أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 13

الموضوع: تحليل أسلوب قصيدة (أيام الأندلس) في أثره الانطباعي

  1. #1
    ناقدة وشاعرة
    تاريخ التسجيل : Jun 2013
    الدولة : في المغترب
    المشاركات : 1,257
    المواضيع : 62
    الردود : 1257
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي تحليل أسلوب قصيدة (أيام الأندلس) في أثره الانطباعي

    كنت قد وعدت الأستاذة الشاعرة ريمة الخاني بدراسة نقدية تطبيقية أوضح فيها أثر الانطباع النفسي في نقد الشعر .
    وكان قد وقع اختياري على قصيدة الأستاذ الشاعر الدكتور محمد محمد أبو كشك ( أيام الأندلس) ،كنموذج يمثل النص الشعري الذي يثير انطباعا نفسياً إيجابياً قوياً عند القارئ والناقد معاً .
    هذه هي القصيدة مع هوامشها على لسان الشاعر

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    إلى الأندلس ..إلى زمان المجد والعزة ..إلي أنسامها العذبة


    أهدي هذه القصيدة...



    أيَّامُ الأندلس

    1. زمانَ الوصلِ يا عهدَ الأَمانِى *** سَقَاكَ الغَيْثُ أَلْحَانَ الزَّمَانِ

    2. وَقَدْ أَضْحَى التَّنَائِى عَنْكَ دَوْمًا *** بَدِيلاً مِنْ بَهَائِكَ وَالتَّدَانِى

    3. كَأَنَّكَ يَا زَمَانَ المْـَجْدِ حُلمًا *** بِأنْدَلُسٍ مِنَ الماضِى أَتَانِى

    4. طَوَارِقُ فتْحِها عَبَرُوا مَضِيقًا *** فهلَّلَ بحرُهُ والشَّاطِئانِ

    5. مضَى مُوسَى وطارقُ فاتِحَاهَا *** أَيُنْسَى فى الفتوحِ القائِدَانِ؟!

    6. إِذَا مَا قُلْتُ ذاكَ مَضِيقُ موسَى ***فَمَا أَخْطَـأْتُ فِى وَصْفِ الْمَكَـانِ

    7. وَلو خَيَّرْتـُهُ لأَجَابَ دَعْنِى *** أُجَاهِدُ مُطْلِقًا دَومًا عَنَانِى

    8. وَيا صَقْرَ الخلافةِ لَسْتُ أَدرِى*** أَهادِمُ دَولةٍ أَمْ أَنتَ بانِى؟؟!!

    9. بَنَيْتَ المجدَ فِى غربٍ وشادَتْ *** أيادِيكُمْ أعَاجيبَ الزَّمانِ

    10. وَيَا قِندِيلَ قُرطُبَةٍ وصَرحًا *** أَتاهُ القَومُ مِنْ قَاصِى وَدَانِى

    11. هُنَا الزَّهْرَاءُ تَحْكِى كيفَ كانَتْ*** مُلوكُ الغَربِ تسعى لِلْأَمَانِ

    12. سَعوا لِرِضاءِ ناصِرِهَا بعينٍ *** يُشيرُ لها بَطَرْفِ الصَّوْلجَانِ

    13. أَيَا أيَّامَ قرطبةٍ رَوَتْكِ ***عيونٌ للفَصَاحَةِ والبَيَانِ

    14. كأنَّ أَبَا الوليدِ سجينُ حبٍّ ***فَشَيَّبَ رَأْسَهُ قبلَ الأَوانِ

    15. أَفِى وَلَّادَةٍ أَمْ فِيكِ أَنْتِ *** بَكَتْ أَشْعَارُهُ فى كلِّ آنِ؟

    16. أَضَاعَ الحُبُّ أَمْ قَدْ طَارَعَنْهَا ***حَمَامُ الطَّوْقِ فى سُحبِ الدُّخَانِ؟؟!

    17. وَإِشْبِيلِيَّةُ الشُّعَرَاءِ كانتْ *** بَلاطًا يَعْتَلِيهِ الشَّاعِرَانِ

    18. كَأَنِّى بِابْنِ عبَّادٍ بَشَطْر ٍ *** سَجِينًا لا تُوَاتِيهِ المَعَانِى

    19. فَتُعْطِيهِ اعْتِمَادٌ دِرْعَ مَاءٍ *** تَجَمَّدَ لا يُبَالِى بِالطِّعَانِ

    20. بِشَطْر ٍقَدْ يَنَالُ المرْءُ عِزًّا *** وَكَمْ فَاقَ القَنَا قَولُ الِّلسَانِ

    21. وَقَدْ تُلْقِى فتًى أَبياتُ شِعرٍٍ ***صريعًا تحت حدِّ الطَّبْرَزَانِ

    22. وَفِى الزَّلَّاقَةِ الأَذْفُونْشُ وَلَّتْ *** جَحَافِلُه ُ بِأَذْيَالِ الهَوَانِ

    23. أَميرَ المسلمينَ أَغَثْتَ فِيهَا *** دِيَارًا تَشْتَكِى حُكمَ التَّوانِى

    24. بَنَينَا صَرْحَ أَمْجَادٍ وَكُنَّا *** كَصَرْحٍ شَادَهُ لِلْعِزِّ بَانِي

    25. وَأُورُوبَّا ظَلَام ٌ يَومَ كُنَّا *** نُضِيءُ كَمَا يُضِيءُ الفَرْقَدَانِ

    26. أَفَقْتُ فَلَمْ أَجِدْكَ سِوَى طُلُولٍ*** وَرَسْمٍ ظَلَّ فِى نَقْشِ الْمَبَانِي

    27. وَيَا غَرْنَاطَةَ الأَمجادِ تَجْرِى *** دُمُوعُ الأُسدِ سَيْلاً فِى الجِفَانِ

    28. أَيَا نَقْشًا عَلَى الحمراءِ قُلْ لِى *** أَتَفْقَهُ دَوْلَةُ الغَرْبِ المَعَانِي

    29. وَداعًا يا ثغورَ المجدِ فيها *** وداعًا يا ديارَ أَبِى الغِسَانِ

    30. أَضاعَ ربوعَها منَّا خِلافٌ *** وسَعْىٌ للمناصبِ زائِلانِ

    31. أَيَا فِردَوسَنا المفقودَ إنَّا *** نُعانى في ضَياعك ما نُعانى

    32. وَتبكى العينُ من لهفٍ عَليك *** وَكُلُّ النَّاسِ محزونُ الجَنَانِ

    -----------------------------

    هامش يوضح بعض الاسماء والاماكن والمواقف ..والرقم هو رقم البيت الذي ذكر فيه الموقف وهنا أقدمت علي فكرة الهامش لمن أراد التوضيح فقط ..وإلا فمعظمكم يلم بقصة الأندلس جيدا ونحن نتعلم منكم والهامش فقط لتوضيح فكرة بعض الأبيات وخصوصا الأبيات المتعلقة بمواقف معينة في التاريخ..

