أحدث المشاركات

قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» مصير الكوكب على متن الشراع الشمسي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» وذُلّت الأعناق مقتطف من رواية قنابل الثقوب السوداء...» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» الفصل الثاني من رواية وتستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الأم الجريحة» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» و تستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الفصل الأول من الرواية بقلم بوشعيب» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» نعم القائد» بقلم عطية حسين » آخر مشاركة: احمد المعطي »»»»» قراءة في مقال يأجوج و مأجوج ... و حرب العوالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» الطفل المشاكس بقلمي» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» @ تَعَاويــذ فراشَــةٍ عَاشِقـَـة @» بقلم دوريس سمعان » آخر مشاركة: دوريس سمعان »»»»»

النتائج 1 إلى 9 من 9

الموضوع: تحولات الأمكنة ومكائد الزمن..

  1. #1
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Sep 2004
    الدولة : أرض السرد
    المشاركات : 508
    المواضيع : 62
    الردود : 508
    المعدل اليومي : 0.07

    افتراضي تحولات الأمكنة ومكائد الزمن..



    تحولات الأمكنة ومكائد الزمن في نصوص جيل التحولات العسيرة .

    ( قراءة في مجموعتين قصصيتين لمحمود الديداموني وعبدالله مهدي )

    بقلم : سمير الفيل

    الجزء الأول


    السرد حالة من حالات الانكشاف التام للكاتب إذ يتهيأ فيها للحديث عما يعرفه ، وما يستشعره من أحاسيس غامضة ، ورؤى لم تتشكل كلية ، إضافة إلى المادة المعرفية التي يقدمها للمتلقي مع شذرات تمر عبر ذاته من حواديت الجدات ، ونتف من السيرة الذاتية بشكل أو آخر ، مع ما قد نراه من كشف حقيقي لأسرار الأمكنة والمجتمعات التي يعيش فيها .
    لذا لن يكون غريبا أن أتعرف على الكاتب من خلال سرده ، وأقترب من مزاجه الفني ومنطلقاته الفكرية بعد أن أقرأ نصوصه التي هي بشكل أو بآخر وثيقة شديدة الدقة للهواجس والرؤى والأحلام ، ونفثات الصدور ، وفيض من خواطر ، ومسرات وأحزان لأناس يعيشون الحياة بحلوها ومرها .
    وقد أسند إلى المنظمون لهذا المؤتمر الكتابة عن أديبين معا هما محمود الديداموني في مجموعته القصصية ( ليست كغيرها ) (1) ، وعبدالله مهدي في مجموعته ( العودة ) (2)، وقد انتابتني الحيرة في الخطة التي علي أن اتخذها لمعالجة العملين نقديا ، فهناك أسلوب قد يرتاح له الكثيرون هو أن تحدد " ثيمة " ما يتم تتبعها في العملين ، حينها يذهب الناقد في التنقيب داخل ثنايا النصوص عن العوامل الفنية المشتركة ، وهناك طريقة أخرى تتضمن الكتابة عن كل كتاب بمفرده .
    وقد فضلت أن أنتهج الطريقة الثانية حتى لا ألوي عنق الأشياء ، وليأخذ كل كاتب حقه المشروع في المعالجة لأنني اعتبر النقد عملية تحليل للنص مع إعادة قراءة فنية بالأساس للمعمار الفني والأبعاد الفكرية التي يطرحها خطاب كل نص على حدة .
    أعلم أن الكاتبين ينتميان إلى الريف المصري ، وهذا واضح تماما في مناخات القص ، وأسلوب الحكي ، وفي علامات الكتابة والمحو التي يمكن أن يكتشفها الباحث من وراء السطور . ربما يميل عبدالله مهدي إلى أسلوب المفارقة ، والوخز في نصوصه القصيرة الحادة ، فيما يتجه محمود الديداموني نحو البوح والإفضاء بهمومه عبر مونولوجات جد قصيرة لكنها موحية ومؤثرة .
    عبدالله مهدي المولود في 10/ 11/ 1968بقرية كراديس مركز ديرب نجم قريب المولد والمناخات البيئية من محمود ابراهيم الديداموني مدكور المولود في 29/ 10/ 1969 ولم أعثر في المعجم ( 3) على اسم القرية التي ولد بها لكنها بالتأكيد قرية مصرية قلبا وقالبا كما تشي بذلك نصوصه التي سنتناولها بالدراسة . ما وددت قوله أن ما يميز هذا الجيل الذي ولد في أعقاب هزيمة يونيو 1967 هو تلك الفرادة التي يمكنك كناقد أن تعثر عليها في المعمار الفني ، وفي التشكيل اللغوي ، ثم في مسارات السرد مما يؤكد أن الكتابة هي مشروع فردي واجتهاد شخصي بحت مهما كانت هناك من جذور بيئية ونطاقات جغرافية للتأثير . ولن يكون من الصعب أن تعثر كذلك على رنة الشجن ، والإحساس القوي بنوع ما من الحزن الدفين الذي يحوم في فضاءات النصوص مع مسحة من الكبرياء الوطني لا تمنع مطلقا من ظهور نبرة السخرية التي تطال أغلب النصوص وتنسج على مهل بطرائق آداء مختلفة . ستكون دراستي حول المكان وعلاقته بزمن الأحداث عبر خطوط السرد في نصوص الكاتبين ، وقد رأيت أن ابدأ بمجموعة الديداموني لأن غلافها الجميل شدني ، فيما جاء غلاف مهدي مساحة خضراء صامتة لم أعثر على دلالة اللون وحسن اختياره سوى مع الولوج إلى نصوصه القصصية التي تميزت بالقصر والتكثيف الشديد .

    * الغموض كموقف ، والدلالات المستحقة :

    يطوع الديداموني نصوصه القصصية للتعبير عن مكائد الزمن ، عن خيبات قديمة متوارثة ، وهو لايني يبحث عن إمكانية الخلاص من هذا التعب الذي يحوطه ، وذلك الحصار الذي يسور أيامه وهو يستخدم أسلوبا عماده البوح الشفيف خاصة في مواقف غرائبية يختلط فيها الواقع مع الحلم فلا يمكنك أن تنسحب في هدوء من الفخ المنصوب لك بإحكام . هناك تورط في الحدث وخيوط تشد البطل نحو مصيره المؤلم ، وسط إحساس قديم معتق بالرغبة في البقاء والإصرار على المقاومة :
    " قوة داخلية تدفعني للمقاومة . تصرخ فيّ . كرر المحاولة. تصل المسافة بين الأجزاء مداها . أدقق النظر . أجد الجزاء مربوطة من خيط يشدها . تزداد الشقوق عمقا واتساعا . أستمر في محاولاتي . الخيوط لم تعد تحتمل لكنها متماسكة . أتحسس ممسك طرف الخيط الآخر . غير محدد المعالم . شيء يدفعني لمعرفته . أقرر الإنتهاء من الأمر برمته لكن كيف ؟ ثمة صراع داخلي يقتلني . شيء ما دفعني للخروج " . ( حصار ص 7) .
    ربما لا يمكنك أن تقبض على الدلالات بسهولة ، ولكن ما يساق من مرئيات تمضي بالمتلقي كي ينقب في ذاكرته عن مشاهد مماثلة ، وكأن ما يتولد من أحداث يمر خلف أسطح من الزجاج المضبب الذي يقدم نتفا غير واضحة من تلك الأحداث ، وكل ما يصلنا هو ترديدات البطل وهو يشكو محنته ، ويمضي باحثا عن خلاص .
    تتشكل المحنة وتتولد المشاهد المماثلة ، مع محاولات مستميتة للكشف عن وسائل للنجو من الغرق المحتمل ، حينها يلوح وجه الأم ، وهو يستسمحها في الهجرة ، ويبصر البحر فإذا بسرب عرضي يحجب الرؤية . يبتعد الكاتب هنا عن مجاله الحيوي فالقرية هي مكانه المفضل وهو مرجعيته ، لكن ثمة مواقف تجبره على الانسحاب نحو الشواطيء البعيدة كي يحقق حلمه في أن يغادر الوطن فربما يحقق حلم الثراء . وتبقى الإشارات التي تؤكد أن هذه الرغبة سوف تكون صعبة المنال ، وسيتبدد جسده ولن يكون الشخص الذي أراده :
    ( عاود النظر خلفه. الشاطيء يتلاشى . يحجبه سرب عرضي ينخر خلفه . أسرع ينخر بقدميه . يشيح بوجهه يمنة ويسرة . مازال يتمتم . المهدءات . نظر إلى الوراء . السرب العرضي يقترب . نظر إلى قرص الشمس عندما داعب موج البحر . يمتزج به بينما كانت صافرات الإنذار قد ملأت فضاء الشاطيء الخالي تماما إلا من رجال الإنقاذ . " ( سرب عرضي ص 11) .
    سأتحدث هنا عن المكان المتسع وهو البحر نقيض القرية المحدودة ، ومع تلاشي الشاطيء عاد اليقين بأن الذات قد ضاعت تماما . فيما يخص الأسلوب يمكن أن نضع يدنا على طريقة الجملة القصيرة ، والمشاهد المتتابعة المتقشفة تماما من كل بلاغة حتى أنها تقدم الحدث بحياد بارد . يفضل الكاتب أن يعطي خياله أفقا بلا حدود ، وأن ينطلق من أمكنة افتراضية حين يعول على الذات كثيرا ، وهو يولد الأضداد وينشيء خطة بحث تساءل الواقع ولا تحاكيه ، خاصة مع تلك الحكايات التي تشبه الرؤى وفيها إغواء باللغة وكيف تصنع دلالتها . يستحضر صورة الأب ، والجد ، وعبر محمولاته الترميزية يتجه نحو ثيمات غرائبية موظفا الريح في النص :
    ( الريح تقترب من العاصفة . تنتزع بعض النوافذ . تهاجم نافذتي . تحدث ضجيجا . تنتاب عقلي نوبة هستيرية . تتسلل العاصفة إلى أذني . تلفحهما . أتحسس جبهتي مشتعلة . تطال شتلاتي . تشعل الأيام الباردة في عقلي . أقاومها وسط العاصفة يرمقها أبي . يقفز نحوي . تدفعه بعنف . يحاول جذبي . هذه المرة كانت قاسية . مددت إليه يدي لأجذبه " . ( شتلات ص 14) .
    الصراع الذي تحدثنا عنه في البداية هو هاجس هذا الجيل كله الذي رأى الهزيمة في عيون الأهل ، ومسه نفس الانكسار غير أن ثمة إرادة تقاوم ، ورغبة في الانعتاق من قسوة الريح . الأب يحضر لينقذ الابن غير أنه يواصل تمرده ، وكأن تلك الشتلات لم يكن يلائمها هذا النوع من التواصل . فكرة تواصل الأجيال تنتفي مرة وتثبت مرة لأن الصراع حي وموار ودائم التحول ، وهو ما وعاه الكاتب في جمله التلغرافية ولغته المدببة ، وقدرته على أن يدير الصراع في أجواء متكتمة ، ضبابية ، تنزع نحو شرود الفكرة وتماهيها في أجواء الطبيعة بملمسها البكر .
    قد تشير القصة لدلالات محددة مثل استمرار الصراع بين الأجيال ، وقد توميء كذلك لمناخات القسوة والتجاهل التي قد يتعرض لها هذا الجيل الذي واجه الخواء والإحباط فصار لا يؤمن بشيء سوى ذاته .

