أحدث المشاركات
صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 23

الموضوع: بابل ... " مسرحية "

  1. #1
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,142
    المواضيع : 253
    الردود : 5142
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي بابل ... " مسرحية "

    بابل ..
    " مسرحية "


    بهجت عبدالغني الرشيد

    .................................................. ..

    شخصيات المسرحية :
    نبوخذ نصر ملك بابل
    آشور بانيبال الملك الآشوري صاحب المكتبة
    أشخاص آخرون


    ****************************************



    صوت عبر الزمان : هلمّوا إلى بابل العظيمة .. هلمّوا .. فإن خطباً ما قد حلّ فيها ..

    حوّلوا أنظاركم إليها ..





    المشهد الأول


    المكان :
    ركن من أركان حدائق بابل .
    هذا الركن هو مكان نبوخذ نصر المحبب ، أثناء قيظ النهار .. نبوخذ نصر ملك بابل يجلس وعليه مسحة من قلق .. وتجلس زوجته الملكة أمييهيا إلى جانبه .. لا شيء هنا يقطع الصمت سوى زغردة العصافير ، وخرير الماء الذي لا يبرح يتدفق من النافورات ..
    تناول أمييهيا نبوخذ نصر كأساً ..

    ـ سوف يصل ..
    ـ لقد تأخر ..
    ـ قليلاً .. سيأتي ..
    ـ قلقي في ازدياد .. إن هذا الأمر يجعلني ...
    صوت أحد الحراس : افتحوا الأبواب .. فها هو الملك ( آشور بانيبال ) يقدم في موكب مهيب.
    بعد لحظات يدخل آشور بانيبال .
    آشور بانيبال : تحية الإله لملك بابل نبوخذ نصر ( يشير بيده محيياً ) .
    نبوخذ نصر : أهلاً .. أهلاً ومرحباً بالملك المبجّل ، العالم الأديب ، والقائد البارع ، صاحب المكتبة العظيمة ..
    آشور بانبيال : مرحباً .. مرحباً بالذي بنى للعالم أعجوبةً من عجائبها .. حدائق بابل المعلقة .. التي تدخل الفرح والسرور إلى القلب .. إن جمالها وروعتها الخلابة يا سيدي ليحيل كآبة الصحراء إلى حياة متدفقة ، وخضرتها الدائمة تجعل الإنسان يعيش جنة أرضية رائعة ..
    نبوخذ نصر : وما هي حدائق بابل أمام ما جادت به عقول مفكريكم ، وما أنتجت يراع أقلامكم .. من علوم ومعارف .. واني لأعجب من صبرك يا سيدي في جمع النصوص من كل أرجاء البلاد .. أوه .. إنها تحتوي على الآلف الألواح التي تحتوي على كل علم وفن .. دين ، نبات ، كيمياء ، رياضيات ..
    آشور بنيبال : ( يأخذ نفساً عميقاً ) أنظر ( إلى أحد مرافقيه ) أنظر إلى هذه الخمائل التي تخاطب الفؤاد ، وهذه الجنائن المعلقة التي شهقت لتعانق السماء في سبع طبقات متتالية، والزهور التي لونت أرضها بأفرشة محلاة بألوان الطيف الشمسي ( إلى الملكة ) سيدتي .. مبارك لكِ هذا الدلال الذي حباكِ به زوجك المبجل ..
    أمييهيا : مولاي .. شكراً على لطفك .. تعرف إني جئت من بلاد تكثر فيها الجبال والأشجار، وعندما حللت هنا في بابل المحروسة ، ضاقت عليّ سهولها وقفار فيافيها ، فعمد سيدي ومليكي نبوخذ نصر إلى بناء هذه الجنائن المعلقة التي تقترب طبيعتها من طبيعة بلدي .. ميديا .. ليزيل عني وحشة الصحراء ، ويخفف وطأة هذا الحرّ اللافح .
    نبوخذ نصر : هذا من دواعي سروري ..
    أمييهيا : شكراً يا سيدي ، هلا يسمح لي مولاي بالانصراف ؟ ( بإيماءة لطيفة
    من عينيها ) .
    نبوخذ نصر : طبعاً .. تفضلي ..
    تخرج ..
    آشور بانيبال : سيدي نبوخذ نصر، إن تلك الدعوة التي تنبأ بأمر خطير قد
    أقضّت مضجعي ..
    نبوخذ نصر : كذلك دعوتك لأعرف ..
    آشور بانيبال : يشاع بأنهم عادوا ..
    نبوخذ نصر : وتساندهم قوة عظمى .. أو هكذا يسمونها .. يا لخجل التاريخ من أولئك القوم الوحوش الذين تكالبوا على الحمل الوديع ..
    آشور بانيبال : ألم يتعلموا من دروس التاريخ أبداً !؟
    نبوخذ نصر : هذا ما يبدو .. لقد جلبتهم إلى بابل جراء أعمالهم القبيحة ، ومع هذا .. لا .. لم يتعلموا أبداً ..
    آشور بانيبال : عادوا لينتقموا .. حاملين ذاكرة آلاف القرون الماضية .. وهم يجترون أحقادهم وعقليتهم السقيمة .. يجترونها لتخريب الأرض ..

