أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: رواية "الأسوار" لمحمد جبريل: قراءة نقدية

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي رواية "الأسوار" لمحمد جبريل: قراءة نقدية

    رواية "الأسوار": قراءة نقدية

    بقلم: د. ربيع محمد عبد العزيز
    أستاذ النقد والبلاغة المساعد - كلية دار العلوم بالفيوم
    .................................................. ..................

    1 - توِطئة :
    فرغ الروائي محمد جبريل من كتابة الأسوار في السابع عشر من فبراير عام سبعين وتسعمائة وألف (1) ، ثم اختارتها الهيئة المصرية العامة للكتاب، في العاشر من ديسمبر عام ثلاثة وسبعين وتسعمائة وألف، لتكون أول رواية تصدرها في السلسلة المعروفة باسم روايات مختارة. وهذا اختيار يشف- من بعض الوجوه -عما تمتلكه الرواية من امتيازات فنية مفارقة للمنجز الروائي العربي في ذلك الوقت.
    تقع الأسوار في حوالي تسعين وثماني صفحات من القطع الصغير، منها خمس صفحات ملأى برسوم مفعمة بالدلالة على البؤس والقهر(2) وصفحة مملوءة باقتباسات مختلفة مصادرها(3). تكتظ الرواية بالعديد من الشخصيات ذوي المشارب والأوساط المتباينة، و تعالج ثنائية القهر والحرية وما ينبثق عنها من ثنائيات فرعية، كالأثرة والإيثار، الثبات على المبدأ والمقايضة عليه، الخيانة وحب التضحية من أجل خلاص الآخرين. وكلها ثنائيات ذات طابع إنساني، وسبق أن عالجها روائيون عديدون ، مثل بلزاك (1799م -1850م ) في الأب"جوريو" ونجيب محفوظ في الكرنك وبداية ونهاية.
    ولكن الأسوار تفارق المألوف على نحو ما يظهر في عتبات دخولها، وفيما ينتشر فيها من جمل حوارية فصيحة،شديدة التكثيف، متوترة توتر نزلاء المعتقل الذى جرت على أرضه أغلب الأحداث . إضافة إلى ما عول عليه الكاتب من تقنيات غير مألوفة ، كالوصل ، القطع ،الاسترجاع، القص واللصق (4) ،التناص ، تقاطع المناجاة والمونولوج مع الحوار.
    بل إن استقبال الأسوار يباين، في شروطه،استقبال غيرها من الروايات،لاسيما في ظل التعقيد الذي لحق بالحبكة نتيجة تعويل الكاتب على التقنيات السابق ذكرها0
    2– عتبات الرواية:
    يعد العنوان" الأسوار" أول عتبات الرواية، وأول ما تقع عليه عين المتلقي، وهو عنوان متعدد الوظائف؛ فهو يعرف الرواية، ويشير إلى محتواها،و يمارس تأثيره الإغرائى في المتلقي، بفضل ما يحف به من شفيف الظلال التي يمتزج فيها الغموض بالتشاؤم ، والترقب بالتفاؤل الحذر.
    وللعنـوان " الأسـوار" طبيعة مرجعية؛ فهـو يحيل إلــى النص،
    كمـا أن الـنـص يحيـل إليـه، وبخـاصـة حيـن يـتقـدم القــارئ في القراءة حيث تطالعه تقارير سردية نحو: " الأسوار بقعة في جزيرة رملية يحدها الأفق من كل الجوانب. لا خطوط تليفون، ولا قضبان قطارات، ولا طرق رملية أو مرصوفة. العربات المتجهة إلى الأسوار تقذف بنفسها في الرمال الممتدة. ربما صادفت حفرة عميقة، تسلم نفسها إليها بلا قصد. ينزل السائق، ليرفعها النزلاء- فيما بعد- بأكتافهم.
    الأسوار- من بعيد- مدينة أسطورية. كل ما بداخلها معزول عن العالم الخارجي.أبراج الحراسة، في الأركان الأربعة، مجهزة بالأنوار الكاشفة والمدافع الرشاشة. الممنوعات- ما عدا التقاط الأنفاس – تشمل كل شيء: الأقلام، والأوراق، والصحف ،والراديو، والمناقشات، والسجاير، والكبريت، والجبن والحلاوة، والشاي، والبن ". (5).
    وقد وضع محمد جبريل لروايته عنوانين، أحدهما: الأسوار، وهو العنوان الرئيس الذي تقع عليه عين القارىء أول مرة على الغلاف الخارجي. والآخر: عنوان مصاحب للعنوان الرئيس، وهو" لحظات مصيرية" وتقع عليه عين القارىء على الغلاف الداخلي، ومن ثم يصبح العنوان الداخلي هكذا: " الأسوار00 لحظات مصيرية".
    وترجع قيمة العنوان المصاحب إلى كونه مؤشرا على قيمة الزمان " اللحظة " داخل المكان "المعتقل " الذي يحجب بأسواره أنوار الحرية عن النزلاء ، هذا إلى دلالته الزمنية على قيمة اللحظة في تحديد مصائر أولئك النزلاء الذين يقبعون خلف الأسوار . لقد فقدت السنون والشهور والأيام والساعات والدقائق معانيها خلف الأسوار ، وأصبح الزمن فى حياة النزلاء يقاس باللحظة وما يصاحبها من تعذيب وعاهات.
    إن العنوانين: الرئيس " الأسوار" ، والمصاحب " لحظات مصيرية" يؤسسان عقد القراءة بين الكاتب والمتلقي، وبتأثيرهما يكيف القارئ قراءته للنص (6) وتأخذ توقعاته في التشكل عمن سوف يلتقي بهم داخل الأسوار من شخصيات تمارس القمع، وأخرى مقموعة ، فيها المتسلق والانتهازي والخائن، وفيها المقاوم الذي لا ينال من ثباته ترغيب أو ترهيب، فيها اللص والظالم والمظلوم ،فيها أحلام الحرية التي تخبو تحت تأثير الهوان واليأس، ثم لا تلبث أن تشرق من جديد.
    يشكل العنوان " الأسوار00 لحظات مصيرية " أفق التوقع لدى القارئ، ويحرضه على ارتقاب نهاية بعينها، كالإفراج عن المعتقلين، أو تحطيم الأسوار، أو فضح الخائنين والانتهازيين والمنحرفين،أو شفاء النفوس من أدوائها،أو تعزيز ثقة الشخوص في ملكاتهم،إلى غير ذلك من النهايات التي تغرى باستمرار فعل القراءة ليكتشف القارئ- عند عتبات الخروج من النص- مدى صدق أو خيبة توقعاته .
    ولئن كان العنوان أول عتبات الرواية فإن الاستهلال يمثل العتبة الثانية التي لابد للقارئ أن يجتازها. وقد تميز استهلال الأسوار بمباينته لمألوف الاستهلال عند الرواد؛ ذلك أن الكاتب لم يعن في استهلاله بوصف أحد مناظر الطبيعة، أو بوصف مفردات المكان" المعتقل" الذي جرت على أرضه أكثر الأحداث، أو بوصف الشخصيات من الخارج، وإنما جاء الاستهلال مؤلفا من عنصرين:
    العنصر الأول : خمسة نصوص استدعاها الكاتب من مصادر عديدة، عزا أولها إلى المسعودي ، والثاني إلى مصدر وصفه بكونه مكتوبا في عهد الإمبراطور ثيودوسيوس ، في حين جاء الاقتباس الثالث معزوا إلى الوصايا العشر، وجاء الرابع معزوا إلى" قانون العقيدة المسيحية"، أما الخامس فمأخوذ من سورة الإخلاص (7) 0
    وهذه الاقتباسات تباغت القارىء بما لم يكن يتوقعه،وتدفعه دفعا إلى التخلي عن الموروث من تقاليد القراءة، وإلى التحلي بالقدرة على الملاحظة الدقيقة حتى يعرف النواتج الدلالية الكامنة في أحشاء هذه الاقتباسات، وعلاقتها بالأسوار ومضمونها وشخوصها .
    والعنصر الآخر، غير المألوف، في عتبات الدخول، هو مقطع حواري يستغرق زهاء صفحتين ، ويدور بين سبع من شخصيات الرواية هم: الأستاذ، أنور عبد الحفيظ، وهيب تادرس، على الشامي، خليل عبد النبي، أمين سالم، ثم بيومي الدكر.
    إن استهلال الأسوار بمقطع حواري لا يباين مألوف الاستهــــلال
    السردي فحسب، بل يكشف عن نزوع محمد جبريل إلى إضفاء أكبر قدر من التركيز على روايته ،مستفيدا في ذلك بأحد تقاليد الإبداع المسرحي؛ أعنـى الانطلاق مـن نقطة التـأزم وإهمـال ما سواها. ومعروف أن كتاب المسرح درجوا على بدء الحدث الدرامي من نقطة التأزم ( التي تضفى على المسرحية مقروءة أو معروضة قدرا كبيرا من التركيز الملائم لطبيعة هذا الجنس الأدبى . هذه ملاحظة.
    ملاحظة ثانية: أن تركيز محمد جبريل، في المقطع الحواري ،على فكرة جوهرية كالخيانة، هيأ له أن يسيطر على المتلقي، و أن يفعمه توقا إلى معرفة الخائن، وبواعث خيانته، والمصير الذي ينتظره. وبدهي أن القارىء الذي يفتح عينيه على موقف مغلف بالأسرار والألغاز، يجد نفسه مسوقا بدافع غريزي إلى شق الحجب وهتك الأسرار .(9)
    ملاحظة أخيرة : أن القرعة ، وهى الفكرة الجوهرية التى كشف الكاتب من خلالها معادن النفوس ، كانت فكرة نبيلة توحدت حولها كلمة النزلاء، وبدا واضحا أن كل نزيل مستعد لإحراق نفسه، متى أصابته نتيجة القرعة؛ ليكون في موته حرقا خلاص للآخرين مما هم فيه من هوان، لكن هذه الفكرة النبيلة أفرغتها إدارة المعتقل من قيمتها، حين جندت أحد النزلاء(حلمي عزت) وأوعزت إليه أن يطوى جميع أوراق القرعة على اسم الأستاذ !
    ولما اكتشف أصدقاء الأستاذ هذه المؤامرة أصبحوا مؤرقين لا بإنقاذ حياة أستاذهم فحسب ،بل بمعرفة الخائن وفضحه 0هكذا أصبحت الخيانة تهمة تلاحق النزلاء- ما عدا الأستاذ بداهة- وهكذا اجتمعت كلمة النزلاء على القرعة، ثم زعزعت نتيجتها إرادتهم .
    وإذا كانت البداية تمثل عتبة الدخول إلى الأسوار، فإن النهاية تعد عتبة الخروج منها، وكما جاءت البداية غير تقليدية، جاءت النهاية عتبة غير تقليدية،إذ خيبت توقعات المتلقي؛حيث ظل المعتقل باقيا وكأنما هو شاهد على ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وظل المعتقلون خلف الأسوار0لقد أنهى محمد جبريل روايته بعد أن تحررت نفوس المعتقلين من الخوف، وارتفعت أصواتهم بالسؤال الذي هو أصل الوعي، كما ارتفعت حناجرهم بالاحتجاج على أوضاع لم يكن أحدهم يجرؤ على الحديث عنها همسا0 ولا شك في قيمة هذه المكاسب وإن بدت أقل بكثير من تضحيات النزلاء وتوقعات المتلقي0
    وإذا كانت عتبة الخروج تنهى أحداث الرواية على الورق، فإنها تبقي الأحداث حية في عقل القارىء ، قابلة للتأويل. يظل القارىء مؤرقا بالسؤال الذي طرحته الرواية قبل نحو ثلاثة أسطرمن نهايتها، وهو: ماذا لو يصبح الفداء بلا خلاص؟ إنه سؤال مبطن بالشك؛ فكـل الاحتـمالات واردة: قـد يحـرق مـن تصـيبه القـرعـة بنتيجتها نفـسه ثـم يظـل الـنزلاء قـابعـين خـلـف الأسوار! و قد تطل الخيانة برأسها القبيح لتبدد إجماع النزلاء، وتعود السلطة إلى التنكيل بهم. كل هذا تزرعه عتبة الخروج في عقل القارئ، برغم حرص السارد على أن يشير، في آخر سطر من الرواية، إلى الزبالة المضيئة التي تأبى إلا أن تقاوم الظلام مؤكدة أنه وإن لم يكن ثمة يقين من عودة النزلاء إلى حياتهم العادية ، فإن هناك بصيصا من أمل يقترب، وأن جيوش الظلام لم تستطع إطفاء الأضواء الواهنة المنبعثة من الزبالة.
    3– الشخوص :
    تضم الأسوار أكثر من خمسين شخصية بينهم القواد:" على الشامي"، البلطجي:" محمد توفيق"، الغشاش:" خليل عبد النبي"،القاتل : " توفيق عزوز" ، تاجر المخدرات:" أمين سالم"، مروج الشائعات: " سلامة القاضي"، من ضيعته الوشاية:" أحمد حسنين"، السياسي: " شاكر الملواني"، المثالي:" الأستاذ "،الخائن: "حلمي عزت"، طالب الطب: " وهيب تادرس ". وهناك رجال الشرطة، كالمأمور، الصول سعيد، وحراس المعتقل.
    وواضح أن طبيعة المكان تحكمت في اختيار معظم شخوص الرواية؛ ففي مكان كالمعتقل لن يلتقي القارىء بالزهاد والنساك والصالحين، بل البدهى أن يلتقي بمن انحرفت خطاهم عن الجادة، أومن كانوا مناضلين أصلاء، أو ضحايا وشايات كاذبة. نعم يلتقي القارئ بشخصية زاهدة، لكنه يلتقيها غير بعيد من أسوار المعتقل.
