ز-شعر الهجاء:
لم يكن الهجاء عند العرب في اعتبار السباب والإفحاش؛ ولكنه سلب الخلق أو سلب النفس، أو فصل المرء من مجموع الخلق الحي ووتركه عضوًا ميتًا يتواصفون ازدراءه ويحركه جسم الأمة حركة جامدة كلما نهض أو تقدم. لا جرم كان للهجاء عندهم ذلك الشأن؛ وعدوا بكاء الأشراف منه أول مكارمهم ؛ وكان السباب والإفحاش فيه مما يحيله عن أن يكون هجوًا ولا يضر المهجو شيئًا؛ فالهجاء عندهم قسمان: قسم يسمونه هجو الأشراف، وهو ما لم يبلغ أن يكون سبابًا مقذعًا، بل هو [التضريب] بين الأحساب، وتعليق الكلام على الأخلاق يمتص منها مادة الحياة؛ وقسم هو السباب، ولا يعبئون به؛ لأنه هجو المهجوين بطبيعتهم وهم السفلة؛ فليس يجنح إليه الشاعر إلا إذا عجز عن إصابة المغمز الذي يكمن فيه الألم من الموضع الصحيح. ولما قدم النابغة بعد وقعة حسي سأل بني ذبيان: ما قلتم لعامر بن الطفيل وما قال لكم؟ فأنشدوه؛ فقال: أفحشتم على الرجل وهو شريف لا يقال له مثل ذلك؛ ولكني سأقوله؛ ثم قال:
فإن يك عامر قد قال جهلًا ... فإن مطية الجهل السباب
(الأبيات "ص139 ج2: العمدة" ) ، فلما بلغ عامرًا ما قال النابغة شق عليه وقال: ما هجاني أحد حتى هجاني النابغة؛ جعلني القوم رئيسًا وجعلني النابغة سفيها جاهلًا وتهكم بي!. وذلك كقول جرير يعير الفرزدق ويعلمه فخر قيس عليه:
تحضض يا بن القين قيسًا ليجعلوا ... لقومك يومًا مثل يوم الأراقم
كأنك لم تشهد لقيطًا وحاجبًا ... وعمرو بن عمرو إذا دعوا يال دارم
ولم تشهد الجونين والشعب والصفا ... وشدات قيس يوم دير الجماجم
وقد أوردها المبرد في كتابه ("الكامل" "ص134 ج1" ) وشرحها، وعلى هذا التأويل قال يونس بن حبيب: لولا شعر الفرزدق لذهب نصف أخبار الناس. ومن الهجاء بالعادة قول ابن لسان الحمرة لرجل من بني أسد مر به: قد علمت العرب يا معشر بني أسد أنكم أشدها بياض جعور! فعطف عليه الأسدي فضربه بالسيف حتى برد. وتأويل ذلك أنه عيره بأنهم لا يعرفون البقل ولا يعرفون إلا اللبن؛ لأنهم يقولون إن الجعور قد تبيض إذا كان قوت صاحبها اللبن. وقال الشاعر يهجو ناسًا منهم بذلك ("ص75 ج2: الحيوان"):
عراجلة بيض الجعور كأنهم ... بمنعرج الغيطان شهب العناكب