    * المفارقة وحدودها :

    للمفارقة نصيب كبير في نصوص محمود الديداموني ، وهي إحدى وسائل لفت الانتباه في دائرة السرد حيث يمزج بين الفكرة العابرة وبين التجليات الممكنة لتصور ما يشكله المتلقي بناء على ما يسرده ثم تأتي جملة أو كلمة بعينها لتحدث انحرافا في تيار السرد ، مما يحدث نوعا من الدهشة والترقب ، ولا شك أن المفارقة الجيدة تحتاج إلى تحضير سابق ، كما أنها تتشكل على مهاد واقعي مع إزاحة ما نحو مركز ثقل الأحداث . قلنا أن المكان يشكل الحدث ، ومن المعروف أن سيرة الإنسان تتوزع بين عالمين إحداهما خارجي ، والآخر داخلي صرف ، وقد نجح الكاتب في أن يسوق أحداثه ليصنع من خلالها هذا التضافر بين العالمين . المادة الخام الحكائية تنهض على تجاور المشاهد ثم من خلال تعقيب قصير يتم تصفية الحدث من الشوائب اللغوية العالقة ليصفو المنظر المقتطع من حياة خاصة جدا رغم الظن بعموميتها التي تخدش توقعاتنا :
    " إعتاد منها أن تحمله . تسير به في رفق ، لا يكف عن الثرثرة معها . تنصت إليه . كانت تحمله يوما . أحست ببعض التعب . توقفت . طلب منها السير . سارت به بضع خطوات ، وما زال يثرثر . توقفت ثانية . أعاد طلبه . لم تجبه . فقدت شهيتها للمشي . كرر طلبه . مازالت على حالها . ظن انه أثقل عليها بثرثرته . أبدى أسفه . راحت تدور حول نفسها . توقفت عن الدوران . تمايلت ببطء نحو الأرض . وضعته " ( براءة ص 62) .
    هي حمارته التي سيفقدها في الحال وسيميل الأب نحوه ليواسيه ويخبره أنه سيمكنه أن يشتري غيرها وسيعوضه الله عنها خيرا . السطور الأولى من النص تذهب بك لغير النهاية ، وهذه خطة الكاتب كي يبرز لك المفارقة ، لكنك في ذات الوقت ستدرك كم هي مهمة تلك الحيوانات في حياة الفلاح . هي تساعده في أعمال الحقل ، وهي ركوبته المفضل ، كما أنها شريكته في البلاء أينما وجد .
    وفي ذات الإطار هناك تلك الارتباكات الخفية التي يتعرض لها الراوي في بيته ، وثمة رائحة تملآ المكان وتضيق عليه الخناق ، وحينما يفكر في أن يخرج بعد أن داهمته الرائحة النفاذة يكتشف أنها قد أخذت معها كل المفاتيح . بالطبع لن يفلت من أيدينا هذا الخيط العبثي الذي يتسلل عبر مادة السرد ، خاصة أن مكابدات الراوي تأتي من تلك التي آمن بها . وبعنوان النص الذي هو " ثقب " يتأكد لنا المغزى العبثي الذي يعتمده الكاتب في الكثير من قصصه وتكون المفارقة هذه المرة من تلك المسافة التي رصدها بين الثقوب التي آمن بعدم وجودها وبين اكتشافه ثقب ما نغص عليه سكينته :
    ( رائحة نفاذة تملأ المكان . يكاد يختنق . هب محاولا فتح النوافذ . لم يستطع كانت قد أخذت معها كل المفاتيح . أخذ يسب ويلعن . والرائحة تغزوه . كان قد نسى كل ما آمن به " ( ثقب ص 64) .
    لا يتدخل الراوي في الأحداث لكنه يقودنا إليها عبر خطة تعتمد على تلاشي الخطوط الفاصلة بين الواقع والأسطورة ، وقد تستدعي الضرورة أن يكون وجوده مؤكدا كي يقوم بعملية تبيان للخطوط العريضة التي تسور الحكايات في بنيات صغرى ، مع تأسيس فكرة الخروج عن الطاعة .
    سيتأكد هذا الإحساس الطاغي بالعزلة ، فالحجرة عفنة ، وجوها مكتوم ، وصوت الشيشة يأتي من حجرة الأب ويكون فضاء الليل فرصة مواتية للتحرر من ضغوط كثيرة تمارس على البطل في بيت مشترك مع الأب . في شرخ النهار يتطاير الغضب من عينيه والأب يمنح أخيه الصغر ما لايمنحه لشخصه المضطرب ، ويرى في البقرة التي يسحبها إلى الحقل حلا مثاليا للخروج من دائرة الإحباط ومأزق الانكسار المهين ، ومع رفض الأب لذهاب الابن للمولد يكون شق عصا الطاعة هو الرد المناسب ، كما أنه نوع من التمرد التخييلي إذ تقودنا الكلمات نحو الشعور بأن الحمى هي التي تحركه ويتشكل وجه صديق يخاطبه ويمنحه أسراره وهنا يستحضر صورة ذلك الصديق الذي يرتدي قناع الرفض والغضب بثيمة مصرية خالصة تقال عندما يختنق القمر مع ارتطام أغطية الأواني النحاسية :
    ( يبدو أنها الحمى . لا تتحرك . سأنقذك يا صديقي مما أنت فيه . أمسكت غطاءين للأواني في كلتا يدي ورحت أخبطهما ببعضهما قائلا في جميع أرجاء المولد : يا سيدنا ياعمر . فك خنقة القمر " ( ليست كغيرها ص 30)
    لم تكن الليلة كغيرها فقد جاء الحل عبر هذا التمرد المحسوب للخروج وارتطام الأواني ليلا ، مع الصرخات التي تناشد سيدنا عمر أن يفك خنقة القمر، والمعنى الصريح يتمثل في خنقته الشخصية لا أكثر فالقمر المخنوق هنا هو معادل موضوعي لمدى القهر الذي يعانيه.
    وقد نؤسس مفارقة النص من هذا الصمت الذي يمر بالبطل في مستوى الواقع ، مع الحركة والرفض لكل صنوف القهر على مستوى التخييل ، وتبدو خبرة الكاتب في تلك اللحظات التي يتماهى فيها الواقعي المحض بالخيالي المغرق في سطوته وطاقاته .
    وسيبدو المكان هنا كأنه يناور في حركته لقمع الشخصية بين غرفة تحبس الراوي بعد إصابته بالحمى ، وبين حقل يسحب جاموسته إليه ثم هذا المولد الذي هو محاولة للتحرر من أسر المكان المقبض بما يحويه من أوامر صارمة ، وترتيبات تحد من حريته .
    وجهة النظر التي تستدعي كل ما يشعر به البطل من اختناق ومحاصرة تكاد تكون سمة نصوص عدة تشتبك مع رغبة دفينة لدى البطل كي ينطلق في فضاءات مفتوحة خارجا من نطاق المكان ومتحررا من ذلك الشد المتنامي لجسده كأنها قيود مادية لا معنوية . هاهي صفصافة نعمات تبدو كشاهد على ميلاد ذلك التناغم الروحي مع الآخر ، وكان قرار الهروب من طغيان زوجة الأب . تتحدث المرأة لتسترجع حكايتها مع البطل ، خاصة مع تعبيره إنه لا يوجد في الدنيا ما يستحق الحزن . تبدو الصفصافة وقد تغيرت وصارت عتيقة يضرب السوس في جذعها المائل ، وحتما لم يعد لشجرة الصفصاف ظل رغم أنها تلخص تاريخا عبقا ، وسنلاحظ تلك المفارقة التي تجمع بين ضدين : الشجرة العتيقة والذكريات المتجددة ، فيما ضاعت كل الفرص الجميلة كي تجدد الحياة ثوبها :
    ( كنت تريد أن يكون الزمان شاهدا علينا . لكنك تقيدت بمكان واحد . هناك حيث ينقطع الطريق تحت صفصافة نعمات . كنت تحبها مثلي . كانت فروعها تتدلي خضراء تنبض بالحياة ، يسمونها صفافة شعر البنات . تتموج مع الريح . تعزف نغمات فريدة . كانت ألحانها تستثيرنا . فنغني ونطلق أغنياتنا للريح . ترددها العصافير وأسراب الحمام وفراخ الغيط " ( ص 25) .
    هناك مبدأ أساسي ينظم هذه العلاقة بين المكان الثابت للشجرة وبين الطبيعة المتغيرة للزمن ، هو أن المكان يأخذ سمته وتلاوين صوره من بصمة الزمن الآخذ في التحول ، وهو نفس ما يرصده الديداموني في هذا النص الذي تندمج فيه حكاية الشجرة ، مع سيرة زوجة الأب وقسوتها في لحمة واحدة ، وتنجاب الغشاوة عن العيون الكليلة لتكشف عن أسرار الحياة . وقد اعتمد الكاتب على مخيلة نشطة ، وعلى ذاكرة تواقة للضرب بخطاه في دوائر الزمن ، مع حواس متيقظة دوما وكل حاسة من حواسنا ترشد الذاكرة لمكمن من مكامن السرد .