    ومن المؤكد أن ازدحام الأسوار بعدد كبير من الشخوص ألجأ الكاتب إلى حجب كثير من الملامح الخارجية المميزة لكل شخصية على حدة، وإن أسند- في أحوال نادرة -إلى السارد وبعض الشخوص،مهمة تزويدنا بإشارات مختصرة تصف جانبا من الهيئة الخارجية للشخصية، كالإشارة إلى تميز الأستاذ بالهدوء الحاسم(10)، والفم الرقيق (11) والنظرات الحانية (12) وهى إشارات تفسر نسبيا استيلاءه على قلوب النزلاء.
    وثمة إشارات ترسم جانبا من ملامح الصول سعيد، جاءتنا عبر أقوال السارد وانطباعات النزلاء لنعرف منها أن للصول سعيد جسدا عملاقا (13)، وقامة هائلة (14)، ونظرات قاسية (15) ،وشاربا تغوص فيه الشفتان (16). وهذه الملامح تتسق مع ما أبداه من قدرة غير عادية، على إذلال النزلاء وترويعهم في لــذة لا يمكـن تفسـيرها إلا فـي ضـوء مقـولات عـلـم النفـس عـن الشخصية السادية.
    ولتقديم شخوص الأسوار آثر محمد جبريل الأسلوب التصويري على الأسلوبين الاستبطاني (17) والتقريري (1،وهو أسلوب هيأ له أن يقدم الشخصية من خلال أقوالها وأفعالها وصراعها سواء مع نفسها أو مع غيرها، وأن يدعها تنمو من خلال نمو الوقائع (19) وأن يحرر - فى الوقت نفسه - المتلقي من النظرة الأحادية للسارد بحيث يرى الشخصية فى مرايا عديدة ، بدلا من الاقتصار على رؤيتها فى مرآة السارد . إن شخصية الأستاذ تطل على المتلقي من المرايا التالية:
    (يتبع)
    ...........................................
    (1) انظر ، محمد جبريل ، الأسوار ، ص 107 ، ط: الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1973 م
    (2) السابق ، ص 17 ، 24 ، 45 ، 73 ، 101 .
    (3) نفسه ، ص 87 .
    (4) انظر ، د. حامد أبو أحمد ، مسيرة الرواية فى مصر ، ص69 ، ط : الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 2000 م .
    (5) الأسوار ، ص 61 .
    (6) انظر ، حميد لحمدانى ، عتبات النص السردى ، علامات ، (دورية يصدرها النادى الأدبى الثقافى بجدة ) العدد 12 ، شوال 1423 هـ ، ديسمبر 2002 م ، ص 32: 39.
    (7) انظر ، الأسوار ، ص 9 : 10 .
    ( 8 ) انظر ، د. رشاد رشدى ، فن كتابة المسرحية ، ص 42 : 43 ، ط : الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 1998 م .
    (9) د. محمد يوسف نجم ، فن القصة ، ص 34 ، ط : الأولى ، دار صادر ، بيروت ، دار الشرق ، عمان ، 1996 م .
    (10) انظر ، الأسوار ، ص 11 ، ص 71 .
    (11) السابق ، ص 11 ، ص 69 .
    (12) نفسه ، ص 26 .
    (13) نفسه ، ص 4 .
    (14) نفسه ، ص 89 .
    (15) نفسه ، ص 80 .
    (16) نفسه ، ص 80 .
    (17) الأسلوب الاستبطانى يصور العالم الداخلى للشخصية دون تدخل ظاهر من الروائى . وهناك نقاد يسمونه تيار الوعى أو تيار الشعور . انظر ، د. صلاح فضل ، منهج الواقعية فى الإبداع الأدبى ،ص 103 ، ط : الثالثة، دار الأفاق الجديدة ،بيروت 1406 هـ- 1986 م . د. طه وادى ، دراسات فى نقد الرواية ، ص 43 ، ط : الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 1989 م. رينيه ويلك ، اوستن وارين ، نظرية الأدب ، ص 235 ، ترجمة : د.محيى الدين صبحى ، ط : المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، 1987م .
    (18) الأسلوب التقريرى يقوم فيه المؤلف وسارده بتقديم الشخصية واصفا أحوالها وأفكارها=
    = ومشاعرها منذ بداية الحدث . ويتم الإخبار عن الشخصية بصيغة الماضى . ومن النقاد من يسميه " التقديم السردى " . ويسميه رينيه ويلك وأوستن وارين : التشخصيات السكونية . انظر ، د. أنجيل بطرس سمعان ، دراسات فى الرواية العربية ، ص 109 ، ط : الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 1987 م . رينيه ويلك ، أوستن وارين ، نظرية الأدب ، ص 229 0
    - لمزيد من التفاصيل حول الأسلوب التصويرى فى تقديم الشخصية الروائية ، انظر ، د.عبد المحسن طه بدر ، نجيب محفوظ : الرؤية والأداة ، ص 430 : 433 ، ط : دار الثقافة للطباعة والنشر ، القاهرة ، د - ت .
    (19) الأسوار ، ص 24 .
    (يتبع)

  2. #2
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    أولاـ تقارير وأقوال السارد :
    بث السارد،عبر صفحات الرواية،أوصافا وتعليقات يعرف منها المتلقي ـ برغم إيجازها ـ أن الأستاذ كان عزوفا عن السفسطة فيما لا طائل منه،قادرا على التأثير فيمن حوله،بليغ التعقيب على كلام محدثيه. ما سبق يؤكده قول السارد لم يكن يهوى النقاش.وحين يتكلم لابد أن تعطيه الآذان كل انتباهها. كانت له طريقته في الإنصات إلى الآراء وتلخيصها، ثم التعقيب عليها بكلمات محددة يؤكدها صوت ممتليء عميق)( 20 ) .
    ويكشف السارد ،في واحد من تقاريره ،عن جانب مهم في شخصية الأستاذ،وهو قدرته على تجميع الفرقاء والاستيلاء على قلوبهم، يقول: (أحبه الجميع:الوفدي والسعدي والإخواني والشيوعي والنشال والقواد وطالب الثأر والقاتل وبائع المخدرات) (21 ) ، وعلى هذا النحو استعان الكاتب بالتقارير السردية فى إضاءة جوانب من شخصية الأستاذ أمام المتلقى .
    ثانيا- أقوال الشخوص :
    إن آراء الشخوص في الأستاذ، بقدر ما تعكس جانبا من قيمهم وتدل على معادن نفوسهم، بقدر ما تعد مرايا تعكس للمتلقي صورة الأستاذ فى عيون المحيطين به ، وأثره فيمن حوله، وقدرته على بعث الوعي فيهم ، وهى مرايا دالة على كون " الأستاذ" اسما على مسمى بالفعل، مُومِئََة إلى سر عزوف محمد جبريل عن تسمية هذه الشخصية باسم تعرف به مثل غيرها من شخصيات الرواية ، وإيثاره الصفة (الأستاذ) المشعة بدلالات الأبوة والريادة والتبصير.
    وبوسعنا أن نميز ثلاثة أنواع من الأقوال والتعليقات التي تطل منها شخصية الأستاذ على المتلقى :
    النوع الأول : يضم آراء أصدقاء الأستاذ الذين هالهم أن تصيبه القرعة من بين ألف نزيل، وهالهم أمر الخيانة التي دبرتها إدارة المعتقل للتخلص منه . إنهم يعترفون بفضله في تنمية وعيهم وتقوية إرادتهم، ويعربون في كلمات صريحة عن استعدادهم للتضحية بأرواحهم من أجل إنقاذ حياته؛ هذا أحد الأصدقاء " بكر رضوان " يخاطب الأستاذ بقوله: " كلماتك هي الوقود الذي يضرم إرادة النزلاء000 "( 22)، ثم يضيف في موطن آخر: " لو أن يدا تجاسرت على إيذائك فسأموت قبلك"( 23 ) .
    أما محمد توفيق فيعرب عن رغبته في افتداء الأستاذ إذ يقول: " الرجال يحتاجونك00 أما أنا فلا أهل، ولا أقارب، ولا أصدقاء" (24 ).
    وأما توفيق عزوز فيؤكد جدارة الأستاذ بالمحبة حين يقول له : "أكتم أنفاسي لتواصل أنفاسك الحياة "( 25). وكتب بيومي الدكر في إحدى ر سائله إلى زوجه أم عطية: ".... وأعرفك بأن آراء الأستاذ تجد في نفوسنا أثرا عظيما"(26 ).
    النوع الثاني : هو أقوال مجاهد الغزالي ، فتوة العنبر الرابع، وخصم الأستاذ الألد ـ على الأقل في المراحل الأولى من أحداث الروايةـ حيث نسمعه يقول للأستاذ: " كل ما أريده أن تبعد عن طريقي تماما00 إذا خاطبني لسانك القذر مرة ثانية00قطعته00"(27 ) لكن المشاعر العدائية التي حملتها الكلمات السابقة انقلبت-بعد وقت لم يعينه الكاتب - إلى الضد، فرأينا مجاهد الغزالي يجهض تردد حلمي عزت في كتابة أوراق القرعة الثانية، ويستنهض نخوته محذرا إياه من أن يقع في مستنقع الخيانة مرة أخرى، ومن أن يتآمر مع إدارة المعتقل على إحراق رجل بحجم الأستاذ، وها هو يقول: " هل تحرق بيدك شجرة الظل والطمأنينة والحرية والحماية00 ماذا عن المستقبل بدونه ؟"( 28 ).
    النوع الثالث : أقوال رموز السلطة داخل المعتقل، كالشاويش عطية الذي عبر، في كلمات بسيطة ،عن قدرة الأستاذ على اجتذاب الآخرين والتأثير فيهم، بدا ذلك واضحا في قوله : " كلمات الأستاذ ذات تأثير يفوق أي مخدر "( 29 ).
    ثالثا- اعترافات الشخصية:
    تتجلى بعض معالم شخصية الأستاذ أمام المتلقى ، لا مما يتواتر من أقوال وتعليقات على ألسنة الشخوص و السارد فحسب، بل – أيضا – من خلال الأقوال التي ترد على لسانه في حواره مع غيره من الشخوص.
    إن جانبا من ماضيه النضالي يتجلى عبر اعترافه التالي: " ذلك هو المصير يا زينب00 اخترت النضال ولا مفر.وإذا لم أكن أفعل الآن شيئا، فإن ملفاتي تكفل لي التنغيص الدائم حتى أموت . تلامذتي يودعون السجون والمعتقلات، وما داموا قد أفلحوا في الإمساك بالجسد ، فلا بد أن يأتي الدور على الرأس يوما 00 "( 30 )
    أما مثالية الأستاذ فقد تجلت في مواقف عديدة لاسيما موقفه الرافض فكرة إعادة إجراء القرعة، مع يقينه بأن نتيجة القرعة الأولى مدبرة بالتواطؤ بين إدارة المعتقل وحلمي عزت، ومع يقينه أن نجاته من الموت حرقا احتمال وارد إذا أعيد إجراء القرعة دون تدخل الإدارة. بهذه المثالية نـراه في حوار مع صديقه " بيومي الدكر " مطمئن النفس، ثاقب النظر، سديد الرأي، ثابتا على مبادئه ، يقول: " إذا كان محتما على أن أواجه الموت في غدى00 فلن يغير من واقع الأمر أن أواجهه بالخيانة " ( 31 ) .
    أيضا تجلت مثاليته حين رفض كل الاقتراحات التي عرضها صديقاه: سلامة القاضي، ووهيب تادرس؛ لإنقاذه من الموت غدرا. و في هذا الموقف لم يجد إلى تهدئة مخاوف صديقيه سبيلا سوى قوله المبطن بالقدرية : " فلنترك للظروف تدبير كل شيء" ( 32 ) .
    هكذا يريح الأستاذ- بإيلاء الأمر إلى الظروف- صديقيه من عناءين: إصرارهم على إنقاذ حياته، وإصراره على ما يدين به من مباديء.
    ما تجدر الإشارة إليه أن المرايا التي أطل منها الأستاذ تحملنا على القول بأنه شخصية تتمتع بالكثير من صفات السيد المسيح عليه السلام،وتشبه في مثاليتها شخصية الأب(جوريو) عند بلزاك0
    وقد يلجأ الكاتب إلى تقديم مجرى شعور الشخصية معتمدا على تقنيتي المنولوج والمناجاة ( 33 ) اللتين تشتبكان بالحوار، على نحو ما يظهر في مقطع حواري ضم المأمور، وحلمي عزت . وقائع هذا الحوار جرت في مكتب المأمور، وهذا جزء منها:
    - " 000000000000
    - كيف حالك يا حلمي عزت ؟0000
    - الحمد لله000
    - لماذا لا تجلس ؟000
    مال بإصبعه إلى الأرض يهم بالتربع00
    هتف الرجل في استنكار :
    - تفضل هنا.
    الصول سعيد يضعك في الأتون بنظراته القاسية00 لكن نظرات الرجل حانية وادعة. هل سيبلغك نبأ الإفراج.؟
    دفع إليه بعلبة السجائر:
    - تفضل !
    ربما جاء الإفراج بتوصية هامة:
    - إني لا أدخن !
    - عظيم00
    ثم وهو يميل عليه بوجهه:
    - أريد أن تسدى لي خدمة هامة .
