أحدث المشاركات
صفحة 3 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 30 من 31

الموضوع: وعاد الصهيل"رثائية في محمد الثبيتي يرحمه الله"

  1. #21
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    المشاركات : 55
    المواضيع : 12
    الردود : 55
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مازن لبابيدي مشاهدة المشاركة
    مرحبا بك شاعرنا الكريم سعيد العواجي
    رحم الله الشاعر الفقيد وأسكنه فسيح الجنان .

    الشكر لأخي ماجد الغامدي لتقديمه المفيد وتعريفه بالفقيد .

    أخي العزيز/ مازن لبابيدي

    شكرا لترحيبك، والشكر موصول للأخ ماجد الغامدي الذي كفى ووفى فجزاه الله الف خير

  2. #22
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    المشاركات : 55
    المواضيع : 12
    الردود : 55
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عمار الزريقي مشاهدة المشاركة
    أدعو الله أن يرحمه رحمة الابرار

    وأسوق من جانبي ألف تحية لشاعرنا الكريم

    دمت مبدعا
    أخي/ عمار الزريقي

    رحم الله موتنا وموتاكم

    ولك من الود أجمله ،، دمت عزيزا

  3. #23
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    المشاركات : 55
    المواضيع : 12
    الردود : 55
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد ذيب سليمان مشاهدة المشاركة
    رؤحم الله الفقيد
    ووافر الشكر للشاعر الوفي الذي
    أضاء لنا شمعة لنرى الفقيد من خلالها
    كل التحايا لمن كتب حرفا أو اسقى من إنائه
    شكرا
    القدير/ محمد ذيب سليمان

    حينما اجدك اشعر بالسعادة، فلك كل التحايا
    ولمن كان وفيا تجاه هذا الشاعر الذي اعتبره من الشعراءالكبار
    رحمه الله

  4. #24
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    المشاركات : 55
    المواضيع : 12
    الردود : 55
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مصطفى السنجاري مشاهدة المشاركة
    رحم الله الفقيد وأسكنه رحاب الجنان

    وبوركت لغة شاعرنا التي نثرت درر بيانه هنا

    استمتعنا بهذا الأدب الثر الجميل

    (فعاشتْ مع الراحلين رغيفُ القصائد)

    أعتقد حسب قراءتي للنص تُقرأ (فعاشَ)

    أو بنصب (رغيف) في حال كون فعاشت


    دام هذا النبض الراقي

    تحياتي
    أهلا بك أخي العزيز/مصطفى السنجاري

    وأشكرك على ما أفدتني به تجاه ما ذكرت، ولقد كنت اعتقد أن كلمة رغيف مؤنث تانيث مجازءي لأن جمعها أرغفة ولكن تبين لي أن كلمة رغيف مذكر ، فتصبح الجملة وعاش مع الراحلين رغيف القصائد،
    علما بأنني قد عدلت الجملة إلى ( وعاشت مع الراحلين شموس القصائد، عاشت رؤأك)
    وانتظر تعقيبك على ماذكرتُ، دمت بألف خير

  5. #25
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    المشاركات : 55
    المواضيع : 12
    الردود : 55
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    قصيدة / صفحة أوراق بدوي

    ذكرت يا أخي ماجد جزء منها وها هي القصيدة كاملة أعيدها هنا لأنها من القصائد الذي وجدت نفسي فيها كثيرا

    ماذا تريدين؟ لن أهديكِ راياتِي
    ولن أمدّ على كفَّيكِ واحاتِي

    أغرّكِ الحلم – في عيني مشتعلٌ
    لن تعبريهِ ... فهذا بعض آياتِي

    إن كنت أبحرت في عينك منتجعاً
    وجه الربيع، فما ألقيت مرساتِي

    هذا بعيري على الأبواب منتصب
    لم تعش عينيه أضواء المطاراتِ

    وتلك في هاجس الصحراء أغنيتي
    تهدهد العشق في مرعى شويهاتِي
    ***
    أنا حصان قديم فوق غرّته
    توزع الشمس أنوار الصباحاتِ

    أنا حصان عصيّ لا يطوعه
    بوح العناقيد أو عطر الهنيهاتِ

    أتيت أركض والصحراء تتبعني
    وأحرف الرمل تجري بين خطواتِي

    أتيت أنتعل الآفاق أمنحها
    جرحي، وأبحث فيها عن بداياتِي

    يا أنت لو تسكبين البدر في كبدي
    أو تشعلين دماء البحر في ذاتِي

    فلن تزيلي بقايا الرمل عن كتفي
    ولا عبير الخزامي من عباءاتِي

    هذي الشقوق التي تختال في قدمي
    قصائد صاغها نبض المسافاتِ

    وهذه البسمة العطشى على شفتي
    نَهرٌ من الريح عذريُّ الحكاياتِ

    ***

    ماذا ترين بكفّي.. هل قرأتِ به
    تاريخَ عُمرٍ مليء بالجراحاتِ

    ماذا ترين بكفّي ؟ هل قرأت به
    عرسَ الليالي وأفراحَ السماواتِ

    وهل قرأت به ناراً مؤجّجة
    ومارداً يحتويه الموسمُ الآتِي

  6. #26
    الصورة الرمزية سالم العلوي شاعر
    تاريخ التسجيل : Jan 2006
    المشاركات : 2,519
    المواضيع : 69
    الردود : 2519
    المعدل اليومي : 0.38

    افتراضي

    الله الله
    من هذا الراحل الذي سكب السحر على أوراقنا ..
    وصب الرحيق شهدا مصفى على أفواهنا ..
    من هذا الذي تدثر بالجمال .. وسافر في الخيال .. وسكن الأعالي ..
    ألا رحمة الله عليه رحمة واسعة .. وأسكنه فسيح الجنان ..

    ولك أخانا العواجي خالص الشكر والتقدير على درس الوفاء هذا .. ومرحبا بك وأهلا في واحة الخير والفكر والأدب.
    وشكرا للمتألق دوما أبي النيرين على ما أفاض به علينا من شعر الراحل العظيم وفكره.
    ودمتما بخير وعافية وألق.

  7. #27
    الصورة الرمزية لمى ناصر أديبة
    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : زنبقة الروح
    العمر : 39
    المشاركات : 1,424
    المواضيع : 37
    الردود : 1424
    المعدل اليومي : 0.22

    افتراضي

    رحم الله شاعرنا
    فقد أمضى مراحله الأخيرة
    بمرض وتعب شديد..رحمه الله وأسكنه
    فسيح جنانه..شكرا لك شاعرنا.
    تتوق الرُّوح إلى أن تكون في مكانٍ أعظم
    تظلُّ تهفو لمسكنها تهفو كثيرا !

  8. #28
    الصورة الرمزية ماجد الغامدي شاعر
    تاريخ التسجيل : Dec 2003
    الدولة : بين الصدر والعجز !
    العمر : 51
    المشاركات : 3,774
    المواضيع : 182
    الردود : 3774
    المعدل اليومي : 0.51

    افتراضي

    نقّاد وشعراء مصريون: الثبيتي قامة شعرية توهجت ألقًا في العالم العربي
    http://www.al-madina.com/node/285475/arbeaa
    محمد سيد - القاهرة
    تفاعل عدد من الشعراء والنقّاد المصريين مع نبأ رحيل الشاعر محمد الثبيتي، معتبرين أن رحيله يعد خسارة كبيرة للشعر العربي والإنساني على حد سواء، واصفين إياه بـ ”القامة الشعرية الكبيرة” من قامات الشعر العربي الحديث، مشيرين إلى أنه من خلال تجربته الشعرية التي امتدت إلى أكثر من ثلاثة عقود استطاع الانتقال بالتجربة الشعرية السعودية من إطار المحلية إلى إطار الفضاءات العربية الكبيرة، واستطاع أن يقف جنبًا إلى جنب مع كبار المجددين في الشعر العربي الحديث.
    السياب ودنقل ومعهما الثبيتي
    حامد أبو أحمد
    محمد الثبيتي قامة كبيرة في الشعر العربي وهو صاحب مفردة شعرية أثارت الكثير من علامات الاستفهام خلال الثمانينيات ولكن تماسك قصيدته ووعيه أجبر الكثيرين العالم على احترامه، وهو من الشعراء المميزين بالجزيرة العربية وكنا نتابع تجربته في فترة السبعينيات والثمانينيات وحتى مع اختفائه فترة من الزمن بقي موجودًا في الذاكرة الشعرية.
    وبرحيل الثبيتي رحل صوت شعري عربي متفوق، فقد كان من أفضل الشعراء على الصعيد العربي وليس فقط السعودي، لأنه صاحب قضية وقدم صرخة معاصرة بالشعر، وعرفناه من خلال علاقتنا بإبداعه ولم نعرفه عن قرب، ولكن ما نعلمه جيدًا أنه من أعلام الشعر السعودي الحديث فقد كان لتجربته الإبداعية أثرها الكبير على الساحة الإبداعية السعودية، وقد استطاع بشاعريته زرع اسمه في ذاكرة الشعر العربي والخليجي.
    وقد ظل الراحل حتى آخر ديوان أصدره أو نص كتبه ونشره، متوهجًا في أوج شاعريته، فتكشف نصوص ديوانه الأخير، عن فضاء شعري متماسك، وعن مراس وتمكن لافتين في صوغ جملة شعرية كاملة، تتميز بجمال اللفظ والمعنى، وقد سعى الثبيتي من خلال تجربته الشعرية إلى بلورة هوية أصيلة للإنسان في الجزيرة العربية، من خلال الالتفات إلى ثقافته ومكوناتها، والانتباه إلى همومه وقضاياه، وإعادة إنتاجها في صوغ شعري جديد، يسمح بتخطي تجربة "التضاريس" التي اعتبرها البعض من الخصوصية والتفرد، إلى درجة كان من الصعب على الشاعر نفسه تجاوزها في سهولة.
    وبرع الثبيتي في هندسة القصيدة في شكلانية تجريبية متقدمة، لم يكن شعر الثبيتي كأي شعر آخر إنما كان صوتًا رمليًا أصيلًَا كشميم الخزامى، يذكر الساحة الشعرية بأصالة السياب وأمل دنقل، فقد رحل بعدما أثراها بنماذج رائعة من شعره الذي نفض عنه غبار التقليدية والتبعية ليبقى هذا النتاج الشعري زاهرًا، فقد كان يمتلك أدواته امتلاكًا جيدًا يعادل ويوازي امتلاك شعراء التجديد الكبار في الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه، فقد كان رائدًا من رواد الحركة التجديدية في الشعر السعودي الحديث.
    (*) ناقد مصري وأستاذ الأدب الإسباني
    بكلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر

    شعرًا مغايرًا.. وفكرًا مغايرًا
    محمد التهامي
    رحيل الثبيتي مثل صدمة شعرية على الساحة العربية فقد كان مدرسة شعرية أنتجت فكرًا مغايرًا للسائد ونصوصًا متفردة، وشكل الثبيتي حالة خاصة في الشعر السعودي، لن تجد له شبيهًا في قدرته الاستثنائية على الإحاطة بالمعاني التي يطرقها وإبرازها في أسلوب هو نسيجه وحده، ولن تجد له مثيلًَا في سلاسة عبارته وعذوبة معجمه الشعري والمفردة البليغة المصقولة والمختارة بعناية والتي تخرج من معين تراثي غزير مما جعل الثبيتي واحدًا ضمن قلة من شعراء العربية البارزين على مدى التاريخ الشعري العربي ولكن بنكهة محلية بالغة التفرد، فقد كان واحدًا من الشعراء الذين أعادوا للشعر حيويته، حتى عاد إلى الصدارة بعد أن توارى خلف الكواليس.
    الثبيتي كان صوتًا عربيًا وسعوديًا أصيلًَا أثرى الصفحات الثقافية والأدبية في الصحافة العربية والسعودية بقصائده التي تحمل الهم والوجدان القومي العربي وتعبر عنه بصدق وشفافية وتؤكد وحدة الحلم العربي، ويعد أحد الأقلام الشعرية التي ساهمت بقوة في إحداث نقلة نوعية في الشعر العربي خلال العقود الأخيرة، فقد صار علامة على أسلوب خاص ومعنى خاص في تجربته الشعرية، وستظل هذه التجربة تحمل علامتها الخاصة، عميقة وقوية وستبقى ثابتة في ذاكرة الثقافة العربية عمومًا، وسيظل اسم محمد الثبيتي تجربة شعرية إبداعية لها خصائصها ولها تميّزها كما أن لها موحياتها عند الآخرين مؤثرةً فيهم ومتفاعلة معهم.
    (*) شاعر مصري

    مسافر بالقصيدة إلى فضاءات جديدة
    محمد عبدالمطلب
    فقدت الساحة الشعرية العربية برحيل الثبيتي فارسًا من فرسان الشعر العربي الذين صالوا وجالوا في مجالات الشعر المختلفة خلال العقود الثلاثة الماضية وقد ارتبط اسمه بالشعر العربي السعودي الحديث، فقد كان مدرسة كبيرة وضعت منهجية الشعر الحديث لمن جاءوا بعده وهو أحد الذين حملوا القصيدة إلى فضاءات جديدة وعمّقوا فيها معاني الانفتاح على الحياة وصاغوا رموزها بطريقة مبتكرة ونابعة من وعي شديد الحساسية لواقعه ودواوينه الشعرية وقصائده ثروة أمام الأجيال المقبلة وأمام الدارسين رغم قلتها لكنها على درجة ممتازة من الخصوصية.
    ومما لا شك فيه أن خسارة شاعر حقيقي ومؤثر ورائد في القصيدة الجديدة يعد خسارة للمشهد الشعري والأدبي في المملكة خاصة وفي المشهد الشعري العربي بشكل عام، ولعل التطورات التي حدثت في تجربة محمد الثبيتي بدءًا من القصيدة العامودية وانتهاءً بقصيدة التفعيلة التي بناها بعمق ورؤية، واستطاع أن يجدّد ويبتكر في اللغة وفي أسلوب الإبداع الشعري وهي ميزة لم تتوفر في كثير من شعراء المرحلة.
    وبشكل عام شكّل الثبيتي حالة خاصة في الشعر السعودي قلما تجد له شبيهًا في قدرته الاستثنائية على الإحاطة بالمعاني التي يبرزها في أسلوب متميز ولن تجد له مثيلًَا في سلاسة عبارته وعذوبة معجمه الشعري، فقد استطاع الراحل أن يجمع بين انتمائه للقصيدة العربية عبر التاريخ الموغل في القدم وتقنيات القصيدة المعاصرة، كما ينبغي لها أن تكون، واستطاع أن يحاور رموز اللغة العربية، ورموز الشعر العربي، ورموز التاريخ العربي، واستطاع أن يكتشف أسرار اللغة العربية،فقد جمعت تجربته بين التراث والمعاصرة، والأصالة والحداثة.
    (*) أستاذ النقد الأدبي بكلية الآداب بجامعة عين شمس

    وطن جديد.. إنسان جديد.. حياة جديدة
    مجدى توفيق
    كان محمد الثبيتي من الشعراء البارزين في الساحة الشعرية السعودية خاصة والعربية بشكل عام، فقد استطاع أن يلفت الأنظار نحو تجربته الشعرية الثرية في لغتها وموضوعاتها وخروجها عن النمطية المعهودة، وقد جعلت تجربة الثبيتي قراء الأدب السعودي ونقّاده يشيدون بها باعتبارها علامة بارزة في حركة التجديد الشعري، فالثبيتي وهو يرحل عن دنيانا سجل اسمه وتجربته بقوة تجعلها حاضرة فى الساحة الأدبية السعودية والعربية.
    يعد الراحل من طليعة شعراء الجيل الحالي في المملكة، وصاحب تطلعات تجديدية متطورة في القصيدة العربية من جانبي الرؤية المعرفية والتشكيلية، إلاّ أن الرؤية المعرفية أعمق، لأنها تتفق مع شعراء جيله في محاولة البحث عن الوطن الجديد والإنسان الجديد والحياة الجديدة، ودأبه هذا دأب أقرانه من شعراء جيله، وأمّا الرؤية التشكيلية فهي رؤية بيانية واضحة لا لبس فيها، لأنه ليس من الذين يسعون إلى الغموض لتمرير الغاية بالوسيلة كما هي عادة الذين يشار إليهم بأنهم حداثيون فاعتمدوا الغموض باعتبارهم أصحاب دعوات حرة لتمرير رؤيتهم، ولكن الثبيتي لم يكن يومًا من هؤلاء وإنما كان واضحًا في رؤيته الشعرية، الأمر الذي جعل شعره من السلاسة والعذوبة والرقة ما يجعله يتسلل إلى ذائقة المتلقي، فهو يجيد صنعته ويجتهد في إتقانها، وهذا هو الشعر ولذلك نحن نودّع شاعرًا متميزًا له رؤيته التي شارك فيها جيله، وله أدواته المستقلة.
    واستطاع الثبيتي أن يقدّم هذه التجربة التى وجدت الاحتفاء في العالم العربي، فكان نموذجًا لتجربة رائعة، وكانت في هذه التجربة آليات متميزة عن غيرها من التجارب إذ تميزت بكثافة اللغة الشعرية وامتزاج الذات بالنص الشعري.
    (*) أستاذ الأدب والنقد بكلية الآداب جامعة القاهرة