  2. #2
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Sep 2004
    الدولة : أرض السرد
    المشاركات : 508
    المواضيع : 62
    الردود : 508
    المعدل اليومي : 0.07

    افتراضي

    الجزء الثاني


    * الولع بالخرافة ، وحضور كائنات أخرى:

    من الواضح أن الكاتب يختزن في وجدانه الكثير من حكايات الجدات ، ويستفيد منها في الوصول إلى نقاط فارقة في حيوية السرد حين يمس الأمر تلك الجنيات والعفاريت الذين تمتلأ بهم فضاءات الحكايات الشفاهية التي تتداول في الريف حين يغمض أمر ما على التفسير . وقد رأينا في نصوص الديداموني ذلك الصراع الآخذ في التنامي بين الجن وبين البشر في ريف يقبل المصالحة مع الطرفين ، فينتصر مرة لمكر الجن ، ويناصر في مرة أخرى الإنسان الصادق النقي ، وفي أحيان كثيرة يترك الباب مواربا بين الطرفين ليصنع الدهشة التي تغذي سهرات المصاطب وتملأ فجوات هائلة لما لم تدركه المعرفة بعد .
    تبدو تلك الكائنات في محاولة تحتية لاختراق عوالم الإنسان ، مع ولع شديد باستحضارها عبر نصوص تجمع الخرافة بمحيط اجتماعي يتهيأ لها . فالحاجة فهيمة هبت مستندة على عكازها القديم كي تطوف شوارع القرية وتحاول أن تنادي بصوتها على صاحبات اللبن حين توكز البواب في قسوة ، وهي تفطن إلى أن الشياطين يتشكلون في هيئات مختلفة ، وحين تلمح حيوانا ضخما يحاول أن يقتحم بيتها تصرخ مستنجدة ، ولما لم يجبها أحد تقوم بالهجوم المفاجيء وتخلع عن نفسها رداء الخوف :
    " كانت قد أحكمت قبضتها على عكازها وبكل مالديها من قوة ضربته على رأسه فتضخمت ، وانسحب ثائرا نحو القرية ، والعيون السحرية تراقب وتترقب يغزوها الخوف . أطلق صوته يزلزل جدران الصمت ، ويطوف في كبرياء طرقات القرية الخربة ، وينسحب مبتعدا مطلقا ضحكاته الساخرة " ( فوضى أصوات الحيوانات ص 35) .
    حكايات الجدة عن " الشاطر حسن " و" سيف بن ذي يزن " و" الأميرة ذات الهمة " و " أبوزيد الهلالي" ربطت الكاتب بهذا التراث الشعبي الشفاهي بكل غناه ، وهو ما تجلى في استلهام بعض الحكايات القديمة وإعادة سبكها لتلائم العصر ، غير أن ذلك الاهتمام المبكر بالحكايات الشعبية لم يمنع عنه الإحساس بوجود قوى مؤثرة لا حدود لقدراتها ، وهو الشيء الذي أقلقه وعرضه لمتاعب جمة خاصة والتوجس يملأ نفسه المتحيرة حتى أنها تتبعه في نومه على شكل كوابيس تقض مضجعه :
    " عاود النوم ليستكمل تحليقه . غط في نومه . تداعت هذه المرة أشباح تتلكأ أمام عينيه . تصارعه . تحاول معه بطريقة غير معقولة . حاول المرة بعد المرة والصرخة تختنق . تعاطفت معه دمعة تبعتها دمعات لسعت وجنتيه . قفز باحثا عن نفسه . سألها : أين كنت؟ أين صرخاتك كما كانت قهقهاتك؟ " (ليتك ص 16) .
    وغير بعيد عن هذه النطاقات التخييلية الحضور القوي للطيور والحيوانات في أنساق حكائية تمنحها مساحة واسعة للتعبير عن ذواتها ، وقد يلغي الكاتب بعض المعارف التي خبرها ويهمشها فيما يستحضر مادة تنسجم مع مادة الحكي وهو في محاولاته تلك يقمع فضوله ككاتب ينظر لما وراء المشهد لصالح الوجود العيني المادي المتجسد ؛ ذلك أن القرية بكل سطوع رموزها ووضوح الأحداث فيها تقلص من مساحة التغريب لصالح الوضوح والظهور والتبيان وإن فعلت اللغة أحيانا عكس ذلك بغموضها أحيانا واتكائها على عناصر تغريبية من شذرات أحداث تؤسس للفوضى وتمرق من تحت السطح البادي للعيان أحيانا أخرى .
    ورب فكرة نظرية أقتنصها الكاتب كي يبتعد من خلالها عن الحدود الصارمة لواقعية مطلقة تطوقه . هنا يصبح الانفلات من تقاليد السرد التقليدي محاولة مخلصة للخروج من أسر التكرار والبعد عن القوالب الجامدة . فالبطل يراقب السماء وهي تنطبق على الأرض كما يشير المثل الشعبي ويتشكل الصراع في هذه الحالة من مقاومة ضارية من الراوي تجاه الأفكار الموروثة ونتحد معه في صراعه القوي والمرعب تجاه شكل من أشكال الطبيعة . أعتقد أن هذا النص من أهم نصوص المجموعة لأنه يصنع إزاحة جمالية عن المسموح به في طرائق السرد التقليدي :
    ( أعاود النظر إليها . تصهرني . أتوارى خلف نسيم الرغبة ، وأبي على البعد يجتث جذورها . أشعر بها رغم المسافة . تصرخ . تشتعل . تكوي الجباه ، وتلفح الوجوه . تقاوم بشدة . ترمقني بنظراتها الحانية . أستمد قوتي منها ، وأصمد . تدنو شيئا فشيئا . أسعى إليها بكل قوة . عين أبي والأعين الأخرى يترقبون " ( ملاحقة ص 18) .

    * لهو الدواب . نظرة أخيرة:

    في الريف المصري تشارك الدواب والطيور والحيوانات الناس معيشتهم ، ويتسلل دائما إلى فضاء المشهد القصصي بعض هذه الرموز كي تتبلور مكائد السرد الممكنة خاصة مع الفئران والأرانب والكلاب التي لها رصيد ضخم في تراثنا الشفاهي الشعبي . نلحظ دائما هذا الحس الساخر الذي يظلل مثل هذه الحكايات العابثة مع مسحة كوميدية أكيدة تتدفق عبر العين الراصدة أو الراوي المشارك وربما ضمير الغائب وعن طريق مزج تقنيات الكتابة مع النفس الحكائي الساخر تتشكل فضاءات النص كما نرى في حكاية الجدة ـ وللجدة والأب في نصوص محمود الديداموني حضور بالغ ـ التي صحت على أصوات غريبة وكان الطعام قبلها قد راح في التناقص ويضحك الأب إذا ما أخبره الابن بهواجسه وهمس في أذنه أنها مجرد كوابيس وعليه أن يصلي كي يطمئن نفسا . ومن ثقب الباب ينظر الطفل / الراوي العليم إلى ما يحدث داخل الغرفة :
    ( أجده أقرب للقط منه للفأر ، وقد توسط المصلاة مطلقا رجليه الأماميتين جالسا على الخلفيتين رافعا رأسه في إصرار عجيب وبينما يتحرك مارا بجوار جدتي في عنفوانه إذا بها تمسك به من عنقه ، وتضغط عليه فيتلوى بفمه ويغمد أنيابه في يدها . قاومت وداومت قبضتها . صرخت وهتفت بينما أحرز الفريق المنافس هدفا " (من ثقب الباب ص 34) .
    يتحرك الفأر في الغرفة بطريقة أقرب إلى اللهو ، ومعاندة حكمة الجدة ، فهو يختطف الخبز وينقص الطعام ويثير شغبا لا نهاية له ، لكن ذلك الفأر يظل ونيسا للحكايات لذلك استغربت أن تكون الخاتمة بتلك المأساوية عندما تفيض روح الجدة وهي متهللة الوجه ، ولا تزال قابضة على عنق الفأر . في الأمر مبالغة ما ، وختام لا أستسيغه ففعل الموت في ريفنا المصري مازال محاطا بالجلال ، ومثل هذه الميتة فيها الكثير من الخفة والفكاهة التي لا تليق برونق الموت ودرجة الخشوع الملتبسة به.
    الموت والغياب والانخطاف كلها مفردات للانكسار وعدم التحقق ، وقد رأينا الموت يختطف الجدة في مشهد أقرب للعبث ، هانحن نتأمل العين الحاسدة تتكاثر لتنتزع فائزة ، ولعلنا نخرج من وعي الشخصية الساردة كل هواجسها في مناطق الحكي فإذا بنا أمام قدر لا محدود من كتابة النمط وهو ما ينقلنا نقلات زمانية ومكانية داخل مادة السرد التي تسلم نفسها كلية لأسلوب الراصد في تشكيل الحدث :
    ( الأصدقاء يتحلقون حولهم . يتراقصون . والعين تلتهم فايزة إلتهاما . العيون الصفراء تكاثرت ، والعين الحانية عاودتها الرؤيا ، فانصهرت . تغيرت ملامحها . وفي تلك اللحظة امتدت الأيدي الرابضة خلف حقدها مختطفة الزهرة والعيون تراقب . تترقب " ( ابتسامة الصباح ص 41) .
    هذا ما يحدث بالفعل في الريف المصري من تداخل الحيوات ، واختفاء الخصوصيات ، حتى أنه يمكن للشخص الغريب أن يتعرف على أسرار الناس كلهم من خلال جلسة واحدة على المصطبة أو في " عازق " أو " غرزة " (4). ويصور الكاتب ذلك الانخطاف الذي لم يحدده لشخصية فايزة جميلة القرية حتى أن عامرا صار كالطائر المذبوح وهو يفتش عن زهرته في فضاء القلب . وينتصر الكاتب لقصة الحب حين تتوحد العيون وفي غبش الفجر الندي ينسحب الفتى وبكل ما أوتى من عزم يختطف زهرته مبددا حلكة الليل وسخريته وراسما على وجه الصباح ابتسامة ما . هو حل تعبيري وترميزي أكثر منه واقعي في رأيي ؛ فالكاتب أراد أن يعيد الإشراق للقلب المحب فتخيل هذا المشهد وإلا فما دلالة الحزن الذي اعتراه وشق قلب الأم هي الأخرى خوفا على فتاها المغدور بفقد الحبيبة ؟
    قلنا إن الجدة حاضرة بحكاياتها والأب راسخ في قلب كل مشهد سردي بما يبعثه في قلب الراوي من يقين رغم نوبات التمرد على سلطته ، وهناك عناصر أخرى تحفل بها نصوص الديداموني كالشجيرات المثمرة من نخل وتين وكافور ، والبيوت المصنوعة من الطين ، والنهر الذي يمرق بجوار الأرض التي تلبس الأخضر . كل هذا عرضة للزوال والفقدان بعد أن تحولت القرية المصرية لشيء آخر ، وهنا نتلمس قسمات مرثية فيها الكثير من الشجن :
    "أنا هنا آكل وأشرب وأستمتع بالحياة. أنتفخت جيوبي وأصيبت بالتخمة من كثرة ما بها . أتابع الأخبار من مكاني . تعودت هذه الحياة . كثيرا ما راسلني أخي يحذرني بأن الأرض ستغتصب . أهديء من روعه وأمد يدي في جيبي أخرج دفتري ، وأكتب له شيكا " ( لماذا الآن ص 46) .
    لقد أصابت القرية آفة الهجرة والنزوح للعاصمة أو لدول عربية فيها رغد العيش ، وقد تجدب الأرض وتجف الجداول وينسى الأبناء شكل الطين ويفقدون رائحة الحقول من أجل المال والحلم المخاتل في الثراء والتمكن من الحصول على لقمة عيش طرية . ولكن من قال أن فقدان الأرض يقبل مثل هذه المقايضة الخاسرة ؟
    وكيف يستعيد الناس حكايات الجدات ، وروايات الجن والعفاريت ومكائد الفئران والحمير التي تتحول إلى أشكال آدمية مبهمة بعيدا عن قراهم الدافئة التي منحتهم كل هذا الثراء الفريد : ثراء الحكي الجليل؟

  3. #3
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Sep 2004
    الدولة : أرض السرد
    المشاركات : 508
    المواضيع : 62
    الردود : 508
    المعدل اليومي : 0.07

    افتراضي

    الجزء الثالث


    * مهدي : صوت مختلف وافق مغاير:

    مع عبدالله مهدي نحن أمام قرية مصرية مشابهة في كل مفرداتها ولكن المتغير الوحيد والأصيل والذي يؤبه له هو طريقة المعالجة وأسلوب الكتابة فمهدي كاتب درامي من الطراز الأول ، وهو هنا في " العودة " يجبرنا جميعا على مراجعة مفاهيمنا حول قابلية النص القصصي لقبول ملامح الحوار اليقظ والحي الذي يكشف عن أبعاد مطمورة في الذاكرة الشعبية التي يمتح منها بدربة ووعي .
    يهدي الكاتب مجموعته إلى أسرته " هناء ووجدي " وهو بذلك يتماس مع إهداء الديداموني مجموعته هو الآخر إلى ابنته " عبير " وكثيرا ما أكتشف خلف الإهداءات بعض ملامح شخصية الكاتب فهنا قلمان يسلكان نفس المسلك مما يؤكد النزعة الأسرية المحافظة لديهما سويا غير أن الكتابة شأن آخر . فيها من التجريب والخروج عن النمط الشيء المثير وهو ما ميز كتابات عبدالله مهدي عن الكثير من أقرانه خاصة في التقنيات التي يتبعها عبر كتابة النص .
    العتبة الأولى التي نرتقيها في تجربة مهدي السردية مع نصه الجميل حول المرأة ، ورغم أن الحصار ثيمة أساسية في تجربة الكاتب فهو يخترق هذا السور العالي وينكشف أمامه مشهد الحب كأحسن ما يكون ، متسلحا بلغة شاعرية محلقة ووصف سجالي يقترب ويبتعد من فكرة التماهي مع المحبوب ، ولا شك أن الحب قيمة تتموضع في إطار سردي فتكتسب بعدا دراميا عبر الأحداث . هنا يتغلب الراوي على سأمه ويتبنى شكلا مركزا في الكتابة التي يرصعها بصور جمالية تنطق بالأحاسيس الدافئة . وقد نتساءل ومعنا بعض الحق : إلى أي مدى يجسم هذا القالب القصصي المعنى العام ويدعمه كي يصل به إلى درجة أعلى في اكتناز الأحاسيس الخاصة والمشاعر الدفينة ؟ وهل يصبح النسيج اللغوي الرقيق الأشبه بالدانتيلا بديلا عن نتوءات السرد وحركة الأحداث؟
    هذه الأسئلة وغيرها نجد الإجابة عنها في النصوص القصصية التي تتكيء على عنصرين أساسيين : الشاعرية في اللغة والإحكام في قفل المشهد بلا ثرثرة ولا تزيد:
    ( دخلت هناء أرض لا أعلم كيف؟ لكنه حدث . شدتني بساطتها . تلقائيتها . صنعت لنفسي جناحين وذيل . حاولت الطيربجوارها علني استجدي عطفها . تاهت عني بطيور مصطنعة كثيرة حامت حولها. أقتربت بشدة من الله . صليت الفجر وعدة ركعات لقضاء الحاجة . كانت رعاية الله التي جعلت مني أرضا خصبة تتبختر في ربوعها هناء " ( هناء ص 6) .
    الحجرات الضيقة والبيوت المغلقة على ساكنيها تمثل إشكالية لدى الجيل الجديد من الكتاب ، وربما استطاع الفرد أن يخرج من أسر تلك الأمكنة المحدودة بالتجوال في الحدائق ومساحات واسعة من الشواطيء أو الحركة الدائبة في الشوارع والميادين ، لكن المحير أن تراث الترصد والمضايقات المتوارثة تقلل كل فرصة لاقتناص السعادة حتى لو كان البطل يسير مع خطيبته ، فهناك صراع يتولد بين الرغبة في الاقتراب والتوحد مع الحبيبة وبين النظرة البالية المتوارثة التي تصنع فاصلا وعازلا بين الحبيبين :
    " ـ سيقولون أنها تعود متأخرة مع خطيبها . وأدت سعادتي . بحر مويس بركة عفنة ، وجوه حيوانية تتحرك حولنا . تركتها برهة . حزنت على أيامي الخوالي . كنت أبتكر فيها وسائل تقنعني بالسعادة . سعادتي الآن تملكها . تتحكم فيّ كيفما شاءت . أقتربت مني أقنعتني بأنها على حق . الناس وكلامهم " ( انهيار ص 10)
    يتلون المكان ويأخذ سمته عبر تلك المشاعر المتأزمة ، والأحداث التي تميل إلى تفريغ الحب من محتواه ، فالمجتمع لا يكتفي بممارسة الحصار الخارجي على حركة الأفراد بل يتداخل في خصوصياتهم تحت مسميات عديدة منها العيب والحشمة والفضيلة ، وهو ما يتسلل إلى لا وعي المرأة فتتحول شيئا فشيئا إلى نغمة تؤدي نفس اللحن الأحادي المكرور ، مهما حاول الكاتب هيكلة الأحداث لتتواءم مع مجتمع جديد ناهض يحاول أن يتخلص من أفكاره العتيقة :
    ( حاولت أن أجعل من عينيها قناديل وهجة تنفض عنها موروثات السنين . في البداية حاولت لكنها لم تستمر فهي تهوى غض الطرف ، وتعشق في شراهة عينيَّ وجرأتهما . حاولت مرات ومرات أن أصلح جناحها الذي كسرته موروثات بالية إلا أنني فشلت ، فهي تهوى أن تكون مكسورة الجناح " (مكسورة الجناح ص 9 ) .
    بالطبع لن يستطيع أن ينقض هذا التراث العتيق المترسخ في عقلية الناس فالمرأة في النسق الشعبي القديم هي تلك المخلوقة الضعيفة التي لا تستطيع أن تحلق بعيدا عن السرب وإلا طالتها لعنة الإقصاء والإهمال .وإن كنت أرى وتبعا لما شهدته قرى مصر من تحولات أن المرأة قد تخلت تماما عن هذا الدور وباتت متساوية مع الرجل في واجبات وحقوق كثيرة ، وربما ظلت بقايا ضعف محبب لا تود المرأة أن تتخلى عنه لأنه أحد أسلحتها المشروعة حين يحتدم النزال مع الرجل !
    يحمل الكاتب في ضميره ذلك التصنيف المعروف عن المرأة باعتبارها الأقرب إلى التخلي عن مبادئها أمام إغراء المادة ، وقد شهدت مصر فعلا تحولات جذرية مست ميزان القيم ، وشهدنا صعود رجال الانفتاح ومهربي البضائع وتجار العملة الصعبة ، وقد ملكوا الملايين فيما هاجر آلاف الشباب للبحث عن لقمة عيش نظيفة خارج الوطن . يقبض مهدي على هذه القضية خلال نص من نصوصه القصيرة ويعمق من مأساة هذا الزمن :
    " كانت مشاعرنا دائما تغرد بأغاني العندليب الأسمر كلما تقابلنا ، وبعد فترة انقطاع لا نعلم سببها تقابلنا . انتزعت منها البراءة . تبلدت مشاعرها . أضحت برميلا . حينما استخبرت عن السبب ، قالوا : انهارت أمام إغراءات برميل زيت وضغط الأهل ، وحينما تحولت لبرميل ألقى بها . فلعنت الزيت ، وضغط الأهل " ( لعنة ص 12) .
    بالطبع سنلحظ عنصر المفارقة بين برميل النفط والجسد المترهل بعد الزواج الذي تحول إلى شكل البرميل ومثل هذا التلميح المقصود يختصر المشكلة ولكنه لا يعبر عن كل أبعادها . وقد ضم قسم " دفقات " عددا من المواقف الدرامية التي تشكل فيما بينها علاقات تشتبك بالواقع الاجتماعي في مصر لحظات تحولاته العميقة . وفي بعض النصوص يستسلم الكاتب لإغواء الحس الشعري فيمضي في هذا الاتجاه فتغلب على فضاءات العمل هذا الترصيع اللغوي ومناطق البلاغة التي تنحي الحدث جانبا وتستسلم لإيقاع الموسيقى وتوشية الجمل بزخارف أسلوبية :
    ( على مشارف المغربية بين أحضان سنبلات القمح ونوار الفول حملتنا النسمات . فراشات خلاقة تتراقص بين أحضان أزهار مختلفة الألوان والأحجام . انبهرنا بسعادتنا أفصحنا عن رغبتنا في السباحة على أنغام هذه النسمات الجميلة " ( أحضان ص 13)
    ينتقل الكاتب إلى فقرة تالية يدون فيها ما كان يفعله اليهود حين يصطادون " السلوى " بسهولة لتكون وجبتهم في العشاء وعبر مقاطع أخرى يصنع قطيعة مع كل " الموتيفات " التي تحاول أن تستلب الهوية .
    رحلة اكتشاف ما وراء المشاهد اليومية هي رحلة لا تكتمل أبعادها إلا بتوقفه الاختياري للتوغل إلى ما وراء السطح لاقتناص الدلالات ، والخروج من دائرة التورط والتناغم مع هذه المواقف الحياتية التي تكشف عن عورات كثيرة في المجتمع مثلما يصور الأم بما لها من قدسية وهي ترتمي في أحضان شاب عابث بينما الطفل يلهو متحيرا :
    ( ظل يتأمل . مغروسة أمه بين ضلوع شاب . أخذ يعبث بصحيفة . قصف قلم. انتبه لصورة تسيطر على مفرق الصحيفة . رجل مهيب يضع فاهه بين غابة ( ميكرفونات ) متنوعة . الذين يستمعون بين نيام وآخرين يمثلون التأثر " ( صورة ص 16) .
    هاهو التقابل بين الانتهاك الحادث في المجتمع وبين صورة الأم يأخذ أبعادا أقرب إلى التحذير منه إلى الواقع وثمة إشارات تلفت النظر إلى السقوط الأخلاقي الذي يتجسد في مشاهد تخييلية لها أبعاد واقعية لكن ما يحدث فعلا هو أن الكاتب يلعب في النسب ليؤكد للمتلقي فكرة اهتزاز ميزان القيم فيما يخص العلاقة مع المرأة .

    * أقصى حدود التعبيرية :

    يتعامل الكاتب مع جدلية الكلمات تعاملا يقظا عبر حدودها التعبيرية والإيحائية مستقطرا ما تمنحه الأحداث من دلالات ، وقد يمضي نحو استقصاء كل مظاهر السرد للتعبير عن واقعة ما من خلال رصد أمين للتفصيلات الجزئية بعد أن يربطها بنسق جمالي عام وهناك ثنائية المعنى والمبنى فيما يخص الشخصيات التي تتحرك في فضاءات النصوص . أغلب شخصيات مهدي تعاني من أزمة ما ، وتحاول بقدر الإمكان ألا تستسلم للشروط القسرية التي تدفع الأحداث دفعا نحو تصادم مباغت يحدث قبل نضج الظروف الموضوعية .
    تندفع الأحداث إلى أقصى الحدود التعبيرية الممكنة وسنلمح في نسيج كل نص تلك الخيوط التي تشد العمل لمهاده الواقعي المحض ؛ فالموت يطارد البطل ، والجواد الأبيض الذي يمثل الأمل لا يضيع بسهولة ، وحين يسقط الجسد يزداد التمثيل بالجثة غير أن الرأس تبقى سليمة تماما ولن تتمكن عربة النقل الضخمة أن تحطمها :
    " كان ممتطيا صهوة جواده الأبيض عائدا إلى مزرعته . فوجيء ب( عربة نصف نقل ) تطارده . ظل يراوغها . أصرت على تنفيذ المخطط . سقط . وطئته . حاولت قتل الجواد . فشلت . مكث أهل القرية بجوار الجثة أياما يرتشفون رائحتها . جاء الطبيب الشرعي . زاد من التمثيل بالجثة إلا أنه لم يقترب من رأسها . الملفت أن العربة لم تستطع تحطيمها " ( الجنازة ص 52) .
    هناك مساحة من التعبير ومشاهد غرائبية تشكل اللوحة ، وقد نشعر بتشوش العناصر المشكلة للمشهد وهذا صحيح إلا أن ثمة ثنائية لا يمكن أن نتخطاها بسهولة . هي ثنائية الموت والحياة . الانكسار والإرادة . القرية هي المكان المفضل الذي تجري الأحداث من خلاله ، والسماء التي تبكي ملحا تشوش على ذبذبات التلقي ، ويكون حامل النعش في صراع لا مهادنة فيه بين من يود أن يمضي نحو القبر بسرعة ، ومن يريد إيقاف سير الجثة . هي مكائد عائلية وقسوة مؤجلة وزعامات مغتصبة ينقلها الكاتب من نطاق التسجيل الواقعي إلى آفاق التعبير الحر بقدر من التبصر والفهم لما وراء المشهد العياني بكل زخمه.
    على أن لعبة تبادل الأدوار بين الضحية والمتهم تتم على مرأى ومسمع من الجميع إشارة إلى هذا الزمن الموبوء الذي يصعب فيه أن يتعرف الإنسان على الحقيقة كاملة ؛ فاللص الذي اقتنص النخلة لا يشعر أنه قد ارتكب فعلا خاطئا فالدم الذي بينه وبين أخيه أكبر من الحيازة ، لذا يمارس الحاكم لعبة تبديل الأدوار بين العسكر والحرامية وهي لعبة تتم منذ قديم الأزل وأقرب مثال يمر على ذهني ما سجله يوسف إدريس في " الفرافير " (5) حول ظاهرة السادة والعبيد وارتباطهما القسري سويا غير أن مهدي يبدو مراوغا في نصه حين يحضر الحاجب ورقتين يكتب على إحداهما لص وعلى الأخرى عسكري وحين تنجلي حقيقة الأمر يضحي العسكري لصا والمتهم عسكريا :
    " قال الحاكم مكملا قوالب الحكم : عسكري يا عسكري . رد العسكري الجديد بفرحة : نعم نعم . ـ أين اللص؟ ـ هذا هو . مشيرا إلى العسكري القديم . كان رد فعل الحاكم لهذا التغيير عاديا وكذلك القوم ، وأعلن الحكم النهائي . بحفظ القضية ضد مجهول " ( عسكر وحرامية ص 55)
    هي تنويعة على نفس أسس البناء التعبيري الذي يعتمد هذه المرة على الحوار الرشيق ، ومن خلاله تتجدد الفكرة القديمة التي ترى في الحقيقة أبعادا نسبية ومناطق للعبث واللهو خاصة أن الحاكم والذي يمثل السلطة يتواطأ مع كل ما من شأنه كشف الحقيقة بدون تزييف أو افتئات . لكنها تتحول إلى لعبة تـُـمارس من قديم الأزل عبر أقنعة و مكائد ، ودهاليز تحول الأشياء من نصاعتها ووضوحها إلى تلك المنطقة الرمادية التي لا يمكن أن تعبر عن موقف محدد قابل للإدانة ، وهو شأن أمور كثيرة في حياتنا المعاصرة يحاول عبدالله مهدي أن يكشفها في سرده المتماسك ، وتجاربه القصصية الأخيرة إجمالا.
    يحاول مهدي كذلك أن يمزج بين تقاليد السرد وفنون المسرح فيرتب نصوصا إبداعية تنهض على الحوار ، ويتأمل الأحداث بعين كاتب مسرحي ، ويميل أحيانا إلى الوخز بالكلمات والإبانة عن تردي الحال باعتماد صيغ كاريكاتورية تضخم الأفعال وتجسد المشاهد ، فالبطل هذه المرة ـ ونقول بطلا تجاوزا ـ يقف في منتصف المربع ويصيح بالعرب : صح العرب صح . تتبدل الأماكن من اليمين واليسار وتتسارع الأقدام بالركلات نحو مؤخرته ثم يطالبوه بأخذ حقهم جزاء عدم استطاعه الوصول إلى أحد الأركان الربعة :
    " ابتلع جرعة الهزيمة . وقف يدلك أردافه مدة . حاول رؤية جلبابه الأبيض القصير الضيق الطرف من الخلف . تأثير الركلات مطبوع على أردافه . ألحوا عليه أن يبدأ من جديد " ( صح العرب صح ص 56 ) .
    حقيقة لم استرح لهذا القدر من السخرية التي تصلح في مسرح " الكباريه السياسي " حيث يقوم الفعل من خلال الحركة المرسومة بدور فاعل فيما أظن أن للسرد جلاله ، وحين نتجه للسخرية علينا أن نعتمد اللغة وهي قادرة على أن تقدم لنا كشفا وتعرية لكل الأوضاع التي لا تعجبنا ، ولعلنا نتذكر هنا ما كتبه الجاحظ في "التربيع والتدوير" ، وهو عمل فريد وقد شاهدته مسرحيا بنفس درجة السخرية المرة . على أن عبدالله مهدي يتجاوز في الكثير من نصوصه منطق السخرية ليتوجه إلى جذور المشكلة كما نرى في أعمال أخرى .

  4. #4
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Sep 2004
    الدولة : أرض السرد
    المشاركات : 508
    المواضيع : 62
    الردود : 508
    المعدل اليومي : 0.07

    افتراضي

    الجزء الرابع


    * ملامح أسطورة تنهض من قلب الواقع :

    للأسطورة نصيب في كتابات مهدي ، وما نعنيه هنا بالأسطورة تلك الحكايات التي تجمع الخوارق والأمور التي ترمي بنا إلى فضاءات مدهشة من التخييل . وقد جمع الكاتب كل ذلك في نص مميز اعتمد على تعدد الشخصيات ، وانفتاح المشاهد السردية على الدلالات الثرية ، والمكان هو القرية . نفس المكان المفضل الذي يجمع الأشرار بالأخيار ، وتكون هناك مصالح متشابكة وطموحات يعمل كل طرف على تحقيقها بأي شكل ، ورغبات تساهم الجماعة في قمعها .
    هناك توصيف للمكان بأن تكوينات البيت تبدو من الداخل مخيفة ، فالجدران قصيرة وهي معروشة بجذوع أشجار لم تهذب وتبرز من السقف رؤوس حيوانات مختلفة من الطين والقش ، حيات ، كلاب ، بوم . يتمنى سليمان ألا يكون دم " حرجة " زفرا حتى تؤثر فيه " عملات " شعبان . يبيع ربع فدان ليبني بيته بالحجر كما تريد زوجته " حيرز " بشرط أن تبقى الطلمبة كما هي لأن سليمان يستسيغ طعم مياهها .
    مثل هذا الجو الأسطوري في سماته وتلك الترنيمات الطقسية تتنامى في النص ، وتبزغ لقطات ذات خصوصية من مخزن الأسرار ؛ فهناك الصوفة التي يعملها شعبان لزوجته وهناك " سلمى " الذي يعشق الدم :
    ( دار بخاطر سليمان ماقيل عن سبب عشق سلمى للدم ، بأن سيده كان يستغله في تأديب من يخرج عليه فلما استفحل أمره أراد سيده التخلص منه ، فأمر بحفر بئر في حديقة السرايا ، وحينما شرف على الانتهاء من حفره ، جمع السيد خدمه لردم البئر عليه ، فقفز سلمى من الحفرة مصروعا فاتكا بالكل " ( أبناء سلمى ص 65) .
    يمتح الكاتب من تراث حكائي شعبي يصل الحكاية بالحكاية ويرفد الحدوتة الأصلية بتفريعات نهرية صغرى تصب في المجرى الأصلي حتى ينتصب البنيان شاهقا . كما يشير الكاتب فإن الروايات تشير بأن السبب في محاولة سيده التخلص منه هو " كيد النسا" ، وهكذا نتعرف على أسلوب حكي يعتمد " العنعنات " والنقل من لسان إلى لسان ، وقد أراد سليمان أن يستفسر عن سبب نسب كثيرين إلى سلمى لكنه لم يتجرأ ، وغاب سنة كاملة كي يحصل على التوجيهية ثم عاود جلساته فيما كان يترسخ داخله إحساس قوي بتفاهة الحياة بما يراه من نقص دائم في عدد الناس بسبب الأمراض الكبدية الناتجة عن البلهارسيا .
    تخرج من صرة الحكي أسطورة أخرى هي الثعابين التي لها رصيد كبير في حكاياتنا الشعبية مثل " ألف ليلة وليلة " وللثعبان مسارات من ترديدات الرمز منها ما يقترب من الجنس ومنها ما يعانق كل صور الدهاء والتسلل خفية بنعومة إلى الداخل المستتر، والمكتنز بدلالات متنوعة ، لكشفه وهتك ستره :
    " في أثناء ذهاب سليمان لصلاة العشاء استنجدت به إحدى نساء الحارة لقتل ثعبان رأته في حجرتها . أخذ( قنوا ) في يده . من دهاليز البيت الصغير همّ باقتحام دورة المياه وهي بجواره ، تحمل كلبا أحضره زوجها في أول رحلة له بالخارج " ( أبناء سلمى ص 66) .
    لا يستهدف الكاتب من سرده القضاء على العبث الموجود في الحياة بل أظن أن همه الأكبر هو أن يمنطق الأحداث ويجد لها النسق الفكري الذي يحتويها وهذا سر هذا التشابك الموجود في النص فقد كان أقرب ما يكون إلى دوائر حكي متقاطعة تتلمس المعنى لما وراء الحكاية ، وتتقدم خطوة في اتجاه سيطرة القاص على العجينة السردية التي يقربها من نار الإبداع نافضا التربة عن مكائد ورغبات قديمة تتضمن عناصر الشر والخيانة والنقص وعدم الاكتمال .
    في دار فرحانة ـ ونعود للقصة ـ تؤكد له المرأة التي يعمل زوجها سائقا عند الأميرة أن الثعبان قد هرب ويأتي صوت الشيخ إبراهيم أبوعبدالدايم في مسجد سيدي الأربعين بكراديس فيستحضر شيئا من الخشوع ، لكنها تدير شريط التسجيل على صوت عبد الوهاب في أغنية " لا تكذبي " فتثير الأغنية داخله مشاعرا كامنة داخله ويظل مع المرأة ولا يخرج إلا مع ظهور الخيط الأبيض من الأسود . وتمضي الحكايات تتوالد كالحيات ويدون الراوي أساطير وحكايات تتطامن وتتشابك لتكشف عن قرى تعج بالخطيئة والنقص الفادح في اكتمال المسرات :
    " ـ لما ربنا ريح الناس من (سلمى) حطوه في تابوت العمدة ، وكل نسوان البلد العواقر بلن في فمه بعدها أنجبن .
    ـ فأطلق على أولادهن (أبناء سلمى ). ليه خلتي (حيرز ) ماعملتش كده ؟
    ـ عملت . كل اللي شافوا قالوا : لما استعدت للتبول في فمه . قفلوا . حاول عمك ( حرجه ) فتحه ماقدرش ، وما حدش عرف السر !! " ( أبناء سلمى ص 69) .
    ويستمر سليمان في قتل الثعابين لأغلب نساء الحارة المسافر أزواجهن ، أو من مات أزواجهن ، مع ما في ذلك من إشارة إلى حالة من حالات العهر التي تأخذ غطاءا سريا متفق عليه .
    وينهي الكاتب قصته الطويلة نوعا ما بمنظر غريب تبدو فيه فرحانة وقد احتضنت الثعبان وداعبته وحينما يقترب سليمان من المراة يهجم الثعبان عليه فيفر الرجل هاربا ، وهنا يمتنع سليمان نهائيا عن مطاردة الثعابين .
    في حكايات أبناء سلمى يكتشف الراوي ما تضمره الحكايات ، وهنا تنقلب الدنيا رأسا على عقب فالاختلال لامس البيوت المغلقة على أسرارها وهو يتجاوز القرية الصغيرة ليشمل الكون كله . وهنا تستعاد حكايات من قلب التراث عن ثعابين تزحف في كل أنحاء الحياة لتنشر الداء في خفية وهدوء قاتل . متع جنسية مكبوتة ، ورغبات شائنة ، وتهتكات تمس القرية المصرية الهادئة والصبورة حين يغيب الرجال من أجل جمع المال تاركين زوجات يقضين اليوم كله متحسرات على شبابهن الآفل ، وهو ما يرصده الكاتب هنا بحس روائي تستطيل فيه حركة الشخصيات وتنفك فيه الحبكة إلى عقد أصغر فأصغر وتتضافر الأسطورة برغبات ونوازع إنسانية لا مجال لقمعها.

    * تلميحات رافضة على نار هادئة:

    يرتبط البعد الاجتماعي بلمسات ذاتية في بعض نصوص مهدي حيث الاكتشاف الواعي لما تنطوي عليه الحياة من فقد حقيقي وانكسارات دائمة ، وهنا يصبح التصدي للعبث هو الشيء الذي يمنح للحياة مذاقها المختلف . يلتقي خط الذات المنهكة مع خط المواضعات الاجتماعية التي تنحو لتقييد توجهاتنا في نقطة واحدة يبدأ منها انطلاق الحدث دونما رغبة في تسييجه بما يكشف عن تردي الأزمنة التي يعيش أبطالها محنة عدم تقبل كل تفصيلاتها ، في البيت يغيب الورد البلدي ويأتي الورد الصناعي :
    "عندما أدخل البيت كانت تقابلني بطبيعية وبساطة . تقدم إلى النعناع البلدي والورد البلدي ، والتي شتلتها في وعاء قديم . كنت أحس بالدفء . غبت فترة عنها ، ولما عدت لم تقابلني المقابلة المعهودة ، ولم أجد للنعناع البلدي والورد البلدي وجودا عندها إلا ( فازة ) وضع بها ورد صناعي . فضلت المغيب عن البيت ما بقى من عمري " ( الورد البلدي ص 32 ) .
    لقد تسلل الشيء المصنوع ليأخذ مكانا بارزا بدلا من الشيء الحميمي القريب من النفس ، وإن كان غياب الراوي قد جاء احتجاجا على هذا البرود الذي استشعره فهذا يعني أن ثمة إصرار يقاوم ما اعترى الواقع من قبح ، وهو ما نلمحه في تنويع على هذه الرؤية حين تكون ركية النار هي الشيء الذي يجمع الأب والأم بأولادهما ، يقمرون أرغفة العيش على الركية ويدسون فيها براد الشاي ، تأتي التحولات لتعصف بالذكريات ، فيختفي الأولاد ويشعرون بالضجر من منظر تلك الركية فيطلبون بالامتناع عن إشعالها :
    " تعب الأب والأم من ( ركية النار ) . طالبهم الأولاد بالامتناع عن إيقادها . في احد الأيام استغلا خلو البيت من الأولاد وأزواجهن . أوقدا ( ركية النار ) . أغلقا حجرتهما . فضلا الذهاب للعالم الآخر وبجوارهما ركية النار " ( ركية نار ص 33) .
    لا أتعاطف عادة مع تلك النهايات الدامية التي تحمل ملمحا تراجيديا زاعقا ، وأفضل النهايات الواقعية التي نتلمسها عبر فحص وقائع الحياة ومتابعتها عن كثب ، فالانتحار فضلا عن أنه سلوك مذموم فهو لا يليق بهؤلاء العجائز الذين قد يصل غضبهم في أقصى حالاته إلى علو الصوت لا أكثر وربما الصمت المتألم أما أن يكون تمردا عاصفا يقترب من الحرق والتدمير فهوفعل متعصب يليق بالمراهقين ومن هم في أطوار الحياة الأولى ، وتصنيف ردود أفعال البشر إزاء الأحداث مادة معرفية لا بد أن تضاف لرصيد الكاتب وخبرته المكتسبة .
    تظل العلاقة مع المرأة تشغل حيزا كبيرا في كتابات مهدي ولعل تلك النصوص تخرج من نطاق التجربة الشخصية إلى نطاقات عامة ، فالمشاعر الإنسانية لا تتجزأ في ظل رؤية الكاتب للحقيقة :
    ( كانت صاحبة حال . أعجبت بنفسها . بجمالها تسلب الرجال ، وبقوتها تقهرهم . حينما تقابلنا تسلحت بالجبروت ، ردَّت إلى صوابها . ألتزمت بالاستقامة التامة . حافظت على جبروتي " ( جبروت ص 36) . هي علاقة إشكاية بين مد وجزر ، وقد تستعصي أفعال المرأة على التفسير لأن المجتمع يطلب منها أن تتبع أشكالا محددة من التصرف والحركة ، الحديث والكلام ، رغم كل ماجاءت به التحولات الاجتماعية من تخطي للحواجز ومحاولة الخروج عن النسق .
    هناك ضياع للهوية يسجله الكاتب ، وثمة مخاطر تطال الأسرة التي هي خلية المجتمع الأولى ، وبلمسات سردية بسيطة ومحكمة يتم الكشف عن عورات هذا الواقع ومشاكله بدءا من البيت الذي تربى فيه الراوي وصولا إلى المجتمع الذي قد يؤثم أفعاله لو رآها لا تنسجم مع غاياته :
    " لم يكن أمامي سوى الهروب ، فقد ضقت بلائحة بيتنا . لا أرى . لا أسمع . لا أتكلم . ذهبت للعمل عند أقاربي ، لم يسووا بيني وبين من يعمل عندهم من أجانب ، وحينما طالبت حقي ، لم يروا . ولم يسمعوا ، ولم يتكلموا . فرجعت لبيتنا مستسلما للائحته " ( لائحة ص 39) .
    الانصياع للواقع بعد أن جرب البطل نتيجة التمرد والهروب من المواجهة تارة والإقدام تارة أخرى سمة تظلل سرديات عبدالله مهدي الذي يتعرف على شخصياته من خلال احتكاك أليم بواقع خشن قاس . واقع يرسف في الظلام والظلم وهو متورط في تقاطعات حياتية بحكم العيش ومصادر الرزق ، وقد يتصدى لما يراه حكما جائرا لكنه لا يقبض بيديه سوى على فراغ وهو ما نستشعره سواء كان السرد واقعيا أو ترميزيا ، ولعله في نصوص قليلة يخرج من قريته ليشتبك مع قضايا عربية أخرى :
    " طفل صغير لم يقبل أن يلبس درعا ، ولا أن يحمل سلاحا . حمل مقلاعه وحجارته . حينما شاهدناه تأملنا . مقلاع وحجارة في موجهة أقوى الأسلحة . قال أحدنا : في مواجهة الكلاب . ظل يصوب مقلاعه وحجارته ، حتى هربوا وهرب الكلاب " ( هروب ص 38) .
    وإذا كانت العفاريت والجن تبدو مرحة ومنتشرة في نصوص الديداموني فهي هنا تحضر أيضا وتمارس عبثها ولكن عبر طرائق حكي موجزة ، لتنسل الحكمة من قلب الحدث ، وقد يتكرر المشهد بتنويع في النغمة دون أن يغادر اللحن نسقه القديم :
    " لبس أمي فأفسدها . حاولت أن أخلصها منه . قالوا : أبعد عنه ، ما زلت عودا أخضر . زاد إصراري على تطهيرها . قابلته . ظل يتطاول ويتطاول . لم أستطع تحديد نهايته . بإصرار اقتربت منه . غرست مثله في رقبته . تحول لحمار . مازلت امتطيه " ( المارد ص 41 ) .
    تلميحات لحدود القسوة مع الأشياء ، ولأزمان تتخلى عن ركائزها ، ولحياة شائهة تفرض على الإنسان الجاد شروطها المبالغ فيها وقد يتضح هذا جليا في البيت الذي هو سكن وأمن :
    " شروخ كبيرة بقواعده . عناكب شرسة تقطن أركانه . أثاثاته المتهالكة تصدر أزيزا مخيفا مرعبا . أقتربت من أمي لم تهتم . قلت : أين أرانبك؟! ـ سأعيد كل شيء كما كان . نظرت إلىَّ نظرة لم استطع تفسيرها " ( نظرة ص 40) .
    هي إذن مصائر يقوضها هذا الإحساس العالي بالظلم والوحدة المؤلمة وانهيارات نفسية تكسر الأفئدة ، وتعوق الفرد عن القيام بواجباته المحتمة . ولكن ميزة هذا الكاتب انه لا يفقد أبدا حماسه المستعر لخوض غمار تجربة إثر تجربة لأنه يدرك أنه إن جانبه التوفيق مرة فسوف يفلح في مرات قادمة في الوصول إلى مرفأ آمن .