    الصول سعيد لا يدعوك إلى الجلوس ولا يهديك سيجارة .. فهل يعطيك المأمور الفرصة للصمت ؟00
    ـ من الذي تزعم حادثة الصراخ ؟00
    أنت إذن تعلم بإرتدائى للثياب في مستعمرة العراة00فهل تعلم أن الموت هو المصير الذي أواجهه، لو نطقت بكلمة واحدة؟
    - كل ما أريده منك أن تخبرني بالاسم ثم تنصرف على الفور00 وسأوصى بزيادة تعيينك00 هل سيتركني بيومي الدكر لو أخبرك بالاسم ؟ 00 وهل أقدر على مواجهة نظرات الآخرين؟
    ـ ربما لديك سبب يمنعك من ذكر الاسم، لكن تأكد أن ما بيننا لن يعرفه ثالث000000".( 34 )
    لا تخطيء العين أن ترى- في الحوار الآنف- اختفاء أسماء المتحاورين ،من أمام الجمل ، والاستعاضة عنها بالشرطة الأفقية التي تسبق كل جملة حوارية، كما أن شيئا لا يميز أقوال السارد من الجمل التي يناجي فيها حلمي عزت نفسه، سواء جاءتنا هذه الجمل عن طريق المنولوج،كما في قوله: " الصول سعيد يضعك في الأتون بنظراته القاسية.. لكن نظرات الرجل حانية وادعة.هل سيبلغك نبأ الإفراج؟ "0
    أو جاءتنا عن طريق المناجاة، كما في قوله:" أنت إذن تعلم بارتدائي للثياب في مستعمرة العراة..فهل تعلم أن الموت هو المصير الذي أواجهه لو نطقت بكلمة؟ " 0ومثل هذه الجمل تستدعي أن يتحلى المتلقي بأكبر قدر من دقة المتابعة ،وخاصة حين يقرأ الجمل التي يتقاطع فيها المعلن من كلام حلمي عزت مع غير المعلن : مناجاة كان أو منولوجا. هذه ملاحظة.
    والأخرى : هي أن تقنيتي المنولوج و المناجاة قدمتا لنا ما لم يستطع حلمي عزت أن يصرح به، وكشفتا عن تمزقه وانقسامه على نفسه؛ فهو يأمل أن يبلغه المأمور نبأ الإفراج عنه مكافأة له على تواطئه، لكنه يخشى أن يسأل عن موعد الإفراج فيغضب المأمور عليه.
    وهو يخشى أن يعلقه المأمور من قدميه في مروحة المكتب إذا لم يبلغه باسم من تزعم حادثة الصراخ ، ويخشى - فى الوقت نفسه - مما ينتظره خارج المكتب؛ يخشى غضب بيومي الدكر و ازدراء النزلاء إذا كشف للمأمور عمن تزعم حادثة الصراخ. حلمي مسكون بالخوف، ولولا المنولوج و المناجاة لاحتجبت مخاوفه عن المتلقي، ولظل هذا الجانب من شخصيته مجهولا، وخاصة أن المخاوف التى تساوره هى مظهر من مظاهر نموه الفنى .
    ومهما يكن من أمر فإن طريقة تقديم الشخوص في الأسوار نأت بالرواية عن الرتابة، وأنقذتها من الترهل الذي كان يمكن أن تنزلق إليه بسبب كثرة شخوصها، وأتاحت للمتلقي أن يستخلص لنفسه وجهة نظر خاصة به فى الشخوص ومواقفهم ، دون تسلط من السارد. وكل هذا يعزز من إيجابية فعل التلقي، وينهي حقبا من التلقي السلبي.
    ويمكن تصنيف الشخوص في الأسوار إلى قاهرين ومقهورين، أما القاهرون فمنهم إمام أبي العباس المرسى الذي يدافع عن قوانين تمتص عرق صغار الصيادين في الأنفوشى، والذي يصف بكـر رضوان بأنه ورم خبيـث يجب استئصـالـه، لا لشيء إلا لأن بكر رضوان دعا إلى إنصاف صغار الصيادين من قوانين لا قداسة لها!
    ومنهم الصول سعيد الذي أذاق النزلاء كل صنوف القهر، ولم يكن شيء يسعده قدر سعادته بإذلالهم. إنه شخصية سادية قولا وفعلا، ولم تزايله السادية إلا في لحظة نادرة بث خلالها الطمأنينة في نفس الأستاذ.
    ومنهم المأمور الذي وإن لم تظهر عليه أعراض السادية، فلا شك أنه أشبع النزلاء قهرا، حسبنا أن نقرأ أحد تهديداته التي يجأر فيها بقوله في جمع من النزلاء: " 000 المعتقل سيظل هو بيتكم الذي لا سبيل إلى مغادرته00 إذا ما حاول أحدكم أن يرفع صوته00 أو يرفض الأوامر الصادرة إليه00 سيلقى النهاية تحت إحدى العربات؛ لأننا مطالبون بتوفير الذخيرة000 وربما تجد الكلاب طعاما طيبا في سفح الجبل"( 35 ) .
    أما المقهورون فمنهم من كان مسكونا بالقهر، وإن لم يعرف أسوار المعتقل، مثل زينب زوج الأستاذ؛ فهذه المرأة عجزت عن أن تجد تفسيرا لما يحاصرها من خوف على زوجها، فظنت أن الخوف قدر لا مفر منه: " قدر علينا أن نحيا في ظل الخوف الدائم " .( 36)
    أما داخل أسوار المعتقل فكل النزلاء محاصرون بالقهر حتى إن أمين سالم أفقده المعتقل الإحساس بالزمن ، و لم يعد يعنيه عدد الساعات والأيام، بدا ذلك واضحا في تعقيبه التالي: " 000 وتعاقب الأيام لا يهمني أيضا00 كل ما أعرفه أن الشمس تشرق وتغرب ولا أزال داخل هذه الأسوار ".( 37 )
    ويعد التوتر سمة بارزة في علاقات الشخوص داخل الأسوار، وإذا كان من المنطقي أن تتوتر العلاقة بين النزلاء من ناحية والمأمور والصول سعيد والحراس من ناحية أخرى، فأي منطق يفسر توتر العلاقة بين بكر رضوان وكل من إمام أبى العباس المرسى وشيخ الحارة عرفه إبراهيم ، سوى أن الأمور أوكلت إلى غير أهلها؛ فالإمام الذي يفترض أن يكون عادلا يقف بجوار قوانين ظالمة؛ وشيخ الحارة الذي يفترض أن يدافع عن حقوق أهل الحارة ، ينحاز إلى من يمتصون عرق صغار الصيادين. وعندما يندد بكر رضوان بهذه القوانين يجد نفسه مدفوعا – ذات صباح – إلى داخل عربة أقلته إلى المعتقل، في حين كان عرفه إبراهيم يراقب الموقف ، من بعيد، مراقبة تشي بالتشفي في بكر رضوان، وكأن عطوة إبراهيم يقول له: هذا جزاء من يرفع راية العصيان.
    ويبرر المنطق توتر العلاقات بين عدد من النزلاء ؛ فخيانة حلمي عزت لزملائه وتواطؤه مع إدارة المعتقل من شأنهما أن يجعلا علاقته بأصدقاء الأستاذ متوترة.
    ولخوف مجاهد الغزالي على زعامته، ظلت علاقته بالأستاذ وأصدقائه متوترة حتى قبيل نهاية الأحداث.
    وبرغم القهر والتوتر الذي يطبع علاقات معظم الشخوص داخل الأسوار، فقد استطاع الأستاذ، بما أوتى من هدوء وجاذبية ومثالية ، أن يرد إلى النزلاء وعيهم الذي طالما فقدوه، وأن يحيي إرادة المقاومة في نفوسهم، ولم يزل بهم حتى قهروا جلاديهم، وطالت الجميع رياح التغيير؛ يقول السارد: "انطلق من الصدور ما كان مكبوتا. حتى الذين لم تعل أصواتهم من قبل عن الهمس، راحوا يجادلون ويناقشون ويصيحون ويهتفون ويسخرون ويعبرون عن كل ما في النفوس".( 38 )
    بالوعي حقق النزلاء مكاسب عديدة بدليل أن الممنوعات - فى بدء الرواية - كانت تشمل كل شيء إلا التقاط الأنفاس، لكن إدارة المعتقل اضطرت إلى تغيير سياستها، ومن ثم أصبح الممنوع مباحا، أو على حد عبارة السارد: " أبيح التدخين وشرب الشاي والقهـوة ،وبدأت الضحكـات تنطلق في العنابر دون أن تخشى صيحات الزجر"(39 ).
    بالوعى تمكن النزلاء من إرسال برقيتين إلى الحكومة ، شرحوا فيهما أحوالهم المهينة، وطالبوا بالإفراج عنهم، وجاءهم من قبل الحكومــة مسئـول تـحدث إليهم كمــا لـــو كانـوا أصدقاء، وتبادل معهم الضحك، وربت على كتف سلامة القاضي، وسأل الأستاذ عن الجرح الذي أصابه.( 40)
    وأخذت ملامح الاستدارة تظهر في أقوال و أفعال الشخوص؛ فالصول سعيد ، الذي طالما روع النزلاء ، يبث الطمأنينة في قلب الأستاذ( 41 ) . ومجاهد الغزالي الذي كان يهدد الأستاذ بقطع اللسان، ويصفه بأنه مريض بأحلام الزعامة،ويستعجل تنفيذ نتيجة القرعة، أصبح ينظر إلى الأستاذ بوصفه واحة الأمان والطمأنينة، أصبح يخشى من المستقبل إذا اختفى الأستاذ. وحلمي عزت الذي طوى أوراق القرعة على اسم الأستاذ إرضاء لإدارة المعتقل، يغشاه الإحساس بالندم " وغطى ... وجهه بيديه - فجأة- و بكى.."(42 ) وعاد إلى موقعه الطبعى في خندق النزلاء حيث الكل في واحد، ورضي بأن يطوي أوراق القرعة الجديدة دون تواطؤ مع الإدارة أو خوف منها .
    وأشرقت النفوس بالأحلام؛ فأحمد حسنين يستعيد حلمه القديم بامتلاك قطعة أرض زراعية: " الفلوس لم تتبدد، وسأشترى الأرض بعد الإفراج؛ لأحقق حلم العمر ".( 43 )
    حقا لم يعد حلم أحمد حسنين أن يكون حلم يقظة، لكنه ساطع الدلالة على رفضه المكان " المـعتقل" وفـراره إلى حيث تتـحقق أمانيه؛ " فحلم اليقظة، يمتلك الشخصية، ويسيطر عليها، وينسيها واقعها ويبدله لوقت معين00"( 44 )
    لقد تنامي وعى الشخوص حتى إن النزلاء ناقشوا جدوى كلمات الأستاذ! وتجاسروا على التساؤل عما إذا كان المأمور الجديد يختلس جانبا من غذائهم أو يستولى على إيرادات المزرعة (45 ). وطالب أفراد طابور العمل بأن يخرجوا لزراعة أرض الوادي بدلا من أن يظلوا محدقين في اللا شيء ( 46 ).
    الهوامش:
    ..........
    (20) السابق ، ص 72 .
    (21) الأسوار ، ص 72 .
    (22) الأسوار ، ص 25 .
    (23) السابق ، ص 102 .
    (24) نفسه ، ص 41 .
    (25) نفسه ، ص 40 .
    (26) نفسه ، ص 92 .
    (27) نفسه ، ص 73 .
    (28) الأسوار ، ص 98 .
    (29) السابق ، ص 90 .
    (30) نفسه ، ص 43 .
    (31) الأسوار ، ص 15 .
    (32) السابق ، ص 70 .
    (33) المناجاة نوع من الحديث الصامت الذى يهدف إلى تقديم أفكار الشخصية وهواجسها فى حالة تنظيم ، وهى تتسم بالترابط الذى يميزها من المنولوج ، كما تفترض وجود سامع ، ولا = = كذلك المنولوج . وقد سماها ماثيو أرنولد " ديالوج " أو حوار العقل مع نفسه . لمزيد من التفاصيل ، انظر :
    - روبرت همفرى ، تيار الوعى فى الرواية الحديثة ، ص 56 ، ترجمة : د. محمود الربيعى، ط : الثانية ، دار المعارف ، القاهرة ، 1975 م .
    - د. نبيل راغب، موسوعة الإبداع الأدبى، ص 371 : 378 ، ط : الأولى ، لونجمان ، 1996 م
    - د. عبد الفتاح عثملن ، بناء الرواية ، ص 299 : 311 ، ط : مكتبة الشباب ، القاهرة ، د-ت .
    - Milton Cowan , Hans Wehr , Macdonald and Evans ltd , London , 3 rd Ed. 1980, p : 946 .
    (34) الأسوار ، ص 80 : 81 .
    (35) الأسوار ، ص 49 .
    (36) الأسوار ، ص 34 .
    (37) السابق ، ص 48 : 49 .
    (38) الأسوار ، ص 89 .
    (39) السابق ، ص 88 .
    (40) الأسوار ، ص 93 .
    (41) السابق ، ص 100 .
    (42) نفسه ، ص 95 .
    (43) نفسه ، ص 90 .
    (44 ) Roger Caillois, G.Grunebeaun : Le Rève et les sociètès humaines , Gallimard , 1967 , p 167.
    (45) الأسوار ، ص 94 .
    (46) السابق ، ص 94 .
    (يتبع)

  3. #3
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    4- الحوار:
    لأسباب عديدة عول محمد جبريل تعويلا كبيرا، على تقنية الحوار؛ أحد هذه الأسباب: أن تقنية فنية لا تعدل كفاءة الحوار في تقديم الشخوص بالأسلوب التصويري.
    الثاني: أن طبيعة المكان " المعتقل " الذي جرت خلف أسواره معظم أحداث الرواية، جعلت الحوار مفضلا على غيره من التقنيات،ذلك أن أحاديث النزلاء - على قصرها - كانت حوارا ، والتحقيق معهم كان حوارا،وأسـاليب التعـذيب التي تعرضوا لها تخللتها بعض الحوارات المفعمة بالسخرية والتشفي.
    الثالث : أن القضايا الكبرى التي عالجتها الرواية،كالصراع بين الأثرة والإيثار، الغدر والوفاء،الثبات على المبدأ والمقايضة عليه، فضلا عن بعث الوعي في شخوص خرب الهوان نفوسهم أو كاد،لا تناسبها تقنية أفضل من الحوار0
    الرابع: أن ضبط إيقاع الرواية بحيث يعكس لحظات مصيرية في حياة شخوص تكاد إدارة المعتقل أن تعد عليهم أنفاسهم، و تحرير قارئها من هيمنة السارد ، وتحويل القراءة إلى فعل إيجابي يعطى النص مثلما يأخذ منه، كل أولئك لم يكن ليتحقق بكفاءة كبيرة إلا عبر تقنية الحوار.