    هل حقًّا قد وجد المثقف حقه من التكريم والاحتفاء به في محيطنا الاجتماعي المحلي على وجه الخصوص؟
    زيد بن علي الفضيل
    سؤال ما برح يتردد على مُحياي منذ أن بلغني وفاة الشاعر المبدع سيد البيد محمد الثبيتي يرحمه الله، ذلك الإنسان الذي أشعر أنه كابد كثيرًا خلال مشوار حياته، من أجل كلمته التي حافظ عليها حتى لا تسقط، في وقت تتناثر فيها كل شيء أمام طوفان المادة، وغلبة الجهل، وتسيّد الرويبظة، وكثرة الادعاء زورًا وبهتانًا، بل وبجاحة تلك الوجوه التي تطالعك صبح مساء وقد انتفخت أوداجها بالعديد من الصفات التفخيمية كالباحث والمفكر، وهي في حقيقة الأمر أبعد ما تكون عن أبجدياتهما، بل إن كثيرًا من الباحثين والمفكرين ليأنفون من التشدق بمثل تلك الصفات، إيمانًا منهم بعظم المسؤولية، وخطورة أبعاد الكلمة، وليت الأمر قد توقف عند ذلك وحسب، بل نجد البعض من أولئك المتبجحين قد اقتحموا أسوار الحرم الأكاديمي العلمي بادعائهم الانتماء إليه زورًا وبهتانًا، بإضافة حرف الدال، ظنًا منهم أن القضية مقصورة على جمع أكبر عدد من الألقاب، التي في واقعها تحكي انتفاخ الهر في صولة الأسد. في غمرة كل ذلك يصمد المبدع الثبيتي أمام كل هذه التداعيات الوخيمة على جسمنا الثقافي، وينضوي بين دفاتره وأشعاره، دون أن يعبأ بكل المتغيرات، ودون أن يكترث بحالة السباق المحموم لمدعي المعرفة، ومتطفلي الأدب، وكأني به يُصَبِّر نفسه بقول صاحبه أبي فراس:
    سيذكرني قومي إذا جد جدهم
    وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
    نعم إنها الحقيقة سيد البيد، فرحمة الله تغشاك وأنت الفارس الذي سقط منتصب القامة على ثرى بيده، تلك التي حلمتَ وتغزلتَ ونافحتَ عمرك من أجلها، رحمك الله أيها الشاعر المبدع وقد غبت عن أعين محبيك جسدًا، لكن كن متيقنًا أنك بجواهرك ستظل في أعماق كل متذوقي الأدب والإبداع، شاعرًا مبدعًا عميدًا لأجيال شعر الحداثة والفكرة الخلابة. رحمك الله وقد غادرتنا إلى حيث تستكين نفسك، ودون أن تُفرط في خصيصة ما اكتنزته في داخلك من أدب وذوق فني رفيع، على الرغم من صلف ما واجهته، وضيق ما كابدته مقارنة بغيرك من مدعي المعرفة، وناظمي القوافي، جاعلًا من قول صاحبك «ولا خير في دفع الردى بمذلة» وجاما تلجأ إليه كلما احتدم الخطب.
    إنها الحقيقة المرة التي يجب أن ننكشف عليها، فنحن أيها السادة لا نهتم بمبدعينا بالصورة التي تجب، ولم ترق مختلف مؤسساتنا الثقافية الرسمية والأهلية إلى المستوى المطلوب من أهمية الإحاطة بمختلف المثقفين من صناع الكلمة وعاشقي الذوق الرفيع، الذين اختاروا التبتل في محراب الإبداع، ولم ينشغلوا بالتزاحم على الصفوف الأولى والتجمل بالتقاط الصور الكاذبة. وليسمح لي القارئ الكريم أن أتساءل: أهكذا تكون رعاية المبدعين في بلد العطاء والكرم؟ ألم يكن الثبيتي بما أنتجه من أعمال شعرية خالدة، مستحقًا لاهتمام أفضل من قبل مختلف مؤسساتنا الثقافية الرسمية بوجه خاص والأهلية بوجه عام؟ ألم يكن مستحقًا لأن يحظى بالرعاية الصحية الجيدة طوال مرضه، بوصفه مبدعًا متفردًا من جميع المؤسسات الصحية المتخصصة في بلادنا؟ أيفترض أن يكون وجيهًا أو ثريًا ليجد ما يجده غيره من اهتمام واسع؟ كم هي حسرتي حين أتصور أن السمة الطبقية اجتماعيًا أو اقتصاديًا ما زالت بعمقها الفلسفي مسيطرة على أذهاننا! وبالتالي فكيف يتسنى لنا أن نتقدم وفي أعماقنا أن قيمة الشيء مرهون بمظهره الخارجي وليس بجوهر مكمنه.
    اسمح لنا يا سيد البيد فقد شاءت إرادة الله أن تُبتلى ويزداد بلاؤك وأنت بين ظهرانينا، ونحن مكبلون إلا من الدعاء والتبتل لك، فلم يكن بأيدينا أن ننقلك إلى أفضل المشافي المتخصصة، وأنت تعاني ويلات ما ابتلاك الله به. اسمح لنا يا مبدع الكلمة فقد تعبت في مجتمع أخشى أن الكلمة لم تعد تحظى فيه بقيمتها المستحقة، أمام سطوة المادة وجبروتها. وعزاؤنا أنك على الأقل ستبقى خالدًا في ذهن كل مبدع فنان، شاخصًا بشعرك في آفاق الزمن، امتدادًا لكل أولئك الخالدين من الأنبياء والصديقين والشهداء والعلماء والأدباء وحسن أولئك رفيقًا.

    وعاد الصهيل
    سعيد العواجي
    رثائية في محمد الثبيتي يرحمه الله
    يموت الكبار ولا يزال صهيلهم يصدح في البرية
    كشاعرنا الكبير محمد الثبيتي يرحمه الله
    أيا سيد البيدِ
    همسُ الحروفِ
    وصوتُ الحتوفِ
    لآخر فصلٍ تموتُ
    يموتُ النخيل
    دبيبُ البلاغةِ فوقَ الرمالِ تئنُّ
    لفقدِ المقاتلْ
    لسيّدِ ورد القصائد تبكي المحافلْ
    لنبع الصعاليك حين يسيرون نحو الحقيقة خلفك
    تبكي السنابلْ
    ويبكي الرحيلْ
    أيا سيد البيدِ
    كلُّ القصائدِ عادتْ إلى بحرها
    وعادتْ نسورُ البيانِ إلى حيث شاءتْ إلى سفحها
    وتلك الحمائمُ عادت إلى عشها
    وعدتُ إلى ذكرياتي القديمةِ
    عدتُ إليكَ
    إلى النبضِ في مقلتيكَ
    فعاد الصهيل إلى منبع الصوتِ
    عاد الصهيلْ:
    يقولون «زيف الشعارات» عند الرخامْ
    خفافيشَ وهمٍ
    يطيرون فوق الموائد عند الظلامْ
    وأنت أمام النخيل تغني لها نغمةً من يقينْ
    وتكشف في خيمةِ الحبِّ هذا الأنينْ
    أدرت لهم مهجة الصبحِ
    كنتَ الحقيقةَ كنتَ لهم دربَ نورٍ
    وكنتَ الدليلْ
    سلامٌ عليك أيا سيد البيدِ
    إنّا قرأناك خلف السطور قضيّةْ
    وإنّا قرأناك بين السطور اشتعالَ الحروف
    وروحا أبيّةْ
    وإنا عرفناك عند احتمالِ الرمال
    إذا هبت الريحُ صمتَ السلام
    وصوتا أصيل
    أيا سيد البيد
    مرت عليك الدروب
    وأنهت تراتيلها
    ثم غابت
    فماتت خطاكْ
    وأنت الحداءُ الأخيرُ
    فعاشتْ مع الراحلينِ
    رغيفُ القصائدِ
    عاشتْ رؤاكْ
    رحلتَ ولكن بياضُ وشاحكِ
    يبقى فضاءً لمن يعبرون
    وتبقى طريقا إلى الفجر يا سيد البيدِ
    تبقى الدليلُ
    وتبقى الصهيلْ

