هاجَرَتْ أوراقُ أشجار الفناء
هكذا .. جئنا بكورا دون صبح
دون عذر ..دون تسويغٍ ..
وجدنا أنها خلّت علائق غصنها
غدرت به وبلونه المفجوع
قد أسلمته لكف أشواك العراء
فتحت عليه نوافذ الريح العتية
دون أي اشارة
دونما ايماء
بعدها
ماتت الكلمات بين الغصن والأطيار
والتربة والغيم المهاجر والفناء
لم تعد بعدُ الوسائط ممكنة
فالذي صار هناك لم يكن صمتا ولا كان سكوتا عابرا
كان أكبر من لغة
كان أوسع من ضياع
وضبابيا قصيا لا حقيقيا ولا زيفا جليا
رغم هذا ..
يتمادى في التعرض مطنبا وملحا ضاريا ..
يقتفي نهج أحلام اللقاء
ماحكت فيه الرياح
غمغمت ..عنه الرواية
بعثتها عبر متن الهجر صوتا شاحبا
كان أن غاب كظل العابرين
دون أن يبتاع بوقا للصدى
لم يشأ يوما يردده الحزين
لم يرنمه الرعاة السارحين
لا ولا حتى الصبايا اللاهيات
ما عرفنا كنه تغييب صداه
وتحيرنا به
هل أكبروه ..أم حقّروه
أم أنهم لم يفهموه
أتظنهم لم يسمعوه
ما رجّعته الطير !
كلا ولا ذاك الفناء الأجرد المسكوب في عرض الأفق...
أبدا ولا الأغصان ..
و التربة العطشى ولا الغيم المهاجر والشفق ...؟
بل أعرضت عنه السماء ..
ومضى غريبا عاطفا أضلاعه نحو الطريق الأصعب الأقسى
ومضى وحيدا عاكفا حول الترانيم الشحيحات التي وبرغم بؤس غنائها
ظلت هي الدرب النديَّ
ذاك الذي يغتال أسئلة التحير والتفكر والشقاء
ويقص أطراف التوحش والتغرب والتنافر بينه ، منه ،عليه...
ضلت ترانيم الغريب طريقها
كانت خريطته إليه
كل الذي ندريه عن ترنيمته
أنْ ما تغنَّ بها أحد
لم يرمها بالعيب أو بالشؤم أو بالجهل منهم مستبد
مرت ولم يتنبهوا .. في خفةٍ كالظل أو مثل الهواء
بل إنها عبرت و حتى دون ظل أو سند
غنت لصدر الريح آلاف الأغاني والتواشيح التي سفعت نواصي الغيم
ثم سفى بها ... عبث الرياح وضُيعت ألحانها
لم تلق فوق كفاف صاحبها البُرَد
مرت كما .. الأيام
كل الخلق يعرف أنها ستمر
تستل من أوكارهم أغلى النفائس والحلل
و تروح
لكن لا يعافسها أحد
هذه الحقيقة كالسراب
ها مرّ في شفة الغياب
ما عاينته قلوبهم
لم يطعموا ترنيمته
ما قال فيهم شاهد
من هاهنا
شق المدى
أو هكذا
عبر البلد ...