    ونظرا لكثرة شخوص الرواية، جاءت الجمل الحوارية بالغة التركيز، بحيث يمكن للجملة الواحدة أن تؤدى ما تؤديه عدة جمل؛ فتكشف عن أبعاد الشخصية،وتستفز عقل القارىء كي يفتش عن الدلالات الكامنة في أعماقها0إن جملة واحدة مثل: " الدين أفيون الشعوب " (47 ) شفت لاعن ماركسية سلامة القاضي فحسب ،بل عن جانب من ثقافة محمد جبريل وقدرته على استدعاء الشخصيات التراثية الإنسانية من خلال أقوالها. وجملة حوارية موجزة مثل " المخدرات دين أيامنا القادمة "( 48 ) كشفت عن النزعة اللادينية عند على الشامي.
    وبجملة واحدة كشف الصول سعيد عن ازدراء إدارة المعتقل للنزلاء، بدا ذلك واضحا في سؤاله بكر رضوان أثناء التعذيب: " نزلاء هذا المعتقل من النساء00 فما اسمك؟ "0(49 )
    ودلت بعض الجمل الحوارية على مــا تتمتــــع بــــه شخصيـــات
    الأسوار، من استقلال في التفكير، وجرأة في التعبير، وشجاعة في الاعتراف بالخطأ، وقدرة على فضح تناقضات الواقع. وإذا كان على الشامي يباغت المتلقى بمثل قوله: " المخدرات دين أيامنا القادمة " فإن أمين سامي يدهشنا حين يقول: " أحلم في وسط النهار بامرأة00 أطرحها على ظهرها العاري في أي مكان ".(50 )
    ودلت إحدى الجمل الحوارية على ما يتمتع به على الشامى من شجاعة الاعتراف بالخطأ ؛ يقول: " إني قواد00 وتهمتي ثابتة، لكن وجود عشرة جنيهات في اللحظة التي قبض فيها على، كانت تكفل لي الحياة خارج جهنم " (51 ).
    وفى جملة حوارية نسمع أمين سالم يعترف بأنه تاجر مخدرات، وبدلا من أن يلوم نفسه راح يوهمنا بأنه ضحية مجتمع لم يوفر لأبنائه عملا شريفا ؛ يقول: " التهمة التي أعرفها هي تجارة المخدرات "(52 ) ، ثم يضيف مستدركا: " لكن هل وجدت عملا شريفا ولم أمارسه ؟ "( 53 ).
    ومهما يكن من أمر فإن توظيف الحوار في الكشف عن دخائل النفوس، وإفصاح الشخصية عن نفسها بجملة واحدة، إنما يذكرنا بدور الحوار في أدب الكاتبة الإنجليزية جين أوستن" 1775م- 1817م" (54 ).
    إن الجمل الحوارية الآنفة إن يكن بعضها يباغت المتلقي بما لا يتوقعه، فإنها لا تعبر ضرورة عن رؤية محمد جبريل للحياة والأحياء، وإنما تعبر عما تتمتع به شخصياته من استقلال في التفكير والتعبير، ولا غرو؛ فإن الشخصية في الرواية الحديثة ترفض الوصاية، وخطابها ليس خطاب المؤلف (55 ) . كما أن الأديب لم يعد ملما بكل صغيرة وكبيرة في حياة شخصياته، أو مسخرا لها في إشاعة إيديولجيته؛ ولهذا ليس غريبا ألا يزودنا صاحب الأسوار بأية معلومات تدل على مدى جدية أمين سالم في البحث عن عمل شريف، وعلينا كمتلقين أن نذهب كل مذهب في الحكم على أمين سالم: أهو جان أم ضحية .؟
    ولعل وجه محمد جبريل يحمر خجلا من استقلال على الشامى فى التفكير والتعبير واعتناق مبادئ لا دينية ، لكن هذه الشخصية لها نظائر في الآداب العالمية، مثل بعض شخصيات مورياك التي تمردت عليه، ورفضت إشاعة أفكاره( 56 ) وأورثته الخجل بما تأتى من قول أو فعل .
    وبوسع الدارس أن يميز في الأسوار بين نوعين من الجمل الحوارية:
    أحدهما يأتي- في مستهل الرواية- مصدرا بأفعال وأسماء وصفات يقدمها السارد، مثل قال الأستاذ في هدوء، هتف أمين سالم، انتفض بيومي الدكر( 57 ) وهذا النوع من الجمل يعد ضرورة فنية لا غنى عنها للرواية الحديثة، وبخاصة في صفحاتها الأولى ، حيث تمس حاجة الروائي إلى تثبيت أسماء وصفات شخصياته في ذاكرة المتلقي0
    أما النوع الآخر فقد تخلصت فيه الجمل الحوارية- بعد تقدم الأحداث- مما كان يسبقها من إشارات سردية، بما فيها الإشارة إلى اسم المتكلم، وفى هذه المناطق المتقدمة ، لا مفر من أن يتذرع المتلقى بأكبر قدر من اليقظة، حتى يظل قابضا على الخيوط الواصلة بين الشخصية وكلامها، وهى مهمة لم يألف القيام بها عند تلقيه روايات الرواد.وللتدليل على اختفاء الأسماء من أمام الجمل، وتقليص مهام السارد، والاعتماد على فطنة المتلقى ، أسوق من الأسوار المقطع التالي:
    " بدد الهدوء الذي يلف المكتبة- بعد أن أصبحت الممنوعات ماضيا مندثرا- صوت مجاهد الغزالي:
    - أنت هنا ؟
    الحيوان البرى لا يزال يرفض كل محاولة لترويضه00
    قال وهو يواصل القراءة:
    - نعم.
    - كنت أبحث عنك00
    - لماذا ؟
    - أريد أن أتحدث إليك00
    - بعد أقل من ساعة يحل الغروب00 فهل تنتظر.؟
    - الآن من فضلك00
    - ألا تنتظر حتى أنتهي من هذه الصفحات. ؟
    - قلت: الآن !00
    - هل الأمر بهذه الخطورة. ؟00
    - أعتقد00
    طوى صفحات الكتاب:
    - ماذا عندك . ؟
    - إنه00 إنه سؤال00
    - تعطلني عن القراءة من أجل سؤال.
    - هذا السؤال هو الذي سيحدد طبيعة علاقتنا00 أعنى أنه سيلزم كلا منا بحدوده. ؟00
    - يلزم كلا منا بحدوده . ؟ 00
    - نعم00
    - لكن صداقتنا أبسط من هذا التعقيد00
    - ليس بيننا صداقة بسيطة أو مركبة0.
    - إذن0اسأل00
    - هل أنت واحد منا ؟
    - لا أفهم00 ماذا تعنى .؟ 00
    - هل لك عينان مثلنا وأذنان ويدان وقدمان . ؟ 00
    - أتشك في هذا .؟
    - فلماذا تفرض علينا زعامتك . ؟ !
    - أنا !.
    - نعم00 منذ جئت إلى المعتقل وأنت لا تكف عن إصدار الأوامر00
    - أي أوامر يا صديقي 00 هل ألزمتك بعمل شيء .؟
    - المصيبة أنى لا أجد في هذه 00 الأوامر 00ما أرفضه.
    - يبدو أنك متعب00 هل آتيك بكوب ماء. ؟
    - كل ما أريده أن تبعد عن طريقي تماما00 إذا خاطبني لسانك القذر مرة ثانية00 قطعته00
    في هدوء، واجهه بالسؤال:
    - ماذا تفعل إذا لم يكن جارك يروق لك . ؟
    - أضربه !
    - إنه لن يقف مكتوف اليدين00 وربما كان أكثر منك قوة00
    - ماذا تعنى أيها الثعلب . ؟00
    - سواء كان جارك يعجبك أم لا00 فليس هناك سوى حل واحد00 إيجاد وسيلة للتفاهم معه.
    - ذلك ما تريده أنت00 لأن أحلام الزعامة تسيطر عليك00
    فقد - لأول مرة - أعصابه:
    - من أنت حتى أطمع بالزعامة عليك.. على ماذا تحيط أسوار هذا المعتقل. ؟
    التفت يدا بيومي الدكر- الذي كان ينشد الأستاذ بدءاً لجلسة المساء- حول ساعدي الغزالي.ضغط بقوة، حتى تهاوى الكرسي المرفوع من بين يديه..
    صرخ الرجل00
    قال الدكر- ساخطا- وهو يتبع الأستاذ :
    - فلننته من حرب الإدارة أولا! "( 58 )
    وواضح أن أسماء المتحاورين لم تظهر في المقطع الآنف إلا مرتين: إحداهما في التمهيد السردي الذي يبدأ بجملة : " بدد الهدوء الذي يلف المكتبة00صوت مجاهد الغزالي". والأخرى قبيل انتهاء الحوار، وبالتحديد في قول السارد: " قال الدكر- ساخطا- وهو يتبع الأستاذ".
    وإذا كانت عدة الجمل الحوارية ، في المقطع الآنف ، أربعين جملة بما فيها الجملة التي تحدث بها الأستاذ مع نفسه، والتي وصلتنا عبر تقنية المونولوج الداخلي، فإن السارد لم يُسمع له صوت إلا فى سبعة مواضع كان خلالها يمهد للحوار أو يعلق على الأحداث ، ومعنى هذا أن ثلاثا وثلاثين جملة خلت إلا من الشرطة الأفقية (-) التي تدل على انتقال الكلام من شخصية إلى أخرى. إن إعفاء السارد من مهمة تحديد شخصية المتكلم ، أضفى على جمل المقطع السابق قدرا كبيرا من الانسيابية والتدفق، وجعلها أقرب إلى " سيناريو" مكتوب لأحد الأفلام أو المسرحيات، لكنه وضع المتلقى في حالة من الاستنفار، إذ أسند إليه بعض مهام السارد ، وتركه يعرف المتكلم من كلامه . هنا لابد للمتلقى أن يستحضر الإشارات التي قدمها السارد في مستهل الرواية، خاصة الإشارة إلى هدوء الأستاذ، وتعقيباته الموجزة، ونظرة مجاهد الغزالي إليه بوصفه خطرا على سلطاته النفسية كفتوة للعنبر الرابع ، وبدون استحضار مثل هذه الإشارات يظل التلقى عملا ضئيل الجدوى ، ويظل الخلط بين كلام الأستاذ وكلام الغزالى أمرا وارداً .
    ولا تخطيء العين أن ترى الجمل الحوارية في الأسوار تتقلص إلى أن تغدو كلمة أو كلمتين، يظهر ذلك في الاقتباس التالي :
    - ما اسمك .؟
    - أمين سالم00
    - ماذا كنت تعمل من قبل . ؟
    - كنت قارئا00
    - إلى. ؟00
    - القرآن كله00
    - قد لا يروقك العمل هنا00
    - فلاحة الأرض00 أتروق أحدا .؟
    - أي عمل، أي عمل، أهون من الفأس والطين والمحراث والشادوف والغلب بلا انتهاء والقيظ المحرق00
    - أرجو أن تثق فى00
    - لكننا لا نتعامل بالقرآن..
    في هدوء حاسم:
    - أعرف00)(59 )
    فمن بين عشر جمل حوارية وردت في المقطع الآنف، نجد جملتتين مؤلفتين من كلمة واحدة؛ فحرف الجر " إلى" يشكل جملة، والفعل المضارع "أعرف" يشكل جملة أخرى. أيضا نجد أربع جمل مؤلفة من كلمتين، هذه الأربع هي: " ما اسمك"، " أمين سالم"، " كنت قارئا"، " القرآن كله". معنى ما سبق أن ستين بالمائة من جمل المقطع تألفت من كلمة أو كلمتين.
    بل لن يشق على الدارس أن يسوق من حوار الأسوار جملا عديدة لم تتجاوز الكلمة الواحدة . هذه الجمل قد تكون فعلا محذوف الفاعل ، نحو: "أعتقد " ( 60 ) ، " أعرف"( 61 ) ، " أعلم" ( 62 ) وقد تكون استفهاما محذوف الأداة نحو: " معقول" وقد تكون كلمة اكتمل بناؤها النحوي مثل : أضربه" ( 63 ) كما قد تكون اسما معطوفا نحو: "والخيانة "(64 ) ، "والتنفيذ"( 65 )،أو اسما غير معطوف نحو:" الأستاذ"( 66 )، "مجنون "( 67 )،
    " زملاؤك".( 68 ).
    ومن قصار الجمل الحوارية ما لا يعدو أن يكون حرفا مثل حرف الجواب : " نعم" ( 69 )،وحرف التشبيه " مثل "( 70 ). ومنها ما يكون ظرفا مثل :" الآن" ( 71 )، أو ضميرا مثل : " أنا " ( 72 )، أو أداة استفهام بلا مستفهم عنه نحو" لماذا " ( 73 ) ،"ماذا ؟ "( 74 )،" من" ( 75 ) 0
    ما تجدر ملاحظته أن قصر الجمل الحوارية يرجع- من بعض الوجوه- إلى المكان الخانق " المعتقل" الذي يضغط بوطأته على الشخوص، مما يجعل أنفاسهم قصيرة، وكلماتهم تكاد تختنق على الشفاة، وجملهم برقية لاهثة كأنها ممنوعات مهربة.وإذن فهو قصر يلائم تماما الحالة الشعورية للنزلاء؛يلائم إحساسهم بالرفض ، وعجزهم عن التكيف مع مكان يسجن فيه الإنسان وأنفاسه وكلماته.هنا تصبح ضآلة المباني أغنى بالمعاني من سواها . هذه ملاحظة .
