في ليلة من رمضان

كانت ليلة القدر ..
و كنت في الخامسة .. طالباً في الروضة ، روضة تديرها داعيات يربين الأطفال على مبادئ و قيم الإسلام الحنيف ،خصصن سحابة ذلك اليوم للحديث في ليلة القدر ، و فضل العبادة و القيام فيها . فتعلق صدري بما سمعت، و عزمت عزماً صادقاً على أن أطبق و لو شيئاً بسيطاً من مواعظ معلماتي ، رغم أنني لم أكن صائماً يومها !!!!
تلك الليلة لم يعج بيتنا بالزوار و طلاب والدي كما العادة ، بل خلا من كل أحد إلا أفراد أسرتنا : أنا و والديَّ .
بعيد صلاة العشاء ، قصدت غرفة زوارنا الغاصة دوماً بالناس فوجدتها فارغة إلا من أبي الواقف منتصباً في وسطها ، مستكيناً في صلاته ، و قد ران الظلام عليها إذ لم تكن الأضواء منارة فلم أخف ، و أنا الذي كنت أخشى الظلام إن لمحته من بعيد لاقترانه بأوهام الأشباح لدي ، بل غشيني التأثر به ، و الخشوع لشعور روحي جليل سيطر علي منه .
وقفت وراء والدي مقتدياً به ، على أنني لم أكن أدري كيف صلاة الجماعة و لا كيف الاقتداء ، و في مقابلي نافذة تبدو منها دمشق منبسطة و قد برزت أضواؤها الشتائية الشاعرية كأنها شهب تتساقط في أفق من فضاء ، فعززت أجواء الخشوع في صدري بالمنظر الموحي البديع .
و رتلت في الصلاة ما كنت أحفظ من سور قصار ، لكنني أحسست بها كما لم أحس من قبل و لا من بعد ، أحسست بكل كلمة و كل حرف ، و رأيت معانيها و صورها متجلية أمامي ، كأنما ذهبت بي إلى عصر الرسول و صحابته الصالحين .
يومها صليت أربع ركعات كاملات ، لعلها كانت أول ركعات صليتها في حياتي ، و لعلها كانت كذلك الأكثر خشوعاً و استحضاراً في عمري كله ، شعرت فيها حين السجود بما لا أجيد وصفه على كثرة ما عرفت من مفردات و أساليب العربية ، شعوراً أبسط ما يقال فيه : إنه التجلي الإلهي ، رسالة من الله إلي أنه معي ، يراني و يسمعني ، و يعلمني أنه إلى جانبي دوماً .
كانت أربع ركعات فحسب ، أربع ركعات صليتها و أنا في الخامسة من عمري ، لكنها خلقت داخلي ما لم تخلق أحداث حياتي كلها من بعد ،
و كانت آيات قليلة ، لكنها أدخلتني عوالم ما أحسب أنني دخلتها بعدئذ ، و إن ختمت القرآن الكريم في مناسبات أخر .
أتت علي تلك الليلة عظيمة بكل ما فيها ، و استشعرت جلالتها على صغر سني ، فداخلتني نوازع التحليق في الفلك الأعلى مع الكواكب المسبحة إلهها في دورتها ، و تجردت نفسي للعزيز القدير في كلماتي و حركاتي و سكناتي كلها .
كانت ليلة لم تتكرر بأي مما فيها ، ربما لغياب صفاء الطفولة عني فيما تلاها ، و ربما لأنني لم أقتد بالإمام نفسه في غيرها ، ذلك أن والدي لم يشهد ليلة قدر في دنيانا من بعدها .