    الثبيتي ونهر الإبداع
    مسعد عيد العطوي
    الراحل محمد الثبيتي: عصامي الثقافة متنوع الفكر، مستلهم الكون الرحب، غائص في بحر الإنسان المتألم فحمل الشاعر الثبيتي معاناة بل هو يتوهم حتى اللذعات البشرية كبائر أنه يخوض في أمواج البشر المخيفة كما يخوض الإنسان في البحر العميق بين مرعباته، إن الثبيتي لم يلجأ إلى جمال الطبيعة برؤية الجمال والأنس، ولم يعانق الإنسان المبتهج بل لم ير الإنسان أو البشر الذين يحملون طيبة وفطرة وأفعالًا ذات قيم إنسانية وتلك القيم أمانيه غير أنه يبتغيها في كل البشر، بل تكون دائمة للإنسان وهذه ليست من سنن الحياة فالإنسان في مكابدة، والثبيتي تثاقف مع هذه المكابدة وحفرت في أعماقه وانغمست أحاسيسه في أعماق المآسي أو النقد الاجتماعي الذي تحول إلى موجات شعورية إبداعية تنبجس بدلائلها اللغة يقول:
    أزور عنك تنكرًا وتجاهلًا
    ورنا إليك ترفعًا وفضولًا
    يا موقد القنديل نبض فؤاده
    احذر فؤادك وأحذر القنديلا
    فالكون يمّ زاخرٌ يُنسى به
    من شاد صرحًا أو أنار سبيلًا
    عاشقة الزمن ص 12
    وهذه الرؤيا صحبته في مسيرة حياته فكان المنجم الذي يصفى شعره. بل صحبته في حياته المتوترة وتارة تراها في مواقف نسميها رسمية فكأنه بتصرفاته يعلن للملأ أنني لا أبالي بكم ولا بمكانتكم وشخصياتكم فهو يخاطبهم بما تلونه أحاسيسه، وتلك صيرته مهمشًا مع قدراته الشعرية الرائدة والرائعة.
    وشعر الثبيتي يصور شرائح اجتماعية مثقفة تئن تحت وطئة التلاقح الفكري وأمانيها التي تتمنى أن ترى صورها ماثلة في الأفراد والمجتمع بل في المؤسسات مصاغة بفلسفة الشاعر ومن يجري في منهجه الثقافي.
    وشعر الثبيتي يتدرج من الوضوح في ديوانه عاشقة الزمن الوردي وفي هذا الديوان تكون المباشرة والوضوح وفي طياتها الفكر الفلسفي وفلسفة التكون المعاصر. وهذا النهج الأسلوبي راق جدًا ينبئ عن قدرة وموهبة شاعرية فتحويل المضامين الفلسفية إلى معان شائعة يدركها المتلقي كل متلقي ذلك أمر من الصعوبة بمكان يقول:
    إذا نزفت جراح الحب يومًا
    وفاضت بالدم القاني قلوب
    وغامت في جوا نحنا الاماني
    ولاح على مفاتنها شحوب
    وقادتنا الحياة إلى صراع
    مع الآلام واختلفت دروب
    ص71
    ونحن لما نتصفح ديوانه الآخر (تهجيت حلمًا تهجيت وهمًا) فستشعر النقلة الجمالية في شعره حيث الصور وبنائها التي تفيض بالدلالات، وحيث الشجن اللفظي المتلاحم من السياق التركيب، الذي يصور العمق الفكر المتنوع المتلاقح وينبض بالمعاناة المتواترة أنه أجنحة الشعر المحلق في الفضاء الإنساني الذي يضم الفكر، المعرفة، والبرهان، ويتدفق بالإحساس ويتلبس بالبيان، ويتجلى في تنوع الطرح الفكري فهو تارة ذاتي وتارة فلسفي تجريدي، وشعره يصور أطواله
    فقد حاول الشاعر أن يمارس الهروب الرومانسي لعله يسلو ويأنس لكنه لم يهدأ فيقول:
    أصادق الشوارع
    والرمل والمزارع
    أصادق النخيل
    أصادق المدينة
    والبحر والسفينة
    والشاطئ الجميل
    أصادق البلابل
    والمنزل المقابل
    والعزف والهديل
    أصادق الحجارة
    والساحة المنارة
    والموسم الطويل
    لكنه لم يصادق ولم يمكث طويلًا
    ص 14 الأعمال الكاملة
    وأنني اتصور أن قصيدته (موقف الرمال) ولو سماها النخيل لكان أقرب. هذه القصيدة إنما هي سيرة ذاتية لفكر الشاعر وتسجيل لخواطره الذاتية ورؤاه في الحياة بل مكانته في الحياة فهو كالنخلة الباسقة المثمرة ليست في أوصافها الظاهرة المحسوسة فحسب وإنما يلتقي مع النخلة في تكوينها وفلسفتها ومكانتها عند أهل الصحراء:
    أنت والنخل فرعان
    أنت افترعت بنات النوى
    ورفعت النواقيس
    هن اعترفن بسر النوى
    وعرفن النواميس
    فاكهة الفقراء
    وفاكهة الشعراء
    ص12
    إن شعره يكشف عن العلاقة العضوية التي تربط ألوانًا من الفكر بوصفه محركًا لموجات النفس والذي يصطدم بالمحيط الاجتماعي المتنوع المصادم لفكر الشاعر والمتلاحم معه والآخر الاتباعي الضعيف صاحب المأساة يقول مازجًا بين واقع ماض ورامزًا لحاضر واقع.
    سلام عليك فهذا دم الراحلين كتاب
    من الوجد نتلوه
    تلك مآثرهم في الرمال
    وتلك مدافن أسرارهم حينما ذلَّلَت
    لهم الأرض فاستبقوا أيهم يرد الماء
    ما أبعد الماء
    ما أبعد الماء
    ص104
    إن الشاعر يعيش ماضيًا ثقيلًا يماثله حاضر ثقيل وهكذا تشكل الحياة المتصورة في فكر الشاعر معالم الحياة القاسية ماضيها وحاضرها.
    ها نحن في كبد التيه نقضي النوافل
    ها نحن نكتب تحت الثرى
    مطرًا وقوافل
    يا كاهن الحي
    طال النوى
    ص 105
    إن الحداثة التي أراها تتجاذب شعر الثبيتي ليست الرافضة للمعتقد، ولا للبناء التراكمي الإنساني والاجتماعي وإنما بين المكون الحياتي وكونه وبين التمازج الثقافي والاجتماعي والتفاعل بين الفكر الفلسفي لهذه الحياة مع التصادم في الفكر وتنازع البرهان وتكامل الجدل ومن هنا انطلق الثبيتي ليفجر الفكر في تجربته الشعورية، فتارة ناقضًا وتارة مصادمًا، وتارة يموج شعره مثل النسمات التي تعبر بلا حدود ولا سدود وتارة تتشكل كل هذه في شعره فهو يجري كالماء ولكن التركيبة المعرفية للماء توحي مكوناتها بالعمق فشعره حداثي يولد الصدام والصراع ومن ثم الاكتشاف للمكونات المتضادة ولكي يكون الإبداع الداعي للتغيير يقول:
    اجهشت باللحن اللذيذ
    تشابكت في داخلي مدن، صحارٍ ضاجعتها
    النار فابتردت بماء الغيث
    يا ايها الشجر البدائيُّ ابتكر للطير أغصانًا
    وللأطفال فاكهةً
    أقمْ في الرمل ناقوسًا طموحًا
    واشتعلْ للريح
    يا أيها الشجرُ الذي طال احتقان جذورهِ
    بالقيظِ واحترقتْ بلابلهُ على الأسلاكِ
    فانقطع الغناء
    يا ضاربًا في الليلِ
    يا مستغرقًا في لجَّة الصحراءِ
    هل غرقت ظلالك فِي المساءْ؟
    فيشدنا نهر الابداع للشاعر محمد الثبيتي بمقابضة الاخطبوطية. فيستفزنا بتكوين ابداعي جامع بقوة اللغة واصالة الفن، ويقحمنا إلى عوالم بفنه إلى عوالم فكره وجمال سياقاته، ويشحن احاسيسنا ووجداننا بفيض من الاثارة، وهو يستنفر عقولنا ويشحذ ذاكرتنا بفيض هادر من المشاهد والمواقف وقذف الرؤى إنه شعر مشحون بالكهرباء الذي لم يلبس بغطاء ضامن.
    والذي يسجل لشعر الثبيتي هو توظيف الماضي لتفجير الحاضر فهو غير رافض للماضي وإنما يريد أن يكشف سلبياته ويسقطها على الحاضر المتوتر. وهو يجري في بناء لغته وتراكيبه ذات الطرائق في فكره، فهو غير رافض للغة وغير محطم للتراكيب وإنما يشحن اللفظة والتراكيب بدلالات جديدة وكذلك يولد صورًا جديدة من خلال بناء السياقات، فشعره مشحون بالدلالة مع سلامة في اللغة والتركيب وحفاظًا على مكون الجذرة الموضوعية للغة مع القدرة على التعبئة الدلالية المعاصرة.