    الثانية : أن الكاتب عول على السياق في تحديد العنصر " المورفيم" المحذوف ، ولا غرو؛ فإن " الألفاظ إنما جيء بها للدلالة على المعنى، فإذا فهم المعنى بدون اللفظ، جاز أن لا تأتى به000 ".( 76 )
    الثالثة : أن محمد جبريل حقق بالجمل القصار توازنا كبيرا بين حق النزلاء- وهم كثر- في التعبير عن همومهم وأحلامهم ومواقفهم من ناحية، وسرعة إيقاع الحياة بما تتطلبه من إيجاز في القول من ناحية أخرى. وكما لم يكن بوسعه - الكاتب - أن يصادر حق النزلاء في التفكير والتعبير، لم يكن بوسعه- أيضا- أن يدع كل نزيل يطنب في التعبير عما يريد.
    الأخيرة : أن قصر الجمل يسهم في جعل الأسوار نصا مباينا للمألوف، نصا لا يستهلك نفسه، بل يظل متجددا عبر القراءات المتعددة، وعبر استيقافه القارىء الذي يجد نفسه مطالبا بربط الجمل القصار بسوابقها ولواحقها، وإكمال ما تعمد الكاتب عدم إكماله، والبحث عن المعنى الغائب، واستخلاص التفسير الذي يلائم ظروفه إبان القراءة 0إنه قارىء مشارك في إنتاج الدلالة، لا مجرد مستهلك للنص، أو مستسلما لأيديولوجيا الكاتب وسارده وشخوصه ( 77 ) .
    ولئن نظرنا إلى لغة الحوار في الأسوار، فسوف نجدها فصحى، إلا في أحوال نادرة للغاية استخدم فيها الشخوص كلمات وتراكيب عامية، مثل"هيص" ( 78 ) ، " وضعت القرش على القرش" ( 79 )، " طقت في دماغي الفكرة " ( 80 ). وبعض هذه الألفاظ لا نظير له في الفصحى، كالفعل" هيص"، ولا سبيل إلى تأدية دلالته بالفصحى إلا من خلال تراكيب مهجورة ، نحو " امزح وامرح أنى شئت". وفيما عدا ذلك نأى الحوار عن الفصحى المقعرة والغريبة، ونفذ الكاتب بالفصحى إلى أعماق الواقع نفوذا لا تستطيعه العامية دون التضحية بجمال الأدب0وكل هذا يؤكد طواعية الفصحى وجدارتها بأن تكون لغة للحوار الروائي متى رزقت الأديب المتمكن، المخلص لفنه وهويته0
    وقد حاول محمد جبريل أن يخلق تعددية لغوية وأفضليات نطقية موائمة للشخصية؛ هذا وهيب تادرس يقول: " هل نضيع الوقت في الثرثرة 00 والأوغاد في الخارج يدبرون لقتلنا؟ "( 81 ) ، إنه مدرك فداحة إضاعة الوقت فيما لا جدوى منه، راغب في تنبيه زملائه إلى ما يدبر لهم، وهو يؤثر كلمات مثل "الثرثرة، الأوغاد ، يدبرون" على ما عداها، ويؤثر الاستفهام الإنكاري على الإخبار، وكل هذا يتفق مع كونه طالبا جامعيا ، كما يتفق مع ثقافته الطبية التي عمقت إحساسه بقيمة الوقت0
    وهذا خليل عبد النبي يتعاطى لغة بالغة الأناقة،نسمعه يقول: ".. قررت أن أنقش في وجهي البسمة- أو الضحكة- اللامبالية" ( 82 ) وإذا تذكرنا إشارة السارد إلى إتمامه القرآن كله، لم يعد غريبا أن تتأنق لغته بحيث يجعل الضحكة لوحة منقوشة على الوجه، والبسمة لا مبالية. لم يعد عجبا أن نراه مميزا البسمة من الضحكة، مؤثرا الفعل " أنقش" على الفعل " أضع " أو " أتصنع " ، والصفة " اللامبالية" على مثيلتها " غير المكترثة" أو " العابثة".
    وبينما تتأنق لغة خليل عبد النبي على النحو الآنف، تتجه لغة أحمد حسنين وجهة تلائم بساطته، وذلك حين يعبر - فيما يشبه البوح- عن حلم حياته إذ يقول: " ... لهذا وضعت القرش على القرش. رفضت الزواج. عافرت. اكتفيت- في كل يوم- بوجبة واحدة. طقت في دماغي الفكرة. لماذا لا أمتلك أرضا؟ ستكون الفرش والغطاء والاستقرار.." ( 83 ) وشتان بين قول خليل عبد النبى : " أنقش في وجهي البسمة " ، وقول أحمد حسنين: " طقت في دماغي الفكرة " .
    ما فى الأسوار من تعددية لغوية ومن تعبير رشيق معبر ومؤثر، يفضى إلى القول بأن محمد جبريل كان يعى جيدا أن الشخصية الروائية فقدت كثيرا من الامتيازات التي تمتعت بها في روايات القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين ، ومن ثم لم يعد أمام الروائى ما يملأ به الفراغ الذي خلفته الامتيازات المعدول عنها، سوى اللغة الفنية التي تمتع وتقنع في آن ، وهذا الوعي أكدته أحدث الدراسات النقدية 0( 84 )
    الهوامش:
    (47) الأسوار ، ص 90 .
    ( 48 ) السابق ، ص 90 .
    (49) نفسه ، ص 55 .
    (50) الأسوار ، ص 96 .
    (51) السابق ، ص 37 .
    (52) نفسه ، ص 37 .
    (53) نفسه ، ص 37 .
    (54) انظر ، د. طه محمود طه ، القصة فى الأدب الإنجليزى ، مجلة القصة ، السنة الأولى، العدد الثانى ، فبراير 1964 ، ص 87 .
    (55) انظر ، شعيب حليفى ، شعرية الرواية الفنانتاستيكية ، ص 373 ، ط : المجلس الأعلى للثقافة ، القاهرة ، 1997 م .
    (56) انظر ، د. محمد يوسف نجم ، فن القصــة ، ص 80 . وكان موريـاك يقـول :
    " فأشخاصنا ليسوا خدما لنا، فمنهم من يتمرد علينا، ولا يشاطرنا آراءنا، بل يرفض أن يقوم بنشرها وإذاعتها. وإنى لأعرف فى أشخاصى من يناقض آرائى مناقضة صريحة، كأولئك المتمردين على رجال الدين، فأحاديثهم يحمر لها وجهى خجلا". فرانسوا مورياك : الروائى وأشخاص روايته، ترجمة : عادل الغضبان، مجلة الكتاب، عدد ديسمبر 1952 ، ص 1176 – 1177 .
    (57) الأسوار ، ص 10 : 11 .
    ( 58 ) الأسوار ، ص 74 : 76 .
    (59) الأسوار ، ص 38 : 39 . وانظر نماذج أخرى للجمل الحوارية المؤلفة من كلمتين ، الرواية، ص 14،20،21،29،39، 40، 42،46، 48، 55 ، 62، 74، 75 ، 82 ، 89 ، 97.
    (60) السابق ، ص 74 .
    (61) نفسه ، ص 11 ، 34 .
    (62) نفسه ، ص 26 .
    (63) نفسه ، ص 10 .
    (64) نفسه ، ص 76 .
    (65) نفسه ، ص 70 .
    (66) نفسه ، ص 48 .
    (67) نفسه ، ص 99 .
    ( 68 ) الأسوار ، ص 66 .
    (69) السابق ، ص 13 .
    (70) نفسه ، ص 74 : 75 .
    (71) نفسه ، ص 59 .
    (72) نفسه ، ص 75 .
    (73) نفسه ، ص 74 .
    (74) نفسه ، ص 54 .
    (75) نفسه ص 13 .
    (76) ابن يعيش ، شرح المفصل 1/94 ، ط : عالم الكتاب ، بيروت ، د - ت .
    (77) انتفعت فى حديثى عن قارئ الجمل القصار بأفكار " فلفجانج إبرز " عن التأثير المتبادل بين النص والقارئ . انظر ، د. نبيلة إبراهيم ، فن القص : فى النظرية والتطبيق ، ص 53 : 67، ط : مكتبة غريب ، القاهرة ، د - ت .
    ( 78 ) الأسوار ، ص 90 .
    (79) السابق ، ص 90 .
    (80 ) الأسوار ، ص 90 .
    (81 ) السابق ، ص 100 .
    (82 ) نفسه ، ص 68 .
    (83 ) الأسوار ، ص 90 .
    (84 ) انظر ، د. عبد الملك مرتاض ، فى نظرية الرواية ، ص 116 ، سلسلة عالم المعرفة ، العدد 240 ، الكويت ، شعبان 1419 هـ ، ديسمبر 1998 م .
    (يتبع)

  4. #4
    الصورة الرمزية صابرين الصباغ كاتبة وقاصة
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    الدولة : الإسكندرية .. سموحة
    المشاركات : 1,680
    المواضيع : 131
    الردود : 1680
    المعدل اليومي : 0.25

    افتراضي

    ماشاء الله
    دكتور حسين جهد يستحق التصفيق
    وأديب كبير وروائي يستحق هذا الجهد
    الكاتب السكندري الكبير
    الاستاذ محمد جبريل
    الصديق العزيز انتهيت منذ أيام قلائل من قراءة روايته الرائعة
    (( حارة اليهود ))
    وهى حارة سكندرية لها تاريخ خاص جدا بها
    اديب يستحق القراءة للتعلم من إبداعه
    دمت مبدعا
    مودتي واحترامي دكتور

  5. #5
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    وثمة ظاهرة لا تخطئها عين في حوار الأسوار، أعنى: شيوع أساليب الاستفهام شيوعا تبرره- أولا - طبيعة المكان " المعتقل " الذي يعد من أخصب الأماكن الحاضنة لهذا النوع من أساليب التخاطب؛ فإن التحقيقات التي تجرى على أرضه لا تعدو أن تكون مجموعة من التراكيب الاستفهامية0 ويبرره- ثانيا- ما يفعم النزلاء من ضيق وذهول وإحساس بالعجز عن فهم أو تفسير ما يجرى من حولهم0 ويبرره- أخيرا- نزوع محمد جبريل إلى تأريق المتلقي وبعثه على الإحساس بمأساة النزلاء وتحريره من سلبية التلقى .
    إن ما يفعم بكر رضوان من رفض لنتيجة القرعة، ومن ذهول إزاء استسلام الأستاذ لهذه النتيجة ، ومن ثقة في أن الأستاذ لم يرتكب أية جريمة، كل أولئك لم يأتنا عن طريق الأسلوب الخبري، بل عن طريق تراكيب استفهامية تواترت على لسانه تواترا سريع الإيقاع، نسمعه يخاطب الأستاذ: " كلماتك هي الوقود الذي يضرم إرادة النزلاء00 فلماذا تسلم نفسك إلى المصير الرهيب؟ لماذا لا تحرص على حياتك إن كان لها لديك قيمة0؟هل قتلت0؟هل سرقت0؟هل زنيت0؟ هل شهدت زورا0؟هل أقسمت كذبا0؟ أنت لم تفعل شيئا من ذلك. لم تفعل شيئا على وجه التحديد. فلماذا السكوت على النهاية البشعة0؟ هل أصبحت الكلمات الطيبة طريقا إلى الموت0؟ " (85 ) إن الإلحاح على تكرار"هل " الاستفهامية ست مرات، و"لماذا " ثلاث مرات، لا يمكن إلا أن يقحم المتلقي إقحاما في مأساة الأستاذ، ويدفعه دفعا إلى أن يشاطر بكر رضوان حيرته وذهوله أمام هدوء واستسلام الأستاذ من ناحية، وأمام إصرار إدارة المعتقل على حرق الأستاذ مع أنه لم يسرق أو يزن أو يقتل أو يشهد زوراً أو يقسم كذبا ، من ناحية أخرى .
    وكما تواتر الاستفهام على لسان بكر رضوان في الاقتباس الآنف، تواتر على ألسنة غيره من الشخوص الذين استحصدت حيرتهم فأفرغوها في تساؤلات لم ينتظروا عنها جوابا فى أغلب الأحيان ، نجد مثلا لذلك المقطع التالي:
    " قال وهيب تادرس:
    - يا أستاذ00 أنت تمثل صوتا واحدا00 ونحن نريد الخروج من المأزق00 فلماذا لا تعطينا الفرصة0؟
    - ولماذا قبلنا القرعة من البداية. ؟
    - هل كنا نرى الغيب ؟
    أضاف على الشامي:
    - وهل كنا نتوقع الخيانة ؟
    قال أنور عبد الحفيظ متسائلا:
    - الجزاء لابد أن يكون مقابلا لجريمة00 فما جريمتك.؟(86 )
    إن الأربعة الشخوص الذين ضمهم المقطع الآنف لم يكن حوارهم
    إلا تساؤلات يفضى بعضها إلى بعض، وحقا لا نجد بينهم من ينتظر من الآخر جوابا، لكن السؤال كان دوما بداية الوعي0 إن تواتر الأسئلة ، دون انتظار جواب ، يشف عن ضيق في الصدور، ورفض لما تخطط له إدارة المعتقل ، وافتقاد اليقين الذى يمكن الشخصية من تقديم إجابات عما يوجه إليها من أسئلة .
    وقد عبرت أساليب الاستفهام عن مأزق النزلاء، وتمزق نفوسهم إزاء اتهامات يعجزون عن تفسيرها ولا يستطيعون الاعتراف بها، ها هو توفيق عزوز يفرغ تمزقه وعجزه عن الفهم في تساؤله التالي: " هل أعترف بتهمة لا أعرفها " (87 ) .