    5- موسي هو موسي بن نصير الفاتح الشهير وفاتح الشمال الافريقي والأندلس –وطارق هو طارق بن زياد الفاتح الشهير وفاتح الأندلس أيضا تحت إمرة أميره موسي بن نصير وقد إشترك كلاهما في فتح الاندلس وتقابلا هناك بعد معارك كثيرة تم النصر فيها والفتح المبين

    8-صقر الخلافة هو صقر قريش عبد الرحمن الداخل الأموي والذي فر من العباسيين وانشأ دولة الخلافة بالأندلس وكان في العشرين من عمره حينها..وأشير في البيت الي بناء دولة في نفس الوقت الذي فيه تنفصل هذه الدولة عن حظيرة الخلافة في بغداد وهذا في رأيي من أهم أسباب سقوط الأندلس ألا وهو فصلها عن أمها وتركها جزيرة نائية بعيدة عن قلب الوحدة..لهذا أري أن عبد الرحمن الداخل نفسه هو من أسباب سقوط الأندلس رغم أنه من بناتها.

    11- الزهراء قصر بناه عبد الرحمن الناصر الخليفة الأموي بالأندلس بجوار قرطبة.

    12-ناصرها هو عبد الرحمن الناصر الخليفة الأموي الاندلسي الشهير وهو الخليفة الثامن في البيت الأموي في حكم الاندلس وفي عهده وعهد ابنه الحكم بلغت الاندلس قمة المجد والرخاء.

    14-أبو الوليد هو أبو الوليد بن زيدون الشاعر والوزير الأندلسي الشهير صاحب الوزارتين في قرطبة عند بني جهور وفي إشبيلية عند بني عباد بعد ذلك.

    15- ولاّدة هي ولاَّدة بنت الخليفة المستكفي الأندلسية وكان يتبارى الشعراء في مدحها ومنهم ابن زيدون وله فيها قصيدة من درر الشعر العربي بدايتها (أضحي التنائي بديلا من تدانينا **وطاب عن طيب لقيانا تجافينا ) وتلاحظون استخدامي لكلمة( أضحي التنائي) في بيتي الثاني وذلك إعجابا وتأثرا منّي به.


    16- حمام الطوق يقصد به الاشارة الي( كتاب طوق الحمامة) لابن حزم الأندلسي وهو كتاب شهير يتحدث عن أنواع الحب .


    18-إبن عباد هو المعتمد بن عباد حاكم إشبيلية في عصر ملوك الطوائف وهو من قادة معركة الزلاقة الشهيرة حيث استعان بالمرابطين في قتاله ضد الفونسو النصراني وانتصر المسلمون انتصارا ساحقا وكانت بداية لدخول المرابطين إلي الأندلس ونفي ابن عباد الي أغمات في بلاد المغرب حيث مات هناك ودفن بجوار زوجته الملكة اعتماد الرميكية ولا يزال قبرهما مزارا ..ومكتوب عليه هذا البيت للمعتمد :,,قبر الغريب سقاك الرائح الغادي **حقا ظفرت بأشلاء بن عباد,,


    19-البيت 19 يحكي عن قصة زواج المعتمد بن عباد باعتماد الرميكية حيث كان يسير علي شاطيء النهر هو ووزيره ابن عمار قبل توليه الحكم أيام أبيه المعتضد ولما رأى حسن المنظر قال :صنع الريح من الماء زرد ...ثم قال لابن عمار: أكمل الشطر الثاني فلم يستطع الوزير الشاعر إبن عمار إكمال البيت وإذا بفتاة تغسل الثياب علي شاطيء النهر تكمل البيت فقالت ,,أيُّ درعٍ لقتالٍ لو جمد ,,فصار البيت كالاتي (صنع الريح من الماء زرد **اي درع لقتال لو جمد )...فأعجب المعتمد ذلك واشتراها من مالكها الرميكي وتزوجها ولقب نفسه بالمعتمد مشتقا لقبه من حروف اسمها فأصبح (المعتمد محمد بن عباد).


    21-الطبرزان هي آلة حادة تشبه الفأس الصغيرةقتل بها المعتمد وزيره ابن عمار في سجنه وكان المعتمد قد أمسك به بعد انقلابه عليه وكاد أن يسامحه لولا أن ابن عمار أفشى السر الذي وعد المعتمد بكتمانه ولما سأله عن الأوراق التي كانت معه أجابه بأنه كتب فيها شعرا فساله عنها فلم يجدها فعرف انه هو من أخبر بالسر فغضب المعتمد وكان يمسك بطبرزان يشبه البلطة فضرب ابن عمار بها فقتله وحزن عليه كثيرا فقد كانا صديقين مقربين جدا وكان ابن عمار رجل الدولة الذي يعتمد عليه المعتمد حتي أن الفونسو نفسه وهو عدو المسلمين كان يسمي ابن عمار برجل الجزيرة..وللمعتمد وابن عمار قصص كثيرة تملا كتب التاريخ والادب والشعر.

    22-الزلاقة هي معركة الزلاقة الشهيرة وقد نوهت عنها من قبل.

    --الاذفونش هو ملك قشتالة الفونسو السادس اثناء المعركة.

    23-أمير المسلمين هو لقب ليوسف بن تشفين زعيم المرابطين وقد نوهت عنه من قبل حين ساعد المعتمد ثم نفاه وأسس دولة المرابطين بالأندلس وهو مؤسس مدينة مرّاكش المغربية الشهيرة وله في كتب التاريخ موسوعات ومآثر ..ومن يجهل أمير المسلمين الزاهد الورع يوسف بن تشفين!!؟ .

    27 البيت كله يرمز الي نافورة بهو الأسد الشهيرة بقصر الحمراء.في غرناطة

    28 الحمراء هو قصر بناه بنو الأحمر في الأندلس في مدينة غرناطة وهو من أعاجيب الهندسة والعمارة والفن ولا تزال آثاره قائمة إلي يومنا هذا .

