م
مارسة النقد الأدبي
في العصر الجاهلي
لاشك أن الشعراء في ممارساتهم لكتابة قصائدهم كانوا يتعلمون الشعر من خلال النماذج الجميلة التي سبقتهم إما بسماعهم لهذه القصائد من خلال رواتها أومن خلال سماعها من الشعراء أنفسهم أومن خلال غناء الجواري لهذه القصائد ومن ذلك ما صنعه امرؤ القيس عندما أدرك غنائية شعر ( مرة بن الرواع الأسدي ) فذهب يعلم جواريه المغنيات شعر مرة الأسدي ثم يستمع لهذا الشعر على لسان هذه الجواري ويستمتع به ومن ثم مجاراته أوقول ما هو أفضل منه ومن شعر الشاعر مرة بن الرواع قوله
أشاقك من فكيهتك ادلاج وبت الحبل وانقطع الخلاج
كما وأن في ذهاب الشعر لبلاط الملوك حضور للنقد الأدبي فقد اجتمع حسان بن ثابت بالنابغة الذبياني وعلقمة بن عبده عند الملك الغساني جبلة بن الأيهم في حوران بمنطقة الخمّان وتعرف على علقمة مع كونه يعرف النابغة وطلب من الثلاثة إنشاد الشعر فأنشد النابغة :
كليني لهم يا أميمة ناصب وليل أقاسيه بطيء الكواكب
وأنشد علقمة بن عبده :
صحابك قلب في الحسان طروب بعيد شباب عصر حان مشيب
وأنشد حسان بن ثابت :
لله در عصابة نادمتها يوما بجلق في الزمان الأول
فأعجب الملك الغساني بقصيدة حسان بن ثابت وسماها البتارة والدارس لهذا الخبر وما فيه من نقد يكتشف أن الملك الغساني كان لديه ذائقة نقدية بارعة تمثلت في إعجابه بشعر حسان بن ثابت ووضعه في طبقة الشاعرين أو فوقهما وكذلك تبدو صورة النقد كممارسة عملية عند الجاهليين في العراق ما روي من أن النابغة الذبياني قال للنعمان بن المنذر مادحا له :
تراك الأرض أما مت خفا وتحيا أن حييت بها ثقيلا
فقال النعمان للنابغة هذا بيت إن لم تتبعه بيت يوضحه فإنها أقرب إلى الهجاء فعسر ذلك على النابغة فطلب إمهاله ثلاثة أيام فاستنجد بزهير فخرجا إلى البرية فصحبهما كعب بن زهير وكان طفلا وعسر على زهير والنابغة ما يطلبان فقال كعب للنابغة ما يمنعك أن تقول :
وذاك بأن حللت العز منها فتمنع جنبها ألا يزولا
فقال النابغة جاء بها ورب الكعبة لسنا والله في شيحاء وبصرف النظر عن أن إجازة البيت الثاني من النعمان للنابغة كانت مئة من الإبل العصافير النجائب فقد اتضح لنا ما في قول النابغة لسنا في شيء عن نفسه وعن زهير من حكم نقدي من أنهما كمبدعين فشلا أمام طفل صغير هو كعب بن زهير .
أما في المدينة المنورة يثرب كما كان يطلق عليها الجاهليون فقد كان النابغة يزورها ويجتمع بحسان بن ثابت فقد أنشد أهل المدينة مرة قصيدته التي مطلعها :
أمن آل مية رائح أو مفتدي عجلان ذا زاد وغير مزود
وهي دالية مكسورة فلما وصل إلى قوله :
زعم البوارح أن رحلتنا غدا وبذاك خبرنا الغراب الأسود
فجاء بيته هذا مقويا والإقواء معروف أنه تغير حركة الحرف الذي تبني عليه القصيدة من كسر إلى ضم أو فتح أو من ضم إلى كسر أو فتح أو من فتح إلى كسر أو ضم وقيل لما حضر النابغة المدينة غنتها إحدى الجواري ورتلت القافية أمامه عرف أنه أقوى بشعره فغير شطر البيت إلى :
زعم البوارح أن رحلتنا غدا وبذاك تنعاب الغراب الأسود
وهذا ما جعله يقول ( دخلت يثرب وفي شعري شيء وخرجت وأنا أشعر الناس ) وهذا يدل على أن بعض المهتمين بالأدب يعرفون علم العروض ويتذوقون الشعر ويذمون عيوبه .
