.
.
.
الزنازين بين دفتي الروكي والأنديز قد خلفت صدعا في أحشاءك ,حفرته بأصابع الزمن لتنحت تواريخ ظلمهم على عمرك الماضي ..ولازالوا يتفننون في تمزيق صفحات حياتك المستقبلة .
هو حسبه أيلول الأسود الذي غبر عليك الحياة ..وماعادت تزهر خلالك , هكذا أظن ...فأنا لا أراك ..لكنيّ أسمع الأيام تثرثر عن حالك الذي لم يعد يشغل إلا ذاكرة من تعنيهم وفقط ..أعلم تماما أن فلواتك أزرقت بلون الموت وانتثر السخام على وجهك ولم تعد ملامحك تتقن التعريف بك..وأن رئتي ذكرياتك قد أصابها السل فما عادت تنتفخ كما يجب ولا تبثك نسمات وطنك ولا صوره التي أكتنزتك فيها منذ أن غادرته ..يصحبك طير الأمل .. كله كان بسبب برد الغياب عنه و لم تعد تُنفّسك أي منها إلا بألم يجرح قصبة روحك المتعبة لتنزف دم الإغتراب .
لقد مارست بشريتك لكنهم لم يفهموك مطلقا ..الدعوة إلى الله لم تكن خارج اطار الحدود الانسانية ..بل هي في صلبها ..لا أدري لمَ لم يفهموك؟؟ متى يجب على الإنسان أن يفهم الإنسان؟
ولمَ خلق وجيئ به لهذا الكوكب ؟ الذي أصبح ملبدا بغيوم حمضية تقطر سما زعافا ...لكن رغم ذلك أقول لك لاتخشَ النهايات فهي سعيدة ..حيث ينقلب البيدق ليحرز النصر بيد المباري الأجدر والأقوى والذي هو أنت لأنك تملك الحقيقة التي لايعرفون ..هكذا دوما تعلمنا الحياة أن من يبكي أولاً سيكون هو من يضحك أخرا.
لقد أصبحت لوحة توضيحية بينتْ لنا التضاريس الجغرافية الحادة لأكاذيب عدالتهم المزعومة ...و كشفتَ وجههم الشرير ..ورسمت لنا خريطة لحرية جديدة ذات دلالات حقيقية بلا تزييف.. والله لقد أبدعت فيها..فطريقها واضحة المعالم ...كله لأن الحرية معك وفي يديك ...وثمنها صدقك في زمن لايصنع إلا الكذابين ليكونوا قوادا .
الحرية ..يا رفيق الزنزانة لها معاني لن تُحصر ولن تُعد ...كل شخص سيرتب لها أثاثا وفق معاييره ليعلن عن ثورته وصراعه لطلبها ومن ثم سيرتاح مؤقتا ... بعدها سوف يطلب المزيد من صنوف جديدة لها ,والركض خلفها .. فرغباته وغواياته لن تعرف التوقف ..كلما مل من أحدها تركها .. وكله حسب مقتضى الحال وتغير المكان والزمان ....
وأما حريتك كانت مخالفة تماما لكل هذا فهي ذاتُ مستوىً وصل ارتفاعه للأقصى والأعلى من سقف تصوراتنا كلها عن الحياة ورغائبنا فيها ..أنت تقيس حريتك/أفراحك اليوم بناء على عدد الذين أسلموا على يدك في السجن..وهذا يقلل من سماجة الغربة التي تأكلك كما يأكل الصدأ الحديد ..
..بالمناسبة كم وصل العدد على أخر مرة ؟؟
أنت في الحرية ترفل وأما نحن ففي الأغلال نرسف ..لا تضحك ساخرا بي "لا جد " لا أكذب في الخارج مارست الدعوة ...وها أنت تمارسها على أعلى مستوياتها تحت أنظارهم بلا خوف ...فلقد تبدلت المعاني التي تعنيها مشهدية السجن عن سابق عهده فلم يعد يرتاده سفاكوا الدماء أوالسارقون للأوطان ..بل يرتاده الضعفاء الذين لا قبيل لهم ولا ظهر ...وأيضا من يعرفون كيفية خياطة ثوب الحرية ..وحالما يلبسونه لابد أن يلبسهم السجن ..مثلك تماما ...وحينما تريد أن تصنع ما يحلو لك وأن تصرخ في وجه الظلم وأن تتواقح عليه دون الخوف من عقابه ...
فأين سيكون بإمكانك فعل ذلك ؟؟؟
أليس في حضرته سينتهي الخوف منه ...؟
وحينما تفكر بلا خازوق ينخر دماغك...أو تريد أن تظهر للمدى كله.. بكل فكرك وأنك أنموذجا يمثله فأين سيكون بالله عليك.. جاوبني ؟؟....أليس في السجن ؟؟في السجن سيكف الظلم عن ملاحقتك لذا ستقدر على قول كل ما يحلو لك بلا أقنعة ولا تدليس ولن تحتاج للنفاق مطلقا .
ابن تيمِّيّة قد صنع جنته في سجن القلعة ..وألف فيها وعلّم المساجين وصنع عالم من الحرية المطلقة التي لاتعرف ولاترى جدران السجون .. وقد قال كلمته الخالدة :"ما يفعل أعدائي بي ؟ .. أنا جنتي و بستاني في صدري .. أين ما رحت فهي معي .. أنا حبسي خلوة .. و نفيي سياحة .. و قتلي شهادة ..المأسور من أسره هواه .. و المحبوس من حبس قلبه عن ربه".
وحتى سيدا القطب لم يصنعها في الهواء الطلق بل في سجن طرة ..؟؟ صنع حريته هذا القيتباي في ظلال القرآن ومعالم في الطريق وغيرها .. وقال لأعداءه خذوها في صدوركم كالرماح لن أتراجع على أن أقول أن الله ربي وإليه السفر إن شاء الله ..فكانت حريته على حبال المشنقة ,و لن أستطيع عد وحصر الأحرار من أغلالنا أنت تعرفهم بكل تأكيد ....لكنيّ محاولةً هنا لجعلك تبتسم وتنفرد أساريرك .
.
.
.
ضفاف أماني /انتروبيا
أماني حرب