غَير كلمةٌ مُوغِلةٌ في الإبْهام، ولا تُفيدُها إضَافَتُها تَعْريفًا، ولا يُوصَفُ بها إلاَّ نَكِرَةٌ نحو قولِه تعالى: {إِنَّهُ عَمَلٌ غيرُ صَالحٍ} (الآية "46" من سورة هود "11" )، إلاَّ إذا وَقَعَتْ بين مُتَشَادَّين كقولك: "عَجِبتُ من حَرَكةٍ غيرِ سكون"، فإنها تفيد تعريفًا، ومن ثمَّ جاز وصف المعرفة بها نحو قوله تعالى: {صِراطَ الذين أنعمتَ عَلَيْهم غَير المغضُوبِ عَلَيهم} (الآية "7" من سورة الفاتحة "1" ).
ولـ "غير" ثلاثةُ أنواعٍ:
الاسْتِثناء، والوَصف، ومَعْنى لا.
(الأول) وهو الاسْتِثناء فتأتي في جملة فيها مُستثنى ومستثنى منه، فتكون "غير" بمعنى "إلاّ" الاستثنائية، وعلى هذا فتعربُ "غَير" إعرابَ ما بَعدَ "إلاَّ" على التَّفصيل من تَعَيُّنِ النَّصبِ، وجَوازِه والاتِّباع، والإعْرَابِ عَلَى حَسَبِ العوامل نحو "أقبلَ الأهلُ غيرَ أحمدَ". و "ما ذهبَ الأصحاب غيرُ عليٍّ" و "ما تعلَّم غيرُ المُجِدِّ" وغير ذلك من الأحكام التي تقدمت في "إلاَّ" (انظر "إلا" في حرفها).
أمَّا حكم الاسم بعدها - وهو المُسْتثنى في المعنى - فيجر بالإضَافَةِ ونَابَ "غيرُ" عنه في أحكام المُسْتَثْنى.
وأمَّا حكمُ تابع المستثنى بـ "غير" فيجوز فيه مُرَاعاة اللَّفظ، ومُرَاعاةُ المَعْنى، تقول: "قام القومُ غيرَ زيدٍ وخَالدٍ وخالِدًا" فالجر على اللَّفْظ، والنَّصْبُ على المَعْنَى، لأنَّ مَعنى "غَيرَ زيد": "إلاَّ زَيدًا" وتقول: "ما قام أحدٌ غيرُ زَيدٍ وعمرٍوٌ" بالجَرِّ وبالرفع على معنى: إلاَّ زيدٌ.

(الثاني) وهو الوصف بـ "غير" حيث لا يُتَصَوَّر الاستِثناء، نحو: "عِندي درهمٌ غَيرُ جَيِّدٍ" فـ "غيرُ" هنا صِفَةٌ لـ "درهم" ولو قلت: "إلاَّ" جيِّدًا لم يَجُزْ، وإذا وصَفْتَ بـ "غَير" أَتْبَعْتَها إعرابَ ما قَبْلَها، وشَرط "غير" هذه أن يكونَ ما قَبلها يَضدُق على ما بعدها تقول: "مَررْتُ برجلٍ غير أمَةٍ".

(الثالث) أنْ تكونَ "غير" بمعنى "لا" النافِية، فتُنصَب على الحال، كقوله تعالى: {فَمِن اضْطُرَّ غيرَ باغٍ ولا عَادٍ} (الآية "173" من سورة البقرة "2" ) أي : فمن اضطر جائعًا لا بَاغِيًا، ومثلُه قوله تعالى: {إلى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظرِين إنَاه} (الآية "53" من سورة الأحزاب "33" ).
ولـ "غير" بحث في بِنائها، إذا أضيفت لمبني (=في الإضافة 8).

ملاحظة: هل تدخل "الـ " على "غير"؟
نَقَلَ النوويُّ في كِتابِه"تهذيب الأسماء واللُّغات" عن الحسن بن أبي الحسن النحوي في كتابه: "المَسَائل السَّفَريَّة": مَنَعَ قومٌ دُخُولَ الأَلِفِ واللاَّم على "غير وكُل وبَعض"، وقالوا: هذه - أي غير - كما لا تتَعرَّفُ بالإضافة لا تتَعرَّفُ بالألف واللام. قال: وعِندي أنَّه تَدخُل "ألْ" على "غير وكل وبعض"، فيقال: "فعل الغيرُ ذلك" هذا لأنَّ الأَلف واللامَ هنا لَيْسا للتَّعريف، ولكنَّها المُعَاقِبَة للإضَافَةِ، وذلك (كما في التاج بحث "غير") كقوله تعالى: {فإنَّ الجَنَّة هي المأوى} (الآية "41" من سورة النازعات "79")، أي مَأواهُ: على أنه - كما في التاج وتهذيب الأسماء - قد يُحمل الغَير على الضِّدِّ، والكُلِّ على الجُمْلَةِ، والبَعْضِ على الجُزْء فيصح دخُولُ اللاَّمِ عَلَيها بهذا المعنى.
أَقُول: هذا مِنَ النَّاحِيَة النَّظَرية، فهل سُمِع من العرب دخولُ "أل" على "غير"؟ ما أَظُنُّه سُمِع.