أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: الخيار الإبداعي عند شاعر المقاومة الأستاذ أشرف حشيش

  1. #1
    ناقدة وشاعرة
    تاريخ التسجيل : Jun 2013
    الدولة : في المغترب
    المشاركات : 1,257
    المواضيع : 62
    الردود : 1257
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي الخيار الإبداعي عند شاعر المقاومة الأستاذ أشرف حشيش

    لا ينبغي لنا قراءة التجربة الإبداعية التي يخوضها شاعر المقاومة الأستاذ أشرف حشيش دون الانتباه إلى الوشائج التي تربطها بالتاريخ الإبداعي لشعراء المقاومة الفلسطينية . فالإرث الثقافي الضخم الذي خلفه شعراء المقاومة الداخلية على مدى نصف قرن ونيف، يمتلك من الهيمنة والتأثير ما سيمكنه على الدوام من التدخل المبكر في صقل مواهب الشعراء الجدد والتدخل في تشكيل الأرضية التي سينشئون عليها تجاربهم الإبداعية الجديدة . وهو ما يقلص فرصهم في امتلاك الخيارات اﻹبداعية التي تتجاوز ذلك الإرث.
    ويجمع النقاد على أن ثلاثي المقاومة الفلسطينية الداخلية المكون من محمود درويش وتوفيق زياد وسميح القاسم قد أصلوا مضامين شعر المقاومة ووسموها بسماتها التي ما انفكت عنها بعد ذلك . ومن أهم هذه السمات التحدي و والتشبث بالأرض واليقين بأن البقاء فيها والحفاظ على ذاكرتها يمثل جزءا من الانتصار.
    على أن الانتباه للوشائج الممتدة من ستينيات القرن الماضي إلى يومنا هذا لا يلغي ملاحظة ما يحاول كل شاعر أن يضيفه من مميزات إبداعية خاصة بشخصيته الشعرية .
    والشاعر أشرف حشيش يعد اليوم من الأسماء البارزة في مجال السبق الإبداعي للشعر الفلسطيني المقاوم . وهو وإن كان لم يطبع بعد أعماله الإبداعية ورقيا إلا إن حضوره الإبداعي المميز في المواقع والمنتديات الثقافية والأدبية غير خاف . ولعله بدأ بنشر أولى قصائده في عام 2007، ثم إنه شق طريقا إبداعيا بدأت تتضح معالمه الشخصية تدريجيا ليصل إلى تلك الدرجة التي تمكن قارئه من تمييز نصه حتى دون أن يقرأ اسمه.
    وفي هذه القراءة للخصائص الفنية في شعره نحاول استكشاف الخيارات الإبداعية التي امتلكها الشاعر حقا، والتي فارق بها موروثه الثقافي من شعر المقاومة .
    والمقصود هنا بالخيارات الإبداعية تلك الخصائص التي ميز بها شعره مخالفا من سبقه من شعراء المقاومة ومتملصا من بعض تعاليمهم .
    ويمكننا تقسيم هذه الخيارات الإبداعية بردها إلى مستويين اثنين:
    أولهما مستوى الشكل الإيقاعي ، وثانيهما المستوى الأيديولوجي.

    أولا: مستوى الشكل الإيقاعي.
    اعتمد شعراء المقاومة جميعا ،مع استثناءات ضعيفة، على شعر التفعيلة أساسا وفي الأعم الأغلب. كما لجؤوا إلى (الشعر المنثور)ثانويا.
    ويشمل ذلك محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وعز الدين المناصرة وأحمد دحبور ومريد البرغوثي وسواهم .
    وفارقهم الشاعر أشرف حشيش باعتماده الشعر العمودي أساسا مع بعض القصائد المبكرة التي اعتمد فيها إيقاع التفعيلة .
    ونستطيع تبرير الاعتماد على شعر التفعيلة عند شعراء المقاومة السابقين،بحكم المرحلة التاريخية التي نمت فيها جذور شعر المقاومة والتي شهدت ظهور وسيطرة تيارات الحداثة في الأدب عموما والشعر العربي خصوصا. ومنها تيارات الشعر الحداثي بشكليه التفعيلي و(المنثور).
    وقد أثرت الحداثة في جميع المعايير الفنية للشعر (شكلا ومضمونا ). وساهمت إلى حد كبير في الوصول إلى المستوى الرفيع من الشاعرية والموسيقية والبساطة التعبيرية ، هذه الخصائص التي مكنت شعراء المقاومة الفلسطينية من حفر تأثيرهم في وجدان المتلقي العربي وذائقته.
    وفي محاولة تبرير خيار الشاعر أشرف حشيش في تبني الشكل الإيقاعي القديم لقصيدته المقاومة، متجاهلا الشكل الإيقاعي الضارب عميقا في البنية الفنية لهذه القصيدة والذي كان أحد أسباب نجاحها ، يمكننا القول إن المخالفة بحد ذاتها هنا تمثل تحديا ذاتيا يتحدى به الشاعر نفسه. بحيث أنه يقيد نفسه بالمزيد من الشروط التي اعتبرها سابقوه معيقة للتعبير ، ثم يدفع بعد ذلك بتجربته الإبداعية إلى مضمار السباق الإبداعي.
    ومع تمكن الشاعر من الشكل التفعيلي ،قد يكمن السر في الرغبة الحقيقية لدى الشاعر بمخالفة سابقيه، فضلا عن قناعته بأصالة الشكل العمودي ،وضرورة تمسكه بهذه الأصالة التي يحترمها ويتمسك بها ليكون أقرب إلى الذائقة العامة التي يعول عليها في خطابه الشعري المباشر.
    ولا شك أن الشكل التاريخي الأقدم أقوى من الناحية الخطابية وأجدر بأن يتفاعل مع القضية تفاعلا أصاليا يتصل مع القيم والعقائد الثابتة غير المهتزة التي حمل مضمونها في عهود القوة .لا تفاعلا رجراجا مختلطا بهزالة القيم وضياع الثوابت العقدية كما هو الحال في خلفيات الشعر الحداثي .
    نحن هنا نكاد نربط بين الخبار الإبداعي للشكل الإيقاعي و الخيار الأيديولوجي عند الشاعر. والأمر كذلك حقا - كما أراه - في بعض جوانبه. وليس هذا تحليلا كاملا لجميع أسباب الشاعر. ولكنه يبقى مجرد استناج محتمل . إذ لا يمكننا إثباته وتأكيده بالاستقراء المباشر للنصوص ،ولكنه يبدو من التوجه العام للشاعر في المضامين الفكرية لنصوصه.
    والأفضل لنا توجيه الدعوة للشاعر نفسه ليجيب بنفسه عن السؤال المتعلق بخيار الشكل الإيقاعي العمودي لشعره إجابة دقيقة .
    ونعود نحن إلى تحليل خياره الإبداعي على المستوى الأيديولوجي انطلاقا من شعره المتسم بالوضوح والمباشرة في استعراض مضمونه .

