بلا استئذان...
يا لك من لغز حارت في فكّ رموزك العقول، وتاهت في فهم كنهك الأذهان، وغاصت الأفكار في لجّة أعماقك علّها تقبض على أصدافك لتخرج منها محار سرّك، لكن هيهات.. فأنت أكثر غموضا من أيّ سرّ، وأشدّ تعقيدا من أيّة أحجية.
ننصاع لأخطبوط مباغتتك صاغرين، فاغرين فم الدّهشة ، ومحملقين بعيون الاستغراب.. فحضورك يختلف عن أيّ حضور حين تدهم بلا استئذان حاملا مفتاح الباب الذي تقصده غير آبه بنوع الاستقبال، ولا ما ستحظى به من رفض أو استنكار.
تصبح في قوم وتمسي في غيرهم تدوس برجلي بطشك ضعف من تتركهم في زوايا الفقد، ولا يملكون سوى زفرات الأنين وحمّى الحنين ، ووجع رحيل من حملتهم على أكتاف اللاعودة؛ ملقيا بهم في محيط مجهول الأطراف، لا يدري بحال من فيه سوى خالقه.
تأتي أحيانا صيّادا ماهرا موجّها فوّهة بندقيّته نحو الطّريدة، وأحايين ناصبا الشّباك ومعدّا المصائد ليدخلها من قدّر له ذلك.. يتلوّى بين قضبان الآلام التي تجلده، يتأوّه ضجرا، ويبكي دمع العجز قهرا حتّى يملّ طول المكوث بين فكَي تمساح مقاومتك، فتأتيه منتزعا منه وجوده.
جائر أنت.. لا تميّز بين الثّمار إذ تبغي القطاف.. تقطف الفجّ منها والنّاضج، وقد تترك بعضها على شجرة الحياة لتسقط جافّة معدومة الطّعم، فتلتقطها دون اكثراث.
أيّها السّهم المنغرس في كبد الأجساد معلّقا إيّاها على مشنقة العدم، أراك تنطلق من جعبة ليس لسهامها نفاذ.. أقف مشدوهة أمام كثرة ما أطلقت، وأعجز عن وصف أحوال من أصبت..
تنهال بمنجلك عملاقا لا تتّسع له الصّدور لحظة تسلب منّا من تعلّق به وتين القلب، وتطفئ فتيل قنديل الرّغبة في العيش، مهما حاولت الإرادة انتشاله من تحت رَدم الاستسلام واليأس لإيقاده من جديد.
تنتقي من تشاء بصمت يثير ضجيج الأحياء ولا تقدر أن تتصدّى لمقدمك مشيئة أحد ..فأنت إرادة الحيّ باعث الرّوح في الجسد، لا يسعنا أمام أمره إلّا الرّضوخ حامدين مسترجعين.
[/SIZE][/SIZE]