بين الفرس والحُجْر[1]
ـــــــــ
حار زِيَمْ[2] حتى اسودّ ليله فصار عُكامِسا[3] أسودا ، من فوقه ظُلم ومن تحته ظُلم ،،، وذلك بعد أن غابت عنه الحُجر ، وكان اسمها هِنْدَاً[4] .
فجاءت ذات ليلة تتبختر بمشيها مقوِّسة عنقها رافعة ذيلها كأنها ترقص وتترنّح ! وما هو برقص ، غير أنه الخُيَلاء .
فما اقتربت حتى قال زِيَم : ما حَبَسَ الشقراء[5] يا هند ؟
قالت بخجل : فرس آخر يا زِيَم .
قال : لعله الكُمَيْت[6] ؟
قالت : بلى ،،، هو بعينه .
قال : أما علمتِ أن غيرتي لا حدود لها ؟
قالت : تهارَبْتُ كالدخان يتهارب إلى عنان السماء ، غير أن الدخان يتلاشى وأنا أقرّ في حقيقتي .
قال : وماذا ؟؟؟ .
قالت : وماذا ،،، ماذا ؟ ،،، أنت الفرس الوَرْد[7] .
قال : كيف تركتني وآثرته ؟؟؟
قالت : وإن حبس الجسد ، فلم ولن يحبس الروح ، فليهنأ بجسد لا روح فيه ولا حياة ،،، وكم من آكل أكلة لا يكاد يسيغها ، وما حظّه من ذلك إلا تعب الحنك وتجرّع المرّ .
حبيبي أنت ،،، حبيبي زيم ،،، وإن كنتُ مع الكُميت .
قال : فماذا تفعلين إذن ؟
قالت : أغمض عيني ،،، فأشم ريحك لا ريحه ،،، وأراك أنت لا هو .
قال : إذن تغزلي بي !!! .
قالت : الساعة ؟
قال : الساعة .
قالت :
ـــــــــــ
ألا شَهْد اللمى أغرى ، فتاقت محبة ،،، وشرد محبوب
كالتمر شهوة ، وكالعسل شفاءً ، ومن أنكره فهو ،،، كذوب
فهبّتْ ريح الصبا من تلقائه ، وتواترت ،،، هبوب
فَنَثَرتْ ريّا أعطافه ، بعد أن حملتها إليّ ،،، جنوب
وأينع الصبح بعد أن بدى في فلقه ، فأينتعتْ ،،، قلوب
فجاس ما بين العظم واللحم عشقٌ ، والعشق ،،، كروب
وبُعده أعْلَق في الشَّوى فأصاب جُنُوبه ،،، وجوب
فصبرتُ على بعده ، كما صبر على بلوائه ،،، أيّوب
يحرمني الوصال حتى تكاثر في البدن ،،، شحوب
ويغتالني طيفه برواحه تارة ، وطورا ،،، يؤوب
فظننتني أوجد مُدَلّهة بم اشتعل من جَوَى ، وما ازدحم من ،،، خُطوب
وظننتني لا أتماسك حيّة ، ولو لساعة بعد ،،، الغروب
ــــــــــــ
قال : أهذا أنا يا هند ؟
قالت : هذا أنت يا زِيَمْ .
قال : وتلك الغزلية ؟
قالت : تلك ترنيمتي بِزِيَم .
قال : أحبكِ
قالت : أحبكَ
ــ انتهى ـــ
حسين الطلاع
المملكة العربية السعودية – الجبيل
19/8/2009 م .
[1] : الحصان إسم كقولنا رجل ، والخيل كقولنا بشر وهو مأخوذ من الخُيِلاء لأنها تسير بخُيلاء ،،، والذكر منه يسمى فرسا ومنه أخذ العرب لفظة فارس ، أما الأنثى من الخيل فيقال لها حُجْر .
[2] : زِيَم إسم الفرس .
[3] : العكامس هو شديد السواد بلا نجم ولا كوكب .
[4] : هند إسم عربي أصيل ،،، يعني قطيع من الخيل أو النوق تصل لمئة رأس على الأقل ، بمعنى ثروة طائلة ، ويجمع على هِنْدات ، وهو يطلق على الذكر والأنثى ،،، أما اقتصاره على الإناث في العصر الحديث فلجهالة في علم الأسماء ومن الأخطاء الشائعة .
[5] : الحصان الأشقر عند العرب هو الأحمر من غير أدنى سواد فيه .
[6] : الكميت هو الحصان الأحمر في سواد .
[7] : الحصان الورد هو بين الأشقر والكميت .