    masd_300@hotmail.com

    سيد البيد.. وتغنّى غناءه الساطع ومضى
    محمد سيد - القاهرة
    لأنه تغنى بالريح وهو المتهيج حلمًا ووهمًا، اصطفته الريح في أوديتها القصية عاشقًا للرمل، وهي التي خط في ذاكرتها المثقوبة مخايل طفولته البعيدة بمكة المكرمة، إنه عاشق الرمل، الشاعر الراحل محمد الثبيتي، الذي يمكن اعتباره بحق أحد مجددي الشعر السعودي المعاصر، إذ مع بداية موجة الحداثة التي هبت على ساكن القصيد في عكاظ ومنبت فحوله في بداية ثمانينيات القرن الماضي، بدأت مفردة شعرية جسورة تشق طريقًا للحداثة مزهوة بصبا مغامر وفتنة رشيقة، برز صوت الثبيتي واضعًا ثورة جمالية في نصه، ورنينًا قصيًا للأساطير وجنيات كهوف الروح وأزقتها البعيدة، دعا الثبيتي مفردته للتنزه في دروب المعنى الكلي للحياة، جوهرها الفلسفي، لم ترتعش الحروف وترتعد من المغامرة، بل تزينت بأبهى حللها، وغادرت في معية هذا العاشق في زمن دمغ القصيدة بمفاهيم قارة في الوعي الجمعي كمفاهيم ثابتة وراسخة لما هو شعري وما هو غير ذلك.
    وشكل الثبيتى مع جيله الشعري في ثمانينيات القرن العشرين: سعد الحميدين، ومحمد جبر الحربي، وعلي الدميني، وعبدالله الزيد، وعبدالله الصيخان وغيرهم حالة شعرية جديدة في المشهد الشعري السعودي الذي سعى إلى الدخول إلى آفاق الحداثة الشعرية مستلهمًا التجارب الشعرية العربية السابقة في العراق والشام ومصر، مما أحدث نقلة شعرية متميزة نقلت الشعر العربي السعودية من حالته الكلاسيكية - الرومانتيكية، إلى حالة أكثر معايشة مع التقنيات الفنية والجماليات التي انبثقت عن شعرية الحداثة العربية.
    احتفى النص الشعري للثبيتي، بتألق ساحر، بالحداثة نصًّا وغرضًا ومغامرة، وأشاح بوجهه في إباء عن صخب سدنة الشعرية السائدة وخطابهم الجمعي الذي يسور القصيدة في محابس تاريخ المخيلة المكررة نصًّا وغرضًا ومغامرة، في دواوينه (عاشقة الزمن الوردي)، (تهيجت حلمًا.. تهيجت وهمًا)، (التضاريس)، (موقف الرمال.. موقف الجناس).
    ويعد الثبيتي إحدى قامات الشعر بالوطن العربي بل يكاد أن يكون في طليعة شعراء السعودية واحد ابرز الرموز في الشعر الفصيح ليس لنتاجه الغزير بل لتفرد القصيدة لدى هذا الشاعر الذي كلما تمعنت بقصائده وجدت المختلف ما بين قصيدة وأخرى حيث تحمل كل قصيدة من قصائد الثبيتي من المعاناة ما تحمل وكأنها زمن يفتش عن زمن آخر.
    ومن كلمات الشاعر الثبيتي التي تكررت في كثير من المناسبات عندما كان يسأل عن الجوائز التي حصل عليها “لست مغرمًا بالجوائز، ولم أبحث عنها، ولا أشغل نفسي بها، فمهمتي الأولى تقديم نص جيد، احترامًا لذائقة المتلقي، وما نلته سابقًا وربما ما سأناله لاحقًا، يدخل دائرة التقدير والتتويج لمرحلة الثمانينيات والقصيدة الحديثة، وليس تكريمًا لمحمد الثبيتي شخصيًا”.
    ويقول في موقف آخر في إحدى حواراته الصحافية” لم أستطع أن أقبض على اللحظة الأولى والوميض الابتدائي، إلا أن احتلال الفكرة لمشاعرك يولد الرغبة في الكتابة، ما يعني وجود خلق جديد، فأستسلم كلية، وأبدأ من خلال آليتي الخاصة، إذ لكل شاعر آليته. وهنا ربما أكشف سرًا للمرة الأولى، إذ أبدأ بكتابة مقطع، وفجأة أجد على لساني كلامًا كأني سمعته من قبل، ما يجعلني أسأل الأصدقاء والمقربين ممن اشتهروا بزخم قراءة الشعر، إن كانوا سمعوا بهذا المقطع من قبل؟ خوفًا أن أنسب لنفسي ما ليس لي، وكثيرًا ما توقفت في النص ومعه لزمن، وحدث هذا معي في «التضاريس» و«تغريبة القوافل»، و«المطر»، و«موقف الرمال موقف الجناس»، ومن بعد اعتدت على هذا الأمر وسهل تجاوزه.
    وقد تناولت دواوينه الأربعة العديد من القصائد ففي ديوانه “موقف الرمل” تحية لسيد البيد، موقف الرمال موقف الجناس، أغنية، الأعراب، تعارف، قرين، وضاح، يا امرأة، الأوقات، الطير، الظمأ، وفي ديوانه “التضاريس” برزت قصائده ترتيلة البدأ، القرين، المغني، الصعلوك، الصدى، الفرس، البابلي، البشير، الأجنة، تغريبة القوافل والمطر، هوازن فاتحة القلب، آيات لامرأة تضيء، الأسئلة.. أما ديوانه “بوابة الريح” فقد جمع بين دفتيه قصائد القصيدة، بوابة الريح، الرقية المكية، أسميك فاتحة الغيث...، أهدرت اسمك، قراءات لأحزان شجرة: فاتحة، قراءة أولى، قراءة ثالثة، قراءة سابعة، وفي ديوانه “تهيجت حلمًا تهيجت وهمًا”، ظل يتهيج حلمًا ووهمًا من خلال قصائده سألقاك يومًا، شهرزاد والرحيل في أعماق، تهجيت حلمًا تهجيت وهمًا، برقيات حب إلى غائبة، أغنية للرؤيا، مساء وعشق وقناديل، فواصل من لحن بدوي قديم، أيا دار عبلة عمت صباحًا، ليلة الحلم وتفاصيل العنقاء، أقول: الرمال ورأس النعامة، فارس الوعد، صفحة من أوراق بدوي، مسافرة، تقاسيم.. أما ديوان “عاشقة الزمن الوردي” فقد تنوعت قصائده صوت من الصف الأخير، الرحيل إلى شواطئ الأحلام، إيقاعات على زمن العشق، عيناك والوان الطيف، عاشقة الزمن الوردي، اختناق، النجم الغريب، الوهم، مرثية قصيدة، أغان قديمة لمسافر عربي، وجه من دخان، عشقت عينيك، نشاز في نغمة الحب، أنغام من الصحراء.
    ولد محمد عواض الثبيتي عام 1952 في منطقة الطائف، وحصل على بكالوريوس في علم الاجتماع، وعمل في التعليم. وبدأ نظم الشعر وعمره 16 عامًا، وظل ممزوجًا بروح بدوية، مما أكسب قصائده نكهة تبلورت في عدم تخلي قصيدته عن الموسيقى والقافية، حتى عندما انتقل إلى كتابة قصيدة التفعيلة، وظلّ على تواصل مع الحركة الشعرية والثقافية في الوقت الذي عاش فيه من يوصفون بشعراء حداثة الثمانينات فترة من الانعزال.
    حصل الثبيتي على عدد من الجوائز، منها جائزة نادي جدة الثقافي عام 1991 عن ديوان “التضاريس”، وجائزة اللوتس في الإبداع عن الديوان نفسه، وجائزة أفضل قصيدة في الدورة السابعة لمؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري عام 2000، عن قصيدة “موقف الرمال.. موقف الجناس”، وجائزة ولقب “شاعر عكاظ” عام 2007 في حفل تدشين فعاليات مهرجان سوق عكاظ التاريخي الأول، وقد قام نادي حائل الأدبي أخيرًا بطباعة كامل أعماله الأدبية، المثقفون الذين كانوا يستعذبون تسميته بألقاب مستوحاة من نصوصه، ولعل أشهرها “سيد البيد”، وقد صنع بصوته المتفرد تاريخًا للقصيدة في الجزيرة العربية، دفع بشعراء، ونقاد وكتاب وحمى ثقافية إلى أقصى حدود الممكن... غنى غناءه الساطع ومضى”.