    ثانيا: المستوى الأيديولوجي
    علينا أن نلاحظ أولا أن شاعرنا قد أظهر في شعره تمسكه بالعقيدة الإسلامية إظهارا قويا.
    بحيث أنه جعله أحد مفاخره الشخصية .
    وبمقارنة هذه السمة مع ما هي عليه عند شعراء المقاومة الأوائل سنكتشف ضعفها وهزالتها عندهم ومعظمهم منتمون إلى الحزب الشيوعي الملحد. ولقد كان تنصلهم من العقيدة وضعفهم فيها كفيلا بإضعاف التفاف الجماهير المسلمة حولهم.
    لولا طاقاتهم الإبداعية العبقرية العالية التي قدموا فيها بدائلهم الأيديولوجية المبهرة النابعة من روح المقاومة والتي التصقت بضمير الإنسان الفلسطيني ومعاناته في الداخل والخارج.والتي فجروها في الوجدان العربي اليائس على المستوى النفسي الجماعي، فأثمر ذلك في دفع الجماهير المتعطشة للأمل لقراءة أشعارهم السياسية بوصفها الخيار الوحيد لإنعاش الروح المعنوية المنهارة لدى للمتلقي العربي ،في وقت خلت فيه الساحة الأدبية إلا من البكاء والعويل واليأس منذ ما أعقب النكبة الفلسطينية عام 1948 وحتى الظهور الساطع والمتألق ﻷدب المقاومة الفلسطينية الحداثي خلال فترة الستينيات من القرن العشرين.وخاصة ما بعد النكسة عام 1967.
    فهم من أحيا الأمل وهم من عالج جراح الكرامة العربية بالتحدي والصمود وإيقاد جذوة المقاومة وهم من عبر عن معاناة المنكوبين الذين تجاهلتهم البشرية وحكامها.
    وقد فعلوا كل ذلك بلغة شاعرية شفافة بسيطة فهمها كل من سمعها فامتلكت وجدانه.
    ولا شك أن سمات البساطة التعبيرية والسلاسة الإيقاعية والالتصاق بمعاناة الإنسان الفلسطيني وبالأحداث الميدانية على الأرض هي من أهم وأبرز ما اعتنى به الشاعر أشرف حشيش وحافظ عليه من زخم الإرث الشعري الذي حصل عليه من شعراء المقاومة.
    وسنحاول في هذه القراءة استكشاف خياراته الإبداعية التي تبرز من خلال الخصائص الفنية والأيديولوجية الأبرز في قصائده .
    ولا شك أن هذه الخصائص هي ما دعت بعض المعجبين بشعره لتلقيبه (بالشاعر النهر )، هذا اللقب الذي يعكس السلاسة الإيقاعية والتدفق العاطفي الصادق المشبع بالتحدي والانتماء والولاء.
    غير أن الخصوصية في أسلوبه تتبدى في التفاصيل الجمالبة الناعمة التي تترتب على خياراته الإبداعية.
    1- تأكيد الشخصية القوية للشاعر :
    معظم نصوص الشاعر أشرف حشيش تؤكد حضور الشخصية القوية للشاعر الإنسان صاحب النص من خلال ولائه للأرض وتفاعله مع الحدث الحي المقاوم فوقها.
    2-العتاب:
    يتلازم استخدام الضمير الشخصي ( أنا) عند الشاعر مع استخدامه ضمير المخاطبة المؤنثة (أنت ،أو كاف المخاطبة) ولكن هذه ال(أنت )ليست امرأة . بل هي الأرض المعشوقة. هي (فلسطين ) التي يلح الشاعر في تأكيد انتمائه إليها بتكرار مخاطبتها وتكراره في معظم نصوصه بلهجة قوية ممزوجة بعتاب مستمر . وبهذا العتاب المسكون بالولاء والانتماء يتمكن الشاعر من فصم تلك الشخصية المخاطبة (المزدوجة) إلى شخصيتين، تمثل إحداهما الأرض المعشوقة بينما تمثل الأخرى شخصية أنثوية مستبدة غيرمعينة تحاول تجاهل حضور الشاعر وطمس تأثيره.
    في قصيدته( أنا موطني لغةٌ وأمّي ثورةٌ )
    يقول الشاعر :
    مــــا دام تــاريـخـي يـثـيـرُكِ عـــاودي … فــيــه الــمــرورَ , ولـــو كــطـاغٍ مـــاردِ
    ثـم اطـرحي “الـطبريّ” جـنبا واتـركي … مـــا قالـه عـنّـي وعـنـك “الـواقـدي
    وروائــــعُ الأحــــداثِ أســفــرَ نـبـضُـها … عــن ألــفِ نــصٍ فـي عـرينِ قـصائدي
    كيف اختلفتِ معي على الصوتِ الذي … غــنّـاكِ فـــي وطــن الـغـرام الـخـالدِ؟
    في البيت الأول يوجه الشاعر الخطاب لشخصية أنثوية غامضة يطالبها بمعاودة قراءة تاريخه الذي يثيرها، حتى ولو كانت تلك القراءة متصفة بالطغيان. ومادام التاريخ تاريخه هو ،والطغيان محتمل منها فسوف يبعد عن ذهن المتلقي أن تكون المخاطبة هي الأرض الفلسطينية.
    لكن الشاعر الذي يستحضر التاريخ عبر ذكره المؤرخين الطبري والواقدي في كتابيهما "تاريخ الطبري(تاريخ الغزاة والممالك )و (فتوح الشام ) مع تأكيده أنهما قد كتبا عنهما معا يعيد المتلقي إلى احتمال كونها الأرض .