وهذا وإن كان تطرفًا في الهجاء إلا أنه شائع فيهم؛ لأنهم يهجون بكل شيء حتى بأكل الكراث، كما عير به جرير عبد قيس بالبحرين ("ص81 ج2: الكامل")؛ وبأكل السخينة، وعيرت بها قريش، وبأكل لحوم الكلاب، وعيرت به بنو أسد؛ وبأكل لحوم الناس أيضًا ... وهجيت به هذيل وأسد وبلعنبر وباهلة ("ص139 ج1: الحيوان") ؛ وبكثرة الأكل، وهجيت به تميم. وكان هجاء الشريف عندهم مما ينذرع إلى هجاء قبيلته . قال الجاحظ في سبب ذلك: وإذا بلغ السيد في السؤدد الكمال حسده من الأشراف من يظن أنه الأحق به، وفخرت به عشيرته، فلا يزال سفيه من شعراء تلك القبائل قد غاظه ارتفاعه على مرتبة سيد عشيرته فهجاه. ومن طلب عيبًا وجده، فإن لم يجد عيبًا وجد بعض ما إذا ذكر وجد من يغلط فيه ويحمله عنه. ولذلك هجي حصن بن حذيفة، وهجي زرارة بن عدس، وهجي عبد الله بن جدعان، وهجي حاجب بن زرارة. وهم سادة ولهم سؤدد، وطاعة القبيلة لهم، ("ص156 ج1: الحيوان. وص237 ج10: ابن الأثير" ) ، وخبر أوس بن حارثة بن لأم الطائي حين ألبسه النعمان الحلة التي جعلها لأكرم العرب، فحسده قوم من أهله، فقالوا للحطيئة: اهجه ولك ثلاثمائة ناقة! فقال الحطيئة: كيف أهجو رجلًا لا أرى في بيتي أثاثًا ولا مالًا إلا من عنده؟ ثم أخذها بشر بن أبي خازم أحد بني أسد وهجاه. والخبر بجملته ساقه المبرد في "(الكامل" "ص137 ج1". ) ولذلك لم يكن يسلم من ضروب الهجاء إلا القبائل المغمورة والمنسية، حيث لا يكون فيها خير كثير ولا شر كثير، وقد تكون القبائل متقادمة الميلاد، ويكون في شطرها خير كثير وفي الشطر الآخر شر وضعة، مثل قبائل غطفان وقيس عيلان؛ ومثل فزارة ومرة وثعلبة؛ ومثل عبس وعبد الله بن غطفان؛ ثم غنى وباهلة واليعسوب والطفاوة؛ فالشرف والخطر في عبس وذبيان؛ وربما ذكروا القبائل الوضيعة ببعض الذكر، مثل اليعسوب والطفاوة وهاربة البقعاء وأشجع الخنثى؛ ولكن البلاء كله لم يقع إلا بغنى وباهلة، وهم أرفع من هؤلاء وأكثر مناقب ، قال الجاحظ: ومن هذا الضرب تميم بن مر وثور وعكل وتيم ومزينة، ففي عكل ومزينة من الشرف ما ليس في ثور؛ وقد سلم ثور إلا من الشيء اليسير مما لا يرويه إلا العلماء؛ ثم حلت البلية وركد الشر والتحف الهجاء على عكل وتيم، وقد شعثوا بين مزينة شيئًا؛ ولكنهم حببهم إلى المسلمين قاطبة ما تهيأ لهم من الإسلام حين قل حظ تيم فيه. ولأمر ما بكت العرب بالدموع الغزار من وقع الهجاء، وهذا من أول كرمها، كما بكي مخارق بن شهاب، وكما بكى علقمة بن علاثة، وكما بكى عبد الله بن جدعان ("ص176 ج1: الحيوان"؛ ) ؛ أما مخارق بن شهاب فذكر في البيان أنه وفد رجل من بني مازن على النعمان بن المنذر، فقال له النعمان: كيف مخارق بن شهاب فيكم؟ قال: سيد كريم، وحسبك من رجل يمدح نفسه ويهجو ابن عمه، ذهب إلى قوله.