    صوت : كان ذلك في الماضي .. واليوم عادوا يا صاح .. بثوب جديد .. وكذب جديد .. عادوا في وضح الصباح .. لقد عادوا ونحن ننظر إليهم .. عادوا من جديد .. مدججين بأسلحة من حديد ..





    ستار
    لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير

  2. #2
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,142
    المواضيع : 253
    الردود : 5142
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي

    المشهد الثاني


    المكان : بابل .. قاعة استراحة ..
    يجلس نبوخذ نصر معه آشور بانيبال .. يدخل خادم حاملاً شراباً ، يسقيهما ثم ينصرف ..

    نبوخذ نصر : يا لهول هذه الأخبار التي سمعتها .. لقد أحسست .. أحسست وكأنّ ( يسكت ) ...

    آشور بانيبال : وكأنّ السماء قد أطبقت على صدرك .. أجل .. هو ذا نفس الشعور الذي انتابني .. إنها توحي بأن كل ما بنيناه بدمائنا وأجسادنا وأموالنا قد تهدم .. في لحظة ما قد تهدم .. يا إلهي .. أكاد لا أصدق .

    نبوخذ نصر : ولكن أتساءل .. أليس في الأمر .. ربما .. شيء من المبالغة .. أقول ربما .. فما استطيع تصديق ذلك ..

    آشور بانيبال : لا أظن ذلك .. إنها تنبأ عن كارثة ما قد حلت .. يا إلهي ( بصوت خافت وحزين ) لا أحتمل ذلك ..
    سكوت في أرجاء القاعة ..

    نبوخذ نصر : أترى أيها الملك المبجل من الحكمة أن نجلس هنا ونستمع ، وكأن الأمر لا يعنينا ..

    آشور بانيبال : وماذا ترى أن نفعل يا سيدي ؟

    نبوخذ نصر : أن نخرج .. نذهب ..
    آشور بانيبال : إلى أين ؟

    نبوخذ نصر : خارج القصر حيث تجري الأحداث ، لنرى عن كثب ما يجري هناك ..

    آشور بانيبال : نخرج .. خطر ، ألم تسمع ما قالوا ؟ حتماً سوف نتوه وسط الناس والأحداث ، ولا يدري أحد ماذا يحدث بعد ذلك ..

    نبوخذ نصر : يا إلهي .. أأجلس هنا في القصر كما النساء ، حتى النساء يا صاح لتأبين المكوث في البيت بعد هذا ..

    آشور بانيبال : وما عسانا نفعل ؟ يبدو أن هذا الزمن ليس زماننا ..

    نبوخذ نصر : لا أدري ماذا وكيف سنفعل .. ولكن لن أدع الشعب الذي ولد الحضارة وعلم البشرية كيف يكتب ويَخُط .. لن أدع هذا الشعب يطاله الخراب والموت .. فلا بد من أن هناك شيئاً ما نستطيع فعله .