    أيـخـاصـم الـطـيـرُ الـفـضاءَ ولــم يـكـن … لــــولا الــفـضـاء بــشـاهـقٍ وبـسـائـدِ
    ومــتـى الـبـطولة خـاصـمت فـرسـانها … هــل فـي مـلاحم أمّـتي مـن شـاهدِ
    فـــأنــا وأنـــــت حــكــايـةٌ أضــواؤهــا … شــعّـت إلـــى الـدنـيـا بـلـفـظٍ واحــدِ
    ولأنـــتِ فـــي قـلـبـي وإن عـانـدتني … ســأظـل طـــوع الـنـبض غـيـر مـعـاندِ

    وهي تعانده وهو باق غير معاند لها .وهو صبور عليها لين معها. على العكس مما كان عليه في مطلع القصيدة.
    أهـدي الـزهور لـمن أحـب وفـي يديْ … ســيــفٌ يـطـاوعـهُ طــويـلُ الـسـاعـدِ
    وفــتـحـتُ نــافــذة الــتـفـاؤل حــالـمـا … فـــي فــرحـةٍ تــأتـي بـبـسمةِ عـائـد
    لــيَ صـولـةٌ فـيـها يـراسـلني الـشذا … مـتـخـطـيا بـالـعـطـر ســـور الـحـاسـدِ
    فــي نـظرتي الأمـل الـمغامر لـم يـزل … يَـقِـظـا,وغمض الــطـرف لـيـس بــواردِ .

    فلماذا إذن استخدم الشاعر لهجة العتاب القاسية في البيت الأول؟؟؟
    لا شك أن الإيحاء بمخاطبة الأنثى (المرأة ) بلهجة العتاب كان تقنية فنية ناجحة من الشاعر لشد المتلقي وجذبه لمتابعة القراءة .

    3- لا غزل أنثوي :
    ولا شك أننا نحاول البحث عن ظلال المرأة في هذا الخطاب الإبداعي الغامض .غير أن بحثنا لن يصل إلى مستقر نقف فيه على خطاب يبتعد كثيرا عن العتاب. كما هو الحال مع محمود درويش الذي مزج في شعره الغزلي بين الحبيبة (المراة )وبين فلسطين .
    فالخطاب الموجه للمرأة الخالصة في شعر أ. أشرف حشيش ليس غزليا - وإن كان قد كتب بعض قصائد الغزل . لكن الغزل ليس هو الغرض عنده حتما. ونوضح ذلك في موضعه. ليس الغزل موضوعا متكررا وملازما لتجربته الإبداعية . والشاعر يوضح ذلك تماما
    (أنا ليس لي في الحب )
    فيقول:
    أقـيـمـي بـوجـداني وإن شـئـت غــادري ... وكُــفّـي ظــنـون الــسـوء لــسـتُ بــغـادر

    سـقيتُ عـطاش الـحب صـدق عواطفي ... وأطــلــقــتُ لـــلأفـــراح مــلــيــون طـــائــر

    حـملتُ عـلى الـطاغي سيوف قصائدي ... وكــنـتُ صـــراخ الــحـق فـــي ركــب ثـائـر

    أخــــفُّ عــلــى خــيــل الـتـفـاؤل حـالـمـا ... بـــعـــودة مــاضـيـنـا لــنــجـدة حـــاضــري

    وأحــمــلُ قــنـديـل الـيـقـيـن بـمـسـلكي ... ومــــا خـــاب فـــيّ الــظـن بالله نــاصـري

    فــكـيـف اسـتـفـزّتـني الــظّـبـاء بـمـكـرها ... وهـــــل كــنــتُ مــنـقـادا لــنـظـرة مــاكــر

    أقـــــول لــمــن طــــاب الــغــرام بـقـلـبـها ... أنـا لـيس لـي في الحب..منّي فحاذري

    ويقول في أخرى
    _________________________________
    لا زلْتُ وحدي مبحرا فلعلني=أرسو بأحلامي على الشطآنِ
    ونجحتُ في صدّ اللحاظ بخبرة=ما فسّرتْ قدراتها العينانِ
    (رادارُ) إحساسي تنبّه باكرا=لدخول عينك ملعب الخفقانِ
    (القدسُ) كل عواطفي . ما أمهلتْ=غزلا لزنبقة ولا بستانِ
    لا تأمني جو البراءة إنني= عفت الهوى إلا هوى الأوطانِ

    ومن المتوقع للشاعر مع هذا الخيار الإبداعي القاسي أن يضيق على نفسه مجال التصوير الفني الإبداعي الذي يتيحه شعر الغزل . وأن يحد من طاقة لغته الشعرية . لكن تقنيته الفنية الذكية في استخدام أسلوب خطاب العتاب الحميم الموجه للمخاطبة المؤنثة الغامضة الحاضرة بوصفها الأرض حينا ، وبوصفها تلك الشخصية غير المنصفة حينا آخر قد عوض تعويضا تاما عن غياب المرأة الحقيقية الخالصة مع مجانبة شعر الغزل .
    ومع تكرار تلك التقنية الفنية بدت أشبه بالسمة الفنية في أسلوبه الفني . فنحن نجدها في العديد من قصائده
    فالوطن هو الحبيبة نفسها عند الشاعر باعتراف واضح منه.
    كما في قصيدة ( تطاول ليل البعد )

