أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الوَرْقاء

  1. #1
    الصورة الرمزية حسين الطلاع شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2008
    الدولة : الجبيل - المملكة العربية السعودية
    المشاركات : 424
    المواضيع : 89
    الردود : 424
    المعدل اليومي : 0.07

    افتراضي الوَرْقاء

    الوَرْقَاء
    ــــ
    رأيتها تجوب رحب الفضاء ،،، فدعوتها أن تحط على يدي لعلّي أتَّهِبُ منها هِبة الإلهام .
    وما أن حطّت حتى وجدتها من المَفَاخِر ، ومظهر الخِيْم الصالح ، وجوهر الندى الطبيعي ،،، ثم نظَرَتْ فطغى منها حسنٌ على حسن ، حتى طننتُ ثَمَّ[1] نعيما وملكاً كبيرا .
    فقلت لها : لم أنتِ دون السماء وفوق السحاب ؟
    قالت : لم يبق من الشِيَمِ وأشباهها إلا عراقة الأصل .
    قلت : أأعرابية أنتِ أيتها الورقاء ؟
    قالت : ولا بُدّ أن تعرف ؟
    قلت : ولا بد .
    قالت : لماذا ؟
    قلت : لأكون قد عرفت .
    قالت : وإن جاورتُ البادِيْن[2] ، فلستُ بصاحبة نجعة وانتواء ، ولا أظعن بظعنهم ، بل كما ترى أروم التطيار حيث الأنفة والحرية والإباء ،،،.
    قلت : الإباء !!! ولم التأبّي يا ذات سِحْر ؟
    قالت بِدَلّ : لأني الأنثى ، ثم غَشِيَتْها سحابة حزن ،،، فانتفضتْ طاردة ما أحزنها وقالت : لأن الوحش ليس ببعيد ، لا يجيد إلا تَغْيِيْب نابه في الفريسة يعُبّ مما تسيل فيه .
    قلت : أطربيني يا ورقاء ، وألهميني الإبداع .
    أطرقتْ ساعة كأنها تنظر في سالفٍ مضى ،،، ثم فاءت بعد أن رجعت كالوردة أصابها الريّ ،،، وما أن عَمَّها ناموس الرّقّة حتى خَلَدَتْ إلى التَرْجِيْعِ[3] بعد التأمل والإنعام ، وما اعتاص عليها نغم ،،، تالله ما اعتاص عليها نغم .
    قلت : ما لي أرى الغُنّة نهجا مسلوكا ،،، والدمع يُنفق مسفوكا ؟
    قالت : تلك أنا ، بحرٌ وسماء ،،، وهذا ما وضع اللهُ فيّ وأنشأ .
    قلت : هل وُضِعَ لكِ ضَرِيبك من التحنان ، ونَدِيْدكِ من الترجيع ؟
    ضَحِكَتْ ثم قالت : لستُ أدري .
    قلت : لو رآكِ كشاجم[4] أيتها الورقاء لترك سيف الدولة ، أو لاح شخصك لأبي المُحَسَّد[5] لقرّ في الأرض وانشغل بعنايتكِ .
    ثم انتبهت وقالت : مهلاً ،،، أطلتَ المكث وأكثرتَ التسئآل ! من أنت ؟
    قلت : أنا الذئب !!!!!!!! .
    راعتْ المسكينة وارتعدتْ ثم تأهّبت لِتَثِب ، فوضعتُ يدي اليسرى على ظهرها برفق وقلت لها : ما بكِ ؟
    قالت بصوت يتردد وخيفة تعتريها : ذئب !!! ثم اسْتَجْمَعَتْ ، بعضا على بعض كأنه الاستسلام ، فَرَقّ قلبي لها ومسحتُ رأسها بالسبابة والإبهام ،،، وقلت لها :
    لا عليكِ أيتها الورقاء ، قرّي عينا ،،، أنا الذئب ولا كذئب ! ،،، أنا ،، أنا ذئب يوسف !!!! .
    قالت بعد أن استعادت عازب رُشدها : أنت ذئب يوسف ؟؟؟ أنت أشرف الذئاب ؟؟؟ أنت البريء ؟ أنت المظلوم ؟ .
    ثم قالت : أبا سرحان[6] ،،، والله إن الله ليجعل على الكذب حقيقة تدمغه ،،، ليت شِعْري كيف جاؤوا على قميصه بدم كذب !!! وقالوا بعد أن جاؤوا أباهم عشاء يبكون ،،، لقد أكله الذئب !!! .
    قلت : يا ورقاء ،،، إنه الحسد ، ولا شيء غير الحسد .
    ابتسمت وقالت : أطعمني !!! .
    قلت بتعجب : ماذا !؟ .
    قالت : قلت لكَ أطعمني ، وهشّت على يدي بجناحها .
    قلت لها مازحا : ألا تخافي أن آكلكِ الساعة ؟
    قالت ضاحكة : بل أنا آكلك إن لم أطْعَم الساعة ،،، وبيدك هذه ! .
    ضحكتُ وقلت لها : ليس معي إلا أربعة أحرف ، هن على التوالي ( ؟ ، ؟ ، ؟ ، ؟ ) ، فإن تزودتِ بهن ، هل تبلغي عنان السماء ؟
    قالت بعد أن تأمّلت الحروف بتعجب : ( هذا اسمي ) !!! ، ويحك يا ذئب ، كيف آكل نفسي !! ؟
    قلت : ماذا ؟؟؟
    قالت : أنا روحها ! .
    قلت : وكيف ذاك ؟
    قالت : أوَ ليست الأرواح جنود مجندة ؟
    قلت : بلى .
    قالت : أوَ ليست الروح تخرج من الجسد حال نومه ، وترجع إليه ليفيق منه ؟ .
    قلت : هاه ،،، بلى .
    قالت : إذن ،،، فعلتُها .
    قلت : إي وربي قد فعلتِها ،،، وقد أُصْحِبْتِ من القرينة بما يوضح هويتكِ يا ورقاء .
    ثم أقلعت وحامت بعد أن قطعت عهدا أن تعود ،،، أما وقد تَكَلّفت العهد ، فوالذي قال لعيسى كن بلا أب ،،، فكان ،،، لتعود .
    ــــــــــــــــــــــــ
    تلك هي ( هي ) فمن عرفها فقد عرفها ومن لم يعرفها فلينظر إلى ريق القلم ليعرف .
    ــــــــــــــــــــــــ
    حسين الطلاع
    11/ يناير/ 2009 م
    المملكة العربية السعودية - الجبيل