    النخل.. والشجر الهزيل
    أسامة البحيري
    قبيل أن يغيبه المرض، أسعدني القدر بلقاء الشاعر الكبير محمد الثبيتي - رحمه الله - في خميسية الشاعر عبدالرحمن الموكلي في جازان، وسمعته يلقي شعره المحلق بصوته الرخيم المؤثر، فتعجبت من محاولات حجبه عن واجهة الشعر السعودي المعاصر، ورن في سمعي قوله:
    يا أيها النخل
    يغتابك الشجر الهزيل
    ويذمك الوتد الذليل.
    ومضى زمن، تابعت فيه نشاطه الأخير، وصحوته الشعرية، ثم غيابه الطويل في غيبوبة المرض، التي جمعت كثيرًا من المحبين، والمسؤولين حول سريره، بعد أن ظل يغني في عزلته:
    ويفيق من الخوف ظهرا
    ويمضي إلى السوق
    يحمل أوراقه وخطاه
    من يقاسمني الجوع، والشعر، والصعلكة.
    وجاء الاحتفاء بمحمد الثبيثي، وتكاثر بعد فوات الأوان- كالعادة مع المبدعين في بلادنا العربية-، وفي ليلة افتتاح ملتقى النص العاشر 1431هـ «الشعر العربي المعاصر في عالم متغير»، همست لصديقي الأكاديمي المصري الذي قضى ربع قرن مهتمًا بالشعر العربي المعاصر، إبداعًا، ومتابعة، ودراسة، ونقدًا، ولا يعرف شاعرًا سعوديًا واحدًا:
    - ستسمع الليلة صوتًا شعريًا، سيغير نظرتك إلى الشعر السعودي كله.
    فأجاب:
    - لا أظن.
    فقلت له:
    - سترى.
    وبدأ صوت محمد الثبيتي - الذي غيبه المرض- يرتفع في قاعة الاحتفالات:
    القصيدة
    إما قبضت على جمرها
    وأذبت الجوارح في خمرها
    فهي شهد على حد موس
    ...
    وبعد انتهاء القصيدة، سمعت صديقي يردد - مأخوذًا- عدة مرات:
    شهد على حد موس
    وأضاف:
    أكبر دليل على تقصير الثقافة السعودية في حق مبدعيها هو تحجيم هذا الصوت الشعري، وإعاقة وصوله إلى محبي الشعر العربي في كل مكان. أين دواوين هذا الشاعر المبدع؟ ولماذا لم توزع على أوسع نطاق وأجمله؟
    - فأطلعته على طرف من سيرته، وأعطيته عددًا من قصائده.
    فردد قوله:
    أنا خاتم الماثلين على النطع
    هذا حسام الخطيئة يعبر خاصرتي
    فأسلسل نبعًا من النار يجري دمًا.
    وقال:
    - ما أشبهه بأمل دنقل، تردد قصائده وأبياته على كل لسان، ويحتفى به بعد فوات الأوان.
    حسنًا أيها الفارس البدوي
    هل تجرعت حزن الغداة
    وصبر العشي...؟؟
    أرى وجهك اليوم خارطة للبكاء
    وعينيك تجري دمًا أعجميًا.
    لعل أهم ما يميز تجربة محمد الثبيتي الشعرية -في رأيي- ويفرد لها مكانًا متقدمًا في خارطة الشعر السعودي والعربي المعاصر، هو أصالتها الإبداعية، وجرأتها الأسلوبية، وعبقرية الامتياح من العناصر التراثية، ومهارة توظيف أدوات الحداثة الشعرية، في تمازج بديع يرتكز على أصول ثابتة، تؤطرها الملامح البدوية، ومفردات الصحراء، وتراث الأسلاف الراحلين وراء قوافل المجد، وأبجدية النور، واستشراف آفاق المستقبل، الذي تلوح منه نبوءات مؤرقة، ظل يرددها في غيبوبته الشعرية، وتركها تؤرق الأجيال من بعده:
    وعلى مسافات الردى بدو وحانات
    وأرصفة تموج
    وخيول ليل أمطرت شبقًا على البيداء
    فاحمرت نبوءات البروج.
    وظل الشاعر يردد أغنيات الوطن، ويزدهي بلغته الشعرية التي تقطر الشمس، وتتلو أسارير البلاد، مستعذبًا امتصاص الرحيق من الحريق، ومشفوعًا من (المحافظين) بأردية سابغة من ماء الملام، الذي لم يستطع محو أطياف الحبيبة (الوطن) من عقله، وقلبه:
    أحدق في أسارير الحبيبة كي
    أسميها
    فضاقت
    عن
    سجاياها
    الأسامي
    ألفيتها وطني
    وبهجة صوتها شجني
    ومجد حضورها الضافي مناي
    فحق للشاعر الراحل، أن يعاد إليه اعتباره الشعري، ويحتفى بقامته الشعرية احتفاء يليق به، وتهتم الجامعات السعودية والعربية بدراسة عناصر الإبداع في شعره، وتطبع أعماله الشعرية، وتوزع على نطاق واسع، محليًا، وعربيًا، ودوليًا، ويصدر شعره للعالم الخارجي واجهة مضيئة للشعر السعودي والعربي المعاصر.
    * كلية الآداب - جامعة جازان