    أصـبّرُ نـفسي فـي انتظار حبيبتي ... إلـى أن يُـقضّي الله مـا كان قاضيا

    فليلاك في "تيماء" يا "قيسُ" دارها ... ولـيلاي "واقـدساه" ضـاقت لـما بيا
    والشعر إنما يكتب للحبيبة الوطن. يقول في قصيدة (فلتصرفي عنّي العيون ) :
    _________________
    أزعمتِ أنّ الشعر كان خيالُهُ = زَهوا وأنّ فضاءَه تغريدُ
    أو أنّ من جاش الحنينُ بصدره = فَرِحٌ . يخطّ الحرفَ وهو سعيدُ
    أو أنّ من تبكي البلادُ بعينه = يهوى ارتشاف عذابه ويريدُ
    الشعر "يا بعدي" وكم جوّدتُهُ = لكنهُ لم يشفه التجويدُ
    ما زال مكتئبا كقلبٍ حبيبهِ = وقروحُهُ بين السطورِ تزيدُ
    فلتصرفي عنّي العيونَ فإنها = أدبٌ يليق بحسنها التجديدُ
    وأنا قديم الطّرف سهم نواظري = خبرتْ بلاغته المها والغيدُ
    يا هذه لا تبعثيه بنظرةٍ =عشواء . لحظي عشقُهُ التسديدُ
    وطني بدايتنا وآخر نبضنا = فيه نقولُ قصيدنا ونعيدُ

    لكن حتى عندما يتجنب شاعرنا مخاطبة المؤنث في الوطن، نراه ما يزال مصرا على لهجة العتاب القاسية والحميمة في آن معا.
    يقول في قصيدته ( كن حبيبي ظالمي )
    .....
    يتبع بإذن الله

  2. #2
    الصورة الرمزية أشرف حشيش شاعر
    تاريخ التسجيل : Jan 2016
    الدولة : فلسطين
    المشاركات : 538
    المواضيع : 91
    الردود : 538
    المعدل اليومي : 0.18

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله

    بداية أشكرك جزيل الشكر على هذا التقديم الرائع للحركة الادبية التي شهدتها الساحة الفلسطينية وبيان الخصائص الشكلية والفنية والمضامين التي تناولتها القصيدة الفلسطينية بأقلام عمالقة الإبداع في منتصف القرن المنصرم

    وقد كان الشعر أنذاك يشهد ثورةً على النمط القديم واستطاع الشعراء المذكورين أن يفوا الأحداث حقها وأن يصوروا أدق تفاصيلها التي عايشوها وتجرعوا مرارتها بحرقة أنفاس الكبت التي اختزنوها فكان لا بد لهم من مواكبة

    التطور الإبداعي الذي شهدته الساحة العربية أنذاك , ووالله أمام تحملهم المسؤولية الأدبية وقيادتهم لتيارها الإبداعي قدرة واقتدارا لا أراني شيئا من الناحية الفنية والصورية التي ابتكروها , غير أن الشاعر الذي اختبر

    عواطفه وصدقها ودوافعها ونمت ذخيرته اللغوية بالتجربة والمراس يعتز بما يكتب ولو كان شيئا يسيرا , وليس من حقه أن يترك مقعده في هذه الساحة

    أيتها الشاعرة الكبيرة والناقدة الغيورة

    أثارتني دراستك المتأملة العميقة في الكشف عن التقنية الفنية ووصولك لكنهها وبيان ما أصابها من تناقض يبرره الفن في كثير من الأحيان بعرض نماذج من مقطوعاتي توضحين فيها هذه التقنية التي امتزجت فيها المراة بالوطن وكانت المحبوبة دائما ما تفشل في الوصول إلى نبض القصيدة حين يكون نبض الوطن جارفا متدفقا , أو أنها هي التي تنبش العواطف وما أن تدب الروح بالقصيدة تنتهي وظيفة المرأة ويتم الاستغناء عنها مؤقتا رغم أنها كانت سببا من أسباب المطلع أو المفتاح الذي فُتح من خلاله باب النص الشعري , وحين يأخذ النص مجراه تُنحّى جانبا ليظهر الوطن وتظهر جراحات او تمتزج هي مع جراحته ويظهران واحدا لكن لا تظهر إطلاقا على حسابه , وهذا ما أبنت عنه بارك الله فيك

    بقي أن أقول أن لي ديوانا مطبوعا في دار إبداع بالقاهرة طبعته الدكتورة هدى عطية أستاذة النقد الأدبي بجامعة عين شمس عام ألفين وأربعة عشر بعنوان : هنا شمخنا صغارا
    يقع في مئتي صفحة من القطع المتوسط 20 /10

    شكرا جزيلا لك , آملا منك غفران الزلات , والصفح الكبير
    أخوك الصغير الذي ما زال يتعلم منك أيتها القارئة النهمة والشاعرة الكبيرة والناقدة الغيورة
    احترامي وتقديري وبانتظار آرائك

  3. #3
    ناقدة وشاعرة
    تاريخ التسجيل : Jun 2013
    الدولة : في المغترب
    المشاركات : 1,257
    المواضيع : 62
    الردود : 1257
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أشرف حشيش مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم ورحمة الله

    بداية أشكرك جزيل الشكر على هذا التقديم الرائع للحركة الادبية التي شهدتها الساحة الفلسطينية وبيان الخصائص الشكلية والفنية والمضامين التي تناولتها القصيدة الفلسطينية بأقلام عمالقة الإبداع في منتصف القرن المنصرم

    وقد كان الشعر أنذاك يشهد ثورةً على النمط القديم واستطاع الشعراء المذكورين أن يفوا الأحداث حقها وأن يصوروا أدق تفاصيلها التي عايشوها وتجرعوا مرارتها بحرقة أنفاس الكبت التي اختزنوها فكان لا بد لهم من مواكبة

    التطور الإبداعي الذي شهدته الساحة العربية أنذاك , ووالله أمام تحملهم المسؤولية الأدبية وقيادتهم لتيارها الإبداعي قدرة واقتدارا لا أراني شيئا من الناحية الفنية والصورية التي ابتكروها , غير أن الشاعر الذي اختبر

    عواطفه وصدقها ودوافعها ونمت ذخيرته اللغوية بالتجربة والمراس يعتز بما يكتب ولو كان شيئا يسيرا , وليس من حقه أن يترك مقعده في هذه الساحة