    29 أبو الغسان هو موسي بن أبي الغسان القائد العربي الشهير..والذي يجهله الكثيرون مع كل أسف - والذي قاوم الأسبان اثناء سقوط غرناطة واحتار المؤرخون في مصيره وعلي الأرجح انه استشهد وهو يقاتل خمسة عشر رجلا وحده بعد أن جندل أغلبهم

    هذه بعض أيام الاندلس ...سردت بعضها لنتذكر ماضينا وكيف كنا ... وكيف أصبحنا... أعادها الله لديار الإسلام
    وأعاد لنا أيامها العظيمة وكتب لنا عبور المضيق فاتحين كما عبره الأبطال موسي بن نصير وطارق بن زياد ويوسف بن تشفين وغيرهم من الأبطال الذين فتحوا الأندلس وجاهدوا من أجلها ...والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    دكتور محمد ابو كشك


    ******

    وسأعرض في هذا الموضوع دراسة نقدية تطبيقية لهذه القصيدة.
    وبالطبع، فلا بد لي أولاً من تأطير ما اتسمت به القصيدة من خصائص أهلتها لإثارة الانطباع الإيجابي القوي في نفس المتلقي كما أرى .
    وهي ست خصائص إيجابية استخدمها الشاعر في فعل الإثارة وهي في الوقت نفسه يمكن أن تعد سمات عامة لأسلوب الشاعر في نصه :
    المعالجة الذاتية لموضوع عام
    العمل وبقوة على إثارة عاطفة محددة واضحة عند القارئ هي عاطفة الحسرة.
    استخدام ألفاظ محددة تنتمي للمخزون العاطفي الجماعي الذي يثق به الشاعر.
    التصوير الشعري البديع.
    سلاسة الإيقاع و القافية .
    أسلوب الاستعراض المشهدي في البناء الفني .
    أولا: المعالجة الذاتية للموضوع العام :
    في الشعر، المعالجة الذاتية مطلوبة. وأقصد بالمعالجة الذاتية أن تشكل شخصية الشاعر أحد العناصر الداخلية الأساسية في النص الشعري .فالشاعر في المعالجة الذاتية ليس راوياً ينقل الأحداث ويصفها دون تدخل منه، وليس مصوراً فوتوغرافيا يلتقط صوراً بعدسته الحيادية، بل هو صاحب المعاناة النفسية الذي ينتج الأحداث بتفاعله مع موضوعها، وهكذا نقرأ المحتوى الفكري لنصه وما تضمنه من عاطفة باعتبارهما رؤية ذاتية له . بقدر أعلى من المصداقية نمنحها للشاعر في نصه .
    وتتمثل أهمية المعالجة الذاتية للموضوع العام في أنها تنقل مسرح الحدث من العالم الموضوعي الخارجي المحيط بالشاعر إلى عالمه النفسي الداخلي، وهو ما يضطر القارئ لقراءة الحدث على هذا الأساس مصوباً نظره باتجاه نفس الشاعر الذي وضعها في نصه في موضع البوح، وهو ما جُبِـل القارئ بوصفه إنساناً من طبيعة اجتماعية فضولية على الشغف به .إذ من المحبب لنا أن نطلّع على ما يدور في نفوس بعضنا كبشر. وبهذا يكون الشاعر قد جذب القارئ ووجّهه للاقتراب منه، وسيدرك القارئ وهو يقرأ بأنه إنما ينظر في نفس الشاعر ويقرأ رؤيته الشخصية ،وبهذا تكون الفرصة متاحة أمام الشاعر لتنفيذ فعل الإثارة بقوة بعد أن امتلك انتباه القارئ .
    فلتتبع الأدوات التي استخدمها الشاعر في أسلوب المعالجة الذاتية ، وهي الألفاظ التي تضمنت ضمائر المتكلم (أتاني ،قلتُ ، أخطأتُ، خيرتُه،دعني، لستُ، كأني، أفقتُ،أجدك) في الأبيات التالية :
    3 .كَأَنَّكَ يَا زَمَانَ المْـَجْدِ حُلمًا *** بِأنْدَلُسٍ مِنَ الماضِى أَتَانِى
    6. إِذَا مَا قُلْتُ ذاكَ مَضِيقُ موسَى ***فَمَا أَخْطَـأْتُ فِى وَصْفِ الْمَكَـانِ
    7. وَلو خَيَّرْتـُهُ لأَجَابَ دَعْني *** أُجَاهِدُ مُطْلِقًا دَومًا عَنَانِى
    8. وَيا صَقْرَ الخلافةِ لَسْتُ أَدرِى*** أَهادِمُ دَولةٍ أَمْ أَنتَ بانِى؟؟!!
    18. كَأَنِّى بِابْنِ عبَّادٍ بَشَطْر ٍ *** سَجِينًا لا تُوَاتِيهِ المَعَانِى
    26. أَفَقْتُ فَلَمْ أَجِدْكَ سِوَى طُلُولٍ*** وَرَسْمٍ ظَلَّ فِى نَقْشِ الْمَبَانِي
    َ 28أيأَ نَقْشًا عَلَى الحمراءِ قُلْ لِي *** أَتَفْقَهُ دَوْلَةُ الغَرْبِ المَعَانِي
    فبدءاً من البيت الثالث ، يدرك القارئ أنه يوشك الآن على الاستماع إلى الشاعر وهو يصف حلماً بالأندلس أتاه من الزمن الماضي البعيد ، زمن المجد .فكل ما سيدور من أحداث الحلم سيحتل موقعه في العالم الذاتي الداخلي للشاعر.ولفظة (أتاني ) اختزلت الدلالة على رؤية الشاعر، لأنها فتحت نافذة يطل منها المتلقي على حلمه هو ليشاركه مشاهدة الأحداث .
    ثم بملاحظة وظيفة الألفاظ ( قلت وأخطأت وخيرته ودعني ) تتضح تماما العلاقة التفاعلية بين شخصية الشاعر كعنصر داخلي في حلمه وبقية العناصر الأخرى التي اتخذت ملامحها كشخصيات فاعلة أيضاً تحاور الشاعر وتجيبه .
    إِذَا مَا قُلْتُ ذاكَ مَضِيقُ موسَى ***فَمَا أَخْطَـأْتُ فِى وَصْفِ الْمَكَـانِ
    في هذا البيت يشير الشاعر إلى مضيق موسى الذي يظهر له في حلمه باستخدام اسم الإشارة (ذاك ) فكأنه ينظر إلى شيء بعيد ، لما يتوثق بعد من حقيقته ، فإذا ما قلت ذاك مضيق موسى ، فأنا أنظر إلى مكانه وأراه فعلاً .. والشاعر يؤكد ذلك( فَمَا أَخْطَـأْتُ فِى وَصْفِ الْمَكَـانِ) إذ قد يتبادر إلى ذهن القارئ بعض التشكيك ،لكن لا ، إنه مضيق موسى بعينه ، ويؤكد الشاعر بثقة من يعيش التجربة ويحكم من خلالها أنه هو مضيق موسى الذي سيختار الجهاد دوما مطلقاً عنانه وكأنه بهذا العنان الذي استعاره له الشاعر قد تحول إلى حصان من خيول المجاهدين الذين فتحوا الأندلس . إنه جواب المضيق للشاعر الذي خيّره ، لكن بين ماذا وماذا خيّره يا ترى ؟ جوابه يدل على أنه خيره بين الجهاد وبين القعود عنه ، فكان جوابه صارماً : دعني ! إذا دعني ولا تضيق عليّ بخيارك الآخر ،
    وَلو خَيَّرْتـُهُ لأَجَابَ دَعْنِى *** أُجَاهِدُ مُطْلِقًا دَومًا عَنَانِى
    فالمضيق يتكلم ويعلن عن موقفه بنزق (دعني ).ويبدو الشاعر قادراً على تفهم نزقه إذ يدعه فعلاً ليتوجه بعتابه واتهامه إلى صقر الخلافة الذي جاء دوره في الظهور في مشهد تالٍ.
    . وَيا صَقْرَ الخلافةِ لَسْتُ أَدرِى*** أَهادِمُ دَولةٍ أَمْ أَنتَ بانِى؟؟!!
    ويبدو مفيداً للغاية أن نفهم سر هذا العتاب على لسان الشاعر نفسه في هامش القصيدة إذ يوضح رأيه :
    [COLOR="rgb(46, 139, 87)"]((-صقر الخلافة هو صقر قريش عبد الرحمن الداخل الأموي والذي فر من العباسيين وانشأ دولة الخلافة بالأندلس وكان في العشرين من عمره حينها..وأشير في البيت الي بناء دولة في نفس الوقت الذي فيه تنفصل هذه الدولة عن حظيرة الخلافة في بغداد وهذا في رأيي من أهم أسباب سقوط الأندلس ألا وهو فصلها عن أمها وتركها جزيرة نائية بعيدة عن قلب الوحدة..لهذا أري أن عبد الرحمن الداخل نفسه هو من أسباب سقوط الأندلس رغم أنه من بناتها)).