    يدخل جندي مسرعاً وهو يلهث ..

    الجندي : أيها السادة .. أيها السادة .. تعالوا وانظروا .. أنظروا .. أوه .. يا إله السموات .. حدائق بابل .. حدائق بابل ( يلهث ) تحترق.. مكتبة آشور .. ( يشير بيده إلى الشرفة ) تعالوا وانظروا.. يا إلهي ...

    ينتفض نبوخذ نصر من مجلسه مذعوراً ، يتجه نحو شرفة القصر ، يلحقه آشور بانيبال .. ينظران من الشرفة ..
    نبوخذ نصر : ( يجثو على ركبتيه ) أنظروا .. يا إلهي .. أنظروا .. ماذا حلّ ببابل العظيمة .. أنظروا إلى حدائقها ( يبكي ) .. ساحاتها .. بيوتها .. أنظر يا صاح كيف الدخان يتصاعد من أرجائها لتعانق السماء .. أنظروا إلى هؤلاء الجنود المدججين بالأسلحة والحديد فوق حدائق بابل المعلقة كيف يشوهون كل ما تطاله أيديهم القذرة .. يا إلهي .. أنزل عليهم لعناتك من عليائك ..

    آشور بانيبال : يا إله السموات .. أتباد حضارة بكاملها .. ولكن ( يقولها وكأنه رأى شيئاً جديداً ) ما هذا ؟ ما الذي يفعله أولئك القوم ؟ كتبي .. ألواحي .. مكتبتي ( يصيح ) ماذا يفعلون !؟

    نبوخذ نصر : ( بحزن وأسى ) ماذا يفعلون .. يحرقون المكتبة ويرمون كتبها وألواحها في النهر .. أما قلت لك أيها الملك من الخير أن نذهب قبل أن تحلَّ الكارثة .. فانظر أية كارثة وقعت ..

    آشور بانيبال : ( بأسى ) إلى أين ؟ لا جدوى .. لا جدوى ..

    نبوخذ نصر : ( بحرقة ) إلى هناك ( يشير بيد إلى الخارج ) إلى هناك .. حيث شعبي وحضارتي ..

    آشور بانيبال : ( باقتضاب ) إلى هناك .. حتى تعاين الأحداث عن كثب .. لن أدع شعباً ولد الحضارة يطالها الموت .. وكيف ستفعل ذلك ؟

    نبوخذ نصر : كنت سأمنعهم كما منعتهم دائماً ، فليس هؤلاء الأوباش أول من تغريهم خيرات بلادنا فيغزونها.. لطالما حميت البلاد من الأعداء ، ولن أُعدم الحيلة اليوم على حمايتها ( يقولها بشيء من الثقة ) .

    آشور بانيبال : يبدو أن الناس في الخارج يا سيدي لا يهتمون لأمرنا .. أجزم أنهم لا يعرفوننا حتى .. ربما قرؤوا عنا في كتب التاريخ ، لكن من يأبه بالتاريخ ، أيها الملك .. إن قروناً طويلة تفصلنا عنهم .. قروناً كان فيها شعوب وملوك وأحداث .. قروناً طويلة أيها الملك فمن يأبه ؟

    نبوخذ نصر : ( بحزن ) أحقاً ما تقول ؟ أحقاً إننا نُسينا في أوطاننا ، ولم يعد لنا ذكر فيها ولا ذاكرة .. هل مسحوا ذاكرة التاريخ ؟ أوه .. ما أشد أوجاعي وأحزاني ..

    آشور بانيبال : ( يشير بيده إلى الخارج .. بصوت حزين باكٍ ) إنهم يحطمون كل شيء .. لقد مزقوا الكتب ورموها في دجلة ، وسفكوا دماء شعبنا على ضفافها .. فامتزج لون الحبر بالدماء .. دجلة التي شربنا ماءها صفواً وقضينا أوقاتاً رائعة على ضفافها .. آه .. كم كنت أسبح فيها وقت صباي .. أظنها اليوم تحمل ذاكرتنا أيضاً .. أنظروا .. ( يستعيد هدوءه ) ولكن لا بأس .. لا بأس .. إنها وفية .. وفية بما يكفي ليحمل ذاكرتنا إلى الأجيال القادمة ..