    أيتها الشاعرة الكبيرة والناقدة الغيورة

    أثارتني دراستك المتأملة العميقة في الكشف عن التقنية الفنية ووصولك لكنهها وبيان ما أصابها من تناقض يبرره الفن في كثير من الأحيان بعرض نماذج من مقطوعاتي توضحين فيها هذه التقنية التي امتزجت فيها المراة بالوطن وكانت المحبوبة دائما ما تفشل في الوصول إلى نبض القصيدة حين يكون نبض الوطن جارفا متدفقا , أو أنها هي التي تنبش العواطف وما أن تدب الروح بالقصيدة تنتهي وظيفة المرأة ويتم الاستغناء عنها مؤقتا رغم أنها كانت سببا من أسباب المطلع أو المفتاح الذي فُتح من خلاله باب النص الشعري , وحين يأخذ النص مجراه تُنحّى جانبا ليظهر الوطن وتظهر جراحات او تمتزج هي مع جراحته ويظهران واحدا لكن لا تظهر إطلاقا على حسابه , وهذا ما أبنت عنه بارك الله فيك

    بقي أن أقول أن لي ديوانا مطبوعا في دار إبداع بالقاهرة طبعته الدكتورة هدى عطية أستاذة النقد الأدبي بجامعة عين شمس عام ألفين وأربعة عشر بعنوان : هنا شمخنا صغارا
    يقع في مئتي صفحة من القطع المتوسط 20 /10

    شكرا جزيلا لك , آملا منك غفران الزلات , والصفح الكبير
    أخوك الصغير الذي ما زال يتعلم منك أيتها القارئة النهمة والشاعرة الكبيرة والناقدة الغيورة
    احترامي وتقديري وبانتظار آرائك
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    أخي وأستاذي الشاعر الكبير بشعره !
    بدوري أشكرك لمرورك الكريم ،واطلاعك على هذا الموضوع، وتعقيبك الذي أسعدني .
    نحن جميعا مدينون لشعراء المقاومة ،السابقين منهم واللاحقين ، فهم وحدهم من يواصلون اقتباس نار مشاعلهم من نار مشاعرهم .
    نحن الشعوب التي اهترأ وجدانها من الإهمال ،وتكاد تنطفئ جذوة يقينها من البلادة .
    وكأنني أرى التاريخ يعيد نفسه ،من خلال إعادة وتكرار الظرف التاريخي الذي جعل الأمة العربية تلتف حول شعراء المقاومة الفلسطينية الأوائل.
    فها نحن مبتلون بالإحباط والكسل الوجداني بعد فشل الثورات العربية ونتائجها المروعة . وها أنتم يا شعراء المقاومة وحدكم من يستطيع أن يتحدث بصدق عن مفاهيم المثابرة والصمود والتحدي والأمل...مفردات كادت تخلو عن المعاني لولا ثقتنا بأنها حقيقية في قواميس شعوركم وأشعاركم.
    وبعد ..
    أعتذر أخي الكريم عن عدم معرفتي وتنويهي بديوانكم (هنا شمخنا صغارا ) ، على الرغم من بحثي . ولكم الشكر على إشارتكم إليه.
    ثم إنني سأحاول إعطاء هذه الدراسة النقدية حقها ما أمكنني . وتجربتكم الإبداعية تستحق التأطير وتستحق الإشادة .
    بارك الله فيكم وزادكم إبداعا على إبداع ونفع بكم الأمة جمعاء

    أختكم في الله
    ثناء

  4. #4
    ناقدة وشاعرة
    تاريخ التسجيل : Jun 2013
    الدولة : في المغترب
    المشاركات : 1,257
    المواضيع : 62
    الردود : 1257
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    في قصيدة (كن حبيبي ظالمي ) يمكن للقارئ المتابع أن يتلمس سر العتاب الذي يلازم أسلوب الشاعر في خطابه لوطن أحله محل الحبيبة من قلب الرجل. .
    فهنا يسقط الشاعر ضوءا معنويا على حالة نفسية يمكننا عدها خصيصة نفسية عند الإنسان الفلسطيني القلق الذي مكث في الداخل معاندا ظروف إكراهه على المغادرة.فتكبد في النتيجة عناء زعزعته وتشبثه قلقا حرمه الحلم بحياة هادئة طبيعية هي أبسط حقوق البشر .

    الليل مشتاقٌ لنبرةِ حالمِ = والحرفُ مخنوقٌ بحزنِ حمائمي

    أين الخيال . وسهرةٌ ورديّةٌ = ثملتْ روائحها بعطر نسائمي ؟

    فمبعث العتاب هو معاناة الإحساس بالفرق الضخم بين وطنه وأوطان الآخرين.
    هكذا وطن وصل فيه الليل إلى حد الاشتياق لسماع نبرة إنسان حالم يعيش طبيعته الإنسانية كما في ليل أي وطن آخر. وكم قبل الاشتياق من حرمان وافتقاد أبطل النبرة الحالمة
    . هكذا وطن مخنوق جعل حمائم الشاعر تختنق بالحزن بدل أن تطير وتتنفس بحرية، لا بد أنه يستحق العتاب. فنبضة قلبه قادرة باهتزازها على هز مدائن من اللهفة عند الشاعر. وهل تهتز المدائن والعواصم إلا بالزلزال.


    وطني وما أخلفتُ قلبك نبضةً = هزّتْ مدائن لهفتي وعواصمي

    ولأن الشاعر لن يترجم تفاعله مع وطنه وانفعاله به إلا بالحب والولاء . فإنه يصبح في عرف المتنكرين له( مجرما) مصنفا في تلك اللائحة .وهو بعد محب لجرائمه في حبه وولائه اشتياقه .
    ترجمتها حُبّا وصرت مُصنّفا = في عُرفِ مَنْ خانوا بحبّ جرائمي

    ما زلتُ في درب اشتياقك هائما = هلّا رأفتَ بحال قلبٍ هائمِ

    ومبعث العتاب إذن ، أن الشاعر مايزال هو نفسه الإنسان الذي يحتاج ككل الناس في كل الأوطان ﻷن يعيش بهدوء على الرغم من أوجاعه.