    الثبيتي والمتغيرات
    محمد الصفراني
    الإبداع حالة لا تثبت على حال، كل يوم هي في تطور وإدهاش، شاء من شاء وأبى من أبى، وفي مسيرة الأدب العربي في السعودية، تقاسم الحالة الإبداعية أطراف متعددة منذ أن اجترحها محمد حسن عواد يرحمه الله سنة 1921م إلى أن توجها الباقي إبداعيًا محمد الثبيتي يرحمه الله، الذي رغب عن حرارة الأضواء رغبة بدفء الإبداع.
    كرس محمد الثبيتي مشروعه الشعري لابتكار تقنيات جديدة في كتابة القصيدة الحديثة لغة ومضمونًا وإيقاعًا، وتجاوز ذلك إلى فضاء التشكيل البصري، ولم يجد في زحمة الطريق المغضن بالمتشاعرين والمتنقدين من يفهم رسائلة الإبداعية إلا قلة قلية من الشعراء والنقاد، تبددت نارهم جمرة هنا وجمرة هناك لكن وقدها برغم تبددها يضيء، ويغني عن كل ما لف الطريق من حطب.
    رحل محمد إلى أكرم رحاب، بعدما قدم نصوصًا شعرية إبداعية يكاد زيتها يضيء، رحل محمد (سيد البيد)، عراف هذا الرمل الذي جاء يستقصي احتمالات السواد، الذي جاء يبتاع أساطير ووقتًا ورمادًا، مقيمًا على شغف الزوبعة، وقد أدار لنا مهجة الصبح ممزوجة باللظى، حالما بوطن في الكؤوس، يدير الرؤوس، رحل، بعدما مسه الضر هذا البعيد القريب المسجى بأجنحة الطير. تاركًا لنا تاج (التضاريس).
    نعم، كانت ولما تزل التضاريس وعرة، منذ أن سمع القوم ذات أمسية قولك:
    ابتداء من الشيب حتى هديل الأباريق
    تسترسل اللغة الحجرية
    بيضاء كالقار
    نافرة كعروق الزجاجة
    صعقوا، وتنادى مصبحين، حققوا مع القار، متى كنت أبيض؟ قبضوا على الزجاجة شرحوا جسدها بحثًا عن العروق والشرايين، وعندما عز عليهم الجواب، شمروا عن سواعد العقاب، لكنك لذت بالصمت، صمت من لا يشتغل بغير الإبداع ولا يحقق إلا مع الجمال وتطوير الذات والأدوات، فغاض الزبد، وسموت يا سيد البيد بما ينفع الناس، ويرفع الرأس. فكنت وما زلت أنت الثابت، وهم المتغيرات. ثبته اللهم عند السؤال، وأكرم نزله والمآل، واشمله برحمتك، وارحمنا إذا صرنا إلى ما صار إليه.. آمين.
    كلما أبصـرَ حُسنـاً ساكنـاً=هزَّهُ الوجدُ فألقى حَجَـرَه !

  9. #29
    الصورة الرمزية ماجد الغامدي شاعر
    تاريخ التسجيل : Dec 2003
    الدولة : بين الصدر والعجز !
    العمر : 51
    المشاركات : 3,774
    المواضيع : 182
    الردود : 3774
    المعدل اليومي : 0.51

    افتراضي

    تعانق الجميل والأيديولوجي عند الثبيتي
    http://www.al-madina.com/node/285481/arbeaa
    جبريل إسماعيل السبعي
    تمثّل تجربة محمد الثبيتي عبر دواوينه الأربعة وبالأخص الأخيرين “التضاريس” و“موقف الرمال”؛ تجربة شعرية استوفت أولاً شرطها الجمالي من حيث إن النصوص متماسكة، ومؤثرة، وفائضة بمحتوى جدلي - كما سيأتي لاحقًا - وكذا ألفينا هذه التجربة ثانيًا تتجاوز وظيفتها الجمالية، إلى تقييم الواقع ومحاكمته من خلال رؤيا تراجيدية، يترقى بها النص الثبيتي ليصبح خطابًا..
    ولعلي قبل الانتقال إلى الثبيتي عبر تجربته التي تتأسس على رؤيا تراجيدية وتتبنى موضوعًا أيديولوجيًا، فتتقوى به في مجابهة الواقع القبيح، لعلي قبل ذلك أستأنس بتعريف للتراجيدي عندما يشير إلى أنه “ذلك الذي ينمو وينكسر أمام الحواجز التي تفصل الإنسان عن الإنسان” ويختلف النموذج التراجيدي، عن النموذج المعذب - مثلاً - في الشعر الحداثي، من حيث إن الأول - أي التراجيدي - يقدم صراع الإنسان مع الواقع، وقد ترك فسحة لإمكانية التغيير، وبهذا فرؤياه ليست سوداوية بشكل مطلق، في حين يتقوقع النموذج المعذب على أزماته النفسية، وتنسد الآفاق أمامه إزاء ما هو ناجز واقعيًّا. يقول الثبيتي في نص “موقف الرمال.. موقف الجناس”:
    يا أيها النخل
    يغتابك الشجر الهزيل
    ويذمك الوتد الذليل
    وتظل تسمو في فضاء الله
    ذا ثمر خرافي
    وذا صبر جميل
    قال:
    يا أيها النخل
    هل ترثي زمانك
    أم مكانك
    أم فؤادًا بعد ماء الرقيتين عصاك
    حين استبد بك الهوى
    فشققت بين القريتين عصاك
    في هذا المقطع يبدو النخل كما لو كان ينغرس في واقع من القبح، والنخل هنا قد يكون رمزًا للشاعر، أو ربما للجميل بشكل عام، هذا النخل يحيط به شجر هزيل، وكذا وتد ذليل، أو ثابت عرف وتقليد، وهي جميعًا تمارس حراكها حواليه بالاغتياب، والذم، في حين يظل ذلك النخل يسمو في فضاء الله، ذا ثمر خرافي، وذا صبر جميل، بما ينطوي عليه هذا الموقف من صراع، ومن مجابهة الواقع، ومحاكمته جماليًا، فالواقع هنا من جهة يمثل الخطيئة التراجيدية من حيث يحكمه الهزال والسكون والذل، ومن جهة أخرى ينشق عن حركة صاعدة تقاوم ذلك القبح، وتصارعه، مسكونة بفضاء واسع، وبثمر خرافي.. وإن كان ذلك لا يمنع الانكسار، ممثلاً في حالة الرثاء التي يعيشها النخل على الرغم من صراعه، وصعوده، وأمله. ويبدو كذلك هذا الواقع في مواضع أخرى من النص السابق؛ محكومًا بقوانين الضيق، والاستلاب:
    وأمر ما بين المسالك والمهالك
    حيث لا يم يلم شتات أشرعتي
    ولا أفق يضم نثار أجنحتي
    ولا شجر
    يلوذ
    به
    حمامي
    إنه لا شيء يحمي الشاعر في واقعه، الذي ليس أكثر من مسالك أو مهالك، تخلو من اليم، والأفق، والشجر، ولعل الاستلاب الذي يعانيه الواقع موضوع أثير في التجربة الثبيتية، من ذلك ما نقرؤه أيضًا في نص “تعارف”:
    غرفة باردة
    غرفة بابها..
    لا أظن لها أي باب
    وأرجاؤها حاقدة
    غبش يتهادى على قدمين
    وصمت يقوم على قدم واحدة
    لا نوافذ
    لا موقد
    لا سرير
    ولا لوحة في الجدار، ولا مائدة.
    إنها غرفة فقيرة، ومستلبة، لا باب، ولا نوافذ، ولا جدار... بما تنطوي عليه هذه المفردات من أبعاد رمزية.. من هنا، ومن منظور هذا الصمت.. هذا الاستلاب.. هذا الهزال تتثاقل التجربة الثبيتية على المستوى العام في معرض محاكمتها الواقع جماليًا، بمعجم القبح في مثل: (طرقات الوباء، الزمن المتحجر، تقيح الماء تحت أظافرها، صديد الرمال، جثث العناكب، دم مشرب بالثآليل، طال احتقان جذوره، الجراح العظيمة) وفي هذا السياق تأتي أيضًا (الطحالب، والنمل، والذباب، والكلاب... إلخ) ولعل سؤالاً مهمًا يطرح نفسه، فيقول: كيف يبدو الإنسان في هذا الواقع القبيح؟ وهنا يتراءى ذلك الكيان الإنساني المسلوب منه صوته، وحياته، بل وجوده، يقول في نص “أأنت هنا”:
    وصرت أغني بلا شفتين
    وأحيا بلا رئتين
    وألجم بين يديها خيول الكلام
    كما نراه - أي الثبيتي - عبر تجربته الشعرية يلبس لوصف حالة الإنسان المتآكل، في مثل هذا الواقع، قناع النبي أيوب الذي صارع المرض، ثم ينتصر شاعرنا على واقعه، لتنفتح من أمامه نوافذ الحياة، والشفاء، والتغيير، لا سيما أن رؤياه تتضمن دائمًا فسحة للخلاص، يقول في نص “البابلي”:
    مسّه الضر هذا البعيد القريب المسجى
    بأجنحة الطير
    شاخت على ساعديه الطحالب
    والنمل يأكل أجفانه
    والذباب
    إلى أن يقول:
    تأوه حينًا
    وعاد إلى أول المنحنى باحثًا عن يديه
    تنامى بداخله الموت
    فاخضر ثوب الحياة عليه.
    وداخل إطار صورة الإنسان في التجربة الثبيتية يبرز معجم المرض والظمأ والخوف والجوع، فهذا الإنسان تارة ظمآن يستسقي الرمال، وتارات أخر يعل من ماء الملام، وينفض من أمامه السراب عن السراب، فينتشي بالخوف والجوع والمرض، ولكنه بإزاء ذلك يمتص الرحيق من الحريق، ويفتض أبكار النجوم، ويرقي بالحروف التي لا ترى، ويمخر صباح التيه منفردًا، مدامه موسيقى.. وبهذه المفارقة لعل سؤالًا آخر يطرح نفسه فحواه كيف تتجلى رؤية الخلاص في التجربة الثبيتية؟ وحينئذ تتكشف هذه التجربة عن مضمرات من الحبل، والمخاض، والانبعاث، والتحول، من ذلك ما يرد في نص “التضاريس”:
    من شفاهي تقطر الشمس
    وصمتي لغة شاهقة تتلو أسارير البلاد
    هذه أولى القراءات
    وهذا وجه ذي القرنين عاد
    مشربًا بالملح والقطران عاد
    خارجًا من بين أصلاب الشياطين
    وأحشاء الرماد
    وتتعدد في التجربة الثبيتية نماذج الخلاص، ممهورة بالدعوة إلى الغناء، والصهيل، والاشتعال، وموعودة بالرحابة، والحرية، والتحول، والملاحظ تصدُّر تلك النماذج جميعها بفعل الأمر، وكأن الخلاص حق ينتزع انتزاعًا في واقع طالما احتقن بالصمت، والسكون والظلام (ولعل الواقع المعني هو الواقع العربي المذل) من ذلك ما يجيء في نص “وضاح” و“المغني” و“الفرس” و“هوازن.. فاتحة القلب” و“اختر هواك” يقول في نص “المغني”:
    ابتكر للدماء صهيلا
    تدثر بخاتمة الكلمات
    إلى أن يقول:
    ابتكر للطفولة عرسًا تعلق فيه التمائم
    واللعب الورقية.. والأغنيات
    والملاحظ تعويل التجربة الثبيتية على الجميل مخلصًا، فالملاذ إنما هو الغناء، وأن يبتكر للدماء صهيل، وللطفولة فاكهة، وأعراس، وللطير أغصان، وذلك في حين سلب الواقع هذه الأشياء، ولا تفوتني الإشارة -في هذا السياق- إلى حضور أسطورة الفينيق إيذانًا بولادة جديدة “من بين أصلاب الشياطين/ وأحشاء الرماد” ومثل هذه الأسطورة لا تمر مرورًا عابرًا في التجربة الثبيتية، وإنما هي تقنية تتأسس عليها في هذه التجربة رؤية خلاص، يقول في نص “الأجنة”:
    هل أزهر الجرح القديم على مصابيح الشتاء
    سنحت طيور النار
    فانتهزوا الولادة
    وبهذا فموضوع التجربة الثبيتية لا يأتي باردًا ومباشرًا، وإنما يندغم في بنى النص الثبيتي، ليتحول في البنية الذهنية هيكلاً حلزونيًا ضاربًا في العمق، يقول شاعرنا في نص “اختر هواك”:
    “فارتبت في الأوطان
    “لا تحمي العليل من الردى”
    وارتبت في الشطآن
    “ لا تروي الغليل من الصدى”
    فذهبت في بحر الجنون
    عميقًا”
    يظهر البناء الذهني الحلزوني - هنا - في نمط النصوص الذي يكرر أجزاءه - أقصد أسطره أو مقاطعه أو إيقاعه... - بعد فترات زمنية تكاد تكون متساوية، وجزء كبير في التجربة الثبيتية ينهض على بناء حلزوني، أي إن عددًا من النصوص تأتي متشاكلة في بناها الذهنية، كنص تحية لسيد البيد، والبابلي،... وغيرها، وكأنما أرادت هذه التجربة من خلال البناء الحلزوني تجسيد الالتفاف الذي تتطلبه المرحلة، وتتمظهر أيضًا البنية الذهنية لهذه التجربة في حقول دلالية من الدوران، والتطويق، والتكور، يقول في نص “البابلي”:
    دار الزمان
    ودار الزمان
    فحط على رأسه طائران
    وتتوالى الشواهد في مثل: وتكور في ملتقى الشاطئين، طوقتك خيول الدرك، وطوقت بغبارها الذهبي هامته وجيده / دارت الشمس حول المدينة / تدور الأرض دورتها الجديدة / تستوي خلف المدار الحر تنينا جميلا / وشموس تحل مدار الجدي / وأرسم دائرة من ضياء... وفي نص “تغريبة القوافل والمطر” يقول:
    أدر مهجة الصبح
    صب لنا وطنا في الكؤوس
    يدير الرؤوس
    وزدنا من الشاذلية حتى تفيئ السحابة
    أدر مهجة الصبح
    واسفح على قلل القوم قهوتك المرة
    المستطابة
    أدر مهجة الصبح ممزوجة باللظى
    وقلب مواجعنا فوق جمر الغضا
    ثم هات الربابة.
    خلال هذه النماذج يبدو ذلك البناء الحلزوني متمظهرًا تارة في نمط النصوص التي تكرر أجزاءها، وتارة أخرى في حقول دلالية لا تفتأ تسيجها ألفاظ الدوران، وكان قد تحول الموضوع الشعري على مستوى البنية الثانية - أقصد المتخيل - حشدًا من صور متراسلة منزاحة؛ تتبطنها تقنيات خيالية، تنظم فوضاها، كما في حالة تقنية القناع، عندما استدعى الثبيتي شخصية النبي أيوب، في معرض تصويره حالة صراع الإنسان مع القبيح واقعيًا، وذلك بإزاء صورة أخرى يتجسد فيها الأمل؛ فتستقطب ما هو جميل؛ عبر أسطورة الفينيق إيذانًا بولادة جديدة، وأما على مستوى البنية الثالثة التي هي الملفوظ فيستقطب موضوع التجربة الثبيتية مجموعة من الحقول الدلالية ذات السياج القبيح تارة، والجميل تارة أخرى.
    وبهذا تأتي التجربة الثبيتية متبنية موضوعها الأيديولوجي برؤيا تراجيدية، تحاكم الواقع جماليًا، في إطار من الصراع، الذي يفتح النوافذ على آفاق من الجمال، ويبشر بأزمنة رحبة، وأمكنة طليقة، ومثل هذه التجربة تتقوى بموضوعها، في مواجهة القبيح الزماني والمكاني والاجتماعي، وذلك بإزاء القوة الجمالية التي تختزنها أساسًا، فهي تجربة أدبية، تتشكل من جملة نصوص، يحكمها الشرط الجمالي، من حيث إن كل نص ينطوي في داخله على بنى ثلاث متحركة، ومتفاعلة مع بعضها، وبهذا تبدو هذه التجربة فائضة بمحتوى أنزياحي، ومضطلعة بمهمة توليد الغبطة في المتلقي من ناحية، وحرث ذوقه الفكري من ناحية أخرى، فيتعانق بذلك الجميل والأيديولوجي في الخطاب الشعري عبر هذه التجربة الفريدة.