    * شخصيات تحمل سمات سردية :

    ستكون نهاية رحلتنا مع عبدالله مهدي في الجزء المسمى ب" توحد " وفيه يقدم انطباعه السردي حول شخصية معينة ، فهناك دائما ذلك التماهي مع شخصيات ووقائع مجتلبة من الواقع . في مساحة للحلم يكون التوق للصعود وسرعان ما يخيب الحلم ويرتطم الإنسان بواقعه :
    " حلمت مع محرم فؤاد ب( صبية يكون جولبها علي ) كلما قابلت واحدة ألبستها حلمي ، فإذا بها تدفعني للبكاء ، وتزيد أيامي عتمة ، فامتنعت عن الحلم وعشت في دوامة " ( محرم فؤاد ص 18)
    يلخص الكاتب خيبةأمله ومغادرته لنطاقات الحلم بعد أن يسفر الواقع عن قسوته ، ولا أعرف لماذا يفترض الكاتب دائما في المرأة أن تكون نقية وبمواصفات تجعلها أقرب للملائكة ؟ الواقع يقول أن البشر يمارسون الخطيئة لأنهم جبلوا عليها ، وقد نتوهم أن هناك إمرأة لها صفات الملائكة النورانية وهذا محض وهم فالمرأة مثل الرجل كائن بشري تجري عليها تحولات الواقع وتنعكس على تصرفاتها كل المؤثرات المحيطة بالبيئة أو الوسط الاجتماعي .
    ويقترب الكاتب قليلا من غرائبية الأحداث حين يتأمل تمثال الموسيقار خالد الذكر سيد درويش فيفجعنا بهذه الصورة المستحيلة :
    " كل يوم أعبر محطة التمثال . لا أحد يهتم بالتمثال . شروخ واضحة بقاعدته . لا أحد يلتفت . ينتبه . في يوم اثنين . محطة التمثال مكتظة برواد السوق . إندهش الجميع لإنهدار دم أسود وقيح من شروخ قاعدته " ( سيد درويش ص 19) .
    الشروخ هي ترميز واضح عن حالات الانهيار التي تمس المجتمع فتنال رموزه في مراحل وطنية بارزة من تاريخ الأمة . وهناك تلك الفتاة التي يرى فيها نادية لطفي في فيلم الناصر صلاح الدين ، وقد كانت هناك احتفالية لتأبين الطالب الذي استشهد في مظاهرات الطلاب عن حرب الخليج الثانية ، وتحدث مطاردة من رجال الأمن للطلبة ، ويحتويها بجسده في مناورة ناجحة :
    " كانت رفيقتنا . ذهبنا إليها حيث تسكن حجرة على سطوح منزل ببولاق . تركتها لنا . بعدها انهارت قداسة نادية لطفي " ( نادية لطفي ص 21 ) .
    ليست الممثلة الشهيرة هي التي تنهار قداستها فقط بل كل الصور المثالية الجميلة المنمقة التي يكتشف البطل عبر مكابدات عدة مع الواقع أن هناك انفصام كبير بين الحلم والواقع ، بين الطموح والإمكانية ، وترتيبا على ما سبق يمكننا القول أن مهدي في نصوصه تلك كان يتأمل العالم وينظر إليه بدون إعمال فكره الواقعي . لقد استسلم للمثال الذي لا يعتوره نقصان فأحس بالإخفاق لأن النماذج البشرية التي قابلها ، والتي افترضها لم تمنحه مساحات كافية للوصول إلى حلمه الجميل .
    وفي قصر ثقافة بنها تجلس بجواره ويشاهد فيلم "الأراجوز" ومعه مجموعة الطلاب ، يقتحم المشاهدة صوت عميد الكلية مهددا ، حينها تنهار باكية :
    " اتجهت أنظار رواد السينما ناحية الصوت . أصر الجميع على ترك السينما والرجوع إلى الكلية لإقامة ندوتنا الأسبوعية " ( عمر الشريف ص 20 ) .
    مجموعة ذكريات تستعاد مع أحداث تبدو متناثرة ولا رابط بينها غير أن النظرة الفاحصة والمدققة تؤكد وجود ترابط بين هذه الحالات التي تنهض فيها الذات للتعبير عن حلمها في الخلاص فترتطم بصخرة الواقع ، وأجمل ما في هذه النصوص أنها لاتجمل فوضى الواقع ولا تخفي عربدة السادة ، ولاهي تنعزل عن حياة الطبقة التي تعرق وتزرع وتقدم دمها فداء الوطن دون أن تنال ما تستحقه من رعاية وكرامة .
    حسبها أن تظل قابضة على جمر الصدق دون كذب أو افتئات أو تزييف ، وهو الدور الذي طالما لعبه الفن الرفيع في أحلك الفترات وأقساها حين يعمد إلى تسجيل المواقف ورصد الصورة بكل صدقها وواقعيتها .

  5. #5
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Sep 2004
    الدولة : أرض السرد
    المشاركات : 508
    المواضيع : 62
    الردود : 508
    المعدل اليومي : 0.07

    افتراضي

    هوامش :



    ( 1) محمود الديداموني ، " ليست كغيرها " ، مجموعة قصصية ، أصوات معاصرة ، العدد 153، 2005.
    ( 2) عبدالله مهدي ،" العودة "، مجموعة قصصية ، أصوات معاصرة ،العدد 137 ، 2005.
    (3) مسعود شومان ، معجم أدباء مصر ، الدورة التاسعة عشرة لمؤتمر أدباء مصر ، الأقصر 2004 . راجع صفحتي 210، 256.
    (4) الغرزة : خص أو مكان صغير مغلق إلا عبر فتحة واحدة يكون عادة في مكان بعيد عن القرية وبالقرب من النهر يتم فيه تناول الشاي الثقيل وتجاذب أنفاس "الحشيش" ، والعازق أكبر حجما وأكثر تجهيزا ويكون منضبطا بعض الشيء عن الغرزة ، وإن كان الحشيش حاضرا فيه أيضا مع "البانجو" الوافد الجديد .
    ( 5) مسرحية " الفرافير" واحدة من أهم أعمال الروائي والمسرحي الراحل يوسف إدريس ( ولد في عام 1927، وتوفى عام 1991) الذي ينتمي بدوره إلى إحدى قرى الشرقية وهي البيروم .كان قد قام بالبطولة فيها الفنان الراحل عبد السلام محمد ومن إخراج كرم مطاوع كماقدمها المخرج التونسي عبدالعزيز بوغانمي برؤية مختلفة علي مسرح "اسكوبيا" بعاصمة مقدونيا اليوغوسلافية سابقا في 18 نوفمبر 1983 .

    سمير الفيل
    دمياط في 1/ 2/ 2006.

  6. #6
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Sep 2004
    الدولة : أرض السرد
    المشاركات : 508
    المواضيع : 62
    الردود : 508
    المعدل اليومي : 0.07

    افتراضي

    ألقيت هذه الدراسة الأدبية الموسعة ..

    .. في مؤتمر ديرب نجم الأدبي السادس .

    وذلك مساء يوم الإثنين الموافق 27/ 2/ 2006 .

  7. #7
    في ذمة الله
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    المشاركات : 3,415
    المواضيع : 107
    الردود : 3415
    المعدل اليومي : 0.50

    افتراضي

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    فارس النقد الأدبي والقصصي ـ سمير الفيل

    لقد إستمتعت بنقدك وتفنيدك للقاص الروائي محمود الديداموني
    وكذا عبد الله المهدي ...
    وقد لاحظت مدى تمكنكم في التعمق داخل الكاتب من خلال حروفه ومن بين سطوره ... لقد استطعت أن تستشف أعماق وما وراء القصة من مداخلات شخصية كالإهداءات ونفسية لا يدركها تمام الإدراك إلا من كان بحصافة ووعي .

    ولكن لي عتاب بسيط ياليت تنتظرنا وترسل جزء يليه جزء حتى يستوفى الجزء الأول تمام المتابعة والقراءة المتأنية ثم يأتي الجزء الأخر .

    وذلك لأنني سأعود لأكمل الباقي من النقد الواعي والمتمكن والرائع .
    مع خالص التحايا والتقدير أستاذنا الفاضل .

  8. #8
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Sep 2004
    الدولة : أرض السرد
    المشاركات : 508
    المواضيع : 62
    الردود : 508
    المعدل اليومي : 0.07

    افتراضي

    عبلة محمد زقزوق

    أخني العزيزة
    سبب تقسيم دراساتي هنا أنها طويلة ..
    ويصعب نشرها مرة واحدة .
    لذلك لجأت إلى هذا التقسيم .
    وأظن ان قراءة الدراسة مرة واحدة يفيد كثيرا في تتبع ملامح الكاتب وغدراك عوالمه .

    هذا شيء ، والشيء الاخر أنني ادين لك بشكر كبير ان تابعت الدراسة على ما فيها من طول مفرط بفهم واستبصار واضحين .
    حفظك المولى وفي انتظار إطلالتك دائما .

    سمير

  9. #9

المواضيع المتشابهه

  1. تَحوّلات الأُفق....
    بواسطة صدى الخالدي في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 01-11-2020, 09:09 PM
  2. الأمكنةُ الخَاليةُ تَعُجّ.....
    بواسطة لطفي العبيدي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 14-09-2014, 02:45 AM
  3. تحولات الزعيم
    بواسطة عاطف الجندى في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 05-01-2013, 06:03 AM
  4. تحولات (حارة وِداد)
    بواسطة محمد نديم في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 27-03-2010, 12:20 AM
  5. تحولات طفلة
    بواسطة سها جلال جودت في المنتدى أَدَبُ الطِّفْلِ (لأطفالنا نحكي)
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 16-07-2006, 04:08 PM