    وأحدّثُ الأوجاعَ: إنّ بخاطري = كالناس. في وطنٍ وعيشٍ ناعمِ

    وأين العيش الناعم عند من يسخر أنينه ليمثل أنين الوطن، ويسخر عينيه ليذرف عبرهما الوطن دموعه؟ وهو المتحمل نتائج ضياع الوطن، أو ضياعه هو بسبب ضياع الوطن؟

    أَسمِعْتَ أنّاتي ؟ ذرفتَ بأعيني؟ = وعَرَفتَ ما فعل الضياع بعَالَمي

    ما هذه الدنيا إذا حدّثتها= عن موطني. ردّتْ بهمٍّ دائمِ

    كل هذا الظلم الذي يعيشه الإنسان الفلسطيني بسبب هم الوطن الدائم الذي لا مفر منه يستحق العتاب.

    فإذا ظلمتك في المحبة ردّها = ضعفا عليَّ . وكن حبيبي ظالمي

    يقبل الشاعر ظلم الوطن ﻷنه هو الحبيب .
    لكن قبوله لا يعني سوى الاستسلام لقدر حبه والولاء له .

    يتبع بإذن الله..

  5. #5
    ناقدة وشاعرة
    تاريخ التسجيل : Jun 2013
    الدولة : في المغترب
    المشاركات : 1,257
    المواضيع : 62
    الردود : 1257
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    4- التفاعل مع الحدث الميداني

    ينتمي الشاعر أ.أشرف حشيش إلى فئة الشعراء الذين يعولون على الوظيفة التفاعلية لشعر الحدث في التواصل مع المتلقي وفي التأثير في الواقع في آن معا.
    فليس عالم الشعر عنده أعز من الواقع. ولا الواقع عنده مكرس لكي يستلهم في سبيل الشعر.
    هذا الخيار الإبداعي الذي يسخر فيه الشعر لخدمة الواقع وتفعيله .لا يقلل من شأن الشعر ولكنه يعظم من شأن الواقع حتى يصبح الشعر أشد ضآلة أمام مرارة الواقع.وبهذا التعظيم لمرارة الواقع نستدل على عظمة وعمق الشعور بالانتماء عند الشاعر وشدة رهافة حساسيته تجاه قضية الأمة التي ملأت وجدانه حتى لم يتسع معها لسواها.
    لذا فإن تقييم الشاعر أشرف حشيش لوظيفة الشعر العربي المعاصر يرتبط بمدى قدرته على تفعيل الواقع وخدمة قضية الأمة.فإن لم يؤد الشعر وظبفة التفاعل مع الواقع وتفعيله فليذهب إلى الجحيم .وليسكت الشعراء قاطبة .
    خــلِّ مـوج الـقريض خـلِّ الـبِحارا ... خـلِّ كـلَّ الـحروف تـلق انتحارا
    لا تُــعِــرْ لـلـمُـعـلّقات اهـتـمـامـا ... لا تُــعِــرْهــا قـــــراءةً وادّكـــــارا
    واعـتبرْ مـن فـحولِها ,كيفَ خَلّوا؟ ... مُـقـلـةَ الـشـعرِ تـشـتكيهِ مــرارا
    قـــد سُـلـبـنا بـلادَنـا ,مــا عـلـينا ... لــو يُــذرّى الـقـصيدُ فـيـها غُـبارا
    مــا عـلـينا ونـحـن نُـذبـحُ جـهـرا ... إنْ ذبحتمْ "زُهير سُلْمى " جَهارا
    فلماذا يكتب الشاعر أشرف حشيش الشعر ؟
    هو لا يكتب الشعر لينال حظا من الشهرة . ولا لينال حظا من شهوات النفس الأخرى.

    مـا لي بشعري مطلبٌ في شُهرةْ ... أو فـــي تــوسّـلِ لـفـتـةٍ أو نـظـرَةْ

    أو فــــي إثــــارةِ كــاعــبٍ فـتـانـةٍ ... أو فــي اسـتـمالةِ ظـبيةٍ أو مُـهرة

    قـــد يـكـتبون بـخـام حـبـرٍ فـاسـدٍ ... وأنــا دَمِــيْ حـبـرٌ يـضـيء الـفكْرةْ

    يمثل شعر أشرف حشيش ما يشبه وكالة أنباء فريدة مختصة بإلقاء كل ضوء باهر على مضمون كل خبر عاجل من أخبار الثورة ،التي لا تخمد في الروح الفلسطينية . وفي أنباء شعره التفاصيل المباشرة التي تجسم لحظات انتعاش تلك الروح ، وهي بكامل حيويتها وعنفوانها في أثناء وقوع الحدث. وأشرف حشيش يقتنصها ويعيد صياغتها بالتغذية الراجعة إلى الواقع.
    وهذه من أبرز السمات الأيديولوجية والفنية التي وسم بها شعره من ناحية المضمون، كما من ناحية الأسلوب المباشر السهل والقوي والحميم، والذي يتلاءم تماما مع نبض الميدان ونبض الشارع الفلسطيني الثائر المقاوم .
    وعندما نقرأ قصيدته (من حيث سدوا الدرب مر الثائر ) وهو يخاطب الشهيد (مصباح أبو صبيح ) سنعلم لماذا يكتب أشرف حشيش الشعر .

    إن لم أخطك في الحياة قصيدة = ما كنت معترفا بأني شاعر

    في هذه القصيدة كما في كثير غيرها ،يمكننا أن نلتهب بحرارة العواطف وعنفوانها ونحن نصعد عاليا إلى قمة التحدي وقمة الفداء وقمة الولاء والانتماء . ثم نغادر القصيدة ونحن ما نزال في الأعلى .