ترى ضيفها فيها يبيت بغبطة ... وجار ابن قيس جائع يتحوب
ولعله بكى لذلك؛ وأما علقمة بن علاثة فقد ذكر ابن بسام في "الذخيرة" أنه لما سمع قول الأعشى:
تبيتون في المشتى ملاء بطونكم ... وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا
بكى وقال: أنحن نفعل ذلك بجاراتنا؟ فقد قال الجاحظ في "الحيوان": إنه بكى من بيت لخداش بن زهير؛ وكان خداش قد هجاه من غير أن يكون قد رآه؛ وكذلك فعل دريد بن الصمة؛ لأنه رأى فيه شرفًا ونبلًا فأراد أن يضع شعره موضعه ("ص 254: سرح العيون".) ومن أسباب الهجاء في القبائل أن يكون القبيل متقادم الميلاد قليل الذلة قليل السيادة؛ فيتهيأ أن يصير في ولد إخوتهم الشرف الكامل والعدد التام؛ فإنه يستبين حينئذ لكل من رآهم أو سمع بهم أضعاف الذي هو عليه من القلة والضعف، وتكون البلية في شرف إخوتهم؛ وكذلك عندهم كل أخوين إذا برع أحدهما وسبق وعلا الرجال في الجود والإفضال أو في الفروسة والبيان؛ فإنهم يقصدون بمآثر الآخر في الطبقة السفلى لتبين البراعة في أخيه، وقد يكون مع ذلك وسطًا من الرجال، فصارت قرابته التي كانت مفخرة هي التي بلغت به أسفل السافلين( "ص179 ج1: الحيوان"). ولما صار للهجاء في القبائل هذا الشأن واعتقدوه سياسة، صار البيت الواحد يربطه الشاعر في قوم لهم النباهة والعدد والفعال، فيدور بهم في الناس دوران الرحى؛ كما أهلك الحبطات وهم بنو الحارث بن عمرو بن تميم قول الشاعر فيهم:
رأيت الحمر من شر المطايا ... كما الحبطات شر بني تميم
فلزمهم هذا القول؛ وكما أهلك ظليم البراجم قول الآخر:
إن أبانا فقحة لدارم ... كما الظليم فقحة البراجم
وكما أهلك بني عجلان قول النجاشي:
وما سمي العجلان إلا لقولهم ... خذ العقب واحلب أيها العبد واعجل
كما أهلك نميرًا قول جرير يهجو الراعي:
فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعبًا بلغت ولا كلابًا
وهذه القصيدة تسميها العرب: الفاضحة، وقيل: سماها جرير: الدامغة، وقد تركت بني نمير ينتسبون بالبصرة إلى عامر بن صعصعة ويتجاوزون أباهم نميرًا إلى أبيه عامر؛ هربًا من ذكر نمير، وفرارًا مما وسم به من الفضيحة والوصمة ("ص26 ج1: العمدة") ، وكان بنو نمير من جمرات العرب الذين تجمعوا في أنفسهم ولم يداخلوا معهم غيرهم في أنسابهم بالمحالفة ونحوها؛ والجمرات هم بنو نمير؛ وبنو الحارث بن كعب؛ وبنو ضبة، وبنو عبس بن بغيض؛ قال المبرد في "الكامل": وأبو عبيدة لم يعدد فيهم عبسًا في "كتاب الديباج" ولكنه قال: فطفئت جمرتان وهما: بنو ضبة؛ لأنها صارت إلى الرباب فحالفت؛ وبنو الحارث؛ لأنها صارت إلى مذحج؛ وبقيت بنو نمير إلى الساعة؛ لأنها لم تحالف ("ص377 ج1: الكامل")، وقد أجاب شاعرهم جريرًا فلم يغن عن قومه شيئًا. وعلى الضد من ذلك خبر بني أنف الناقة؛ فإن الواحد منهم كان إذا قيل له: ممن الرجل؟ قال: من بني قريع، فيتجاوز جعفرًا أنف الناقة ابن قريع بن عوف بن مالك؛ فما هو إلا أن قال الحطيئة:
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ... ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا؟
