أحبك أيها القمر :
ـــــــــ
أحبّك .
فقد دقّنِي حبك دقّ الرّحَى[1] .
فهي تدور وتدور على ما جُعِل بين حَجَريها ،،، ثم يتناثر مَسْحُوناً[2] كالهباء .
وإنّ لحمي وإن قُطِع ،،، ودمي وإن سُفِك ،،، وعظمي وإن سُحِن ، لَهُوَ تَحِلّة[3] آثامك !!! تَبْرأ به من عوالق الإقتراف .
وَيْكأنه قد رَبَض[4] بي حبّك كَهَدْيٍ[5] سِيْقَ إلى مذبحه .
وإني ،،، وإن غِبتُ عنك بوازع العقل ،،، فقد رجعتُ كرجل أصابه الجنون واسْتَعر به .
ولا يزال يعُضّني عضّا ! فليس لجميعهِ[6] إلا التهويم[7] ،،، وليس لجميعي إلا أن أقع في حِجْرك ، على أي مذهب من مذاهب الحقوق ، أكان حلالا أم كان حراما ! .
ولا لوم ،،، فقد أعْرَى[8] من عقله أنا !!! ،،، وصرتُ من الرشد براء ،،، براءة الصفو من العكر .
وبِحبّك يا قمر ما تخلّصتُ من سَوْرة[9] عشقٍ ، إلا وقَمَعَت[10] بي أخرى !!! وما نازعتك في قُرب إلا ونازعني فيك بُعدك ،،، .
فخذني يا قمر ،،، من أي قبيل جئتك .
أعشقك .
والشرع شرع مَحْض ،،، لا يزيده عالمٌ ، ولا يُنقصه جاهلٌ ، وإلا ،،، لزدتُّ في قرابين شِرْعتك قربانا !!! فأهديك دمي هَدْيا ، فتُمضي[11] شفرتك[12] لتفري[13] بها أوداجاً تحبّك .
على أن تدفع إليّ ثمني وخَدَري !!! .
فأما الثمن يا قمر : فضمّة حتى يلمس الصدرُ الصدرَ ،،، وحتى يُحْمي بحرّهِ الخدُّ الحدَّ ،،، وحتى يسرّ النَحْرُ النحرَ ،،، وحتى تُؤنس الأذنُ الأذنَ ،،، وحتى يشُمّ الأنفُ الشعْرَ ،،، فيقهر القربُ البُعدَ .
فوربّك ما هو بباهظٍ ،،، غير أنه يفوق عندي قراب الأرض ذهبا ،،، وأرض بقربها ،،، وأخرى ، حتى يجاوز الجوزاء .
وأما الخَدَر يا قمر : فبما لمى أينعها الله بفِيْك ،،، وعسل أغارَ على الرّضاب في فِيْك ،،، وكالمسكِ رُحْتُها[14] أنفاسك ، تعصف شذى من فِيْك .
فهل تبخل ؟؟!! .
فارحم ،،، وألقمني الخَدَر ، فما زلت طفلا رضيعا .
بربك ،،، أأوفيتك الحب ؟
وبربك ،،، أأحبّك من بين من أظلّت السماء رجلٌ كحبي ؟ .
إليك ،،، أيها القمر .
وسأحبّك أخرى ؟
ـــــــــــ
حسين الطلاع
13/6/2010 م
المملكة العربية السعودية- الجبيل .
[1] : الرحى آلة أو طاحون حجري تتكون من حجرين يدور أحدهما على الآخر لطحن الحب
[2] : السحن هو الطحن كالدقيق المتناهي طحنا .
[3] : هو التحلل من الشيء والبراءة منه .
[4] : هو الجلوس على الأرض ولكنه للدابة والأنعام خاصة .
[5] : الهدي هو الذبيح أو القربان .
[6] : أي لجميع الجنون .
[7] : التهويم أبعد من الهيام وهو الحب المفضي إلى الهلاك .
[8] : أي تعرّى من العقل .
[9] : هي السورة أو الحميّا أو شدة الشيء وعنفوانه .
[10] : القمع صورة من صور الطَرْق ، خاصة بحديدة ، حيث نقول قمعه بمقمعة .
[11] : هو تمرير وحزّ اللحم بالسكين .
[12] : الشفرة هي حد السكين القاطع .
[13] : الفري هو فض وقطع العروق .
[14] : من راح أي شمّ بأنفه .