    نبوخذ نصر : ولكن يجب عليّ أن اذهب إلى هناك .. إلى هناك .. حيث شعبي .. فرحي .. ألمي .. طفولتي .. شبابي .. كهولتي .. وقبري ..

    آشور بانيبال : ولكن إن ذهبت يا سيدي فلن تنجو .. لن تنجو أبداً ..

    نبوخذ نصر : وماذا عساه يحدث .. أموت .. أُقتل .. يا صاحبي لقد خضت غمار الوغى كثيراً ، واقتربت من الموت كثيراً .. لكني أرى اليوم أن الموت أهون من رؤيتي حدائق بابل تحترق، ومكتبة آشور تباد .. أهون بكثير ..

    صوت : صدقني يا صاح .. صدقني .. هناك .. حيث تريد أن تذهب .. هناك شيء آخر أمرّ من الموت وأقسى منه .. هناك شيء لا تستطيع تحمله .. شيء أَهول من الموت ..




    ستار

  3. #3
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,142
    المواضيع : 253
    الردود : 5142
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي

    المشهد الثالث



    المكان : العراق في الواقع ..
    الزمان : صبيحة يوم من أيام 2006 م .
    أصوات طائرات الاباتشي تسود الأرجاء .

    نبوخذ نصر : لا شيء غير طبيعي ، سوى هذه الأصوات المزعجة .. تراها من أين تأتي ؟

    آشور بانيبال : لا أدري .. لكن انظر إلى السماء فهناك أشياء طائرة غريبة ..

    نبوخذ نصر : ( باستغراب ) أشياء طائرة ( ينظر في السماء ) يا إلهي .. ما هذا ؟

    إنفجار عنيف يهزّ الأرجاء .. الدخان يملء المسرح .. تختفي معالم الحياة .. جثث .. جرحى .. خراب..
    أصوات : يا إلهي ..
    إسعاف ..
    ماذا حدث ..
    لا يدي لقد قطعت ..
    إنه ينزف ..
    إنني اختنق ..
    إبنتي .. أين أنت ؟ لماذا لا تجيبين ؟

    الأصوات تتداخل والفوضى تعمّ المكان .
    آشور بانيبال : ( وقد علاه التراب ) ما كان ذلك ؟ يا إله السماوات .. ما الذي يحدث ؟ ألم اقل لك.. ( ينظر يمنة ويسرة باحثاً عن نبوخذ نصر ) نبوخذ نصر .. سيدي .. أين أنت .. أين ذهبت ؟

    نبوخذ نصر : ( ينهض من الأرض وذراعه ينزف ) أنا هنا .. آه .. ذراعي ( بتوجع ) ..

    آشور بانيبال : ( بهلع ) إنك لتنزف يا سيدي .. قف هنا .. إنتظرني سآتيك بحكيم ..

    نبوخذ نصر : ( يمسك آشور بانيبال من ذراعه ) لا .. لا بأس .. أنا بخير .. ولكن .. آه .. هناك من يحتاج إلى المساعدة ..

    آشور بانيبال : نحن في الزمان والمكان الخطأ .. فهلا ذهبنا من هنا قبل أن تحل كارثة أخرى ..

    صوت طفلة تئن وسط الدخان .

    نبوخذ نصر : وهذا الصوت البريء .. كيف لي أن اتركه ؟ لا .. إذهب أنت إذا أردت ، أما أنا فلا أزال أنافح عن شعبي حتى آخر رمق ..
    يتحرك نبوخذ نصر نحو الصوت .. طفلة ملقاة على الأرض تئن .. الدماء تغطيها .. حقيبتها المدرسية تمزقت .. ودفتر الرسم رسمت عليه الدماء لوحة مأساوية حزينة ..