حتى صاروا يتطاولون بهذا النسب ويمدون به أصواتهم في جهارة( "ص29 ج1: العمدة") . وقد بلغ من خوفهم من الهجاء ومن شدة السبب عليهم وتخوفهم أن يبقى ذكر ذلك في الأعقاب ويسب به الأحياء والأموات، أنهم إذا أسروا الشاعر أخذوا عليه المواثيق؛ وربما شدوا لسانه بنسعة كما صنعوا بعبد يغوث بن وقاص حين أسرته بنو تميم يوم الكلاب، وأبياته في ذلك مشهورة ("ج2: البيان" )وأسر رؤبة في بعض حروب تميم فمنع الكلام؛ فجعل يصرخ: يا صباحاه! ويا بني تميم؛ أطلقوا من لساني ("ج2: البيان"). ثم صاروا يستنجدون بالشعراء ليحضوا لهم الأشراف في رد الغارة وغيرها فيخشى الشريف إن هو لم يغثه أن يفضحه بهجائه ("ص170 و171 ج1: الحيوان") ، وكما سلم بعض القبائل من الهجاء بالخمول والقلة، كغسان وغيلان من قبائل عمرو بن تميم سلمت بعض القبائل بالنباهة العالية من مضرة الهجاء فكأنها لم تهج، مثل نباهة بني بدر وبني فزارة، ومثل نباهة بني عدس بن زيد وبني عبد الله بن دارم، ومثل نباهة الذبان بن عبد المدان، وبني الحارث بن كعب، فليس يسلم من مضرة الهجاء إلا خامل جدا أو نبيه جدا ("ج2: البيان"). وذكروا عن حجناء بن جرير أنه قال لأبيه: يا أبت إنك لم تهج أحدًا إلا وضعته إلا التيم. فقال جرير: إني لم أجد حسبًا فأضعه ولا بناء فأهدمه ("ج2: البيان") . وقد سمر يزيد الرقاشي ذات ليلة عند السفاح فحدثه بحديث ساقه فيه أشعارًا هجيت بها ثلاث وأربعون قبيلة، وقد حكاه المسعودي في ("مروج الذهب - ص2") . وكان الشعراء يعرفون تاريخ الهجاء في القبائل حتى ليستطيعون أن يميزوا القبائل التي انتضلت بينها تلك السلام من القبائل التي تحاجزت فلم يكن بينهما هجاء، وقد أنشد الكميت بن زيد نصيبًا الشاعر فاستمع له، فكان فيما أنشده قوله يصف غليان القدر:
كأن الغطامط من غليها ... أراجيز أسلم تهجو غفارًا
"يشبه غليان القدر وارتفاع اللحم فيها بالموج الذي يرتفع". فقال له لنصيب: ما هجت أسلم غفارًا قط، فاستحيا الكميت فسكت "( ص 335 ج1: الكامل").
والهجاء في الشعراء كثير: فقد عرفنا أن الشاعر لا يكون هجاء إلا وهو في معنى المؤرخ، فليس كل القبائل يعرف بعضها مثالب بعض، ولا كل الناس يعرف ذلك، فمتى سير الشاعر قصيدة فكأنه نشر كتابًا في أمة كلها يقرأ ويكتب، ومن أجل هذا لما استأذن حسان النبي صلى الله عليه وسلم أن يهجو قريشًا قبل إسلامهم ويسله منهم سل الشعرة من العجين، أمره أن يستعين بأبي بكر، ولم يكن في زمنه أعلم بالأنساب منه، حتى إن أنسب العرب إنما أخذوا عنه كما ستعرفه في موضعه. ولمكانة ذلك الشعر من التاريخ، صار الراوية للأشعار لا يكون راوية حتى يكون نسابة عالمًا بالأخبار، وقد تغلب على بعضهم رواية المثالب خاصة كعقيل بن أبي طالب، وهو أحد الأربعة من قريش الذين كانوا رواة الناس للأشعار وعلماءهم بالأنساب والأخبار، وهم مخرمة بن نوفل، وأبو الجهم بن حذيفة، وحويطب بن عبد العزى، وعقيل هذا ("ج2: البيان" ) وممن تخصصوا بالمثالب والعيوب في الرواة: دغفل النسابة، والنخار العذري، وابن الكيس النمري، وصحار العبدي، وابن شرية، وابن أبي الشطاح وهشام بن الكلبي. ولم يبلغ جرير مبلغه من الهجاء إلا لمكان علمه بالنسب والمثالب