وَطَنٌ يُمَوْسِقُهُ الوَجَعْ !!
مَنْ نَضَّدَ الوَجعَ المُبَعثرَ مُنْذُ ميلادِ الطَّهارَة ؟
ذاكَ الذيْ اقْتَرفَ النَّهايَةَ ثُمَّ هَرْوَلَ واسْتباحَ الأغْنياتْ
وَتوسَّدَتْهُ قَصائِدي حَتَّى تَقاطَرَ لوْنُها
هِيَ أوُّلُ التَّكوينِ في قلبي وآخِرُ ما يُغادِرُني
عَبَرتْ بإصْبعِها السَّماءَ فَشابَكتْها إصْبعي
يا ليْتَ تلكَ الرِّيح لم تُنْجبْ عَلى شَفتي الغُبارْ !
المُفْرداتُ تنامُ باهِتةً ويصْبَغُها اصفرارٌ مدَّ أذرُعَهُ
وكأنَّهُ يَذرو فؤادي للدُّجى زُلـفى
والوَقْتُ يَنْهَشُ ضِحْكَتي مَعْ كُلِّ فاصلةٍ تُثارْ !!
عينايَ بللتا فؤادي بالتراتيلِ الحَزينةِ والحنينْ
وارْتكازاتُ المنافي في دَمي هَتكتْ مواويلي
ودَسَّتْ في مُخيِّلتي ارتعاشَةَ حُلْميَ المَسْفوكـِ جَهْرا
/
الآنَ يَقْتَنِصُ الغيابُ مَلامِحَ الفَجْرِ الطُّفوليِّ الخَجولْ
وَتُريقُ ذاكِرَتي هواجِسَ بعْثِها ظِلاَّ يُشاغِبُني
وَتُقلقُ سُنْبُلاتِ الصُّبْحِ هَمْهَمةُ السِّتارْ !
للمَوْتِ رائِحَةُ الرَّمادِ
وأنْتَ تَعْبُرُهُ بِعُكَّازَيْنِ وَحْدكَ يا وَطَنْ !!
أيُّ الفيافي طَهَّمَتْكَ بِلَوْنِها ذاكَ المَساءِ الفَوْضَويّْ ؟؟
أيُّ المُواجِعِ مَوْسَقَتْكَ رياحُهاحَتَّى اكْتَويْتَ
وناوَرَ الرُّوحَ الرَّدى ؟؟
بَغْدادُ يا " سَيَّابُ " لمْ تأتِ وَما صَدَقَتْ رُؤاي !
وأنتَ تُمْطِرُ في سِنيِّ القَحْطِ شِعْرًا كُنْتَهُ :
" كانَتْ عَلَى مهلٍ تذوبْ
كانَتْ إذا مالَ الغُروب
رَفَعتْ إلى اللهِ الدُّعاءَ ألا أغِثْنا مِنْ ثَمود "
وَتَكاثَرَ الجُرْحُ المُمدَّدُ فِي عُروقِ حَبيبتيْ
وَتحوَّلَتْ لُغَتي إلَى نَزْفٍ سَماويٍّ عَلى وَشكِ انْهِمارْ !
بَغْدادُ لمْ تَخْلُقْ سِوى نَسْغِ البياضِ لِتْرْتَديهْ
وَفوقَ كَفيْها النُّخيْلاتُ التي بَسَقتْ وجاورتِ النُّجومْ
وَبيْنَ دِجْلةَ والفُرات تأرْجَحتْ جَذلى
مِنْ أيِّ أرْوِقَةِ الحَدائِقِ قَدْ أتيتِ ؟؟
يا قِبْلةً فَتَحتْ شَبابيكَ الخُلودِ لأعيُنِ الآمِّينَ وَجْهَ سمائِها
يا قُبْلةً طُبِعَتْ عَلَى خَدِّ المَدَى الفِضيِّ
فانْبَعَثَ النَّهارْ
الحُبُّ أنتِ إذا اسْتفاقَ
فَمتى رَمى في مُقلتيكِ الليْلُ أغْشيةَ احْتِضارْ ؟!
/
بَغْدادُ تغْمسُ طينَتي في آهةٍ خَرْساءَ
وتُعيدُ أحْلامي إِلى الصَّمْتِ المُطَعَّمِ بالدُّموعْ
تتلمَّسُ الأشْياءَ في هَلَعٍ لِتمْسِكَ وَجْهَها المَخْبوءَ في جيْبِ الظَّلامْ
وَتَعودُ تَبْكي حينَ تَنْبَجِسُ الصَّحاري مِنْ أصابِعِها
وَتَعْلِكُها الرِّمالُ النَّابِتاتُ بجوعِهِا !
الحُزْنُ لا يَهْدي إلى الوَطَنِ المُشرَّدِ مَعْرجًا كالأنْبياءِ
فَخُذِ القوافي مِنْ عُيونِ الشَّمسِ قَبْلَ مَغيبها
ألقِ عليْهِ لتُورِقَ العينانِ ضوءًا أبْجدياتِ الرُّؤى
واقْرَأْ بِرغْمِ الجُرْحِ فاتِحَةَ انْتِصارْ !