[/frame][/size][/B][/size]
[move=right]بركان الحداثة[/move]
شاعرة و قاصة و روائية سارت بدكرها الركبان ... اديبة شقت طريقها باصرار قل نظيره ... لاتسد باب حتى تفتح اخرى في سبيل ايصال ما تعتقده صحيحا ... خرجت من قمقمها الذهبي، متدفقة وكانها السيل المنجرف، الجامح ، الحارق لكل ما يمت لانوثة لها حسها المرهف ، الضال بين ثنايا الكلمات السابرة في الذات ...
كانت الزاهية الابنة الوحيدة و المدللة ، التي لا يرفض لها طلب رغم المظهر المحافظ لوالديها و للعائلة ... تتميز على صحيباتها في لقاآتها بهن كل مساء تحت سقيفة باب البيت ، بالذكاء الثاقب و كانها المفوهة التي لايشق لها غبار، من خلال الحوارات المطولة، مستعرضة قوة بيننتها في البلاغة و التبليغ .تتحدث باشارات الواثقة من نفسها . تعطي تفسيرا لكل ما تطرحه صديقاتها اللواتي يرون فيها القائدة و مثلهن الاعلى ، نظرا لجمالها اللافت وانوثتها الخادشة ، ناهيك عن فصاحة لسانهاا المؤتر.
كانت ضحكاتها الرقيقة تسمع من الزاوية الاخرى للدرب، حيث يجتمع شباب الحي المتنافسين على من سيظفر بالتفافة خفيفة ، او ضحكة عابرة ، او كلمة خجولة مخطوطة على وريقة ملفوفة ترمى له من طرف خاطفة لبهم .. الزاهية ...
لتوقيع مجموعتها القصصية الاخيرة ، و بدعوة من جمعية ( ثقافية و طنية ) كانت لها اليد الطولى في تاسيسها و تاثيث مكتبها الصوري ، الذي ليس بين اعضائه و الثقافة الا الخير و الاحسان ، و ارتزاق بدون مقابل ، اللهم اذا استثنينا البرنامج الوحيد و اليتيم و الفقير الى الثقافة ، الذي تنحصرمهمته في التطبيل و التزمير لصاحبة الجلالة ، كما هو الشان باشباه مثقفي الحكام . هؤلاء الاخيرين الذين يحتمون وراء دجل و مسخ مفضوح يعمل على ابعادهم و عزلهم عن الشعب عكس ما يتخيل لعقولهم الغبية التي لا يتعدى تفكيرها ارنبة انوفهم .
انتفض من داخله وجمع قواه التي خانته سنوات العشق البوهيمي المتدفق في بحر سنوات الدمع العفيف ... ايام المراهقة الحالمة المتشبعة بالافكار العبدحليمية ... يوم كان الخوف عليها من النسيم العليل ، و من خيوط الشمس المنسابة على ضفاف اديمها الصافي ، الملائكي الحروف... نظر
اليها ... ثم حدق مليا و قد ظن ان جمره انطفا يوم ان فضلت عليه في اخر لقاآتهما اعز اصدقائه ...
اهتزت فرائصه اهتزاز الزلزال الى حد درجة الاغماء ... اهي الفرحة ... ام عودة الروح باللقاء او العثور على الحلق المفقود... ام هي نرجسية الرغبة في اعادة امتلاك ما ضاع في غفلة من تهاون ، و عدم وعي بشيطان ثقة زائفة ... اعاد عمر الكرة في استجماع قواه بتضييق ربطة عنقه كردة فعل
تستقيم بها فرائصه المنهارة ... يا الاهي ... انه امام زهرة شبابه الضائعة و العائدة من العدم كما تخيلها ، و هي تدوب في ثنايا انعراجات زمن احكم الخناق عليه ، من خلال فقر مادي و روحي ، تركه عرضة للتمسك بفتات زائل ، ركائزه ثلة من طبقة جاهلة و غير دارية ، تصرف ايامها في لهوغير دي نفع... انه امام سيدة ناضجة غير التي تخيلها ، حيث ازدادت جمالا و انوثة و صلابة في القوام ...مرر
يده على شعره و اعاد نضارته الى الوراء و تقدم هو الى الامام ، متصنعا للا مبالات و كأن لقاءها شيئ عادي ... مد يده لها و هي ترتعش ... تبادلا كلمات سريعة و كانها تراه لاول مرة الشئ الدي اغاضه.. لقد كان متتبعالاصداراتها ...قارئ ناهم لقصصها و رواياتها ...و اشعارها...كان يبحث بين السطور عله يجد نفسه في صفحة من صفحاتها او بين ثنايا احد شخوصها الكثر....كان اسلوب تعاطيها لفك رموز اعمالها شيئا محمودا لديه ... في بداية كتاباتها طهر سردي ، لكنه مداهن ينم عن رؤيا مستقبلية طموحة تحمل شعرية متدفقة لا حدود لها... كانت دائما تديل كتاباتها بالسؤال عن ضوابط الافق المسموح به لتخطي حواجز الافصاح و تعرية الواقع ، و رؤيته من زاوية التمدن الفرداني .......
كانت ايام اصطحاب الزاهية و هي طالبة اعدادي كما هو ، مشحونة بالقلق الرومانسي نتيجة دخول المتربصين حلبة الصراع على الظفر بقلب معشوقة الحي ... ستة ايام في الاسبوع ، كانت كفيلة بان يستميل قلبها المتحجر و المخادع كما ظن هو ... كانت كلما ارادت قضاء مارب الا و ارخت شباك انوثتها الضاغطة على ما تبقى من اوتار قلبه المتهالك بفعل التنازلات المتتالية ... تتسابق فرائصه النشطة لتلبية نظرات حولها الايروتيكي ، الذي كان احد اسلحتها كلما نصبت نظارتيها بين خصلات شعرها الفستقي ، المنساب كتساقطات شلال رداد حالم ...
- اين انت ...واين هي مراسيك ...مخاطبة اياه الزاهية و هي تعلم مما لايدع الشك ان عمر غارق في بحر ايامه الخوالي ...
- اه ... متلعتما .. انا ..انا .. انا استاذ الادب العربي بجامعة ... تقاطعه كما هي العادة مع جميع مخاطبيها ... ا
- ا ذن انت لازلت غارقا في رمنسيتك ..
بردة فعل مفاجئة من عمر لم تكن منتظرة منه .
- لن يعتبر استاذا للادب ، من ادوات تفكيره متحجرة ... و لن يكون اديبا من يتصنع الرومنسية ... لتقاطعه كالعادة ..
- تمهل عمي عمر ... انا التي ساحاضر اليوم و لست انت ... وددت لو اعطيتني في عجالة وجهة نظرك حول اصداراتي الاخيرة
- اه .. اصداراتك الاخيرة ؟؟؟ ... لم اطلع عليها كلها .... ومن قال انني اقرأ لك ؟؟؟
- الست استاذ الادب العربي ...؟؟؟
- لدي اهتمامات اخرى ... يتخطى عمر عقدة اسمها الزاهية ، ليبدو و انه الواثق المتحكم في ادارة الحوار ... انا اقرأ لادباء و اديبات و ما اكثرهم ، جادين في طرحهم لمشاكل المواطن و الوطن ... انا لا انكر انني قرأت لك ديوانك الشعري الاخير ، الذي اعتبرت محتواه العام، احلاما و معزوفات علىفرار نحو المجهول ... وحشية الوصل ...، و وشوشات حول جفاف انفاسك التي لم تسعفك ...عناقاتك لعلاقات مغامرة سابحة ، متاثرة بخيالات القادم من وراء التاريخ ... بوح سحاقي متمرد على كل القوانين و الشرائع الكونية ... لقد قرأت لك... و قرات... و قرات...قالها عمر بمفهومها الاستهزائي ...لن افرض عليك رايي ... انما هي وجهة نظري .... وهو يشد ربطة عمقه محركا راسه في الاتجاهين ...سنستمع اليك بعد قليل و ... سنرى درجة معالجتك لقضايا شعبنا العربي و خاصة ... قاطع نفسه بالقول ...انا لم اقرا لك أي شئ عن القضية الفلسطينية .؟؟؟ هل نسيت انها قضية الشعب العربي الاولى ؟؟؟؟ ...
- الم اقل لك انك لازلت رومنسيا يا عمر ... الم تر انك في واد و الاسلوب الحداثي للادب في واد اخر ... لااظن انك تعلم ، انني من اللواتي يكتبن القصة و الشعر الرومنسي ، ولا أؤمن بهذا الطرح
يا صديقي عمر ...ادب الحداثة او حداثة الادب ، اصبحت صنعة و مؤسسة لها مزاياها و تجلياتها المتعددة المشارب و الدروب ... لقد اصبحت فكرا خاصا ... لها قوالبها و لها ممولوها ... سماسرتها و محترفوها ...صناعة يا عمي عمر ...ملايير الدولارات تسبح في سماء بورصة الحب و الرومنسية ...
نحن نكتب و نؤلف ...دور النشر تسلمنا حقوقنا كاملة حتى قبل النشر ... سلعة لاتبور يا...كتاب كلمات الاغنية العصرية الشبابية على... قفا من يشيل... و الملحنون تحت الطلب جاهزون ...الراقصات ادوارهن جاهزات ..سراويل الدجينز فاعلة فعلها في العقول الفارغة المدجنة... وفي الجيوب العامرة... اموال النفط تبني لنا في كل اطلالة قناة خاصة بموضة هز يا وز ..اصحاب الافتاء الجدد ، مثلهم مثل المحافظين الجدد في البيت الاسود، جاهزون لحمايتنا و دفع الضرر عنا ... موجة مديعات باربي ، و منشطات البرامج التلفزيونية المتخصصة في القمار الذهني و التمييع الفكري.... و انت تكلمني عن الرومنسية و القضايا... و لاادري ماذا ...هل هناك احسن ، و اجمل من رومنسية الالتماع بكشافات اضواء التصوير، عندما تسلط على مسارك الفني و الادبي الراقي ... ؟؟؟؟
لم يعد عمر يصدق، او يعرف من هي هاته الصادمة ، العارية من كل اصباغ فرجة زمن تلاشى و ضل الطريق وسط عولمة الحب ، و الماكل ، و المشرب ، و الملبس ، و الاعتقاد ، و ربما الاحلام ...
لم يترك له رئيس الجمعية الفرصة للرد عليها . لان لغة الاشارات و و التلميحات و توزيع الادوار المفبركة ، كان قائما مند دخول صاحبة الجلالة للقاعة ...
- نطلب من الاديبة الكبيرة الاخت الزاهية ان تتفضل مشكورة ...تركت عمر المسكين الذي وجد نفسه امام مسخ جديد و غريب لم يعهده من قبل ، تراقصت عيناه في اتجاه الزاهية و هي تتمختر في مشيتها كالطاووس وسط تصفيقات و هتافات ضاع في خضمها عمنا عمر الرجل الطيب ...
كالفراشة ، وسط سرد قصصي ادهش عمر الذي ارتسم على وجهه ميسم قتامة خنقت حبال صوته و هو لايكاد يصدق هذه الجرئة المتدفقة للبوح ، المبني على وقاحة المكاشفة ، و تنصيص لمستور صادم دون الاهتمام بخدش كان بالامس القريب من طابوهات فتحت ابوابها لافق مجهول الهوية ، كعقاب ازلي ... لممارسة حجرية ان اوان تشطيبها من قاموس الممنوعات ...
بعصبية غير دارية لما يقع لاظافره و هي تلتهم ، و عيناه شاخصتان يراقبان مخارج الحروف من بين شفتي الزاهية ، اللواتي لم يعد يتخيل في اي خانة يضعهما .هل هما حبيبتين ام عدوتين .اختلط عليه الحابل بالنابل، امام حضرة صاحبة الفيافي الظمئى، التي تشتم منها نفحات البقاع العطشى ، و سط جنة دانية قطوفها ، و جامحة سفوحها ، و قاتلة رموش نخلتها، المتدلية على حشائش لمحاتها المدمنة على الهروب، نحو غوص في تبئير دات غابت عنها بوصلة الزمان و المكان و كانها بدوية في باريس...
