أسطورةٌ مستوحاة من قصة "
ليلى الدرهمية " للكاتب الكبير الأستاذ مصطفى حمزة
متعددةُ الأوطانِ أنتِ ... تمتلكين أكثرَ من جواز مرور لقلوب الناس. يا أيقونة الجمالِ من أحق منكِ بجوازِ مرور الشخصيات الهامة جداً ؟ و يا سفيرة الحكمة : لستِ بحاجة لإبراز جوازك الدبلوماسي. ويا ربيبة الأخلاق العالية : استمري في أداء مهمتك الرسمية. لا تحزني يا "ليلى" أن السعادةَ لم تهبكِ جنسيتها واكتفت بمنحك حقَ اللجوء ؛ فبلادُ السعادة في الدنيا مكتظةٌ بالبُلهاءِ والحمقى ، فلا تليق بك هكذا أوطان.
طار قلبي فرحاً عندما رأيت سيدةً أربعينيةً فائقةَ الجمال تهمسُ بالبُشرى في أذنِ شيخٍ اشتعل رأسُه شيباً، قضى عمرَه كلَّه في انتظار.. قد كنتِ أنت البشرى يا "ليلى".
يا طفلتي الجميلة تدللي وانهلي من السعادة ، وتأملي وجهَ الشيخِ المتيمِ بك ، واحفظي ابتسامتَه ، وسجلي ضحكتَه .. فقد اقترب موعدُ رحيلِه عنكِ ..لا تبكِ يا ذات الربيع السابع ..فالبكاءُ ليس يليقُ بكِ الآن .. يا أيتها اليتيمة لا تنكسري وأحضري دفترَ الرسمِ والألوان ... ارسميها جميلةَ الجميلات .. وتشبثي أكثر بحضنها الدافئ الحنون .. ادَّخري من دفئها ما استطعتِ قبل أن يأتيَ موعدُ الغروب. لا أدري كيف سأواسيكِ بعد سبعِ سنين .. قطعاً سوف أبكي معكِ .. وسوف أبقى معكِ للنهاية.
مالي أراك حائرةً تتعجبين منذ انتقلتِ إلى بيتِ عمِك؟! هو دائمُ العبوسِ في وجهِ بنيه كلما رأى أحدَهم يحادثُك؟! ولِمَ الحيرةُ يا عزيزتي ؟ إنه يغار عليكِ منهم، ويخاف عليكِ من دواعي الشباب ،فأنتِ اليوم أمانةٌ في عنقه.
ما أجملَ حُمرةَ الخجلِ على وجنتيكِ وعمُك يخيرك بين المدرسةِ وبين الزوج الصالح.. ويحاولُ اقناعَكِ أن المرأةَ مهما بلغت من العلم فمصيرُها إلى بيتِ زوجها. ويعرض عليك قائمةَ الخاطبين .. شعرتُ بدقاتِ قلبك تتسارع ورأيتُ ابتسامةً تملأُ وجهَك عندما سمعتِ اسمَه من بين الخاطبين. لم يغادر طيفُه خيالك منذ التقت عيناكِ بعينيه، وارتسمت ابتسامتان بريئتان على وجهيكما. هل لاحظ عمك ما لاحظتُه أنا، فأسهب في الحديث عن المهندس "سعيد" وعن دينه وأخلاقه وثروة أبيه المقاول الكبير. أعاد عليك أسماءَ الخاطبين وخرجتِ مسرعةً من الغرفةِ عندما ذكر اسمَه.. وكان هذا إيذاناً باختيارك له.
انتقلتِ سريعاً إلى بيتٍ صرتِ أنت سيدته .. حقاً يليقُ بك.. عشتِ السعادةَ بكلِ تفاصيلها .. وتذوقتِها مُرَّكزةً مع رَجُلِكِ الحُلمِ الجميل .. أردتُ أن أوصيكِ ككلِ مرة ولكني لم أشأ أن أوقظكِ من حلمكِ الجميل .. عيشي الحلمَ يا ليلي بكلِ الحواس .. وادَّخري ما يفيضُ من سعادتِك ؛ فالأيام حبلى بالمفاجآت.
كالطفلةِ كنتِ على ذراعيه وهو يطوفُ بك أرجاءَ الغرفة بعد عودتكما من زيارةِ للطبيبة. هل كان يعلمُ أنه لن يكونَ هنا ، فتعجل أن يحملَ وليدَه وهو بعدُ جنين؟ ثقل حملُك واقترب موعدُه مع الحياة ..واقترب موعدُ أبيه مع الموت.. لا أريد أن أنكأَ جراحَكِ وأذكرَك بتلك الأيام.. يكفيكِ ما دفعتِ من الحزن والألم ثمناً لسعادةٍ مضت ولن تعود.
وضعتِ مولودكِ فتلقفته يدَيْ جدتِه الثكلى وجدِّه المكلوم ... وبقيتِ وحدكِ بين اليقظةِ والنوم ، تستشعرين قُبلةً على جبينك المُعرَّق وأخريين على يديكِ الواهنتين.. ناديتِه فأجابكِ في حُلمٍ سعيد.
"محمدٌ" يا صغيري أوصيكَ ب ليلى خيراً .. كن لها ابناً وأباً و أخاً..وكن صاحبها في رحلة الحياة .. وإذا رأيت قيساً يوماً فقل له: عذراً ابتعد ، فأنا رجُلُها.