    من حيث سدوا الدرب مر الثائر = والمسجد الأقصى بشوق ناظر

    إن تمنعوني القدس جئت مدججا = والروح تسبقني وقلبي طائر

    مصباح نور قد تخطا وهمهم = وعلى اليمين خناجر وبواتر

    كان الصهاينة قد منعوا الشهيد (مصباح) من الصلاة في المسجد الأقصى ، ومن زيارة القدس القديمة .
    فمن هنا مر الثائر ، من القدس التي منعوه منها . والتي نفذ فيها عمليته الاستشهادية .
    وكان المسجد الأقصى على مقربة منه ، وكان ناظرا إليه يراقبه بشوق.
    وكان لسان حاله يتحداهم بأنه قد جاء مدججا إلى القدس التي منعوه منها .
    جاء مدججا وروحه تسبقه إليه وقلبه يطير طيرانا لسرعة حبه الوصول إليها .
    مصباح لم يتحدهم فقط. بل هو قد تجاوز وهمهم بقدرتهم على منعه من القدس . وها هو الآن في القدس على الرغم من أسلحتهم التي تترصد حركاته عن شماله ويمينه.

    القدس أهدته الغرام بطولة = أما الوغى فكساه منه مفاخر

    وظفرت من حصن العدو بضربة = ولأنت من حز الرقاب لظافر

    الله ما أحلاه يوم زفافه = عضت على الرشاش منه خناصر

    لا تطفئوا حلما بفضل ضيائه = وغرامه عاد الزمان الغابر
    طلبت جنان الله رأسك مهرها = يا من لحور العين رحت تصاهر

    أشعلت نار الثأر يا أسد الورى = والصبح يشهد أن نورك ثائر

    إن لم أخطك في الحياة قصيدة = ما كنت معترفا بأني شاعر

    ونحن نراجع سجل قصائده فنقرأ سجل الأحداث ونقرأ أسماء الشهداء وأسماء عملياتهم.
    فالشهيد مصباح أبو صبيح و الشهيد فادي قنبر، وعمليات الدهس في القدس، والطفل الذي قتله التكفيريون في حلب ،والانتفاضة في الخليل ،وغير ذلك من الأحداث كل ذلك موثق توثيقا حميما في ألوان من التدفق العاطفي الذي يبدو غريبا جدا عندما يقارن ببساطة اللغة وسهولتها مع سلاسة التراكيب وانسياب الإيقاع وعذوبته.

    يتبع بإذن الله

  6. #6
    ناقدة وشاعرة
    تاريخ التسجيل : Jun 2013
    الدولة : في المغترب
    المشاركات : 1,257
    المواضيع : 62
    الردود : 1257
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    5- النزق الثوري شعرا

    على الرغم من أن شعراء المقاومة الأوائل قد أشعلوا أشعارهم بلهيب التحدي، وأقاموا أودها بصلابة الإصرار ، وشحنوها بكل ما أوتوا من طاقات التشبث والتجذر العاطفي . إلا إننا نكاد نستشعر في أشعارهم كذلك ميولا للاعتراف بالأمر الواقع ، من حيث كونه واقعا . فهناك مرارة الواقع الثابتة والتي لا يلتف عليها الشعراء من جهة ، وهناك التحدي والمثابرة والمصابرة من جهة أخرى.
    وهذا التناظر الواقعي أضفى على شعر المقاومة نوعا من التوازن المنطقي الذي يتوقعه القارئ .
    ويستطيع الباحث تتبع خيوط الاعتراف بالواقع في شعر محمود درويش مثلا عندما يقرأ في قصيدته ( يوميات جرح فلسطيني )
    صوتك الليلة،
    سكين وجرح وضِماد
    ونعاس جاء من صمت الضحايا
    أين أهلي؟
    خرجوا من خيمة المنفى،
    وعادوا مرة أخرى
    سبايا!
    كلمات الحب لم تصدأ،
    ولكن الحبيب
    واقع في الأسر..
    يا حبي الذي حملني
    شرفات خلعتها الريح
    أعتاب بيوت
    وذنوب.
    لم يسع قلبي سوى عينيك
    في يوم من الأيام
    والآن اغتنى بالوطن

    في مثل هذا المقطع يبدو التناظر بين التعبير عن معاناة الواقع المر (كدافع نفسي للتعبير) من جهة ، والتعبير عن التحدي كرد فعل واضحا للعيان من خلال عاطفة الحزن أساسا .
    فالشاعر يمتلك من الحزن ما يلجئه إلى إعلام القارئ بشيء من مكنونات ذاكرته القديمة البطيئة المتصلة بالواقع المر ، ثم يعلمه بعد ذلك بتحديه لذلك الواقع وصموده بوجهه.
    لكن في شعر الأستاذ أشرف حشيش يبدو هذا التناظر في النص مختلفا، كونه يميل غالبا إلى جانب التحدي دون إعلام القارئ وتذكيره بالواقع المر وفقا لأساس الحزن. بل الأساس والدافع النفسي عند أشرف حشيش هو النزق الثوري الحاد والسريع.
    فشاعرنا قد اختار أن لا يجتر المأساة وتفاصيلها الشعرية .
    وحين نبحث عن الواقع المر في شعره نستنتجه استنتاجا فقط في ردود الفعل النزقة الي يرد بها الشاعر على هذا الواقع.
    يقول
    لسـت مطلوبـا لعينيـك أسـيـرا
    لسـتّ يـا أختـاه للقمـع جديـرا
    .
    كـلّ طيـرٍ هـائـمٌ فــي جــوّه
    وغرامي فـي سمائـي أن أطيـرا
    .
    وأنــا قـيـدي قـديـمٌ عـاجـزٌ
    أذرف الشكـوى فيـرتـدّ قـديـرا

    .فالقيد القديم عاجز .وهو قديم لأنه من زمن سابق لزمن الشاعر .وهو عاجز لأن الزمن السابق كان زمن العجز .
    والشاعر حين يذرف الشكوى فإنه يحول حال القيد من العجز إلى القدرة . فلا يبقى لنا إلا فهم هذا الذرف باعتباره نوعا من التخلص . التخلص من الشكوى.