    نبوخذ نصر : ( يضع الطفلة بين ذراعيه ) أي بُنيتي ما الذي أخرجك من البيت ؟

    الطفلة : ( بصوت خافت منقطع ) يا عم .. لقد كنت ذاهبة إلى المدرسة ..
    نبوخذ نصر : المدرسة !!

    الطفلة : اليوم أول أيام المدرسة .. لقد .. آه .. أشعر بشيء يحترق داخلي .. المدرسة .. لقد اشترت لي أمي كل ما أحتاجه .. ملابس .. أقلام .. دفاتر .. ألوان .. آه .. لم تنس أن تشتري دفتر الرسم ..

    نبوخذ نصر : هوني عليك يا ابنتي .. هوني عليك ( ينظر يميناً ويساراً ) النجدة .. هلا يأتيني أحدهم بطبيب .. طبيب ( يصيح ) .

    الطفلة : آه .. كم كنت أحب الرسم .. رسم الشمس وهي تشرق من خلف الجبال أو من وراء البحر .. يا عم .. آه .. إن الآلام لتزداد في أحشائي حتى أكاد لا أطيق الكلام .. يا عم .. هل تحب الرسم أيضاً ؟ هل رسمت الشمس وهي تغرب أو المطر وهو يتساقط على المرج الأخضر أيام الربيع .. آه .. لكم كنت أتمنى أن أُري معلمتي رسوماتي .. يا عم هل ترسم أنت أيضاً ؟

    نبوخذ نصر : ( بكاء شديد ) نعم أحب الرسم .. لقد رسمت من قبل حدائق بابل .. طبيب .. ألا يسمعني احد ؟ طبيب ( يصيح ) .

    صوت من وسط الدخان : طبيب ( يضحك بصعوبة ) توسل إلى الله أن لا تأتيك الأمريكان .. يريد طبيباً !!

    الطفلة : حدائق بابل .. أوه .. إنها جميلة .. بل رائعة الجمال .. لقد رأيتها ذات مرة في كتاب .. إنها من عجائب الدنيا السبعة التي مُحيت ولم يبق لها أثر .. لكنها جميلة .. جميلة حقاً .. هل أنت من رسمها ؟
    نبوخذ نصر : يا إله السماوات .. طبيب ( يصيح ) .

    الطفلة : يا عم .. يا عم .. هل رأيت أمي .. لقد كانت هنا منذ قليل .. جاءت لتوصلني إلى المدرسة .. هل رأيتها ؟

    نبوخذ نصر : نعم .. رأيتها .. رأيتها ..

    الطفلة : ( تمسك بيد نبوخذ نصر .. تبتسم ) جيد .. جيد .. آه .. عندما تلتقي بها أخبرها بأنّ طفلتها التي أحبت الرسم كثيراً .. آه .. أخبرها أنها رسمت لوحتها بألوان دمها على لوحة الواقع السوداء .. وقل لها ألا تحزن أبداً .. فإني أشعر الآن براحة ما شعرت بها من قبل .. إن السماء لتفتح أبوابها لي ، والنور يغمرني ( تبتسم ) أتخبرها بذلك يا عم ؟ هل أعتمد عليك ؟

    نبوخذ نصر : ( يبكي ) أجل سأخبرها .. سأخبرها .. إعتمدي عليّ ..

    يسترخي جسد الطفلة .. تموت ..

    نبوخذ نصر : ( يصيح مع بكاء شديد ) لا .. لا .. يا إله السماوات والأرض .. لا .. لا تموتي .. لا .. ليس بين ذراعيّ .. طبيب .. تكلمي ( يهزها ) طبيب .. انظري إليّ ..

    آشور بانيبال : ( يدخل باستعجال من غير أن ينتبه للطفلة ) سيدي .. سيدي نبوخذ نصر .. يجب أن نذهب .. لقد سمعت أن جنوداً وصلوا .. فلا ندري علّهم من الأعداء .. سيدي ( يلاحظ الطفلة ) يا إلهي .. ما هذا !؟

    نبوخذ نصر : لا .. ( بصوت ضعيف ودموع ) لا .. ليس بين ذراعيّ ..