من جده الخطفي، وهو حذيفة بن بدر بن سلم. وكان الخطفي هذا من العرفاء العلماء بالنسب وبالغريب "ج1: البيان" وكذلك الفرزدق، كان هو شاعر الناس وراوية أخبارهم، وهما يكادان لشهرتهما يكونان فكي الهجاء فيما يلاك ويمضغ من الأعراض. ولما كان الشعراء ألسنة قبائلهم ونوابها في السياسة العامة، كان هجاء بعضهم بعضًا لا يزال عاما حتى إذا ذهبت عصبية القبائل ووهنت عقدة الجاهلية وسكنت ثائرة الأحزاب، صار الهجاء كسائر أغراض الشعر: يقال فيه للبراعة وابتكار المعاني فاتخذ لحك الحزازات وشق المرائر وتحول إلى كذب وسخف وإفحاش وإقذاع وكان من هذا شيء في الجاهلية حين يكون الشاعر منبوذًا من قبيلته، أو حين يلتمس لنفسه الذكر في القبائل وشيوع المقالة باسمه، فيقصد الأسواق والمواسم؛ كالذي نقله السكري في شرح أشعار الهذليين قال: أقبل رجل من أهل اليمن شاعر يقال له حبيب -والناس بذي المجاز- يهجو الناس، فأشار له بعضهم إلى خباء أبي ذرة الهذلي حتى وقف عليه فرجز به فخرج إليه أبو ذرة من قبل أن يعرفه فأشار له بيده ورجز به أيضًا، ثم سأله عن اسمه فعرفه، فعاد إلى الرجز به، فطرده أهل اليمن؛ ثم كان الحطيئة وهو الحسب الموضوع، فسلح بالشعر سلحًا، ثم جاء جرير وطبقته فصار أكثر الهجاء من يومئذ فحشًا خالصًا وكذبًا مصمتًا وسبابًا محضًا، ثم كان كل متعاصرين من الشعراء يكون بينهما مثل ذلك ويعدونه من منافسة الحرفة وطبع الصناعة، فمن نظم الشاعر قصيدة نقضها الآخر عليه، ويسمون هذه القصائد بالنقائض، وأشهرها نقائض جرير والفرزدق، وهي محفوظة متدارسة، وقد نقل المبرد في "الكامل" شيئًا منها ("ج1: ص282"). وقالوا إن جنازة مرت بجرير فبكى وقال: أحرقتني هذه الجنازة! قيل: فلم تقذف في المحصنات؟ قال: يبدو لي ولا أصبر ("ج2: البيان")؛ فكذلك كان يبدو لمن في طبقته حتى صار الناس يستجيرون بقبر أبي الفرزدق من هجائه فيجيرهم ("ج1 ص291: الكامل".) وقد نسب الفرزدق في آخر عمره وتعلق بأستار الكعبة وعاهد الله أن لا يكذب ولا يشتم مسلمًا، وذكر ذلك في شعره( "ص70 ج1: الكامل" ) ، وكان جرير مولعًا بقذف المحصنات يعدهن شطر الهجاء ومادة الإقذاع؛ وقد دعا مرة رجلًا من شعراء بني كلاب إلى مهاجاته فقال الكلابي: إن نسائي بأمتعتهن ولم تدع الشعراء في نسائك مترقعًا ("ج1: البيان".) ، ولانطباع الشعراء على هذه الشراسة الشديدة والجرح العريض لما يدلون به من طول اللسان وإحجام الناس عن مخاشنتهم كان الأشراف يتجنبون ممازحة الشاعر خوف لفظة تسمع منه مزحًا فتعود جدا ("ج1 ص46: العمدة" ) كما كانوا يتقون من أنفسهم مأثور القول في المصيبة والمرزئة، خوف أن يسبق لسانهم بكلمة من التوجع فتؤخذ عليهم وتجري في الناس مثلًا مضروبًا وعيبًا منسوبًا. ومن مشاهير الهجائين: الحطيئة، وجرير، والفرزدق، والأخطل؛ وفي الجاهلية زهير، وطرفة، والأعشى، والنابغة ("ج2: البيان".) ، وأشهر المحدثين بالهجاء على هذا الوصف بشار بن برد، وكان إذا غضب وأراد أن يقول هجاء صفق بيديه وتفل عن يمينه ويساره( "ص210: سرح العيون" ) ودعبل بن علي الخزاعي، وكان هجاء الملوك جسورًا على الخليفة متحاملًا لا يبالي