السَحَرْ
ــــــــــــــــــ
ساعة من ساعات الليل ما بين البُهْرة والفجر ، تطير بالعاشق طيرة فوق الدنيا ، في ليل داج وسماء ذات أبراج ،،، أقمار زاهرة منيرة ، ونجوم مضيئة كثيرة ، وشهب مذنّبة جميلة ، كأنها خليط الجوهر واللؤلؤ ،،، جمال أخّاذ يتمدد في اللب تمدد الجنين في أحشاء أمه ،،، يُعرّس في الفؤاد تعريس العسكر في الخندق .
ما أجمله ،،، ما أسْحَره ،،، ويح أمه كيف لفّق لي حبيبة من جوف هُدُوِّه ؟ ثم مَخْرَقَها عليّ ،،، سيقت لها محاسن النساء فكانت كل النساء وكانت كل الحسن ،،، كيف لا وقد جَزَر فيها القبح والعيب ، ومدّ فيها الجمال البارع أمواجا وأمواج حتى طما سحرها فأغرقني تحت أجداثه .
شعر وعظم ولحم غض ملتف !!! ألِفَ الجمال فصادقه حتى صفى بينهما الود ، يبدع إبداعه فيها ، وتبدع في كل حركة وابتسامة بدعا من الدل حتى أفرط عليّ الهُيام فصرت لا أدري أعيني أمام رأسي أم رأسي خلف عيني .
ثم آذنتني وآلت ألا تكون الأنيسة دون أن تكون الأرق ، ولن تكون الجليسة دون أن تكون الأنثى ،،، محكمة الحقوين ومن الضمور لو أردت إطباق يدي على كشحها لسَلَك لي ذلك إلا قليلا .
تجعل المرء حين يجلس إليها كأنه أسلم نفسه إلى ساحرة من الجن تعبث به عبث القط بالفأر ،،، لا أريد أن أقسم أن من يراها قد تُخامره شهوة الطلاق ، غير أن السواد الأعظم يخفي سورة العشق إخفاء السر في الصدر ، وتبقى المخامره تجوسه ما زالت السورة ،،،،، ثم ما برحت هذه الساحرة تصبّ ما فيها فيّ ، فناً بعد فن ولونا بعد لون حتى صرت الحنطة وحتى صارت الرّحى ، ولا زالت تدور مُجعجعة ولا زلت أُسحن وأُسحن .
ثم اقتربت حتى كاد قلبي يخرج من صدري ، غير أنها ضحكت مسفرة عن أسنان مصطفة كأنها العسكر ، وبياض حتى ظننت الشمس أرسلت نورها من تلكم الأضراس ! ،، وما أن قعدت حتى تنهدت وصعّدت زفرة طيبة كأن المسك عاد يخرج من فيها ،،، تارة تتكئ على يمينها وطورا على يسارها ، فتخجل لفرط ما فيها من المحاسن فتستر حسنا فينبجس آخر ، فتتدارك الآخر فينفجر غيره ،،، ولا مناص من الظهور أغيّبته أم لا ،،، تماما كالنصيف لا يزيد وجه الحسناء إلا سحرا ، وكالجبل لا يرمى بالحجر إلا زيد ثباتا .
رَشُوف ، رَصُوف ، هضيم ،،، ما عهدت مثلها قط .
رقراقة ، نَوَار ، قَذُوْر ،،، ما رأيت كمثلها قط .
بربك يا بن الغزير : هل رأيت اللّميس ؟
بربك هل عاينت : دعجاء ، بَرَجاء ، نجلاء ، وطفاء ؟
بربك هل آنست صباحة وجه وملاحة فم ، في جمال أنف وحلاوة عين ، في ظرف لسان ورشاقة قدّ ، في لباقة طبع وكمال حسن ؟؟؟
وربك أيها الحبيب : لو نسأتني بعصا ، أو دمغتني بعمود ، أو مشقتني بسوط ، وإن شئت قنّعتني بمقرعة ، أو حتى قمعتني بمقمعة ،،، لوجدتني من الذين انسلخ عنهم الحس بانسلاخ الشَوَى ،،، ولما ورثتَ إلا الإجهاد ومن وراءه إجهاد !!! .
بربك هل طروقتك التي وافتك أثناء الطنين منذ ومنذ ، كساحرة الفجر هذه ؟
أوَلست الصديق الصدوق يا بن الغزير ؟ إذن كيف تتركني صيد رماحهن ، وتُخَلّفني صريع عيونهن ، ونضيج جمرهن ؟؟؟
لأرسلنها لك ،،، على أن تعاهدني : ألا تشيب منك المَفَارق ،،، وهذا هو الشرط .
ومن شيم الكرام الوفاء بالشرط ،،،،،،،، فإن وافتك بسَحَر من الليل أكرم وفادتها ثم أعلمني بما دار بينكما ، وما إذا كانت مخضتك مخض الأعرابية اللبن ،،،،، أما أنا فأصدقك النبأ فقد مخضتني حتى ملّت وملّها المخض .
ــــــــــــــــــــــ
ملاحظة : إبن الغزير هو أحد الأحبة ، نمت بيني وبينه صداقة وود دون أن يرى أحدنا الآخر .
ــــــــــــــــــــ
حسين الطلاع