قرأتُ نصّ: "شتـاء لا شفاءَ منـه" للأديبـة ليـال، فانسكبتُ وانسكبَ شتائي !
لها، لنصّها المرهف، للشّتاء الساكن في كلّ روح، ولكلّ روحٍ مسكونة بالشّتاء، أهدي هذا النصّ ..
معَ وافر امتناني ودعـائي ..
--------
هاهي من جديد ملامحُكَ، تسترقُ النظر إليّ، وهي تستفزّ بكلّ برودٍ قطراتِ المطر النازفة على زجاج نافذتي، وكأنكما اشتركتما في زفِّ ألفِ شتاءٍِ إليّ، ودونَ أن أدري !
ألنْ تهدأَ محاولاتُكَ الدائمة – يا شتـاء - لإبعادي عنّي ؟! ألنْ ترمّمَ ولو لمرةٍ واحدة مراياكَ المكسورة، بدلَ أنْ تستمرَّ في غرسِ شظاياها بضلوعنا، بحروفنا، وبرائحة المطر !؟ أراكَ مستلقياًً، كجمراتِ الدّمع على أهدابي وهي تنثر بعضي، وبعضي الآخرُ مازالَ محبوساً بين ضلوعك !
لِمَ ياشتاءُ ؟ ! لِم تستمرّ في التوغّل حتّى بينَ حرفي وشهيقه، وتصرّ رغمَ انفلاتي من ساعاتكَ الطويلة أنْ تحطّمَ ساعاتي، أن تُطفِئَ أنفاسَها، أنْ تمسخَها وحشةً ؟! وكلّما داويتُ معصمَ الأمنياتِ من بعض الجراح، تقفُ حائلاً بينه وبينَ الشفاء، بلْ وبكفّكَ القاسية تطرد الألوانَ عن ثغري وثغره، وتملأ مدفأةَ الذكريات بالبرد !
آهٍ يا سارقَ الدفء من عينيّ ! كمْ حاولتُ أنْ أخبّئَ عنكَ لمسةَ أمّي وهي تنبتُ بكفّي الباردة، أن أخفي عنكَ حنانَ حبيبي وهو يحرسني من قسوتك، وسماءُ الأحلام تُمطِر ! أنْ أفتحَ صناديقي المقفلة، كيْ تختبئَ فيها دمعةُ أبي ! كمْ حاولتُ أنْ أُعصّبَ عيونَ الآلام كيْ تُخطِئَ الطريقَ أو تتعثّر، ولوْ لمرّةٍ واحدة في حياتها، فتتساقطَ عن عالمي وعن عالم أحبابي ! ولكنّكَ قاسٍ، تصرّ على أن يبقى حزنُنا لديكَ رهينـةً !
لو تعلمُ أيّها الشتاء المُعذِّب لأحاسيسي، الناهبُ لعالمي، يا أكبرَ من هذا المدى وأطولَ من ساعاتِ الصبر ! لو تعلمُ إلى كمْ قطعةٍ توزّعني، وأنتَ تنسلّ خفيةً إلى عظمي لتسكنََه، إلى روحي مشتِّتاً بها الفصولَ والألوان والأزمنة، وأنتَ تندسّ بينَ أوراقي الحالمة وحبْري الغافي في حضن بسمة، لتقتلَ الحياةَ ! وما كفاكَ سلالُ البنفسج التي دُستَها، ولا القصائدُ التي أبكَيْتَها، ولا الزمن الجميل الذي خنقتَه بداخلي، ولمّا يزلْ بعدُ عصفوراً يفرحُ بأجنحته الحالمـة !
ياشتائي الغاضب .. لن أركـعَ لك !
----
** وارفُ امتناني للكريم عماد عناني على الصورة .