    على أن ما يهمنا من البيت هو أسلوب المعالجة الذاتية الذي عبر فيه الشاعر عن موقفه الشخصي من صقر الخلافة بلفظ (لست ) وفيه تاء المتكلم تضعنا في حضور شخصين متحاورين، ولا نملك إلا أن نكون واقفين في جهة الشاعر، الذي رتب على نفسه مهمة أن ينقلنا معه في حلمه هو حيث يشاء .
    وهكذا سننتقل معه إلى مشهد جديد يخاطب فيه ابن عباد إذ يلوح له فجأة من أعماق الحلم فيستخدم الشاعر لفظ ( كأني ) بما فيه من دلالة على الشك وخوف التوهم وهو يراه :
    كَأَنِّى بِابْنِ عبَّادٍ بَشَطْر ٍ *** سَجِينًا لا تُوَاتِيهِ المَعَانِى
    وهنا نحتاج لعرض قصته مع ذلك الشطر على لسان الشاعرفي هامشه :
    ))-إبن عباد هو المعتمد بن عباد حاكم إشبيلية في عصر ملوك الطوائف وهو من قادة معركة الزلاقة الشهيرة حيث استعان بالمرابطين في قتاله ضد الفونسو النصراني وانتصر المسلمون انتصارا ساحقا وكانت بداية لدخول المرابطين إلي الأندلس ونفي ابن عباد الي أغمات في بلاد المغرب حيث مات هناك ودفن بجوار زوجته الملكة اعتماد الرميكية ولا يزال قبرهما مزارا ..ومكتوب عليه هذا البيت للمعتمد :,,قبر الغريب سقاك الرائح الغادي **حقا ظفرت بأشلاء بن عباد,,)).
    وأخيراً، يفيق الشاعر من حلمه ومازال طيف ابن عباد ماثلاً أمامه ليخاطبه هذه المرة من أرض الواقع موجوعا بوجع الفقدان والحسرة:
    .أَفَقْتُ فَلَمْ أَجِدْكَ سِوَى طُلُولٍ*** وَرَسْمٍ ظَلَّ فِى نَقْشِ الْمَبَانِي
    فأفقت ولم أجدك لفظان يستخدمهما الشاعر ليواكب تعبيره عن علاقته الشخصية بابن عباد الذي فتح الشاعر عينيه على الواقع ليكتشف فقدانه، وما كان من شيءٍ يدل على حقيقة ابن عباد سوى أطلالٍ ومباني، حملت الرسوم والنقوش من عهده .
    ولا يكف الشاعر عند هذا الاكتشاف المروّع عن مخاطبة الآثار المتبقية من الحلم والواقع معاً:

    أيأَ نَقْشًا عَلَى الحمراءِ قُلْ لِى *** أَتَفْقَهُ دَوْلَةُ الغَرْبِ المَعَانِي

    إن هذه المعالجة الذاتية لموضوع الأندلس كانت كفيلة بإثارة انطباع إيجابي قوي عندي كمتلقية ، لأنني لن أستطيع أنا الأخرى أن أقف على الحياد بمشاعري وأنا أتابع مشاهد الحلم المتتابعة ومعاناة الشاعر فيها ، ثم كيف أفاق ليصحو على واقع مشاعرالحزن الحسرة التي تمكن من إثارتها في نفس قارئه ، وهو ما سنعود لمتابعة البحث في أدواته الأسلوبية الناجحة المستخدمة في النص ....
    يتبع بإذن الله
    [/COLOR]

  2. #2
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Oct 2013
    المشاركات : 553
    المواضيع : 40
    الردود : 553
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    أحسنت الإنتقاء قصيدة فعلاً جميلة وتحمل معانٍ وجدانية ...., لكن أرى في البيت العاشر " مِنْ قَاصِى وَدَانِى" والصواب من قاصٍ ودانِ

    تحياتي لك

  3. #3
    الصورة الرمزية محمد حمود الحميري مشرف قسم الشعر
    شاعر

    تاريخ التسجيل : Jan 2013
    الدولة : In the Hearts
    المشاركات : 7,924
    المواضيع : 168
    الردود : 7924
    المعدل اليومي : 1.92

    افتراضي

    أحسنتِ .. وأجدتِ
    شكرًا شاعرتنا .

