جيراني ... ماأنقى جيراني
نعيش نحن أبناء الموصل على ارضها من أصول شتى ففينا العربي والكردي والتركماني والشبكي وفينا المسلم والمسيحي واليزيدي والصابئي
وعندنا مساجدنا وكنائسنا ومزاراتنا ، ويوم ان كنا صغار كنا نستمع في حاراتنا القديمة لغات عديدة، ، ولم يمض يوم في حياتي لم أردد فيه اسماء مثل ، جرجيس وحنا وكاكه ودلشاد وهي أسماء لزملاء في المدرسة أو جيران في الازقة الضيقة ، وكنا ونحن نلعب في الشارع أو نتجمع في دكان أبي الذي يبيع الحلويات يشارك بعضنا بعضا" في البيع
وأثناء غياب والدي كان صديقه المسيحي ( آدم ) يبيع عنه ، ويدير له المحل ويتولى خدمة الزبائن بل حتى انه يتولى تنظيف المحل،
ولم يحدث أن تساءلت مامعنى مسيحي ، الا حين يذهب ابي الى المسجد ويبقى صديقه كنت اقول لماذا ياعمو لاتذهب معه فيجيبني بلغة طفولتي
انا مسيحي وفي بيتنا اصلي مع اولادي
كبرت وانا اظن ان كل مسيحي يملك جامع في بيته .... ولم اتفاجىء حتى عندما علمت الحقيقة
وكانت والدتي تراني مع صديقي الكردي (هوشيار) والمسيحي (فادي)... أخوة... فتطعمنا من صحن واحد وقد انام في بيوتهم ظهيرتي حين اعود من المدرسة وامي مغادرة بيتنا
فانا انسان ولدت وفي يقيني ان كل البيوت في العراق .... بيتي
وكل انسان هو أنا فالمحبة كانت عندي سلوك فطري ... هكذا لقنتني امي رؤيتي
كانت أمي تزور صديقاتها وهن زوجات المسيحيين وكن يزرنها أيضا، وكنت أرافق أمي وهي تحمل الورد والحلاوة في يدها ولسانها فهي تصنعها بيديها وكنا نبكي حين نزور طفلا مريضا او شيخا عاجزا هده المرض فاقعده وايضا ياتي وقت الصلاة ........... فتقوم امي تؤديها ولايرافقها منهم احد
وايضا اتسائل لماذا لاتقومون
فيقولون
سنصلي في الكنيسة قرب بيتنا
فاتعجب
فأقول عن هؤلاء انهم .... يتكاسلون
ولم استطع ان اقول ان هؤلاء قوم لايصلون
وفي إحدى المرات رافقت أبي وطلب أن أجلس في صمت فلا اتكلم مهما رأيت، وألا أتكلم مع احد ايا كان ولم ادري أنه ذاهب إلى كنيسة فقد توفي ولد أحد اصدقاءه بعد ان احترق بيته
ذهبت وجلست واندهشت ووجهي مطأطأ في الأرض انصياعا" لاوامر ابي ، وسمعت ترانيم ولم أكن أعرف ماتعنيها تلك الالفاظ التي تمايلت معها طربا" لعذوبتها ، ولم أفهم مالذي جرى لكنها دموعي هي التي جعلت الجميع يصدق اني ابكي ذلك الطفل الذي رحل الى ربه
وكانت الدراهم التي وضعها ابي في صندوق الكنيسة شاهد على اغاثة المسلم لجاره الملهوف المفجوع في ماله وولده
وحتى تلك اللحظة لم أعرف معنى أن يكون الإنسان مسيحيا أو مسلما" ولا الفرق بين مشاعري تجاه الاثنين ، فالكل يرحل الى الله , والله هو رب الاخيار ورب الاشرار
وتلك الترانيم هي من جعلني اكتب كتابي ...( أنجيل المسلمين ) افصل فيه حقائق طفولتي عن اباطيل كهولتي لاعلن للناس جميعا" ان مسيحية بولص لاتعني المسيح
.................
.................
..................
.
اليوم وقد صار عمري اربعين
جاء أحد الجنود
ووجدني ألعب في الشارع مع الاطفال الانقياء الابرياء من احفاد اصدقائي اولئك ،وكانت عينيه لاتفارقني حين آوي الى مساكني القديمة في زقاقاتنا الضيقة واتلوا واعظا" في مساجدها وكنائسها
استوقفني هذا الجندي ......... وسألني عن أبى وأمي
ماهما
مااسمهما
ماقائمتهما
فعنده الناس يقيمون وفق مااختاروه في صندوقه السحري .... الانتخابي
وحين بدا واضحا" له تلعثمي وعدم استطاعتي في اجابتي
قال قولته المشهورة
(مستنكرا):
ألا تعرف أن هذا قائمته كردستانية وذاك قائمته أئتلافية وذاك من الليبراليون العرب وهؤلاء من السنة
قلت اتعني
ان هذا مسلم وذاك مسيحي وهذا عربي وذاك أعجمي
قال ... لا... لا...
لاتحدثني عن الاقلية وصراعها مع الاغلبية
وهنا احسست بفوضى الانتماء , قلت في نفسي
كيف لي بعد اليوم ان ألعب مع الصغار اوحتى الكبار او معهما، وحين ستعرف أمي ان هوشيار صار في مكتب الوزير ومعه فادي وقد صارا مفدرلين ......... هل ستقبل أمي ان العب معهما بعد اليوم ؟
بالتاكيد سترفض لاني اعرفها كم هي تخاف علي....؟؟؟
خصوصا" انها تسمع كل يوم عن انفلونزا جديدة آخرها كانت من حصة الطيور !!
وهداني الله الى الحل قلت:
إن أميهما صديقتان لأمي،ووالديهما كذلك فاسرعت اليهم ودخلت منازلهم
فما وجدت سوى سراب ... لقد رحل عن دنيانا من كنت وابي وامي نزورهم وبقيت ذكراهم في خاطري فقط ,, وحتى الذكرى هي عند غيري تعاني سكرات موتها
لمن اذهب اذن ؟؟؟
أأذهب الى ذلك الجندي ؟؟؟
وهل تعتقدون انه يملك الحقيقة ويملك ان يفتيني في امري ؟؟؟
والله انا في قلق , فهل فيكم من ينفس عني كربتي... نفس الله عنه كربته في الاولى والآخرة
أرشدوني من يكون هذا الهمام ........... ارشدكم الله
حلاوجي الموصل الضجرة المضجرة
ليلة القدر – رمضان 1426
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خليل حلاوجي