ما صنع حتى عرف بذلك وطار اسمه فيه، وكان لذلك يقول عن نفسه إنه يحمل خشبة منذ كذا سنة لا يجد من يصلبه عليها، وابن الرومي علي بن عباس، وكان لسانه أطول من عقله حتى قتله الهجاء، وأكثر إجادته فيه؛ لأنه كان سلك طريقة جرير من الإطالة والإفحاش، فإن جريرًا أول من أطال الهجاء، وكان يقول: إذا هجوت فأضحك ("ص 140 ج2: العمدة" ابن بسام،) وكان يهجو أباه وأقاربه، يستن في ذلك سنة الحطيئة الذي هجا أمه، وابن الحجاج البغدادي خبيث العراق؛ وأبو بكر المخزومي هجاء الأندلس في القرن الخامس؛ وكان أعمى شديد الشر كأنه صاعقة، وكان يهجو في كلامه من شعر وغير شعر؛ ويقول عن نفسه: لا تبديل لخلق الله. ومع سبقه في الهجاء كان إذا مدح ضعف شعره ("ص89 ج1: نفح الطيب") ؛ وابن القطان المتوفى سنة( 498هـ ) كان هجاء لم يسلم منه الخليفة فمن دونه، وأبو القاسم الشميشي الأندلسي في القرن السادس وقد جمع هجاءه في ديوان سماه "شفاء الأمراض في أخذ الأعراض" وعلي بن حزمون هجاء المغرب في أوائل القرن السابع وكانوا يتدارسون هجاءه حتى لم تخل بلدة في المغرب من شعره ("ص196 المعجب" ) وابن عنين هجاء مصر في القرن السابع. قال المقري في "نفح الطيب": وله ديوان سماه "مقراض الأعراض" ولكن ابن خلكان وكان معاصرًا له ورآه قال: إن المقراض قصيدة طويلة جمع فيها خلقًا كثيرًا من رؤساء دمشق، وقد نفاه صلاح الدين الأيوبي إلى اليمن لإفحاشه في هجاء الناس، وتوفي سنة( 630هـ ) . فهؤلاء أشهر أهل الهجاء لغلبته على شعرهم وإتيانهم فيه بالأوابد وذهابهم في معاريضه كل مذهب، وهم في المحدثين كالذين عدهم أبو عبيدة في الإسلاميين والجاهليين وإن كان من عداهم كلهم يهجون؛ ومن الشعراء قوم يسمونهم المغلبين وهم الذين غلبوا بالهجاء وإن كان ممن ليسوا إليهم في الشعر ولا قريبًا منهم، ومعنى المغلب عندهم الذي لا يزال مغلوبا. قال ابن رشيق: ومنهم نابغة بني جعدة، وقد غلب عليه أوس بن مغراء القريعي وغلبت عليه ليلى الأخيلية.... وقد علم الكافة ما صنع جرير بالأخطل والراعي جميعًا.. ومن المغلبين: الزبرقان، غلبه عمرو بن الأهتم وغلبه المخبل السعدي وغلبه الحطيئة، وقد أجاب الاثنين ولم يجب الحطيئة، ومنهم تميم بن أبي مقبل، هجاه النجاشي فقهره وغلب عليه، وهاجى النجاشي عبد الرحمن بن حسان فغلبه عبد الرحمن وأفحمه..... ومن مغلبي المولدين على جلالته بشار بن برد، فإن حماد عجرد وليس من رجاله ولا أكفائه هجاه فأبكاه ومثل به أشد تمثيل، وعلي بن الجهم هاجى أبا السمط مروان بن أبي الجنوب فغلبه مروان، وهاجاه البحتري فغلب عليه أيضًا، على أن عليا أقذع منه لسانًا وأسبق إلى ما يريده من ذلك وأقدم سنا، ومنهم حبيب "الطائي" وهاجى السراج وعتبة فما أتى بشيء.... وهاجى دعبلًا فاستطال عليه دعبل أيضًا "(67 و68 ج1: العمدة") ، وربما هجى الشاعر من هو أكبر منه وأبعد صيتًا، لا ليغلبه، ولكن ليجيبه فيعد في طبقته، كما فعل بشار فإنه هجا جريرا بأشعار كثيرة فلم يجبه جرير أنفة واحتقارًا، فقال: لو هجاني لكنت أشعر الناس ("ص70 ج1: العمدة") .



المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)