  4. #4
    ناقدة وشاعرة
    تاريخ التسجيل : Jun 2013
    الدولة : في المغترب
    المشاركات : 1,257
    المواضيع : 62
    الردود : 1257
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ايهاب الشباطات مشاهدة المشاركة
    أحسنت الإنتقاء قصيدة فعلاً جميلة وتحمل معانٍ وجدانية ...., لكن أرى في البيت العاشر " مِنْ قَاصِى وَدَانِى" والصواب من قاصٍ ودانِ

    تحياتي لك

    شكراً لحضورك الكريم أستاذ إيهاب الشباطات
    ما يتعلق بالبيت العاشر (مِنْ قَاصِى وَدَانِى)" والصواب من قاصٍ ودانِ
    أعتقد أن الشاعر عدّل (قاصي) إلى (قاصٍ)..ولكن لعدم انتباهي أنا ، لم أعدّل الكلمة ، فأرجو العفو ، وأشكرك على ملاحظتك .
    وأما ما يتعلق ب(داني ) فتعديلها إلى ( دانٍ) غير وارد لأنها في موضع القافية وتكتب مع استبدال الإشباع بالتنوين ( داني ) ،إذ ليس ثمة تنوين في القافية .
    كل الشكر والتقدير لاهتمامك
    ولك التحية

  5. #5
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Oct 2013
    المشاركات : 553
    المواضيع : 40
    الردود : 553
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ثناء صالح مشاهدة المشاركة


    وأما ما يتعلق ب(داني ) فتعديلها إلى ( دانٍ) غير وارد لأنها في موضع القافية وتكتب مع استبدال الإشباع بالتنوين ( داني ) ،إذ ليس ثمة تنوين في القافية .
    ما أعرفه غير هذا , الاسم المنقوص إذا جاء في القافية غير معرف ب ال التعريف أو الإضافة أو منصوبا يُكتب بحذف الياء ..... كقول البحتري :

    أسَاءَ لَهيبُ خَدٍّ مِنكَ تُدْمي
    مَحَاسِنُهُ بقَلْبٍ، فيكَ، دامِ
    لا حظي دامِ بكسر الميم وليس دامي , ولا يكتب بالياء اللهم إلا إذا كان عَلَماً كقول البحتري :
    أَشْجَى وَأْرْمَى بِوْجْدٍ مُنْصِبٍ وهَوًى
    مُبْرِّحِ الخَبْلِ في شَاجِي وفِي رَاِمي

    شاجي و رامي هنا اسمان لجاريتين يتغزل بهما البحتري .....
    والله أعلم

    تحياتي لك

  6. #6
    ناقدة وشاعرة
    تاريخ التسجيل : Jun 2013
    الدولة : في المغترب
    المشاركات : 1,257
    المواضيع : 62
    الردود : 1257
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ايهاب الشباطات مشاهدة المشاركة
    ما أعرفه غير هذا , الاسم المنقوص إذا جاء في القافية غير معرف ب ال التعريف أو الإضافة أو منصوبا يُكتب بحذف الياء ..... كقول البحتري :

    أسَاءَ لَهيبُ خَدٍّ مِنكَ تُدْمي
    مَحَاسِنُهُ بقَلْبٍ، فيكَ، دامِ
    لا حظي دامِ بكسر الميم وليس دامي , ولا يكتب بالياء اللهم إلا إذا كان عَلَماً كقول البحتري :
    أَشْجَى وَأْرْمَى بِوْجْدٍ مُنْصِبٍ وهَوًى
    مُبْرِّحِ الخَبْلِ في شَاجِي وفِي رَاِمي

    شاجي و رامي هنا اسمان لجاريتين يتغزل بهما البحتري .....
    والله أعلم

    تحياتي لك
    ربما يصح الوجهان ، فقد وجدت الوجهين -بعد البحث- في قصيدة البهاء زهير ( يا كثير الصدود والإعراض ) ، وفيها يقول :
    يا كَثيرَ الصُدودِ وَالإِعراضِ ** أَنا راضٍ بِما بِهِ أَنتَ راضِ
    كما يقول :
    أَمَلي فيكَ دونَهُ سَيفُ لَحظٍ ** ذاكَ مُستَقبَلٌ وَهَذاكَ ماضي
    وأيضا :
    هَذِهِ قِصَّتي وَهَذا حَديثي **وَلَكَ الأَمرُ فَاِقضِ ما أَنتَ قاضي
    فاجتماع الحالتين في قصيدة واحدة يدل على التساهل في الأمر . وأما عن رأيي ، فأنا أميل إلى كتابة ياء الإشباع ، لأن الكسرة تجعلها مظنة عدم الإشباع .
    وفيما لو قرئ البيت منفرداً عن قصيدته فلعل عدم كتابة ياء الإشباع يجعل القافية - في بعض البحور - مظنة التقييد وهي مطلقة . فكتابتها تفيد الاحتياط .
    شكراً لتفاعلك أستاذ إيهاب

  7. #7
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Oct 2013
    المشاركات : 553
    المواضيع : 40
    الردود : 553
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ثناء صالح مشاهدة المشاركة
    ربما يصح الوجهان ، فقد وجدت الوجهين -بعد البحث- في قصيدة البهاء زهير ( يا كثير الصدود والإعراض ) ، وفيها يقول :
    يا كَثيرَ الصُدودِ وَالإِعراضِ ** أَنا راضٍ بِما بِهِ أَنتَ راضِ
    كما يقول :
    أَمَلي فيكَ دونَهُ سَيفُ لَحظٍ ** ذاكَ مُستَقبَلٌ وَهَذاكَ ماضي
    وأيضا :
    هَذِهِ قِصَّتي وَهَذا حَديثي **وَلَكَ الأَمرُ فَاِقضِ ما أَنتَ قاضي
    فاجتماع الحالتين في قصيدة واحدة يدل على التساهل في الأمر . وأما عن رأيي ، فأنا أميل إلى كتابة ياء الإشباع ، لأن الكسرة تجعلها مظنة عدم الإشباع .
    وفيما لو قرئ البيت منفرداً عن قصيدته فلعل عدم كتابة ياء الإشباع يجعل القافية - في بعض البحور - مظنة التقييد وهي مطلقة . فكتابتها تفيد الاحتياط .
    شكراً لتفاعلك أستاذ إيهاب

    أشكرك على المعلومات والقضية عندي فيها مجال للبحث , لكنني أميل إلى الكتابة بالكسر لأن فيه إجراء واحد وهو حذف التنوين , اما الكتابة
    بالياء ففيها إجراءان الأول الحذف والثاني الإشباع .... ومع ذلك قد يكون ما قلتيه هو الصواب لا أستطيع أن أجزم الآن .

  8. #8
    ناقدة وشاعرة
    تاريخ التسجيل : Jun 2013
    الدولة : في المغترب
    المشاركات : 1,257
    المواضيع : 62
    الردود : 1257
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    ثانياً: إثارة عاطفة الحسرة

    عاطفة الحسرة تتكون من مزيج مشاعر الفقدان والندم غير المجدي على ذنب التفريط بالمفقود. فالمفقود ثمين ، والفاقد يعي عدم إمكانية استرداده في العالم خارج الذات. فلا يتبقى من طريقة تعويض أمامه سوى استحضاره داخليا ًبـإقامة خيال ذكراه وغلق باب الوعي دون ذلك .
    وهنا شاعر يستدعي شخوصه البائدة بإلحاحه المؤلم، كما يُستدعى فقيد عزيز خطفَه الموت حديثاً بشم رائحة ثيابه وتقبيل أدواته ومحاورة صوره.فإمعاناً من الشاعر في محاولة إعادة شخوصه إلى الحياة يستحضر لهم أماكنهم وأدواتهم وأحوالهم ،كي يعودوا حقاً، وكي تتكامل في مشاهد عودتهم ملامح ( أيام الأندلس ) ذلك التكامل الذي يسمح به الاستغراق النفسي في تفاصيل الحدث ، حتى تصعب مغادرته على الشاعر والقارئ معاً ، وحتى لا يتم الانفصال عن المشهد.
    فلذلك ترى في القصيدة قصر الزهراء ينهض من هنا ، وقصر الحمراء يلوح من هناك، وفيما يهلل البحر والشاطئان في استقبال الفاتحين موسى بن نصير وطارق بن زياد، يومض قنديل قرطبة، ويسيل الماء من نوافير عيون الأسد في بهو قصر الحمراء في غرناطة .
    إن مأثرة أسلوب الشاعر في قصيدته المشهدية هذه تتجلى تماما في استدعائه الشخوص الذين حشدهم حشداً ليظهروا تباعاً كل في دوره في مشهده الخاص، وقد حضروا جميعا حقاً، ولم يتخلف منهم أحد ، وقد جاء بهم الشاعروهم يحملون معهم أدواتهم التي كانت ما تزال في أيديهم يوم توقف الزمان على أحداثهم ،وبإحصاء عدد الشخصيات التي ذكرها الشاعر في النص سنلاحظ حضور ثلاث عشرة شخصية فردية (موسى ، طارق ، صقر الخلافة ، ناصرها ، أبا الوليد ، ولادة ، ابن عباد ، اعتماد ، فتى (الوزيرابن عمار) الأَذْفُونْشُ ،أمير المسلمين (يوسف بن تشفين ) أبي الغسان ) ومن أدواتهم وأماكنهم ذكر ما يقارب ذلك ( قنديل قرطبة ، الصولجان ، الطبرزان ، كتاب طوق الحمامة ، قصر الزهراء ، قصر الحمراء، نوافير عيون الأسد، الزلاقة، قرطبة ، إشبيلية ، غرناطة ).
    فالخليفة عبد الرحمن الناصر مثلاً جاء وفي يده الصولجان الذي سيشير بطرفه إلى قصر الحمراء ملمحاً إلى الدعة والرفاهية والنعيم الذي شُغل به سكان القصر في عهده . وأما اعتماد تلك الصبية ذات البديهة السريعة فقد ظهرت في وقتها المناسب لحظة كان الخليفة ابن عباد يتنزه في القصيدة قرب شاطئ النهر، وقد ارتج عليه إكمال بيت الشعر لتكمله لحظتها فتحوز على إعجابه. هو الذي قتل وزيره وصديقه ابن عمار دون قصد بأداة الطبرزان الذي وضعه الشاعر في يد ابن عباد ليشهد على فعلته .
    لقد عاد الأندلسيون في هذه القصيدة لاستئناف حياتهم المكررة فعاشوا تجاربهم العالقة في الزمن، فإذا بنا نلتقي بأبي الوليد ابن زيدون أسير حب ولادة بنة المستكفي التي تسبب حبها في ظهور شيب شعره قبل أوانه ، فيما يحاول الشاعر أن يجد له عذراً آخر هو احتمال حبه "قرطبة"
    أَيَا أيَّامَ قرطبةٍ رَوَتْكِ ***عيونٌ للفَصَاحَةِ والبَيَانِ
    كأنَّ أَبَا الوليدِ سجينُ حبٍّ ***فَشَيَّبَ رَأْسَهُ قبلَ الأَوانِ
    أَفِى وَلَّادَةٍ أَمْ فِيكِ أَنْتِ *** بَكَتْ أَشْعَارُهُ فى كلِّ آنِ؟
    أَضَاعَ الحُبُّ أَمْ قَدْ طَارَعَنْهَا ***حَمَامُ الطَّوْقِ فى سُحبِ الدُّخَانِ؟؟
    . وَإِشْبِيلِيَّةُ الشُّعَرَاءِ كانتْ *** بَلاطًا يَعْتَلِيهِ الشَّاعِرَانِ

    فأيام قرطبة التي روتها عيون الفصاحة والبيان هي الإشارة من الشاعر إلى الأجواء الثقافية التي سادت في الأندلس ، ومن ذلك يذكر ثقافة (طوق الحمامة ).
    أَيَا أيَّامَ قرطبةٍ رَوَتْكِ ***عيونٌ للفَصَاحَةِ والبَيَانِ
    أَضَاعَ الحُبُّ أَمْ قَدْ طَارَعَنْهَا ***حَمَامُ الطَّوْقِ فى سُحبِ الدُّخَانِ؟؟
    . وَإِشْبِيلِيَّةُ الشُّعَرَاءِ كانتْ *** بَلاطًا يَعْتَلِيهِ الشَّاعِرَانِ
    كما أن أجواء النصر الذي تحقق في معركة الزلاقة ماثلة و مخيمة في زاوية ما على مسرح الأحداث .
    وَفِى الزَّلَّاقَةِ الأَذْفُونْشُ وَلَّتْ *** جَحَافِلُه ُ بِأَذْيَالِ الهَوَانِ
    أَميرَ المسلمينَ أَغَثْتَ فِيهَا *** دِيَارًا تَشْتَكِى حُكمَ التَّوانِى
    لقد علق الشاعر نفسه وسط هذا التمثيل المتقن المحاط بالتفاصيل لدرجة أنه حاصر نفسه وحاصر القارئ بحواجز نفسية لا تجيز الخروج خارج جدران الحلم الشاهقة .
    ومن ذلك نلاحظ عدم تعرض الشاعر لمسألة الإسقاط على الواقع المعاصر إسقاطا ً تفصيلياً واضحاً – وإن بدت إمكانية الإسقاط ممكنة من قبل القارئ – مع الانتباه إلى أن مسألة الإسقاط غالباً ما تمثل الحافز الاستراتيجي الذي يدعو الشعراء للاقتراب من حقبة تاريخية أو حدث تاريخي ما، إذ قد اعتدنا خلال قراءتنا للتاريخ النظر إليه بدافع استكشاف الحاضر، وفقاً للتأثر بمقولة " إن التاريخ يعيد نفسه " .
    وإن عدم الإسقاط على الواقع قد انعكس بعدم استخدام الرمز واللجوء إليه ، إلا أن ذلك لم يدفع القصيدة لتتصلب في برودة (المباشرة ) إذ كفى الحلم الذي تابعنا مشاهده المتتابعة الشاعر عبء الترميز ، وكأن وظيفة الخيال في الرمز قد انتقلت إلى بديل آخر هو فضاء الحلم المشهدي.
    كأَنَّكَ يَا زَمَانَ المْـَجْدِ حُلمًا *** بِأنْدَلُسٍ مِنَ الماضِى أَتَانِى
    وفي النتيجة انعكس ذلك كله في صراحة ووضوح دلالات الألفاظ ، إذ التزم كل اسم ورد في النص التزاما كاملاً بدلالته المعنوية المباشرة . كما هو واضح في ألفاظ البيت الآتي :
    أَضاعَ ربوعَها منَّا خِلافٌ *** وسَعْىٌ للمناصبِ زائِلانِ

    وكأن النص بهذا التحليل اعتمد أسلوبا مباشراً داخل أسلوب غير مباشر ، فلا يؤخذ نقص الخيال على القصيدة لأن الواقع الوثائقي فيها كان في مستوى الخيال.ويمكننا أن ندرك أهمية ذلك الاستعراض الوثائقي، إذا قرأناه من خلال غرض الشاعر الأساسي لقصيدته وهو إثارة عاطفة الحسرة بشكل خاص، فلو أسقط الشاعر ذلك الاستبصار التاريخي على الواقع المعاصر، كما هو شائع في مثل هذه القصيدة، لفهمنا أن استبصاره التاريخي في قصيدته هو وسيلة لا غاية بحد ذاته. في حين أننا نرى الاعتكاف الداخلي ضمن صومعة الحدث التاريخي قد أفاد ودلّ على شدة الوفاء للحدث إلى درجة الاندماج فيه والاقتصار عليه، ضنا به .
    وهكذا تمكن الشاعر من حجز قارئه ضمن المفارقة بين لوعة الفقدان والتشبث بإعادة الفقيد إلى الحياة .ومن هذا المزيج العاطفي المتفاعل تتركب عاطفة الحسرة التي يخلص لها القارئ العربي استجراراً للألم كنوع من جلد الذات العربية العامة ومعاقبتها على التفريط بالمفقود الأندلسي العزيز .
    وَداعًا يا ثغورَ المجدِ فيها *** وداعًا يا ديارَ أَبِى الغِسَانِ
    أَضاعَ ربوعَها منَّا خِلافٌ *** وسَعْىٌ للمناصبِ زائِلانِ
    أَيَا فِردَوسَنا المفقودَ إنَّا *** نُعانى في ضَياعك ما نُعانى
    وَتبكى العينُ من لهفٍ عَليك *** وَكُلُّ النَّاسِ محزونُ الجَنَانِ
    وما زلنا نتكلم عن عاطفة الحسرة ، واستكمالا لهذه الناحية من البحث سنتابع دراسة الألفاظ التي انتقاها الشاعر كأدوات فنية تعينه على تعبئة مشاعر قرائه بهذه العاطفة فيما يأتي ...
    يتبع بإذن الله

  9. #9
    ناقدة وشاعرة
    تاريخ التسجيل : Jun 2013
    الدولة : في المغترب
    المشاركات : 1,257
    المواضيع : 62
    الردود : 1257
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    ثالثا-استخدام الألفاظ التي تنتمي للمخزون العاطفي الجماعي:

    لقد ارتكز الشاعر في الدلالات المعنوية للألفاظ التي اختارها على المفهوم الجمعي مقابلة مع المفهوم الفردي للفظ .ولكي أوضح قصدي بهذا الكلام سأعطي مثالا عن المفهوم الفردي والمفهوم الجمعي للفظ نفسه . فالمفهوم الفردي هو المستوى الذي تبدو فيه المفردة مشحونة بالخبرة الذاتية الشخصية للشاعر نفسه في علاقته مع المفردة ، والمعنى الذي تحمله يخص الشاعر دون غيره ويمثل تجربته الشخصية هو والتي يختلف بها عن سواه من البشر . بينما المفهوم الجمعي يقدم المفردة نفسها من مستوى الخبرة الجماعية العامة الذي هو قاسم مشترك بين الأفراد، وبهذا نرى تداول الألفاظ في هذا المستوى يصلح في مخاطبة الجماعة كي يثير الانطباع المطلوب نفسه عند جميع المتلقين . فمثلا ً عند البدء من لفظي(زمان الوصل) في البيت الأول

    زمانَ الوصلِ يا عهدَ الأَمانِى *** سَقَاكَ الغَيْثُ أَلْحَانَ الزَّمَانِ
    فإن ما سيثيره اللفظان عند المتلقين هو ذاكرة الموشحات الأندلسية التي يترنم بها الجميع ، والشاعر الذي بتعمده هذا التناص مع موشح الشاعر الأندلسي لسان الدين ابن الخطيب
    جادك الغيث إذا الغيث همى ****يا زمان الوصل في الأندلس
    أخرج اللفظ في مطلع الموشح من فردية وخصوصية دلالته المعنوية التي قصدها ابن الخطيب ،إلى دلالة اصطلاحية جمعية مكرسة لإثارة ذاكرة الموشحات بالفعل ، وهكذا يشحن الشاعر لفظي ( زمان الوصل) بشحنة عاطفية عامة قادر على إثارة العاطفة نفسها عند جميع القراء وقادرة على تكوين انطباع نفسي إيجابي قوي .فبهذا الفعل الترميزي مد الشاعر الخيوط النفسية غير المرئية بينه وبين قرائه على طول القصيدة.
    وبهذا التناص شبه التام بين بيته وبيت ابن الخطيب أكمل شاعرنا بيته بدعاء السقيا لزمان الوصل، ولكن سقياه ليست غيثاً كما هي عند ابن الخطيب الذي استعارها من ثقافة المقولة الشعبية ، وإنما هي( ألحان الزمان)، أوليست ألحان الزمان هي ألحان الموشحات الأندلسية في الذاكرة الجماعية؟ ؟ ...
    ومثال آخر عن توظيف الألفاظ ذات المدلول الثقافي الجماعي بغاية إثارة الانطباع النفسي العام لفظا (أضحى التنائي)

    وَقَدْ أَضْحَى التَّنَائِى عَنْكَ دَوْمًا *** بَدِيلاً مِنْ بَهَائِكَ وَالتَّدَانِى
    فالتنائي عند ابن زيدون هو تجربته الخاصة التي خاطب بها محبوبته ه ،لكنه بالاقتباس تحول عند شاعرنا أبي كشك إلى رمز خطابي عام مسخر لإحداث انفعال جماعي عند القراء. فتعبير (أضحى التنائي ) أضحى إشارة رمزية فاضت في دلالتها عن أصل معناها المشحون باليأس ، والتنائي هنا مطلق اليأس، هو تناءٍ دائم (دوماً) عن الأندلس وبهائه .
    ومن ذلك قوله( طَوَارِقُ ) و(الشاطئان )

    طَوَارِقُ فتْحِها عَبَرُوا مَضِيقًا *** فهلَّلَ بحرُهُ والشَّاطِئانِ
    ولأن هذين اللفظين مرتبطان أصلاً بالموقع الجغرافي الذي يرسم بيئة الحدث كأسماء المدن والقصور والمواقع (قرطبة ، غرناطة ، إشبيلية ، الحمراء ، الزهراء )، أو حتى رموز ثقافية (( طوق الحمامة ) طلول ، رسم ، نقش المباني ) وكل ذلك يتطلب ثقافة عامة من القارئ، تمكنه من الانخراط نفسياً في الجو التاريخي العام الذي يشيعه السياق، كما هو متوقع مع الألفاظ التي تحولت إلى إشارات رمزية جماعية، نرى الشاعر قد أحسن بوضعه هامشاً للقصيدة يبين فيه تلك المواقع والأسماء، فهذا الهامش يكاد يكون ملحقا ضروريا للقصيدة يساعد على تنشيط الأثر الانطباعي الجماعي بسرد مدلولات الألفاظ لتفعيل الأسماء وإحياء الشخوص والمواقع .
    ثم من ناحية تناسب اللفظ مع العاطفة نرى الشاعر قد أوفى متطلبات القصيدة إلى حد ما باستخدامه ألفاظ [COLOR="rgb(139, 0, 0)"](عهد الأماني
    ) فالأماني أمان وليست واقعاً ، (أضاع الحب ؟) ولعل الحب قد ضاع فعلاً ، (أم قد طارعنها حمام الطوق ) ولعل الحمام قد طار عنها ، ف طار عنها ) تعني أنه هجرها ، وإلى أين طار يا ترى ؟ وما مصيره بعد أن طار عنها ؟ لقد أصبح في (سحب الدخان ) وتلك نهاية التبدد ومنتهى التلاشي ...الحمام الآن في (سحب الدخان )...والدخان يتبدد ويتلاشى ولا يمكن الإحساس بملامسته .ثم (وداعا) (وداعا)
    وَداعًا يا ثغورَ المجدِ فيها***وداعًا يا ديارَ أَبِى الغِسَانِ
    وأمام تكرار (وداعاً) هكذا...يقف القلب ليعاني محنة جولة الوداع، ويفتح الشاعر ب (وداعاً) الثانية متنفساً لعالم اللاوعي الشخصي عند كل قارئ لكي يستكمل تجربة هلع الوداع من مكنونه الذاتي ..وخاصة مع ارتباط اللفظ بلفظ آخر ذي دلالة معنوية عميقة في موضوع الوداع وهو ( ديار) وداعًا يا ديارَ أَبِى الغِسَانِ ...لا، إنها ليست الآن ديار أبي الغسان فقط ..بل هي عند القارئ دياره وتجربته الشخصية، إنها الآن ممتدة إلى صميم ألمه الذاتي كإنسان يتمثل تجربة الوداع .
    وفي آخر بيتين يكثف الشاعر الحسرة في الألفاظ فتأتي كلها متجاوبة لتتم معنى لوعة الفقدان وتثمين المفقود
    (فردوسنا المفقود ، نعاني ، تبكي العين ، لهف عليك ، كل الناس محزون الجنان )

    31. أَيَا فِردَوسَنا المفقودَ إنَّا *** نُعانى في ضَياعك ما نُعانى
    32. وَتبكى العينُ من لهفٍ عَليك *** وَكُلُّ النَّاسِ محزونُ الجَنَانِ

    يتبع ...بإذن الله

  10. #10
    الصورة الرمزية محمد محمد أبو كشك شاعر
    تاريخ التسجيل : Nov 2013
    المشاركات : 5,134
    المواضيع : 367
    الردود : 5134
    المعدل اليومي : 1.35

    افتراضي

    [COLOR="Crimson"]صدقيني استاذة ثناء ما علمت بأمر هذه النافذة هنا الا الليلة
    أنا جد سعيد بهذا التحليل والاهتمام بشعري حفظك الله يا غالية والله كثير علينا هذا فجزاك الله خيرا استاذتنا الاريبة الاديبة ثناء صالح
    كثير فعلا هذا وما هي الا خربشات شاعر وطويلبك أستاذتي الكبيرة القدر

    وأين أنا من كل هذا فذا جلباب فضفاض على مثلي !!

    طيب أمر على ما كتب ايهاب العزيز ربما معه حق في واحدة ومعي حق في الاخرى كما بينت ناقدتنا الكبيرة فعلا وللشعراء من ذا الكثير من باب الضرورة في القافية فقط لكن تلك التي في الحشو انا غيرتها فعلا لكن لن اغير تلك التي في القافية حيث يا ايهاب تبيحها الضرورة الشعرية كما اباحتها لشوقي والبارودي والكثيرين والمجال في حصر ذلك يصعب الان لكن اعدك ان شاء الله بان اتيك بمثيلات لشوقي والبارودي على سبيل التحديد/COLOR]
    مصر

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. أثر ترك أثره في نفسي
    بواسطة مازن لبابيدي في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 13-02-2024, 09:16 PM
  2. أيَّامُ الأندلس
    بواسطة محمد محمد أبو كشك في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 31
    آخر مشاركة: 31-05-2015, 07:30 PM
  3. الحياء و أثره في الحياة
    بواسطة عادل عبدالوهاب ابوالمقداد في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 18-03-2013, 06:11 PM
  4. ابن هشام و أثره في النحو العربي
    بواسطة بابيه أمال في المنتدى المَكْتَبَةُ الأَدَبِيَّةُ واللغَوِيَّةُ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 05-08-2011, 06:18 PM
  5. الحسد و أثره على حياة المسلم...!!!
    بواسطة ابو دعاء في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 20-11-2006, 01:13 AM