    [1] ثَمّ أي هناك

    [2] البادين هم البدو

    [3] الترجيع هو غناء الحمامة

    [4] كشاجم هو شاعر سيف الدولة

    [5] هو أبو الطيب المتنبي

    [6] كُنية الذئب

  2. #2
    الصورة الرمزية مينا عبد الله قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    الدولة : حيث تكون روحي
    العمر : 42
    المشاركات : 2,091
    المواضيع : 110
    الردود : 2091
    المعدل اليومي : 0.31

    افتراضي

    الأديب الفاضل .. د. حسين الطلاع

    قطرات المطر .. قد تخدش جمال الحرف والكلمة هنا ، فهل أقف صامتة ؟!

    ولكن كل ما هنا يستفز الروح لتكتب لك بعض وفاء متلقي تمتع بنص الكاتب ، وعليه يقع العتب ان تصفح وهرب !!

    لغة شاعرية ، واحساس مرهف ، عذوبة تفوق عذوبة العسل ، وعبق يفوق عبق المسك ، وعطر زهر الياسمين

    صورة شعرية متهادية متتابعة لا ترهق بل تسرق الروح لتكون جزء من تلك الصورة الشعرية

    همس عذب .. وصوت مدوي ، فتارة تلف الكلمات حنو الأب واخرى تلفها عذابات شاعر يتألم من نزف الانتظار والبعد !!

    وفي النفس اشياء ممكن أن تقال ...

    ولكن ختام الكلام في مطلعه وخشيتي مازالت في النفس من ان يؤلم عزف المطر هدوء المكان هنا

    احترام تلميذة لاستاذها الكبير اسجله هنا

    وتقديري

    مينا
    أنفاسي خطواتي نحو الممات .. و ربما تبقى لي ذكريات .. هكذا علمتني الحياة

  3. #3
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    الدولة : سيرتـا
    العمر : 46
    المشاركات : 3,845
    المواضيع : 82
    الردود : 3845
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    الجميل / الطلاع

    ما أجمل هذا النص في عذوبة سرده و فصيح مفرداته و عمق حواريته .
    تبقى للحروف الأربعة وقعها على كل من يتذوق فاكهة مفرداتك و يتقمصُ دور الذئب البريء , ليتجسد في ذهن كل واحد منا ذلك الإسم الذي يحفزه على أن يبدع أكثر , لا ليرسمه متغنيا به , بل ليرسم ملامح روحه بين ثنايا حروفه .

    نص رائع بكل المقاييس و يستحق أن نسلط عليه الضوء من زوايا مختلفة .

    دمت و إبداعك ...

    اكليل من الزهر يغلف قلبك
    هشــام
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي