قال الراوي ...
قال الراوي
وأنت َ ترقبها من أحد قمم جبل عنترة متربعة على هضبة مترامية الأطراف تبدو لك كصبية فاتنة لم تتعلم طَــلـْي َ المساحيق ِ بعد .
قال الراوي
كانت هناك عين ٌ يشرب بها عباد الله الصالحون ، إشتراها رجل صالح ووهبها لوجه الله ، كلما سأل سائل عنها قيل * عين مشرية * ..
أوت إليها أفئدة ، بنت ، زرعت ، أنجبت ، ها هي َ اليوم الأم التي تحضن أبناء القصور وأبناء الخيام ... السمفونية هنا أمازيغية عربية تأخذ بالألباب والحركة جد لينة والأذن جد مستمعة .
تشم في الشيوخ المتحزبين بأحزاب الله رائحة تقي الدين الهلالي الذي رعى هنا الغنم ليرعى بعد ذلك البشر .
تجذبك مساءات الأربعاء وأنت َ ترى شاحنات المستر جاك محملة بكل ما خف وثقل، طوابيرها لا تكاد تنتهي ، الوجوه التي تقودها تتقطر عرقا ، عاملة هي َ ناصبة ، تحمل كل قساوة المكان .
الشباب هنا يحاول الظهور كأبناء وهران بأي طريقة ، لكن الصوف الأصيل يغرس جلابته في الصدور والزربية تقاوم كل ذلك التيار البارد الذي يتسرب إليك من عمق الأرض .
كرة القدم لا تزال كرنفال أبناء المشرية الأسبوعي ، الكل يحكي عن روعة اللقطات التي مرت أمام عينيه ويرافع عن ذاك الذي ارتكب خطأ كلفنا هدفا في الدقائق الأخيرة .
أما سهرات الأعراس فقد كانت أشبه بتنويم مغناطسي ّ ٍ لعينيك وسمعك وقلبك قبل أن تغزو َ نفايات الديسك جوكي أفراحنا وتفجر كل شيىء .
منذ ثلا ث عقود كنا أبناء بيت واحد ، نعرف بعضنا كما نعرف أولادنا وعدد الركعات . اليوم يلزمك هاتفا محمولا لتسأل عن عزيز يسكن أطراف المشرية بعد أن مات والداه وقـُـسِّـم الميراث .
تدهشك اليوم أملاك غريب حط من السماء بنظارتين سوداوتين ، يدهشك اليوم أن تراه يأمر وينهى ويبصق أمامك كأبقارنا في الزمن الماضي والتي كانت توسخ المكان .
ألِـفـْـنا اليوم مشهد سكير يحمل خنجرا ويصيح بأعلى صوته -غادي نخلطها -.
أنواء الخريف هنا مثل البترول ، إن كررت ْ خيراتها إلى الشتاء تأت ِ أنعم الله من كل حدب وصوب .
قد تستغني عن البطاطا إن ِ الكمأ ُ تفرق في الأرض وبت تراه على ضوء القمر .
الجنازة ما زالت لحظات صمت وتجديد للروابط مع الله على الأقل للأصول..
الآن السلع ذات العلامات الغربية تدخل منزلك من أوسع الأبواب .
اللحم الغنمى ّ ُ الذي كان يحمل رائحة الشيح في السبعينات أخفت اليوم شحومه عظامه ولحمه ، غدا أشبه بلحم خنزير و قهوتنا افتقدت الإكليل لتذهب بركاتها .
تجتاحنا اليوم تغيرات البورصة حتى في مساجدنا ، تأسرك الأشياء لتصبح عبدا للكل . كم هو فظيع أن ترى صوفيا الآن في طرقاتنا يحدث نفسه من هول الذي يحاصره ...
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د/محمد إياد العكاري