    آشور بانيبال : ( يجثو على ركبتيه باكياً ) يالطفلة المسكينة .. يا سيدي .. إنهم يقتلون على أرضنا الطفولة .. يا إله السماوات صبّ عليهم لعناتك وغضبك ( يصيح ) .



    ستار

  4. #4
    الصورة الرمزية عبد الله راتب نفاخ أديب
    تاريخ التسجيل : Jun 2010
    الدولة : دمشق - سورية
    العمر : 38
    المشاركات : 1,624
    المواضيع : 234
    الردود : 1624
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    رائعة بامتياز في كل شيء .......
    فنيتها ..... تصويرها .... دقتها ....... معانيها .....
    كل ما فيها ينبئ أن صانع هذه الرائعة كاتب كبير
    الأدب شريعة ربانية لا يصلح لها إلا المصطفون من أرباب القلوب

  5. #5
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,142
    المواضيع : 253
    الردود : 5142
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي

    المشهد الرابع


    ذات المشهد .. الجثث والدماء والخراب ..
    مجموعة من الرجال بينهم نبوخذ نصر و آشور بانيبال ، وعدد من النسوة يجلسون على أرضية الشارع ، تحيط بهم جنود أمريكيون ..

    الجندي : إرهابيون ( يمسك بالهيدفون الذي يتدلى من رأسه ) نعم سيدي .. لقد قبضنا على مجموعة من المشتبهين ( يتوقف قليلاً ) حاضر سيدي ..

    رجل من الجالسين : اللعنة عليهم .. لقد قصفوا المكان بالاباتشي .. لقد رأيتهم بأم عيني .. فما ذنبنا نحن ؟

    الجندي : ( متجهاً إلى المترجم ) ماذا يقول هذا ؟

    المترجم : سيدي إنه يقول إن طائرات الاباتشي هي التي قصفت المكان ..

    الجندي : ( بعصبية ) قل له أن يخرس قبل أن أخرسه بطلقة من بندقيتي ..

    نبوخذ نصر : ( لآشور بانيبال ) ماذا يجري ؟ من هؤلاء ؟ ماذا يريدون ؟

    آشور بانيبال : ( يهمس لنبوخذ نصر ) لا أدري يا صاحبي .. غير أني أرى جنوداً مدججين بالأسلحة ووجوههم أبداً لا تبشر بخير ..

    المترجم : صه .. صه .. ممنوع التحدث ..

    نبوخذ نصر : من أنت يا من تتحدث بلساننا ولكن هيئتك كهيئة هؤلاء الدّخلاء .. من أنت ؟

    المترجم : ( بانزعاج ) أوه .. أصمت .. أصمت ..

    نبوخذ نصر : ولِمَ أصمت .. ثم من أنت حتى تأمرني .. ألا تعرف من أنا ؟

    المترجم : ( باستهزاء ) ومن تكون ؟ رئيس الدولة ..

    نبوخذ نصر : أنا نبوخذ نصر ملك بابل العظيم ..

    المترجم : أوه .. تباً .. لا ينقصني الآن إلا المجانين ..

    الجندي : ( للمترجم ) ما هذا الضجيج ؟

    المترجم : هذا الرجل سيدي ..

    الجندي : ما به ؟

    المترجم : مجنون سيدي .. مجنون .. إنه يقول إنه ملك بابل نبوخذ نصر ( يضحك ) العظيم ..

    آشور بانيبال : ( للمترجم ) أنت الذي أصابك الجنون فخنت وطنك .. نعم هذا ملك بابل العظيمة نبوخذ نصر وهذا أنا آشور بانيبال .. سأجعل جنودي يسحلونك على شوارع بابل لوقاحتك ..

    الجندي : ( يتأمل نبوخذ نصر ) نبوخذ نصر ملك بابل .. قل له ( يكلّم المترجم ) لو كُنت متيقناً أنك هو لمزقتك إلى أشلاء وقِطع وصلبتك على حدائق بابل انتقاماً مني لآبائي وأجدادي الذين سباهم نبوخذ نصر إلى بابل .. يا يهواه .. ( بحقد ) سأنتقم من هؤلاء جميعاً .. سأنتقم من كل ذرة تراب .. من كل نسمة هواء .. سأنتقم لأجلك أيها الشعب المختار ..