    واذرفي عني مآقي غربتي
    وارشفي وقتا من الحـزن قصيـرا
    وهكذا يوصي الشاعر بأن يأتي من ينوب عنه ليذرف عنه. كما يوصي بتخصيص وقت قصير للحزن.
    الشاعر ببساطة ، لا يرغب بأن يتشرب الحزن لوقت طويل .
    .
    وافتحـي الباب كفانـا غفـلـة
    واسمحي للضـوء يجتـاح الأثيـرا


    إن ذاكرة الألم القديم الذي يصبغ خلفية المشهد الشعري عند محمود درويش وسميح القاسم وسواهما يأتي في مقدمة اللوحة ويصعد على سطحها عند أشرف حشيش .ﻷنه ألم تفاعلي آني في لحظته. ومن ثم فإن ذاكرة الحزن عنده لم تمضغ الحزن وتهضمه ليكون أرضية للمشاعر التي ستمر من فوقه.
    بل سيكون نزق في التعبير عن الألم يمنع الشاعر من الاسترسال في التعبير عنه .ويلجئه إلى الاستعجال في رد الفعل عليه . وبهذا تتناقص الجمل الشعرية التي تعبر عن الشكوى ويستبدلها الشاعر بالعتاب.
    ولا شك أن في العتاب طاقة إضافية تزيد عن الشكوى .فالعتاب مبادرة ومباشرة في استخلاص الحقوق . بينما لا تخلو الشكوى من الندب والتسليم بما وقع على أنه وقع وانتهى أمره .
    ويمكننا تفسير هذه المفارقة بين شاعرنا ومن سبقه من شعراء المقاومة الأوائل .بالاعتماد على اختلاف التجربة الشخصية والمرحلة العمرية التي يصدر عنهما الشاعر . فشعراء المقاومة الرواد مروا بالآثار التاريخية المباشرة للنكبة الفلسطينية وعانوا من النزوح ومن التشرد .كما مروا بآثار النكسة . ولم يكن في وسعهم تغيير ذلك الواقع الذي أصبح ماضيهم الشخصي . وهذا ما يفسر تسليمهم النص الشعري لذاكرة الحزن الذي لا مناص منه. كما أنهم هم من بدأ بإحياء الروح المقاومة واختلاقها ، وهو ما يعني أنهم لم يخضعوا في نشأتهم لتغذية ثقافية نفسية عاطفية يستقوون بها بداية، فبقي جزء من الضعف الذي أورثتهم إياه المعاناة مستمرا معهم . على خلاف ما حصل عليه الشعراء العرب عموما والشعراء( الفلسطينين) خصوصا ، ومنهم جيل الأستاذ أشرف حشيش الذي تغذى من مداد شعراء المقاومة الأوائل فكبر على التحدي ومقاومة القهر دون تحمله. ومن ثم فإن حالة النزق الثوري عنده تعبر عن عدم الرغبة في التحمل ، كرد فعل استباقي دفاعي .
    فاقتليـنـي إنّ قتـلـي رحـمــةٌ
    واحرميني ضحكة العيـش صغيـرا
    .
    وامنعـي الأقـلام عـنّـي إنـنـي
    بدمائـي أشعـل السطـر سعـيـرا
    .
    أحكمـي إغـلاق سجـنـي ربــما
    زارني النجـم مـن الثقـب منيـرا
    .
    واحـذري منّـي خيـالا طائـشـا
    يركب الريح علـى الوغـد مغيـرا
    .
    وافرضي الصمـت هـدوءا ناعسـا
    وامنعي الصوت ولو كـان شخيـرا
    .
    قد غدا يا سجـنُ جلـدي مسرحـا
    وغـدا المخـرجُ فنّـانـا أجـيـرا
    .
    فاجعلـي للسـوط ظهـري ملعبـا
    واجعلـي القمـع سخيـا ووفيـرا
    .
    وتباهَيْ أننـي عن أمتي
    صرت للدمع وأوجاعي سفيـرا
    .
    فـإذا عـشـت طليـقـا ربـمـا
    أعلـن التخريـب نهجـا ومصيـرا
    .
    وإذا زرت رفـاقــي ســاعــة
    ربما أعلن فـي النـاس النفيـرا
    .
    أطلقـي فـي كـلّ دربٍ مخـبـرا
    وضعـي بالبـاب قـوّادا غفـيـرا
    .
    وخـذي الثـأر بشـتّـى مخـلـبٍ
    وافرشي الموت على الأرض حصيرا
    .
    وإذا شـئـتُ شـرابـا فامنـعـي
    وإذا شـئـتُ طعـامـا فشعـيـرا
    .
    وادّعي فـي النـاس أنّـي مجـرمٌ
    في ربى لبنان أرديـتُ (الحريـرا)
    .
    وسلـي غــزّة كــم أمطرتـهـا
    حمـم المـوت وفسفـورا غزيـرا
    .
    وقــف العـالـم مشـدوهـا ومـا
    حرّك الإجرام في النـاس ضميـرا
    .
    فاحظـري نومـي وحيـدا ليـلـة
    فلقـد أعـددت للـنـوم سـريـرا
    .
    ولقـد أعــددتُ شوقا دافـئـا
    ولقد أسرفـتُ فـي الحلـم كثيـرا
    .
    أسرعـي شُـدي وثاقـي إنـنـي
    بعد قسط النوم قد صـرت خطيـرا
    .

    .

المواضيع المتشابهه

  1. كتبتُ إليك لو أن الكتابة ../ أشرف حشيش
    بواسطة أشرف حشيش في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 06-06-2023, 12:17 AM
  2. كن حبيبي ظالمي / أشرف حشيش
    بواسطة أشرف حشيش في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 04-10-2016, 02:26 PM
  3. تريدين في ذكرى الضياع تجلّدا / أشرف حشيش
    بواسطة أشرف حشيش في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 31-05-2016, 07:09 AM
  4. لم أبلع الحوت ../ أشرف حشيش
    بواسطة أشرف حشيش في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 28
    آخر مشاركة: 07-05-2016, 09:54 PM
  5. ويبقى الخيار.. كل الخيار فيك يا مقاومة
    بواسطة بابيه أمال في المنتدى الحِوَارُ السِّيَاسِيُّ العَرَبِيُّ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 28-02-2007, 10:40 PM