بدت في المرآة كثمرة على شجرة فاكهة , نضجت لتوّها , تغريك بقطفها . أوّل خروجها من البيت صباحا , يُكلّمها الكبير صاحب دكّان البقالة مُعاكسا , ثمّ يتبعها الصّغير تلميذ الثانويّة في عام البكالوريا , حتّى تخرج الى موقف الحافلات , ويلتقيها الأوسط في الجامعة , كلّهم اخوة , اولاد الجارة العزيزة , صديقة الوالدة .
سمعت الجارة تُحدّث الوالدة من الشّرفة , والله حمّلنا الولد أكثر من طاقته , المسكين من يوم وفاة والده حمل هم أخويه , ضحّى بدراسته ومستقبله من أجلهما , كلّمني البارحة بدموع العين وقال لي : سينجح أخي هذا العام وينتقل الى الجامعة , ويتخرّج الآخر ويتوظّف , ولن يهنأ لي بال حتى يتزوّجا , قلت له : تزوّج أنت الأوّل , والله كبرنا وأخشى أن أتركهم قبل أن أطمئن عليهم , والحياة صارت صعبة , قالت لها الأم : ( ربّنا يطوّل في عمرك , ويحفظهم ويخلّيهم لبعض ) , هم يحبّون بعضهم وهذا هو الأهم .
عند خروجها صباح اليوم الموالي , كلّمها الكبير : صباح الفل , أريد أن أخبرك شيئا , ماذا تريد ؟ ( قالت له ) , - نتكلّم في الدّاخل , وأشار الى الدكّان , اقترب منها كثيرا وقابلها بوجهه كاملا وكلّمها : تعرفين أنّي أحبّك , وأريدك زوجة , أنا جاهز ويُمكنك أن تُكملي دراستك في الجامعة , أنا رهن إشارتك الآن , ابتسمت وهمّت بالخروج , تبعها قائلا : أفهم أنّك موافقة ؟ , قالت له وقد خرجت : ان شاء الله , وجدت الصّغير ينتظرها أوّل الشّارع وقد شاهد دخولها الدّكان مع أخيه , عندما اقتربت منه أمسكها من ذراعها , ضغطت يده بقوّة , وكلّمها دامعا : أنا أحبّك , والله العظيم لو وجدت إعراضا منك سأنتحر , أفلتت منه بصعوبة وانطلقت تجري , في فسحة الجامعة التقت مع الأوسط وتبادلت معه كلمات الحب .
تواصلت اللقاءات مع الكبير في الدّكان صباحا , واتّفقت معه على عدّة أمور تخصّ ارتباطهما , ثمّ تلتقي مع الأوسط , يتحدّثان أحاديث خاصّة , وتبوح له بمكنونات نفسها , وتخرج مساءا الى الشّرفة تستمتع بمغازلة الصّغير , الّذي تفنّن في تعابير الحب , ولم يترك شيئا من جنون وحماقات العشّاق لم يرتكبه , وكانت تكتفي بالضّحك وتدخل سريعا الى البيت .
سمعت الجارة تُكلّم أمّها : ( والله خايفة على الولد ) , عنده امتحانات البكالوريا هذا العام وحاله انقلب , أظن أنّ هناك فتاة قلبت كيانه , أسمعه كثيرا يتحدّث عنها في نومه . لم تهتم الفتاة , تأنّقت وخرجت , حدّدت موعد الخطوبة مع الكبير , الّذي باغتهابعد قليل في لقائها مع الأوسط , اشتعل شجار كبير بين الأخوين , وصل حدّ الضّرب . عاد الأوسط مغتاظا مساءا الى البيت حمل حقيبته وخرج , ولم يعد . سمع الصّغير بأمر الخطوبة , دخل غرفة أخيه الأكبر حين كان يرتدي بدلته الّتي اختارها لموعد الخطوبة , وقد حمل سكّينا حادّا من المطبخ , بعدّة طعنات قويّة مجنونة , قتله .
مات الأكبر , غادر الأوسط البيت ولم يعد , ولم يُعرف له مكانا , ودخل الصّغير السّجن . وضعت الجارة حقائبها في سيارة أجرة , وجاءت تودّع الأم : بعت محل البقالة , وأجّرت البيت , لا يُمكنني العيش فيه الآن , أذهب الى بيت أختي الوحيدة . يبدو أنّ الجيران الجدد وفدوا , كانت تجلس مساءا على الشرفة كعادتها , أطلّ شاب جميل الهيئة بادلها التحيّة ودخل , ثم جاء شاب أكبر منه قليلا , ابتسم لها وأشار بيده يُعبّر عن رغبته في مقابلتها , ثم خرج شاب أصغر قليلا , وقف يتأمّلها مليّا , ثمّ أشار بيديه ورسم شكل قلب , وحرّك يديه , كأنّ القلب ينبض , وأغمض عينيه , كأنّه قد أغمي عليه , شاهدت العرض بشغف , ثمّ ضحكت ودخلت سريعا .