    نبوخذ نصر : ما أرى هؤلاء إلا حاقدين يريدون الانتقام .. تباً لكم ..

    صوت امرأة من الخلف تبكي : يا الله .. طفلتي .. أين هي ؟ طفلتي .. يا الله .. يا أرحم الراحمين ..

    الجندي : ( للمترجم ) : ماذا تريد هذه المرأة ؟ قل لها أن تخرس ..

    المترجم : أنها تبكي طفلها يا سيدي ..

    الجندي : ( للمرأة ) إخرسي .. إخرسي .. وإلا أفرغت رشاشتي في رأسك ..

    يسير الجندي نحو المرأة .. يقوم نبوخذ نصر فيدفعه .. فيضربه الجندي على رأسه بالبندقية .. يسقط .. أصوات رفض .. يتراجع الجندي ..

    الجندي : أيها القذر ..

    نبوخذ نصر : ( بألم ) سيدتي .. يا سيدتي .. أين كانت طفلتك ؟

    المرأة : لقد تركتها على باب المدرسة .. يا الله .. ثم لا أدري ماذا حدث ..

    نبوخذ نصر : الرسم ! هل كانت طفلتك ... ؟

    المرأة : ( بلهفة ) أين هي ؟ أين رأيتها ؟ أستحلفك بالله.. بربك خبّرني أين أجدها ؟

    نبوخذ نصر : ( بحزن وبكاء ) نعم رأيتها .. لقد كانت بين ذراعي .. قالت لي أن أخبرك أن لا تحزني وأن أقول لك أنها قد رسمت لوحتها .. رسمتها بدمائها.. و ..

    المرأة : لا .. لا .. لا تقل ذلك ( تسقط إلى الأرض ) .

    المترجم : هيا ( يستنهض الجالسين ) هيا قوموا .. هيا .. أنت .. هيه .. قوموا ..

    نبوخذ نصر : ( يخاطب الجموع ) إلى أين ؟

    رجل : ( مبتسماً بسخرية ) إلى فندق خمس نجوم ..

    رجل آخر : إلى أين .. إلى أين .. طبعاً إلى سجن بوكا أو إلى أبي غريب ..

    المترجم : ( يصيح ) أصمتوا .. تقدموا .. تحركوا .. هيا ..

    يسيرون .. والأم لا تزال تبكي طفلتها ..

    يظهر شبحان وسط الجثث والأشلاء والدماء والخراب ..

    الأول : ( بأسى ) لقد قال له ألا يذهب ..

    الثاني : نعم .. لقد قال له ذلك ..


    أصوات رعد وبرق ..

    مطر ..
    تمت

  6. #6
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,142
    المواضيع : 253
    الردود : 5142
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي


    الأستاذ عبد الله راتب نفاخ

    شكراً لمرورك من هنا

    حفظك ربي ورعاك





    تحياتي








  7. #7
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,142
    المواضيع : 253
    الردود : 5142
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي


    أثبت هنا شكري وامتنناني

    للأستاذ الحبيب معروف محمد آل جلول

    لسعة صدره وصبره

    ولقراءته هذه المسرحية وتوجيهاته المفيدة ونقده البناء


    وإني لأعرف أن هذه الكلمات لن تعطيك أيها الأستاذ الكريم حقك من الشكر والعرفان
    ولكن هذا ما أملكه

    ودعائي




    تحياتي





  8. #8
    أديب
    تاريخ التسجيل : Sep 2008
    الدولة : أرض الله..
    المشاركات : 1,952
    المواضيع : 69
    الردود : 1952
    المعدل اليومي : 0.34

