يا أبا حبر ! المشاعر طمت ، والآمال قضت وأنت تحسب أنك مخرجها من القلب لتنفس كربا ، هيهات ستبقى الأتراح والأفراح في الأفئدة كل منا يستشعرها مرارة خيبة وحلاوة ظفر دون أن تنطق أنت من ذلك غصة حزن أو نشوة فرح ، ولكن لله في خلقه شؤون ، اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على ما تحب وترضى .
أعتذر إليكِ ، ها أنا أقود القلم على السطر كما يقاد الأشم إلى ذل يدفع به ذلا أشد ، أعتذر اليك ، من نصح يفضي إلى حرقة قلب ، ثم لا يجد بعدها إلا محبوبا يمكو على أطلاله سلوة ويقيم على رماده مجالس السمر والفرح ، أعتذر إليك من نصح يستمطر سحائب فكر على جدباء لا تمسك ولا تنبت ، واعتذر إليك من اعتصاري مدادك لعمي صم بكم ....
أعتذر اليك ، نكص الصبح مُسْوَدَّ الجبين ، ووثب الليل كالحا يرمقني وأنا أتعثر فيه أتحسس يميني من شمالي ، فلا أجد قدما تفضي بي إلى هاوية تتهشم فيها روحي وحيرتي ، إني منهك القوى لا أستطيع حراكا سوى وساوس تسرجني بُراقا في غياهب أحشاء الليل لتريني في جنباته خفافيش كالجبال لها عواء يرن ويعول وكل شعرة مني أذن تصيخ ... أصرخ ، أهرب ، ، فأجدني منها أقرب ؟!
أعتذر إليك من نصح أوقعني في ما أنا فيه ، أعتذر إليك إن الغمام الذي وعدتك به أضحى سرابا ينبت وردا أغصانه صدئة ، و خده أجرد من لمحة حسن ومن نفحة عطر ، تفرق منه الفراشات ، وتعافه النحل ، وتلعنه النسائم غدوا ورواحا .
أعتذر إليك ، لا لا لن أقول عودي ، بل ارحلي بعيدا بعيدا ، لا تلتفتي ، الأرض خراب ، والغمام سراب ، صفي جناحك حيث الشمس ، و دعي السائمة في كل مكان ليس لها غاية سوى الكلأ ، وقد أَسْلمتِ القياد لذي عصا على ظهر ذي نهيق والقطيع من خلفهما تترى نحو المرعى كل شاة على إثرها كبش يتبعها ويناطح دونها .
ليسوا سواء ، ولكن الشاذ لا يعتد به قياسا ولا يتلفت إليه ساعة عظة وتفكر ، قلة قلة بقيت سوَّفت هجيرها ما بين اليوم و الليلة نقيمُ صدور مطينا ، ثم تقول غدا أو بعد غد . أما أنتِ فأنى يكون لك موطئ قدم بيننا ، و الطين وحل الخطيئة ، يا نورانية الروح ، لا غرو إن تعطلت الجاذبية معك ؛ فارتقيت تحدق فيك عيونٌ تود لو أنها جذبتك حسدا ، فكان جزاؤها أن دُق عنقها وعلى أشكالها وقعت وانكفأت وأخلدت إلى الوحل ، وعيونٌ تود لو أنها تبعتك غبطة أعناقها إلى السماء مرفوعة وأكفها تستمطر الرحمات يا رب أبلغها مأمنها وألحقنا بها في نعيم رضاك دنيا وآخرة .
ابتسمي لذاتك أنت ولتغرسي الفرحة فينا ، واكتبي لنا رسائل النور من لدنك يا ربيبة البدر ، اغيثينا من مدادك الزمزمي وأدي زكاة العلم والبيان الذي نشهد أنه عليك واجب حيث ترين تأديته .
ابتسمي ولا تحزني فالله معنا