    وتخلصت أكثر أساليب الاستفهام من دلالتها الوضعية، وخرجت إلى فضاءات دلالية جديدة أريد بها إنشاء معان ثوان، كالسخرية،التحقير،الدهشة، الاستبعاد، التعجب، التمني، الاستبطاء، التهويل، والتحريض؛ أما السخرية فقد خرج إليها الاستفهام في قول المأمور معلقا على التفاف النزلاء وبعض الحراس حول الأستاذ: " هل هذه عظة الجبل .؟ "( 88 ) المأمور على يقين من أن الأستاذ ليس المسيح عليه السلام، وأن النزلاء والحراس الملتفين حوله ليسوا الحواريين، وأن المكان " المعتقل " غير المكان " الجبل "0وإذن فهو يهدف بسؤاله لا إلى طلب العلم بما يجهل، بل إلى السخرية من جدوى عظات الأستــــــاذ فيمن حوله، وكأنما يقول للجميع: إنكم تحرثون في النهر.
    ومما خرج من أساليب الاستفهام إلى التحقير، قول الصول سعيد أثناء تعذيبه بكر رضوان:" نزلاء هذا المعتقل من النساء .. فما اسمك ؟" ( 89 ) ؛ فالمستفهم " الصول سعيد" لا يطلب العلم بما يجهل، بل يهدف باستفهامه إلى إذلال المستفهم منه " بكر رضوان" ، والمبالغة في تحقيره ، وإجهاض ما تبقى في نفسه من صلابة، وحمله على أن ينسى اسمه وماضيه ويستأنف داخل الأسوار حياة جديدة0
    وإلى التحقير أيضا خرج الاستفهام التالي، الذي جاء على لسان الأستاذ في واحد من حواراته مع مجاهد الغزالي، قبل أن تتحد إرادتهمـا: " من أنت حتى أطمع بالزعامة عليك .. ؟" ( 90 )
    ومما خرج من أساليب الاستفهام إلى الدهشة، قول مجاهد الغزالي مخاطبا الأستاذ:"هل لك عينان مثلنا وأذنان ويدان وقدمان؟"( 91 ) لا شك أن المستفهم "الغزالي" على يقين من أن الأستاذ- كغيره من الناس- له عينان وأذنان ويدان وقدمان، لكن سؤاله مفعم بالدهشة من قدرة الأستاذ على الاستئثار بمحبة الجميع؛ ذلك أن الذين لهم عيون وآذان وأياد وأقدام كالأستاذ، لم يؤتوا من القدرة على التأليف بين القلوب مثلما أوتي ، وفى هذا ما حرض المستفهم على التساؤل ، وما أخرج تساؤلــــه عن دلالته الوضعية ودفع به إلى فضاء الدهشة .
    وإلى الاستبعاد خرج الاستفهام في قول جابر الرأس: " وهل خلا
    المعتقل من الرجال ؟ "( 92 ) ؛ فالمستفهم "جابر الرأس" يدرك أن المعتقل ليس فيه إلا رجال، لكنه يستبعد أن يكونوا رجالا فقدوا مروءتهم، وانغمسوا في مستنقع الخيانة والأنانية ، وغدوا بالنساء أشبه.
    ومن أساليب الاستفهام التي خرجت إلى التعجب ، قول الأستاذ في حوار كان المأمور طرفه الثاني: " ألا أعلم تهمتي؟ " ( 93 )
    ومما خرج من أساليب الاستفهام مخرج التقرير، قول بكر رضوان مخاطبا سلامة القاضي: " ألم تقل للمباحث إنه أحد تلاميذك".(94 ) ؛ ذلك أن المستفهم إنما يريد أن ينتزع من سلامة القاضي اعترافا بصواب ما يسأل عنه0
    وإلى التمني خرج استفهام الأستاذ قبيل نهاية الرواية: " أليس الأجدى أن نناقش مأساة موتنا البطيء داخل هذه الأسوار؟ " ( 95 ) .
    كذلك خرج الاستفهام إلى الاستبطاء في قول مجاهد الغزالي: " فهل يظل لهيب الشمس قدرنا إلى ما لا نهاية ؟ " ( 96 ). وواضح أن المستفهم استطال مدة الاعتقال، واستبطأ مجيء الإفراج، وأعرب عن سآمته من الواقع الذي يعيشه خلف الأسوار، لكنه لم يخبر عن شيء من ذلك صراحة، بل دس هذه المعاني في طيات استفهامه.
    وإلى التهويل خرج الاستفهام التالي ، الذي جاء على لسان توفيق عزوز: " وما الحل إذا كفت الإدارة على الخبر ماجورا، ولم يعلم أحد بما حدث.. ؟( 97 ) ؛ فالمستفهم" توفيق عزوز" يستهول المستفهم عنه "الحل" ؛ لأن سلطة المعتقل تستطيع ببساطة أن تفرض على أخبار وحياة النزلاء ستارا حديديا لا يمكن اختراقه0 هنا تجدر الإشارة إلى أن الكاتب يتناص ، في الاستفهام الآنف، مع المثل الشعبي " اكف على الخبر ماجورا" ، وأنه برغم سمة القصر التى تلف الجمل الحوارية فإن الحشو تسرب إلى الاستفهام الآنف ؛ لأن جملة :" ولم يعلم أحد بما حدث" لم تضف إلى دلالة المثل بعدا جديدا0ويبدو أن خوف الكاتب من خفاء دلالة المثل على بعض المتلقين الذين ليس لهم معرفة كافية بأمثال العوام، أوقعه في هذا الحشو. وبغض النظر عن مبعث الخوف، فإن المتلقي الذي أوكل إليه الكاتب سد الثغرات الدلالية المفتوحة عمدا، ومتابعة أقوال غير مسبوقة بأسماء قائليها ، وقراءة رواية يتقاطع فيها السرد مع الحوار، والحوار مع المناجاة والمونولوج، لن يعجزه أن يفهم دلالة المثل: " كفت الإدارة على الخبر ماجورا"، ولن يكون بحاجة إلى زوائد مثل: " ولم يعلم أحد بما حدث" ولاسيما أن أمثال العوام إن لم تكن شائعة بلفظها ومعناها على ألسنة العربي أينما كان، فهي شائعة بمضمونها مع شيء من التحوير في لفظها 0أيضا تجدر الإشارة إلى أن مبنى المثل الشعبى تعرض لشىء من التحوير عبر عملية التناص .
    وإلى التحريض خرج الاستفهام في قول خليل عبد النبي مخاطبا أمين سالم:" وما يمنعك من إطلاق رغباتك ؟.... " ( 98 ) ؛ فالمستفهم لا يريد أن يعرف من أمين سالم أسباب عدم تحقق رغباته، بل يحرضه على الانتفاع بما طرأ على المعتقل من تغيير كان من ثماره أن" اختفت طوابير العمل، وطقوس التعذيب، ولحظات الخوف والقلق والتوتر" ( 99 ) وهى تغييرات تهييء للمستفهم منه " أمين سالم" أن يطلق لرغباته العنـان دون خوف، وتجعل الاستفهام أدل على التحريض منه على طلب المعرفة0
    وإلى الاستمالة خرج الاستفهام في قول المأمور: " كيف حالك يا حلمي عزت" (100 ) ؛ ذلك أن حال المستفهم منه لا يعنى المستفهم " المأمور" في شيء، وإنما أراد المستفهم أن يستميل حلمي عزت؛ ليعرف منه اسم الذى حرض النزلاء على الصراخ، ولولا هذا الهدف لما استدعاه إلى مكتبه بداهة، ولما دعاه إلى الجلوس على المقعد بدلا من الجلوس على الأرض. هنا تجدر الإشارة إلى دور السياق في تعزيز دلالة الاستفهام الآنف على الاستمالة، وهذا الدور يتضح بجلاء عند نزع التركيب من سياقه والاكتفاء بالنظر إلى السؤال والجواب، ففي هذه الحال يبقى الاستفهام حبيس دلالته الوضعية على طلب العلم بما هو مجهول للسائل ، وهى دلالة مجردة من الاستمالة.
    ومن أساليب الاستفهام ما لا يمكن حمله على دلالته الحقيقية. وأي حقيقة يمكن أن نحمل عليها تساؤل نزلاء عنبر ثلاثة:" ماذا يفيد الغنم إذا فقدت راعيها؟ "( 101 ) ونحن نعلم أنه ليس فى المعتقل غنم ولا راع على التحقيق، وما الأغنام إلا كناية عن النزلاء، وما الراعي إلا كناية عن الأستاذ، وإنما أراد النزلاء بالاستفهام أن يحذروا من لا جدوى موت الأستاذ بسبب قرعة دبرت إدارة المعتقل نتيجتها سلفا.
    ومن الأساليب ما لا يمكن حمله إلا على حقيقة معناه ، كالاستفهام: " ما اسمك ؟ ( 102 ) " الذى ورد غير مرة على ألسنة المحققين .
    وتخلصت بعض أساليب الاستفهام من الأداة، واعتمدت على المقام والتنغيم، ولا غرو؛ فإن" الاختيارات الأسلوبية لا تحكمها ظواهر اللغة الخالصة فحسب، بل تحكمها كذلك محددات المقام، ونعنى بها الخصائص التي تحدد الظرف الاجتماعى- المادي socio- Physical Envelopالذي سيق في إطاره الكلام؛ سواء أكان منطوقا أم مكتوبا"0( 103 )
    ومن الاستفهام المؤسس على النغة والمقام، ما جاء في الأنموذج التالي : " ضرب وهيب تادرس كفا بكف، وقال في غضب :
    - ها هي المشكلة الحقيقية" أمين سالم مذنب أم بريء " ( 104 )
    فقد حذف الكاتب أداة الاستفهام من صدارة الجملة مستعيضا عنها بالسياق والنغمة الصوتية الصاعدة التي تفيد الاستفهام، مجاريا في ذلك الاستعمال اللغوي المعاصر، الذي ألف الاستفهام بالنغمة الصوتية عوضا عن الاستفهام بأحد أدوات الاستفهام التقليدية.( 105 )
    ويعتمد الكاتب على النغمة والسياق في إقامة استفهام يشف عن الرفض والحيرة، على نحو ما يلوح في الاقتباس التالي:
    " قال وهيب تادرس في نفاد صبر:
    - الأستاذ رفض كل الحلول00 فهل يشير علينا بما يراه؟
    قال :
    - رفض القرعة خطأ 0
    - والخيانة ؟ 00
    - التعلل بالخيانة خطأ00" ( 106 )
    إن جملة: " والخيانة" لم تسبقها أو تليها أداة استفهام، وإنما تستمد دلالتها الاستفهامية من نغمة المتكلم بها: " وهيب تادرس " ، ومن إشارة السارد إلى نفاد صبر وهيب تادرس، ومن الجملة الاستفهامية:" الأستاذ رفض كل الحلول00 فهل يشير علينا بما يراه0؟ "
    ومن الملاحظ أن بعض أساليب الاستفهام تكرر ذكرها على ألسنة المحققين وبعض النزلاء؛ أما ما تكرر على ألسنة المحققين فمنه:" ما هي المؤامرة؟"،( 107 )،"أين زملاؤك؟"( 108 )"أين زملاء التنظيم؟"( 109 )، وأما ما تكرر على ألسنة بعض النزلاء فمنه:" ماذا تريد منى؟ ". (109 )
    إن تكرار هذه الأساليب يتسق مع طبيعة المكان" المعتقل"، ويــوحي بإفلاس القائمين على التحقيق إذ يجعلهم بالببغاوات الــــتي تكتـــفـي بترديد ما تلقنته أشبه0
    ما أخلص إليه هو أن أسلوب الاستفهام يضاعف الإنتاج الدلالي للجملة الحوارية في الأسوار، ولو شاء الكاتب أن يعبر بالجمل الخبرية، عن المعاني التي عبر عنها بالجمل الاستفهامية، لاحتاج مئات الصفحات، مع ما يستتبع ذلك من ترهل يقلص قدرة الرواية على إغراء المتلقي العصري بالقراءة0 هذه خلاصة0
    الثانية: أن تسلط بنية الاستفهام على الحوار يعكس حرص الكاتب لا على تكثيف الجملة الحوارية فحسب، بل على جذب انتباه المتلقي، ودرء الملل عنه، وإثارة فضوله، ولا غرو؛ فالأديب" يوظف الاستفهام توظيفا فنيا للتعبير عن المعنى الذي يريد الإفضاء به، غير أنه يتوجه به غالبا إلى المتلقي لإثارة انتباهه، أو حفزه لقبول فكرة000 بطريق تخلو من المباشرة، كما أنه يستخدم للتعبير عن الذات المبدعة حين تدهش من الأشياء ولا تستطيع الحسم تجاهها، وحين تواجه بالاختيارات، وتتردد أمام الموقف باحتمالاته العديدة0" (111 )
    الثالثة : أن الأسلوب اختيـار، وانحياز الكاتب إلى أسلوب الاستفهام ينطوي على تفضيله بعض طاقات اللغة على بعضها في لحظة محددة من لحظات الاستخدام اللغوي ، ويشف عن طريقة الكاتب فى التفكير، وطبيعة انفعالاته، ونظرته إلى الأشياء وحكمه عليها0
    الرابعة : أن أكثر أدوات الاستفهام انتشارا في حوار الأسوار هي الأداة " هل " التي استخدمها محمد جبريل خمسا وخمسين مرة0 أما أقل الأدوات استخداما فهي " كم، متى " فمعدل استخدام كل أداة منهما لم يتجاوز المرة الواحدة، ولعل ضآلة وجود هاتين الأداتين راجع إلى دلالتهما الزمنية. وفى مكان خانق كالمعتقل، وبين نزلاء لم يعد يعنيهم تتابع الأيام والساعات والشهور والسنين، يصبح الاستفهام عن الزمن بالأداتين كم، متى) غير ذي جدوى.
