مستندة على قصة حقيقية حدثت هذه الأيام بتصرف
الخبر لم ينزل كالصّاعقة , بل نزل كالصّقيع , لم تكلّف نفسها عناء التّصنّع والتّمثيل كما يفعل النّاس عادة في مثل هذه المواقف , دخلت عليها غرفتها في الحي الجامعي مهرولة , وقفت أمام سريرها بينما كانت متمدّدة وممسكة بدفتر تقلّب أوراقه , قالت لها بكلّ برودة : أمّك ماتت , لم تكن أمّها مريضة , ولم تدخل عليها أيّة زميلة غرفتها منذ أن سكنتها , هذه أقرب صديقاتها وهي من بلدتها في أقاصي الشّرق , وهذه أولى سنة جامعي , تلتقي بها أحيانا فقط في المطعم , في حين انغلقت هي على نفسها ولم تألف الوضع سمعت عن صاحبتها أنّها بدأت تسلك سُبُل الإنحراف وصارت تخرج مع أصحاب السّيارات الّذين يقصدون بوّابة الحي الجامعي , وتبيت أحيانا خارجا , أحسّت ببرودة المكان ولم تكن تتوقّع أبدا هذه الفتاة الصّغيرة النّحيلة أنّها ستجد الحياة هنا بكلّ هذه القسوة , قضت ليالي طويلة تبكي وحدها في غرفتها وتتذكّر البيت والعائلة , كل شيء تغيّر فجأة والأغرب هو تغيّر النّاس , كل ماتراه من أشخاص عبارة عن أجسام فقط , وأجسام باردة , هبّت العواصف , وتجمّدت العواطف , لم يعد أحد يسأل عن أحد , عادة يتقارب الغرباء حين يبتعدون عن الأقرباء , لكن حتى هذه غابت ولم تجدها , لم يتوقّف الثّلج عن النّزول منذ أيّام واكتست قسنطينة حلّة البياض مثل أغلب المدن الجزائرية , وانغلقت الطّرقات وانعزلت بعض المناطق , وصار الذّهاب الى بلدتها مستحيلا , فلم تستطع توديع أمها ورؤيتها النظرة الأخيرة , ولم تحضر الجنازة , كتمت في صدرها الكثير من المآسي وتجرّعت كؤوس الحرمان والغربة طويلا , لكن ليس بهذا الحجم , أحيانا تتجمّد الدّموع ولا تبرح محاجرها عند هول المصائب , وبعض النّكبات لا نستطع تحمّلها بمفردنا , ويجب أن يحملها معنا الآخرون ولو كانوا غرباءا , لكنّه الصّقيع أصاب الجميع , في الأيّام واللّيالي الباردة يبحث النّاس عن الدّفء ولا أحد يُمكنه الخروج , وبعدما توقّفت الثّلوج عن النّزول وطلعت الشّمس بين البياض , اقتحموا غرفتها بعدما افتقدوها ولم يجدوا لها أثرا أو يسمعوا لها صوتا , وجدوها على سريرها جثّة هامدة , وجسما باردا