يومها صليت أربع ركعات كاملات ، لعلها كانت أول ركعات صليتها في حياتي ، و لعلها كانت كذلك الأكثر خشوعاً و استحضاراً في عمري كله ، شعرت فيها حين السجود بما لا أجيد وصفه على كثرة ما عرفت من مفردات و أساليب العربية ، شعوراً أبسط ما يقال فيه : إنه التجلي الإلهي ، رسالة من الله إلي أنه معي ، يراني و يسمعني ، و يعلمني أنه إلى جانبي دوماً


السلام عليكم أخي العزيز عبد الله
رحم الله والدك
وأدامك في كل رمضان
قصتك هذة الجميلة ربما كانت تابعة لعقد طفولتي 1,,2,,3,,4إلخ
حقا,,, كم مرة يتذكر الإنسان رائحة من الطفولة ,,إحساس جميل حميم ,,مذاق ما ,,أو أي شيء ,وعندما يحاول استحضاره ليعيش لحظات اسطورية أو خرافية من خلاله ,للأسف لا يقدر
هي لحظة واحدة كوميض برق خاطف تأتي وتذهب فورا ,,حقا مؤسف جدا عدم القدرة على استحضارها
يظهر أن بيتكم بيت مفعم بالدين والعبادات ,,,وهذا شيء عظيم
خاطرتك رائعة استمتعت بقراءتها ,,وفهمتك
شكرا لك
ماسة

الاستاذ عبدالله نفاخ

كانت ليلة لم تتكرر بأي مما فيها ، ربما لغياب صفاء الطفولة عني فيما تلاها ، و ربما لأنني لم أقتد بالإمام نفسه في غيرها ، ذلك أن والدي لم يشهد ليلة قدر في دنيانا من بعدها .

تجتمع العديد من العناصر معا لتحفر في ذاكرتنا , ذكرى لا تتكرر . فلو استحضرنا كامل العناصر , أنّى لنا ان تعيد ذلك الزمن الذى احتواها بحجم كحجم ادمغتنا ذلك الحين؟

نص روحاني بديع
سلم مدادك

تفتح من طفولتك صفحات تسحرنا فيها بلغتك الجميلة وهذا الحضور الجليل للكريم والدك الذي خلف كلّ هذا الأثر في نفس فتى غاب عنه منذ كان في السبعة وبقي حاضرا في كل أمره لعظمة حضوره في حياته يوم كان حيا

نص وقفت في محرابه أتأمل المشهد والحرف

دمت بخير

تحاياي

نعم هو التجلي الإلهي بقلب نقي وروح طاهرة
تجلى الحرف والحس والمعنى بين سطورك
تحية اعجاب للكلمة الصادقة
الف رحمة ونور لوالدك
دمت بكل الخير
مودتي وتقديري

رحم الله والدك وجعل قلبك عامرا بالإيمان دائما كتلك اللّيلة
نثريّة روحانيّة
بوركت
تقديري وتحيّتي

وقفت وراء والدي مقتدياً به ، على أنني لم أكن أدري كيف صلاة الجماعة و لا كيف الاقتداء ، و في مقابلي نافذة تبدو منها دمشق منبسطة و قد برزت أضواؤها الشتائية الشاعرية كأنها شهب تتساقط في أفق من فضاء ، فعززت أجواء الخشوع في صدري بالمنظر الموحي البديع .

رحم الله شيخنا الذي نهلنا من ينابيع علمه وأدبه

نثر جميل ممتع وأسلوب مميز في التذكر
شكرا لك أخي

بوركت

من ملف البراءة وغصن الطفولة اقتطفت لنا وريقة طيبة تحمل من الذكريات أنقاها وأتقاها حيث حفر عليها بقوة حدث لاينمحي والزمن
بلغة ماتعة وتعابير قوية وبيان ألق كنت أتابعك هنا
رحم الله والدك وجعل دربك امتدادا لما تركك عليه
ومرحبا بك في واحتك
تقديري الكبير

أتت علي تلك الليلة عظيمة بكل ما فيها ، و استشعرت جلالتها على صغر سني ، فداخلتني نوازع التحليق
في الفلك الأعلى مع الكواكب المسبحة إلهها في دورتها ، و تجردت نفسي
للعزيز القدير في كلماتي و حركاتي و سكناتي كلها .

ذكرى جمبلة لليلة عظيمة ارتقت فيها نفسك مسبحة لله في تجلي
لتترك اثرا لا ينسى طوال الحياة.
نص نثري جميل ومعبر فيه بوح الوجدان بسجية صادقة
رحم الله والدك وقدوتك ومعلمك وملهمك وملأ قلبك بالإيمان لتسير على نهجه
وشكرا لك على بوح فاض بجميل المعاني.