وكذلك يبدو حسان بن ثابت رضي الله عنه ناقدا في خبر ورد عنه حيث اجتمع بالنابغة وقيس بن الخطيم وسمع منهما ثم أنشد النابغة :
عرفت منازلا بعريتنات فأعلى الجزع في الحي المبن
وقال حسان بن ثابت هلك الشيخ يعني النابغة لأنه تبع قافية منكرة ثم أنشد قيس بن الخطيم
أتعرف رسما كاطراد المذاهب لعمرة وحشا غير موقف راكب
فقال النابغة : أنت أشعر الناس يابن أخي ثم جلس حسان بين يديه وأنشده فقال النابغة :
أنشد فوالله إنك لشاعر قبل أن تتكلم ) وكان يعرف حسان قبل ذلك كما أن حسان يبدو ناقدا في قوله ( إنا إذا أردنا أن نخرج الحبرات من شعرنا أتينا بشعر قيس بن الخطيم ) على أن الحبرات قصائد مكتوبة بالحبر محفوظة على ألسنة الرواة وهي قصائد مزينة ومجودة ومنها قيس المذهبية وقد سئل حسان بن ثابت رضي الله عنه عن أشعر الناس فقال الذي يقول :
إني من القوم الذين إذا انتدوا بدؤوا بحق الله ثم النائل
المانعين من الخنا جيرانهم والحاشدين على طعام النازل
والخالطين فقيرهم بغنيهم الباذلين عطاءهم للسائل
وهو يعني بذلك عمرو بن الإطنابة لما تحمله من قيم إنسانية وقيم جمالية ( المعنى والمبنى ) وكذلك كانت العرب تعرض أشعارها على قريش لما تشمله من ثقافة في مواسم الحج وقد قدم علقمة بن عبده عليهم وأنشدهم :
هل علمت أو استودعت مكتوم أم حبلها إذا تأتيك مصروم
فقالوا هذه ( سمط الدهر ) يعني قلادة الدهر ثم جاءهم في العام المقبل فأنشدهم :
طحا بك قلب في الحسان طروب يعيد شباب عصر حان مشيب
فقالوا : هاتان ( سمط الدهر )
أما في الأسواق فقد عرف مكان النقد الأدبي في خيمة النابغة التي كانت تضرب له فينشده الشعراء ثم يحكم بينهم وذلك في سوق عكاظ وقصته في المفاضلة بين الأعشى والخنساء وحسان معروفة حيث أنشده الثلاثة ففضل الأعشى ثم الخنساء ثم حسان فقال له حسان : أنا أشعر منك ومنها ومن أبي بصير فقال له النابغة ولكنك لا تحسن أن تقول مثلي
فإنك كالليل الذي هو مدركي وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
وقد كان حسان قد أنشده :
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى وأسيافنا يقطرن من نجدة وما
ولدنا بني العنقاء وابني محرق فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنما
وكانت الخنساء قد أنشدته :
يا صخر وراد ماء قد تناوزه أهل المياه وما في ورده عار
وأن صخر لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار
وفي نقد طرفة بن العبد لخاله المسيب بن علس استنوق الجمل في قوله :
وقد أتناسى الهم عند احتضاره بناج عليه الصيعيرية مكدم
يدل على معرفته طرفة وهو صبي نظام الشعر وكذلك معرفة أم جندب بنظام الشعر حين حكمت بين زوجها امرئ القيس والشاعر علقمة بن عبده وفضلت علقمة على امرئ القيس لأصابته في وصف الخيل ففي قصيدة امرئ القيس :
خليلي مر أبي على أم جندب نقضي لبانات الفؤاد المعذب
حيث وصف فرسه بقوله :
فللسلق الهوب وللسوط درة وللزجر منه وقع أهوج متعب
وفي قصيدة علقمة بن عبده :
ذهبت من الهجران في غير مذهب ولم يك حقا كل هذا التجنب
حيث وصف فرسه :
فأقبل يهوي ثانياً من عنانه يمر كمر الرائح المتحلب
وقد قالت إن فرس ابن عبده أجود من فرسك لأنه لم يزجر ولم يضرب ولم يحرك بل أدرك فرسه ثانيا من عنانه وكذلك كان امرؤ القيس ناقدا عندما وصف قوما بقوله
-بنو النار -لجودة شعرهم



المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)