  10. #30
    الصورة الرمزية ماجد الغامدي شاعر
    تاريخ التسجيل : Dec 2003
    الدولة : بين الصدر والعجز !
    العمر : 51
    المشاركات : 3,774
    المواضيع : 182
    الردود : 3774
    المعدل اليومي : 0.51

    افتراضي

    محمّد الثبيتي.. صاحبي في الصمت والحزن الفصيح
    http://www.al-madina.com/node/285482/arbeaa
    نجيب عصام يماني
    جثم الحزن على قلبي وأنا أتلقى نبأ رحيل شاعرنا الكبير محمّد الثبيتي - رحمه الله - يوم الجمعة العاشر من صفر 1421هـ الموافق لليوم الرابع عشر من شهر يناير 2011م، وتبدت أمامي صورة ما زالت عالقة بذاكرتي، يوم أن نقل إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة، كنت وقتها من بين من استقبلوه وهو في غيبوبته التي امتدت لأكثر من عام، وسرح خيالي بعيدًا وأنا أتأمله، رأيته في ضفة أخرى من العالم، يكتب شعره في صمت، ويتأمل الحياة من خارج «الوعي» فيها، داخل «الحزن» عليها.. وجدتني دون أن أدري أردد رائعته «أغنية»:
    أأنْتِ هنا؟
    أأنْتِ هنا قابَ قوسينِ من أرَقِي العَذْبِ
    كي لا أنامْ
    أأنْتِ هنا
    يا التي أسْكنتني حدائقها
    وحبتني شقائقها
    وسقتني رحيق الغمامْ
    يا التي روحها لثمتْ وجعي
    وملائكها هدهدتْ مضجعي
    ثمّ أسرتْ بروحي جنوبًا وشامْ
    يا التي سكنتْ غرفةً لا تُمسُّ ستائرُها
    وحين لمستُ قيودي كانت ضفائرها
    فاحتجبتُ بأحشائها ألف عامٍ وعامْ
    وصرتُ أغنّي بلا شفتينِ
    وأحيا بلا رئتينِ
    وألجمُ بين يديها خيولَ الكلامْ
    رددت ذلك في سري وأنا أتابع ما يجري حتى استقرّ في سريره الأبيض.. لم ترد في خاطري صورة لامرأة «ما».. بل قرأت في محيا «أغنية» صورة له يجادل فيها «القصيدة».. وخلصت حينها إلى أن عذابه مع القصيدة «الأنثى» المراوغة انتهى بها إلى أنه «ألجم بين يديها خيول الكلام» ومضى في ذلك الصمت المديد..
    مرّت الأيام على تلك اللحظة، وأن أترقب بين الفينة والأخرى إفاقته وأوبته من «منفى الغيبوبة»، تاركًا لنا أن نقرأه في هذه الحالة «الغريبة» وهو يردد:
    ليتهم حينما أسرجوا خيلهم
    وتنادوا إلى ساحتي
    أوقدوا نارهم تحت نافذتي
    واستراحوا..
    ليتهم حينما أدلجوا في غياهب ظنّي
    بلّوا حناجرهم بنشيد السُّرَى
    واستبانوا صباحي
    إذ يُستبان الصباحُ
    ليتهم نظرُوني حتّى أعود
    فأرقيهم بالحروف التي لا تُرى..
    والحروف التي تتناسلُ تحت الثَّرَى
    والحروف التي لا تُباحُ ولا تُستباحُ
    ليتهم سألوني
    كيف مخرتُ لهم جانب الليلِ
    حتّى تدلّت عناقيدهُ
    واستوى تحت عرش غدائرهِ
    قمر ناصعٌ..
    وغرامٌ مباحُ..
    ما كان أحوجنا يا «سيّد البيد» لهذه الرقية بحروف لا تُرى، وأخرى تتناسل تحت الثّرى، تُباح ولا تستباح..
    رقية لو أن الذين تناوشك علّقوها في مداخل القلوب سراجًا لأضاءت لهم ما تعتّم عليهم.. لكن هيهات..
    ذهب «المغني» بما صدح.. وترك الرقية في أسفها تنتظر من يفك مغاليقها العصيات..
    هكذا كان حالي بين الترقّب والرجاء.. لعودة تحكي لنا تجربة تعكس ما في الضفة الأخرى لنهر هدّار ساحلاه «الوعي المبصر» و »الغيبوبة الجامحة»..
    كل هذه المدة وأنا أتعزّى بقصيده الطازج العذب..
    أتأمله في الحروف الواثبات..
    لم تكن بيننا صداقة بمفهوم الصداقة السائر بين الناس، وقوامها الالتقاء والحديث ومجاذبة أطرافه، بل كانت بيننا صداقة «صامتة».. فصيحة في الحروف، مورقة في القصائد.. يجذبني إلى عالمه المطلسم.. أقرأ في تفاصيل القصائد سيرة تخصني.. ووجعًا يخزني..
    كم مرة وقفت مليًا أتأمله منشدًا في حبور وحزن معًا:
    لي ولك..
    نجمتان وبرجان في شرفات الفلك..
    ولنا مطر واحدٌ..
    كلّما بلّل ناصيتي بلّلك..
    سادرانِ على الرمسِ نبكي
    ونندبُ شمسًا تهاوتْ
    وبدرًا هلكْ
    وكلانا تغشّته حُمّى الرّمالِ
    فلم يدرِ أيَّ ريحٍ تلقَّى
    وأي طريقٍ سلك..
    فرّقتنا النّوى زمنًا
    ثمّ لمّت شتات نوانا
    على بقعةٍ من حلكْ
    قلتَ لي:
    هيتَ لك
    هيت لك..
    سرتُ خلف خطاكَ أجرّرُ خطو المساكينِ
    لم أسألكْ..!!
    في الصباح
    وقفت مليًا
    فألفيت صومعتي منزلكْ
    فاستشاطت عرى القلبِ
    لكنني حين أبصرتُ عينيكَ
    ردّدتُ:
    لله ما أجملكْ
    كان ذلك «مفستو» الصداقة الذي وقّعت عليه، وعرفت مقدار محبّتي وصداقتي الصامتة لهذا الجميل..
    وأنا أنتظر عودته.. عازمًا على قول شيء له في سمعه الخاص.. شيء يدب في قلبي بخطى المحبة لا غيرها.. أليست المحبة كل شيء..؟
    لكن ذلك لم يتم..
    مضى النقي..
    وعبر النهر إلى الضفة الأخرى.. ملوحًا لنا بالسلام.. ليترك لنا الحسرة والأسى.. ونحن المجبولون على «النسيان».. نثبت الحزن بدمعة «عابرة» في مفرق الحزن.. ونطوي في القلب ما تبقى من ذكرى.. ونسرج خطواتنا اللاهثة في حياة لا تمل من الطراد..
    حمل الناعي نبأ الرحيل.. عندها سد الحزن مخارج قلمي.. واستبق الدمع مسيله إلى قلمي دون مدادي.. ما كان في الخاطر حرف يستقيم وضوحًا في حضرة ذلك الحزن الكئيب الذي جثم عليَّ.. استرجعت مردّدًا في خضوع الموقن بأمر الله وقضائه «إنّا لله وإنّا إليه راجعون»..
    تركت الحزن يأخذ فرصته في ساحة التجمّل والتصبّر.. وأنا أتحاشى أن أقرأ على قلبي سطره المكتوب في مجموعته الكاملة أمامي الصادرة عن النادي الأدبي بحائل.. أسارقها النظر بين الفينة والأخرى.. لم يتعد النظر صفحة الغلاف.. أنظر إلى صورته واضعًا يده على شفتيه.. أتراه يقول لي «صمتًا».. نظرته إلى الأسفل تنظر شيئًا لا أراه.. امتلأت ثقة أنهما تنظران إلى قصية في «الرمل».. رمل متحرك بين الرمز والإيضاح..
    أليس هو القائل:
    ضمّني..
    ثم أوقفني في الرمال
    ودعاني:
    بميمٍ وحاءٍ وميمٍ ودالْ
    واستوى ساطعًا في يقيني
    وقال:
    أنت والنخل فرعانِ
    أنت افترعت بناتَ النّوى
    ورفعت النواقيسَ
    هنّ اعترفن بسرّ النّوى
    وعرفن النواميسَ
    فاكهة الفقراء
    وفاكهة الشعراء
    تساقيتما بالخليطين:
    خمرًا بريئًا.. وسحرًا حلال..
    تعاليت على حزني قليلًا.. ومضيت أطالع الصحف.. كل الحروف تنادت حزنًا لرحيله.. وحقّ لها ذلك.. لا أعتب ولا ألوم الآن.. لكني أبحث في الوجوه عن صديقي الصامت.. من ترى يقرأه كما يجب أن يقرأ..
    من يفض المغاليق.. ويوقد السراج لنا هذا الكون الفسيح..
    من يدلني على أسرار هذا «الكائن الخرافي».. الساكن بين الحرف وظل الكلمة.. المستوطن ما بين الشمس ونصف القمر.. أبحث عمن يدلني على صاحبي وهو يعاتب في رفق «صاحبه».. في رائعته «وضّاح»، حين يقول في نشيده الباذخ:
    صاحبي..
    ما الذي غيّرك..
    ما الذي خدّر الحُلمَ في صحو عينيكَ
    من لفَّ حولَ حدائقِ رُوحكَ هذا الشّركْ
    عهدتكَ تطوي دروبَ المدينةِ مبتهجًا
    وتبثُّ بأطرافها عنبركْ
    صاحبي..
    هل ستهجسُ بالحبِّ - بين اتساع الحنينِ
    وضيق الميادينِ -
    لو طوّقتك خيولُ الدّركْ
    هل ستوقظُ أنشودةَ الروحِ في غابةِ
    الخيزران الأنيقة لو أنكرت مظهركْ
    صاحبي..
    لا تملَّ الغناءَ
    فما دمتَ تنهلُ من صفو الينابيعِ
    شقَّ بنعليكَ ماءَ البرك..
    نعم أنتظر من يفكّ ذلك.. مع وضوح الرؤية حين نسقطها على الواقع.. لنرى كم من «صاحب» تغيّر مظهرًا، وتخدّر الحلم في صحو عينيه، وتهجّس بالحب بين اتساع الحنين وضيق الميادين عندما طوّقته خيول الدرك.. تلك نبوءة تحسب لك يا «ثبيتي».. ستقرأها الأجيال وستعرف كم كان حرفك مسافرًا عبر الزمان، ينظر بعيني «زرقاء اليمامة» بحثًا عن تفرّد رؤيوي فصيح..
    يا أحباب «سيد البيد».. رحل صاحبي في الصمت.. وترك لي حزينًا فصيحًا.. لم أجد ما يواسيني غير شعره، فمن الصفحة الأولى في مجموعته الكاملة؛ أدركت أنه كتب نعيه بوعي كامل.. ألم تقرؤوا جميعًا تحيته لسيد البيد.. إن كان فاتكم ذلك فاقرؤوا نعيه الذي علّقه باكرًا في شاشة قلوبنا.. ولكننا لم ننتبه:
    ستموتُ النّسورُ التي وشمتْ دمكَ الطفلَ يومًا
    وأنتَ الذي في عروقِ الثرى نخلةٌ لا تموتْ
    مرحبًا سيّد البيد..
    إنّا نصَبْناك فوقَ الجراحِ العظيمةِ
    حتّى تكون سمانا وصحراءنا
    وهوانا الذي يستبدُّ فلا تحتويه النُّعوتْ
    ستموتُ النّسورُ التي وشمتْ دمكَ الطفلَ يومًا
    وأنت الذي في حلوقِ المصابيح أغنية لا تموتْ
    مرحبًا سيد البيد..
    إنّا انتظرناك حتّى صحونا على وقع نعليكَ
    حين استكانتْ لخطوتكَ الطرقاتُ
    وألقت عليكَ النوافذُ دفءَ البيوتْ
    ستموتُ النّسورُ التي وشمتْ دمكَ الطفلَ يومًا
    وأنت الذي في قلوب الصبايا هوًى لا يموتْ

صفحة 3 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. رثائية في المرحوم "جابر قميحة"
    بواسطة عمر طرافي البوسعادي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 24-01-2013, 12:10 AM
  2. محمد الثبيتي : شاعر التضاريس وموقف الرمال.
    بواسطة عبدالملك الخديدي في المنتدى مُخْتَارَاتٌ شِعْرِيَّةٌ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 10-09-2011, 12:10 AM
  3. " عُـدْتَ .. وعادَ النبضُ "
    بواسطة ماجد الغامدي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 17
    آخر مشاركة: 24-02-2010, 09:32 PM
  4. سادن الريح- معارضة لـ"بوابة ريح" الثبيتي
    بواسطة عبد الواحد الأنصاري في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 15-11-2007, 06:26 PM
  5. خواطر العلامة / محمد متولى الشعراوى - يرحمه الله
    بواسطة نسيبة بنت كعب في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 28-03-2006, 10:10 AM