لقد جلس في الصف الاول دون ان يدري ... يتمتم كالمجنون و يضرب كفا بكف ... لقد اثار انتباه الجالس بجانبه و الذي نبهه الى التزام الهدوء ، لدرجة ان الحضور متسمر وجامد من جمال وهول ما
يسبح في فضاء القاعة الكبيرة الرحبة ، عبر ميكروفون جهز له التقني اوتارا ببحة خاصة لهذا اللقاء القصصي المميز، الذي اطاح بكل اسوار قلعة جسد ، حفر كبئر لكثمان غرائز و محضورات جنسية لايمكن مكاشفتها الا عبر طقوس ثنائية حميمية كانت او نسائية الاخد و الرد.
وضع عمريده على فمه و هو يسترق السمع... عيناه الغت كل الحاضرين حتى يبقى وحده الجمهور الحاضر، و حتى لايسمع احد ما يرشح عن اديبته المفوهة العائمة في بحر بوح اوراقه مسطرة ببلاغة تعرية انثوية ، و حتى رجالية ، مع امعان و تغويص في داتية هذا الجسد و في حروفه التي لا تراها العين المجردة ... انه ما اسطلح عليه ادب المكاشفة ، من خلال بناء سردي عميق يطوف بك الامكنة و الازمنة المسكونة بنزق الايحاء السامق الجامح الذي لاقيود و لا حدود له.
لم يعد عمر يسمع الزاهية ، و هي تمطر الحاضرين بقصاصات من اخر مجموعتها التي خصصتها لهده النوع من الادب ، الذي كثر اخيرا حوله اللغط ، و تاثتت لصالوناته المؤتمرات الادبية على اعلى المستويات وفي افخم نزل الخمسة نجوم ... لقد اعاد عمر عقارب الساعة للوراء يوم بائت محاولته
بالفشل ، و هو يعطيها درسا في الاخلاص و الحب العفيف ، لارغامها على وضع نظارات لاترنو الا الى شخصه نهارا و الى طيفه ليلا ... تدكر هذا المشهد ، خاصة لما وضعت يدها على فمه ، لجعل حدا لهذا
الفكر المتجمد في نظرها ، وتطلق العنان للطف مصبوغ بنرجسية احادية المضمون و حرية الفعل الغير قابل للتفكير التماثلي .
- سبحان الله ...يتمتم عمر ... ما اشبه البارحة باليوم. نفس الاسلوب و نفس الطرح ... الا ان الاول كان محتشما ، رغم انه كان كثير الطرح لسؤال خلخلة هذا المحظور، وما يترتب عنه من الام و عذابات ...كم كنت مغفلا ... اما الان ، فانا امام هذه الجرئة التي اغبط عليها هذه الزاهية ، المنفجرة كبركان غاضب... و التي ركبت صهوة بيننة قد تضر بجوهر انوثة تضيق بها جذران معطفها ... الا ان صقيع البوح قاتل ...و طريقه مسدودة و العبرة بالسير فيه ...و تحمل اشواكه الدامية الصعبة لملمة جراحها ....
افاق عمر على حدة تصفيقات و هتافات و صفير .. و الزاهية تحمل اشارة النصر في وجه عمر و عبره الى كل الحضور... ، قبولها و فهمها... و لا داعي لاعادتها الى قفص اهترئ بفعل صدام المطالبة و تبني ركوب صهوة فرس غير عربية ، لا تعرف للطموح حدودا و لا للمراقبة الذاتية حواجز... فما كان من عمر ان تسائل للمرة الالف ، من تكون هذه الموسكوفية التي تعاني من فيض في الذكاء ؟؟؟؟ هذه ليست الزاهية ....؟؟؟؟
لقد صافحت الجميع و خرجت من القاعة ، وسط زغاريد النساء الحاضرات و تصفيقاتهن الحادة غير مبالية بالفرق الشاسع الدي حفرته خندقا بينها و بين هذا العمر... الذي حاول اللحاق بها لمصافحتها ، و توقيع المجموعة التي اشتراها و هو داخل الى القاعة ... لم تسعفه رجلاه اللتان خانتاه في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ كتبه بقلمه الذي لم يعلم انه جف، الا بعد ان غابت عنه الزاهية التي لم يكمل معها النقاش الدي بداه قبل ان تبوح ببوح مجموعتها الاخيرة ... غابت عنه الزاهية وسط غابة من المعجبات و المعجبين بحداثة الادب....و ادب الحداثة.....و أية حداثة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ابريل ... نيسان ... 2006[/
بقلم ..عبدالرحيم الحمصي.. [/