غيداء
*
قد كنتُ قبل هواكمْ شبهَ مطرودِ
مِن جنة الحبِّ أو من دجْنةِ الغيدِ
يا طبَّ كل سقامي داوِ لي سقمي
فالهجر لا زال يدمي قلبَ مكبودِ
إنَّ الفؤادَ إذا أطعمتهُ عسلاً
يرى الشِّهادَ شفاءً غير مردودِ
يا سامعًا زجلي عرِّجْ على خجلي
طمئنْ بها وَجلي تعريجةِ الجودِ
هذي الشفاه التي لا زلتُ قاصدَها
كالنبعِ تروي الظما في واحة البيدِ
والعين أحسبُها ليلاً على سحرٍ
لو بانَ فيها الضحى تجتثُّ تسهيدي
قالت أحقًّا وصفتَ الحسنَ قبل ترى
ما غاب تحت الحجاب؛ الوجه والأيدي؟
أليزرًا حمَلَتْ عيناك يا قدري
حتى ترى ما اختفى من حسن تجريدي؟!
يا بنت خير الألى الأَقْروا ضيوفَهمُ
إني هُديتُ إلى نيرانكم؛ زيدي
إن كان فرطُ الهوى جهلاً لذي أربٍ
فليس في علمه هدْيُ الأجاويدِ
نعم وصفتُ فيوضَ النبعِ صافيةً
ما أعذبَ الماء من نبعِ الأماليدِ
إنَّ الرموش التي في طرفها غَزَلٌ
غنَّى جريرٌ لها أحلى الأغاريدِ
غَيداء قاتلتي مِن فرط حسن صِباً
أنَّى أنوشُ جمالاً غير معهودِ؟
تبدي عن الوجنة الحمراء ما ابتسمتْ
وعن أسيلٍ يغطيها بقرميدِ
أعطافُها ارتججتْ من خطوةٍ خلجتْ
هامتْ بها ابتهجتْ مجموعةُ الخُودِ
قلنَ: الجمالُ انثنى والحسنُ باتَ هنا
لها الفؤادُ انحنى مِن كلِّ مفؤودِ
يا لائمي في هواها إنني بشرٌ
قد نالَ مني النوى نيلَ المناكيدِ
كلُّ القلوبِ ترى الأشجان َ علقمَها
إلا فؤادي يرى الأشجان قنديدي
ما بات هجر على قلبي يخامرهُ
إلاَّ وكان النوى في أرض أجلودِ
كم ضيّعَ القلبُ صدقًا من صديق صباً
كم فارق الحسنَ من حسناء أملودِ
جهدُ الرجال انتهى عند اللقا فرحاً
بل جهدُ قلبي ابتدا في أرض تبديدي
قد بدّدَ العُرْبَ كفرٌ جاء يقتلنا
صناعةُ الموتِ من أحلامهِ السودِ
لديه صاروخُ لم يسمعْ صوارخَنا
يغتالُ مليون نفسٍ دون ترديدِ
أنّى يحاربهُ ضعفُ السلاحِ لنا؟!
ولم نواكبْ علوماً؛ علمَ تجديدِ
إنَّا قتلنا صقوراً في مواطننا
لما سقينا النشامى جهلَ تمجيدِ
ما كان في مجدنا ذلٌّ لموطننا
أو ذلُّ أبطالِنا، أشياعِنا الصيدِ
يا قامة ً شمختْ للعرْبِ ما رضختْ
طولَ الزمانِ انتختْ من سطو تعبيدِ
كم قاوموا طاغياً أو باغياً شرساً
كم حطموا صنماً في ظل تهديدِ
حتى تخالهمُ زحفاً أسودَ فلاً
يستنفر الكفرُ منهم نفرَ مطرودِ
مِن كلِّ شاكي سلاحٍ في الوغى جبلٍ
ما هزَّهُ طعنُ رمحٍ من رعاديدِ
يمضي إلى أجل من ربهِ قدرٍ
ما خاف من وَجَلٍ في حشْد تهويدِ