    الأخيرة : أن الاستفهام المفضي إلى استفهام آخر، يشف حينا عن فتور الرغبة في استمرار الحوار، ويشف حينا آخر عن حيرة النزلاء وعجزهم عن تقديم إجابات لما يلقى على أسماعهم من أسئلة. وعندما يكون السؤال: "ما هي المؤامرة0؟ " ويكون الجواب:" أي مؤامرة0؟ " فإن عجز المستفهم منه عن فهم مقاصد المستفهم وعن تقديم إجابة شافية عن الاستفهام ، وكذلك استخفافه بالمستفهم ، كل هذا يشكل جملة الناتج الدلالي الذي يوحى به التركيب0
    5- الخاتمة والنتائج:
    يمكنني في نهاية هذا البحث أن أوجز، فيما يلي، أهم ما توصلت إليه من نتائج:
    أولا- نتائج تتصل بالمؤلف :
    1- يؤمن محمد جبريل بالتراسل بين الفنون؛ بدليل استفادته بعدد من التقنيات السينمائية، كالسيناريو،القطع والوصل،الفلاش باك0وكذلك استفادته بالحوار وهو- في الأصل- تقنية مسرحية أكثر من الاعتماد عليها ، حتى إن مقاطع حوارية عديدة غدت بالسيناريو المعد لأحد أفلام السينما أو العروض المسرحية أشبه .
    2- تأثر محمد جبريل، في استهلال الأسوار، بأحد تقاليد كتاب المسرح، وهو بدء الأحداث من نقطة تأزمها، وكانت نقطة التأزم التي انطلقت منها الأحداث مركبة من عنصرين: أحدهما معرفة الخائن"حلمي عزت" وبواعثه على الخيانة، ولماذا استهدف بخيانته الأستاذ دون غيره من النزلاء 0 ؟
    والآخر:هو تنازع رغبات النزلاء حول تنفيذ نتيجة القرعة المشكوك في نزاهتها، أو إعادة إجراء قرعة نزيهة بغض النظر عمن تصيب بنتيجتها، وهو تنازع بالغ الضراوة؛ لأنه لا يعدو كونه تنازعا حول الإقدام على الموت أو الفرار منه إلى الحياة 0

  6. #6
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    وثمة ظاهرة لا تخطئها عين في حوار الأسوار، أعنى: شيوع أساليب الاستفهام شيوعا تبرره- أولا - طبيعة المكان " المعتقل " الذي يعد من أخصب الأماكن الحاضنة لهذا النوع من أساليب التخاطب؛ فإن التحقيقات التي تجرى على أرضه لا تعدو أن تكون مجموعة من التراكيب الاستفهامية0 ويبرره- ثانيا- ما يفعم النزلاء من ضيق وذهول وإحساس بالعجز عن فهم أو تفسير ما يجرى من حولهم0 ويبرره- أخيرا- نزوع محمد جبريل إلى تأريق المتلقي وبعثه على الإحساس بمأساة النزلاء وتحريره من سلبية التلقى .
    إن ما يفعم بكر رضوان من رفض لنتيجة القرعة، ومن ذهول إزاء استسلام الأستاذ لهذه النتيجة ، ومن ثقة في أن الأستاذ لم يرتكب أية جريمة، كل أولئك لم يأتنا عن طريق الأسلوب الخبري، بل عن طريق تراكيب استفهامية تواترت على لسانه تواترا سريع الإيقاع، نسمعه يخاطب الأستاذ: " كلماتك هي الوقود الذي يضرم إرادة النزلاء00 فلماذا تسلم نفسك إلى المصير الرهيب؟ لماذا لا تحرص على حياتك إن كان لها لديك قيمة0؟هل قتلت0؟هل سرقت0؟هل زنيت0؟ هل شهدت زورا0؟هل أقسمت كذبا0؟ أنت لم تفعل شيئا من ذلك. لم تفعل شيئا على وجه التحديد. فلماذا السكوت على النهاية البشعة0؟ هل أصبحت الكلمات الطيبة طريقا إلى الموت0؟ " (85 ) إن الإلحاح على تكرار"هل " الاستفهامية ست مرات، و"لماذا " ثلاث مرات، لا يمكن إلا أن يقحم المتلقي إقحاما في مأساة الأستاذ، ويدفعه دفعا إلى أن يشاطر بكر رضوان حيرته وذهوله أمام هدوء واستسلام الأستاذ من ناحية، وأمام إصرار إدارة المعتقل على حرق الأستاذ مع أنه لم يسرق أو يزن أو يقتل أو يشهد زوراً أو يقسم كذبا ، من ناحية أخرى .
    وكما تواتر الاستفهام على لسان بكر رضوان في الاقتباس الآنف، تواتر على ألسنة غيره من الشخوص الذين استحصدت حيرتهم فأفرغوها في تساؤلات لم ينتظروا عنها جوابا فى أغلب الأحيان ، نجد مثلا لذلك المقطع التالي:
    " قال وهيب تادرس:
    - يا أستاذ00 أنت تمثل صوتا واحدا00 ونحن نريد الخروج من المأزق00 فلماذا لا تعطينا الفرصة0؟
    - ولماذا قبلنا القرعة من البداية. ؟
    - هل كنا نرى الغيب ؟
    أضاف على الشامي:
    - وهل كنا نتوقع الخيانة ؟
    قال أنور عبد الحفيظ متسائلا:
    - الجزاء لابد أن يكون مقابلا لجريمة00 فما جريمتك.؟(86 )
    إن الأربعة الشخوص الذين ضمهم المقطع الآنف لم يكن حوارهم
    إلا تساؤلات يفضى بعضها إلى بعض، وحقا لا نجد بينهم من ينتظر من الآخر جوابا، لكن السؤال كان دوما بداية الوعي0 إن تواتر الأسئلة ، دون انتظار جواب ، يشف عن ضيق في الصدور، ورفض لما تخطط له إدارة المعتقل ، وافتقاد اليقين الذى يمكن الشخصية من تقديم إجابات عما يوجه إليها من أسئلة .
    وقد عبرت أساليب الاستفهام عن مأزق النزلاء، وتمزق نفوسهم إزاء اتهامات يعجزون عن تفسيرها ولا يستطيعون الاعتراف بها، ها هو توفيق عزوز يفرغ تمزقه وعجزه عن الفهم في تساؤله التالي: " هل أعترف بتهمة لا أعرفها " (87 ) .
    وتخلصت أكثر أساليب الاستفهام من دلالتها الوضعية، وخرجت إلى فضاءات دلالية جديدة أريد بها إنشاء معان ثوان، كالسخرية،التحقير،الدهشة، الاستبعاد، التعجب، التمني، الاستبطاء، التهويل، والتحريض؛ أما السخرية فقد خرج إليها الاستفهام في قول المأمور معلقا على التفاف النزلاء وبعض الحراس حول الأستاذ: " هل هذه عظة الجبل .؟ "( 88 ) المأمور على يقين من أن الأستاذ ليس المسيح عليه السلام، وأن النزلاء والحراس الملتفين حوله ليسوا الحواريين، وأن المكان " المعتقل " غير المكان " الجبل "0وإذن فهو يهدف بسؤاله لا إلى طلب العلم بما يجهل، بل إلى السخرية من جدوى عظات الأستــــــاذ فيمن حوله، وكأنما يقول للجميع: إنكم تحرثون في النهر.
    ومما خرج من أساليب الاستفهام إلى التحقير، قول الصول سعيد أثناء تعذيبه بكر رضوان:" نزلاء هذا المعتقل من النساء .. فما اسمك ؟" ( 89 ) ؛ فالمستفهم " الصول سعيد" لا يطلب العلم بما يجهل، بل يهدف باستفهامه إلى إذلال المستفهم منه " بكر رضوان" ، والمبالغة في تحقيره ، وإجهاض ما تبقى في نفسه من صلابة، وحمله على أن ينسى اسمه وماضيه ويستأنف داخل الأسوار حياة جديدة0
    وإلى التحقير أيضا خرج الاستفهام التالي، الذي جاء على لسان الأستاذ في واحد من حواراته مع مجاهد الغزالي، قبل أن تتحد إرادتهمـا: " من أنت حتى أطمع بالزعامة عليك .. ؟" ( 90 )
    ومما خرج من أساليب الاستفهام إلى الدهشة، قول مجاهد الغزالي مخاطبا الأستاذ:"هل لك عينان مثلنا وأذنان ويدان وقدمان؟"( 91 ) لا شك أن المستفهم "الغزالي" على يقين من أن الأستاذ- كغيره من الناس- له عينان وأذنان ويدان وقدمان، لكن سؤاله مفعم بالدهشة من قدرة الأستاذ على الاستئثار بمحبة الجميع؛ ذلك أن الذين لهم عيون وآذان وأياد وأقدام كالأستاذ، لم يؤتوا من القدرة على التأليف بين القلوب مثلما أوتي ، وفى هذا ما حرض المستفهم على التساؤل ، وما أخرج تساؤلــــه عن دلالته الوضعية ودفع به إلى فضاء الدهشة .
    وإلى الاستبعاد خرج الاستفهام في قول جابر الرأس: " وهل خلا
    المعتقل من الرجال ؟ "( 92 ) ؛ فالمستفهم "جابر الرأس" يدرك أن المعتقل ليس فيه إلا رجال، لكنه يستبعد أن يكونوا رجالا فقدوا مروءتهم، وانغمسوا في مستنقع الخيانة والأنانية ، وغدوا بالنساء أشبه.
    ومن أساليب الاستفهام التي خرجت إلى التعجب ، قول الأستاذ في حوار كان المأمور طرفه الثاني: " ألا أعلم تهمتي؟ " ( 93 )
    ومما خرج من أساليب الاستفهام مخرج التقرير، قول بكر رضوان مخاطبا سلامة القاضي: " ألم تقل للمباحث إنه أحد تلاميذك".(94 ) ؛ ذلك أن المستفهم إنما يريد أن ينتزع من سلامة القاضي اعترافا بصواب ما يسأل عنه0
    وإلى التمني خرج استفهام الأستاذ قبيل نهاية الرواية: " أليس الأجدى أن نناقش مأساة موتنا البطيء داخل هذه الأسوار؟ " ( 95 ) .
    كذلك خرج الاستفهام إلى الاستبطاء في قول مجاهد الغزالي: " فهل يظل لهيب الشمس قدرنا إلى ما لا نهاية ؟ " ( 96 ). وواضح أن المستفهم استطال مدة الاعتقال، واستبطأ مجيء الإفراج، وأعرب عن سآمته من الواقع الذي يعيشه خلف الأسوار، لكنه لم يخبر عن شيء من ذلك صراحة، بل دس هذه المعاني في طيات استفهامه.
    وإلى التهويل خرج الاستفهام التالي ، الذي جاء على لسان توفيق عزوز: " وما الحل إذا كفت الإدارة على الخبر ماجورا، ولم يعلم أحد بما حدث.. ؟( 97 ) ؛ فالمستفهم" توفيق عزوز" يستهول المستفهم عنه "الحل" ؛ لأن سلطة المعتقل تستطيع ببساطة أن تفرض على أخبار وحياة النزلاء ستارا حديديا لا يمكن اختراقه0 هنا تجدر الإشارة إلى أن الكاتب يتناص ، في الاستفهام الآنف، مع المثل الشعبي " اكف على الخبر ماجورا" ، وأنه برغم سمة القصر التى تلف الجمل الحوارية فإن الحشو تسرب إلى الاستفهام الآنف ؛ لأن جملة :" ولم يعلم أحد بما حدث" لم تضف إلى دلالة المثل بعدا جديدا0ويبدو أن خوف الكاتب من خفاء دلالة المثل على بعض المتلقين الذين ليس لهم معرفة كافية بأمثال العوام، أوقعه في هذا الحشو. وبغض النظر عن مبعث الخوف، فإن المتلقي الذي أوكل إليه الكاتب سد الثغرات الدلالية المفتوحة عمدا، ومتابعة أقوال غير مسبوقة بأسماء قائليها ، وقراءة رواية يتقاطع فيها السرد مع الحوار، والحوار مع المناجاة والمونولوج، لن يعجزه أن يفهم دلالة المثل: " كفت الإدارة على الخبر ماجورا"، ولن يكون بحاجة إلى زوائد مثل: " ولم يعلم أحد بما حدث" ولاسيما أن أمثال العوام إن لم تكن شائعة بلفظها ومعناها على ألسنة العربي أينما كان، فهي شائعة بمضمونها مع شيء من التحوير في لفظها 0أيضا تجدر الإشارة إلى أن مبنى المثل الشعبى تعرض لشىء من التحوير عبر عملية التناص .
    وإلى التحريض خرج الاستفهام في قول خليل عبد النبي مخاطبا أمين سالم:" وما يمنعك من إطلاق رغباتك ؟.... " ( 98 ) ؛ فالمستفهم لا يريد أن يعرف من أمين سالم أسباب عدم تحقق رغباته، بل يحرضه على الانتفاع بما طرأ على المعتقل من تغيير كان من ثماره أن" اختفت طوابير العمل، وطقوس التعذيب، ولحظات الخوف والقلق والتوتر" ( 99 ) وهى تغييرات تهييء للمستفهم منه " أمين سالم" أن يطلق لرغباته العنـان دون خوف، وتجعل الاستفهام أدل على التحريض منه على طلب المعرفة0
    وإلى الاستمالة خرج الاستفهام في قول المأمور: " كيف حالك يا حلمي عزت" (100 ) ؛ ذلك أن حال المستفهم منه لا يعنى المستفهم " المأمور" في شيء، وإنما أراد المستفهم أن يستميل حلمي عزت؛ ليعرف منه اسم الذى حرض النزلاء على الصراخ، ولولا هذا الهدف لما استدعاه إلى مكتبه بداهة، ولما دعاه إلى الجلوس على المقعد بدلا من الجلوس على الأرض. هنا تجدر الإشارة إلى دور السياق في تعزيز دلالة الاستفهام الآنف على الاستمالة، وهذا الدور يتضح بجلاء عند نزع التركيب من سياقه والاكتفاء بالنظر إلى السؤال والجواب، ففي هذه الحال يبقى الاستفهام حبيس دلالته الوضعية على طلب العلم بما هو مجهول للسائل ، وهى دلالة مجردة من الاستمالة.