    افتراضي

    إن تلك الدعوة التي تنبأ
    تُنْبِئُ..
    أخي المبدع القدير..
    بهجت عبدالغني الرشيد
    أيها الحبيب الغالي..
    لقد عدت توا من سفر طويل متعبا..
    وقرأت رسالتك الموقرة..
    ودخلت مباشرة فوجدت هذا الثناء..
    وأنت تتحدث عن أصالة عراق الحضارة والمجد ..ولك نصيب منها ..
    وجدت ثناء لاأستحقه مقابل أشخاص في بيئتي قدمت لهم خدمات جليلة مثل "التشغيل ،والسكن /وأشياء أخر ذات مصير "وبمجرد قضاء حوائجهم انصرفوا دون توجيه أدنى كلمة شكر..
    لكنك من أرض أصيلة ،وفصيلة ألماسية تعطي الكثير لمن يشير فقط إلى القليل ..
    فما أطيبك وما أطيب أحبابنا وأشقاءنا في العراق التي يعشقها الجزائريون كما العرب والمسلمون عامة..
    وقد قرأت فقط المشهد الأول فوجدت نفسي أمام قامة أدبية كبيرة ..وعمل مثير ..مع هِنَة لغوية واحدة كلنا نقع فيها..
    وأقترح أن تتصل بالمخرجين والممثلين المسرحيين ..فعرضها جميل في العراق..وفوائدها كبيرة ..تزيد الثقة ،وتشعر بالأصالة وبعد الانتماء للأرض..وتبث الوعي..وتدفع إلى المغالبة للمفسدين..و..
    أشكرك أخي بهجت ..وسأواصل قراءتها هذه الأيام ـ بإذن الله ـ ولن أدّخر جهدا في التفاعل معها..
    وإنني لأحبك في الله ..
    ولاتدري ..فقد نلتقي يوما على أرض الواقع..
    لك كل التقدير الذي تستحق ..
    مع تحياتي لكل أهلنا في العراق الشقيق..





  9. #9
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,786
    المواضيع : 391
    الردود : 23786
    المعدل اليومي : 4.14

    افتراضي

    كنت هنا هذا الصباح عشت مع الأحداث ووجدتني مشدوهة
    حيث جذبني الأسلوب البديع والحرف الرصين والأحداث السلسة المتتالية
    والمقدرة الفائقة على صياغة الحوار بألق راق لي
    سيدي الفاضل ...
    كما ذكر سيدي معروف آل جلول أن تتصل بمخرجين وممثلين فهذا العمل الراقي جدير بأن يترجم على خشبة المسرح
    خالص تقديري واحترامي


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  10. #10
    الصورة الرمزية عبدالصمد حسن زيبار مستشار المدير العام
    مفكر وأديب

    تاريخ التسجيل : Aug 2006
    المشاركات : 1,887
    المواضيع : 99
    الردود : 1887
    المعدل اليومي : 0.29

    افتراضي

    حبيبنا بهجت
    مرور التحية و التقدير
    لقلم جمع بين صنعة الأدب و إشراقة الفكر
    لي عودة
    تحياتي
    تظل جماعات من الأفئدة ترقب صباح الانعتاق,لترسم بسمة الحياة على وجوه استهلكها لون الشحوب و شكلها رسم القطوب ,يعانقها الشوق و يواسيها الأمل.

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. في الطَّـريـق إلى بابل
    بواسطة بشير عبد الماجد بشير في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 02-02-2023, 10:16 PM
  2. الخاتم "مسرحية أكثر من رائعة أنصح الجميع بقرآئتها"
    بواسطة عدنان أحمد البحيصي في المنتدى مُنتَدَى الشَّهِيدِ عَدْنَان البحَيصٍي
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 25-07-2009, 12:31 PM
  3. مجرد""""كلمة"""""ترفع فيك أو تحطمك........!
    بواسطة أحمد محمد الفوال في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 28-05-2009, 11:27 AM
  4. هام جدا الشاحنات الصهيوني تنقل اثار بابل _ انشروه)
    بواسطة نعيمه الهاشمي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 28-12-2005, 10:30 AM
  5. نيوزويك: كسرنا شوكة أسد بابل، خليفة نبوخذنصر، صلاح الدين الإسلامي الجديد
    بواسطة محمود مرعي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 22-12-2003, 11:48 AM