أديبتنا القديرة الأستاذة عطاف
سعادتي بالغة بهذا الحوار الراقي
وأود أن اوضح في البداية أنني لم أكن أقصد هنا إلى الحكاية مصطلحا نحويا الذي هو:
"ترديد اللفظ الأصلى وترجيعه على حسب هيئته الأولى - غالبا -؛ حروفًا وضبطًا)
(النحو الوافي)
رغم صلته بالموضوع
وإنما كنت أرمي إلى الحكاية بمعناها العام ، كما يتجلى في قول الجاحظ في مقدمة كتابه القيم البخلاء : "
وإن وجدتم في هذا الكتاب لحناً، أو كلاماً غير معرب، ولفظاً معدولاً عن جهته، فاعلموا
أنا إنما تركنا ذلك، لأن الإعراب يبغض هذا الباب، ويخرجه من حده. إلا أن أحكي كلاماً
من كلام متعاقلي البخلاء، وأشحاء العلماء، كسهل بن هارون وأشباهه".
ففرق تفرقة بينة بين حكاية أقوال الفصحاء كما هي فصيحةً، ومن هم دونهم كما هي ملحونة لتصوير كلامهم كما هو.
وينصح في البيان والتبيين باتباع هذا المنهج في حدود الرواية والحكاية ، فيقول :
:" ومتى سمعتَ - حفِظك اللَّه - بنادرةٍ من كلام الأعراب، فإيّاك أن تحكيها إلا مع إعرابها ومخارِجِ ألفاظها؛
فإنَّك إنْ غيَّرتَها بأن تلحَنَ في إعرابها وأخرجْتَها مخارجَ كلام المولّدين والبلديِّين، خرجْتَ من تلك الحكايةِ وعليك فضلٌ كبير،
وكذلك إذا سمِعتَ بنادرةٍ من نوادر العوامّ، ومُلْحة من مُلَح الحُشوَة والطَّغام، فإيَّاكَ وأن تستعمِلَ فيها الإعراب، أو تتخيَّرَ لها لفظاً حسناً، أو تجعل لها مِن فيك مخرجاً سَرِيّاً؛ فإنّ ذلك يفسد الإمتاع بها، ويُخرجها من صورتها، ومِن الذي أُرِيدَت له، ويُذهب استطابَتهم إياها واستملاحَهم لها".
ويحضرني هنا مثال طريف لشيخ من الشيوخ الأجلاء وكان معروفا بالتزام الفصحى التزاما :
"سئلت ما الفرق بين زعيم معاصر -سماه- وبين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ،
فقلت : لا فرق إلا ان عمر بن الخطاب كان إمامْ عادلْ ، والآخر : عادلْ إمام"ْ!
فترك الإعراب حتى تتحقق المفارقة .
وكلا البابين (في النحو والأدب) لا يمكن أن يكونا ذريعة أو حجةً لتدريس العامية أو للتدريس بها.
لأنهما يتعلقان بحكاية عبارة ما ، كأن يحكي الأستاذ عبارة ملحونة ليعلق عليها مبينا الخطأ، فلو حكاها مصححة لفات الغرض.
كأن يحكي مثلا قصة المؤذن الذي لحن فقال:"أشهد ان محمدا رسولَ (بالنصب) الله
فقال أعرابي:" ويحك ماذا فعل"؟
لأن النصب جعل كلمة رسول صفة فلم تعد الجملة مفيدة.
أما عن سؤالك الكريم عن باب الحكاية النحوي فأراه مقيسا في حدوده.
كأن نقول مثلا:" قائمة التربيون"
للدلالة على طائفة مخصوصة ، ولو قلنا " قائمة التربويين " لشملت التربويين كافةً.
فليس لنا -إذن - أن نخطئ العبارة الأولى بل هي الأولى بالاستعمال.
وكذلك نقول:" فريق المقاولون"
وهو فريق كرة معروف في مصر للغرض ذاته.
ولو تحدثنا مثلا عن " قصة البؤساء" ، (وهو خطأ لغوي من المترجم لأن بؤساء جمع بئيس وهو القوي!)
فقلناها بالصواب: قصة البائسين (جمع بائس) ، لظن السامع أننا نتكلم عن قصة أخرى.
فهو قائم حتى الان ولكن في هذه الحدود الخاصة.
ومن فوائد باب الحكاية في النحو أنه يفسر لنا مجيء اسم سورتين في القرآن الكريم ،على هذا النحو:
"سورة المؤمنون" بالرفع
و"سورة المطففين" بالجر
لأن كلتيهما هكذا ورد في القرآن الكريم.
ويقاس على ذلك
لو أننا نتحدث عن قصة اسمها "الصديقان"
فنقول"قصة الصديقان"
على الحكاية كما سماها مؤلفها.
والعلماء يحكون قول الأطفال " أصفرة" في تأنيث "أصفر " في التمثيل للصوغ القياسي الخاطئ.
فهو إذن قائم ، ويمكن الاتكاء عليه في تفسير بعض الأقوال
أما التوسع فيه فلا، لأنه ليس الأصل .
والله تعالى أعلى وأعلم
.
ودمت في الحوار والجوار أديبةً سامقةً ، وباحثةً جليلة
مصطفى