُعجمِ أفكاري ككُلّ شيءٍ ضاعَ من بين يَدي الحُلم .
....
يا عطيَّةَ الله : أمديني بسلوانٍ يُسكّن الأشواق , فالحنينُ لأمسي استطارَ واستطالَ , أشعلني و أضرمَ نيرانَ قلبي فَحرقَ الحَشاشة .
يا عطيَّةَ الله : تلك السّحابة إذا بَكتْ فإنَّ الرّوض بقطراتِ غَيثها أَولى , أمّا أنا فدَمعي إذا ما سالَ سيروي آقاحي ذاكرتي و يُنضّرَ الخيالَ المُستعرَ بالأوهامِ و الأحلامِ .
:: أَلا يا قلبُ اطفأْ النّور في غُرفك الأربعة , و لا تُجري دماءَ الشّوق , لمَنْ ظَعنوا , في شرايينك و أوردتك .
لا تغفو على حُلمِ اللقاء , في يقينِ خيالك السّرمديّ ذات مساء لأنك ستستسلمُ لذكراهم فيه ..
جميلةٌ هي الذكرى و لكن ..!!
" إنَّ ذكرى اللذة مُؤلمة , و ذكرى الألم لا تَسرّ أبداً " *
ألا يا قلبُ لا تحزن ؛ فإنّ حروفي هذه أصبحت الآن ذكرى في عدادِ الأوراقِ المَنسيّة على أعتاب الزّمن الرّاحل .
14/11/2005 , أكملت : 13/2/2006 |
|