    ومن أساليب الاستفهام ما لا يمكن حمله على دلالته الحقيقية. وأي حقيقة يمكن أن نحمل عليها تساؤل نزلاء عنبر ثلاثة:" ماذا يفيد الغنم إذا فقدت راعيها؟ "( 101 ) ونحن نعلم أنه ليس فى المعتقل غنم ولا راع على التحقيق، وما الأغنام إلا كناية عن النزلاء، وما الراعي إلا كناية عن الأستاذ، وإنما أراد النزلاء بالاستفهام أن يحذروا من لا جدوى موت الأستاذ بسبب قرعة دبرت إدارة المعتقل نتيجتها سلفا.
    ومن الأساليب ما لا يمكن حمله إلا على حقيقة معناه ، كالاستفهام: " ما اسمك ؟ ( 102 ) " الذى ورد غير مرة على ألسنة المحققين .
    وتخلصت بعض أساليب الاستفهام من الأداة، واعتمدت على المقام والتنغيم، ولا غرو؛ فإن" الاختيارات الأسلوبية لا تحكمها ظواهر اللغة الخالصة فحسب، بل تحكمها كذلك محددات المقام، ونعنى بها الخصائص التي تحدد الظرف الاجتماعى- المادي socio- Physical Envelopالذي سيق في إطاره الكلام؛ سواء أكان منطوقا أم مكتوبا"0( 103 )
    ومن الاستفهام المؤسس على النغة والمقام، ما جاء في الأنموذج التالي : " ضرب وهيب تادرس كفا بكف، وقال في غضب :
    - ها هي المشكلة الحقيقية" أمين سالم مذنب أم بريء " ( 104 )
    فقد حذف الكاتب أداة الاستفهام من صدارة الجملة مستعيضا عنها بالسياق والنغمة الصوتية الصاعدة التي تفيد الاستفهام، مجاريا في ذلك الاستعمال اللغوي المعاصر، الذي ألف الاستفهام بالنغمة الصوتية عوضا عن الاستفهام بأحد أدوات الاستفهام التقليدية.( 105 )
    ويعتمد الكاتب على النغمة والسياق في إقامة استفهام يشف عن الرفض والحيرة، على نحو ما يلوح في الاقتباس التالي:
    " قال وهيب تادرس في نفاد صبر:
    - الأستاذ رفض كل الحلول00 فهل يشير علينا بما يراه؟
    قال :
    - رفض القرعة خطأ 0
    - والخيانة ؟ 00
    - التعلل بالخيانة خطأ00" ( 106 )
    إن جملة: " والخيانة" لم تسبقها أو تليها أداة استفهام، وإنما تستمد دلالتها الاستفهامية من نغمة المتكلم بها: " وهيب تادرس " ، ومن إشارة السارد إلى نفاد صبر وهيب تادرس، ومن الجملة الاستفهامية:" الأستاذ رفض كل الحلول00 فهل يشير علينا بما يراه0؟ "
    ومن الملاحظ أن بعض أساليب الاستفهام تكرر ذكرها على ألسنة المحققين وبعض النزلاء؛ أما ما تكرر على ألسنة المحققين فمنه:" ما هي المؤامرة؟"،( 107 )،"أين زملاؤك؟"( 108 )"أين زملاء التنظيم؟"( 109 )، وأما ما تكرر على ألسنة بعض النزلاء فمنه:" ماذا تريد منى؟ ". (109 )
    إن تكرار هذه الأساليب يتسق مع طبيعة المكان" المعتقل"، ويــوحي بإفلاس القائمين على التحقيق إذ يجعلهم بالببغاوات الــــتي تكتـــفـي بترديد ما تلقنته أشبه0
    ما أخلص إليه هو أن أسلوب الاستفهام يضاعف الإنتاج الدلالي للجملة الحوارية في الأسوار، ولو شاء الكاتب أن يعبر بالجمل الخبرية، عن المعاني التي عبر عنها بالجمل الاستفهامية، لاحتاج مئات الصفحات، مع ما يستتبع ذلك من ترهل يقلص قدرة الرواية على إغراء المتلقي العصري بالقراءة0 هذه خلاصة0
    الثانية: أن تسلط بنية الاستفهام على الحوار يعكس حرص الكاتب لا على تكثيف الجملة الحوارية فحسب، بل على جذب انتباه المتلقي، ودرء الملل عنه، وإثارة فضوله، ولا غرو؛ فالأديب" يوظف الاستفهام توظيفا فنيا للتعبير عن المعنى الذي يريد الإفضاء به، غير أنه يتوجه به غالبا إلى المتلقي لإثارة انتباهه، أو حفزه لقبول فكرة000 بطريق تخلو من المباشرة، كما أنه يستخدم للتعبير عن الذات المبدعة حين تدهش من الأشياء ولا تستطيع الحسم تجاهها، وحين تواجه بالاختيارات، وتتردد أمام الموقف باحتمالاته العديدة0" (111 )
    الثالثة : أن الأسلوب اختيـار، وانحياز الكاتب إلى أسلوب الاستفهام ينطوي على تفضيله بعض طاقات اللغة على بعضها في لحظة محددة من لحظات الاستخدام اللغوي ، ويشف عن طريقة الكاتب فى التفكير، وطبيعة انفعالاته، ونظرته إلى الأشياء وحكمه عليها0
    الرابعة : أن أكثر أدوات الاستفهام انتشارا في حوار الأسوار هي الأداة " هل " التي استخدمها محمد جبريل خمسا وخمسين مرة0 أما أقل الأدوات استخداما فهي " كم، متى " فمعدل استخدام كل أداة منهما لم يتجاوز المرة الواحدة، ولعل ضآلة وجود هاتين الأداتين راجع إلى دلالتهما الزمنية. وفى مكان خانق كالمعتقل، وبين نزلاء لم يعد يعنيهم تتابع الأيام والساعات والشهور والسنين، يصبح الاستفهام عن الزمن بالأداتين كم، متى) غير ذي جدوى.
    الأخيرة : أن الاستفهام المفضي إلى استفهام آخر، يشف حينا عن فتور الرغبة في استمرار الحوار، ويشف حينا آخر عن حيرة النزلاء وعجزهم عن تقديم إجابات لما يلقى على أسماعهم من أسئلة. وعندما يكون السؤال: "ما هي المؤامرة0؟ " ويكون الجواب:" أي مؤامرة0؟ " فإن عجز المستفهم منه عن فهم مقاصد المستفهم وعن تقديم إجابة شافية عن الاستفهام ، وكذلك استخفافه بالمستفهم ، كل هذا يشكل جملة الناتج الدلالي الذي يوحى به التركيب0
    5- الخاتمة والنتائج:
    يمكنني في نهاية هذا البحث أن أوجز، فيما يلي، أهم ما توصلت إليه من نتائج:
    أولا- نتائج تتصل بالمؤلف :
    1- يؤمن محمد جبريل بالتراسل بين الفنون؛ بدليل استفادته بعدد من التقنيات السينمائية، كالسيناريو،القطع والوصل،الفلاش باك0وكذلك استفادته بالحوار وهو- في الأصل- تقنية مسرحية أكثر من الاعتماد عليها ، حتى إن مقاطع حوارية عديدة غدت بالسيناريو المعد لأحد أفلام السينما أو العروض المسرحية أشبه .
    2- تأثر محمد جبريل، في استهلال الأسوار، بأحد تقاليد كتاب المسرح، وهو بدء الأحداث من نقطة تأزمها، وكانت نقطة التأزم التي انطلقت منها الأحداث مركبة من عنصرين: أحدهما معرفة الخائن"حلمي عزت" وبواعثه على الخيانة، ولماذا استهدف بخيانته الأستاذ دون غيره من النزلاء 0 ؟
    والآخر:هو تنازع رغبات النزلاء حول تنفيذ نتيجة القرعة المشكوك في نزاهتها، أو إعادة إجراء قرعة نزيهة بغض النظر عمن تصيب بنتيجتها، وهو تنازع بالغ الضراوة؛ لأنه لا يعدو كونه تنازعا حول الإقدام على الموت أو الفرار منه إلى الحياة 0
    (القسم الأخير)
    ثانيا- نتائج تتصل بالنص:
    1- يأتي الاستهلال في الأسوار مباينا لمألوف الاستهلال في السرد الروائي العربي حتى أوائل السبعينيات . إنه بدون أية تمهيدات سردية ، يجد القارىء نفسه أمام خمسة اقتباسات، ومقطع حواري يناقش أزمة متفاقمة بسبب خيانة لا يعلم من أمرها شيئا .
    2- إن المباينة تمتد إلى مناطق عديدة من الأسوار ، كتلك المناطق التى يشتبك فيها السرد بالحوار، أو الحوار بالمناجاة والمنولوج . هذا إلى أشكال التناص المتعددة،كالاستدعاء بالاسم :"كامي"،والاستدعاء بالقول : "الدين أفيون الشعوب"، وتوظيف الأمثال الشعبية بعد تحويرها:"وماذا لو كفت الإدارة على الخبر ماجورا؟ " أواستخدامها كما تجري على ألسنة العوام :" اللي مكتوب ع الجبين،لازم تشوفه العين" إلى غير ذلك من أشكال التناص التي تجعل الأسوار إحدى طلائع الروايات العربية المنفتحة على غيرها من النصوص .
    3- وقد خلخلت الأسوار الثنائية التقليدية التي تقسم الشخصيات إلى شخصية رئيسة تستأثر بكل الأضواء - تبنى ألان روب جرييه وناتالى ساروط وكلود سيمون وميشال بوتور ، الدعوة إلى موت البطل وتوزيع الأضواء ، التى كان يستأثر بها فى الرواية التقليدية ، على بقية الشخصيات - وشخصيات ثانوية مجندة لخدمة البطل؛فليس للأستاذ- برغم تأثيره الحاسم- ثمة امتياز على غيره من الشخصيات،بل إنه أقلهم كلاما0
    وبرغم كثرة شخصيات الرواية ، فإن شخصية لم تنسخ أخرى ،وقلما نجد شخصية غير نامية ، بل إن نمو شخصيات مثل مجاهد الغزالي وحلمي عزت كان بالانقلاب المسرحي أشبه .
    4- وهناك ثمة تشابه بين مثالية الأستاذ فى الأسوار و مثالية " الأب جوريو " عند بلزاك . كما أن طالب الطب " وهيب تادرس " فى الأسوار يحمل من الضمير الحى وشجاعة المواجهة ما يذكرنا بطالب الطب " بيونشون " فى رواية " الأب جوريو " .
    5- إن رائحة الوجودية تفوح فى أرجاء الأسوار؛ فعيش النزلاء في خطر،وارتقابهم الموت،وتطلعهم إلى الحرية ، واستعدادهم للتضحية من أجلها ، والوعي الذي أنطق الصامتين وأسقط الممنوعات التى فرضتها إدارة المعتقل ، كل أولئك من روائح الوجودية0
    6- هناك سمتان أسلوبيتان تميزان الجمل الحوارية فى الأسوار ، إحداهما : نزوع الجمل إلى القصر ، والأخرى : غلبة أساليب الاستفهام. وكلتا السمتين تعبر عن ضيق الشخوص بالمكان وذهولهم من هول ما يقع حولهم . وقد خرجت أكثر أساليب الاستفهام إلى فضاءات دلالية بعيدة عن استخداماتها الحقيقية .
    ثالثا : نتائج تتصل بالقارئ :
    1- إن القارئ العادى يضطر،منذ العتبات الأولى للأسوار ،إلى التخلى عن الكثير من التقاليد التى تربى عليها فى قراءة النصوص السردية، وخاصة بعد تقليص مهام السارد ، وتناقص العون الذى طالما قدمه إلى قراء الرواية التقليدية .
    2- ثمة وظائف جديدة يقوم بها قارئ الأسوار ، مثل تقدير المحذوف من عناصر الجملة الحوارية ، ومعرفة المتكلم من كلامه فيما جاء من الجمل غير مسبوق باسم المتكلم ، والفصل بين الكلام المنطوق والكلام الصامت ، بين الحقيقى من الاستفهام والمجازى ، بين الاستفهام بالنغمة والاستفهام بالأداة .
    3- إن أشكال التناص ، فى الأسوار ، تفرض على القارئ أن يتسلح بثقافة غير تقليدية ؛ ليعرف مغزى انفتاح الرواية على غيرها من النصوص ، ومغزى استدعاء شخصيات مثل " كامى " . ولو اكتفى القارئ العادى بثقافته التقليدية فلن يكون بوسعه - مثلا - الاستدلال بمقولة " الدين أفيون الشعوب " على ماركسية المتحدث بها " سلامة القاضى " .
    الهوامش:
    (85) الأسوار ، ص 26 .
    (86) الأسوار ، ص 63 .
    (87) الأسوار ، ص 52 .
    (88) السابق ، ص 23 .
    (89) الأسوار ، ص 54 .
    (90) السابق ، ص 76 .
    (91) نفسه ، ص 75 .
    (92) الأسوار ، ص 97 .
    (93) السابق ، ص 36 .
    (94) نفسه ، ص 36 .
    (95) نفسه ، ص 122 .
    (96) نفسه ، ص 48 .
    (97) الأسوار ، ص 47 .
    (98) الأسوار ، ص 96 .
    (99) السابق ، ص 94 .
    (100) نفسه ، ص 80 .
    (101) الأسوار ، ص 99 .
    (102) السابق ، ص 38 . وانظر نماذج أخرى للاستفهام الحقيقى ، ص 54 ، 64، 83.
    (103) د. سعد مصلوح ، فى النص الأدبى " دراسات أسلوبية إحصائية " ص 36 : 37 ، ط: الثالثة ، عالم الكتاب ، القاهرة ، 1422 هـ : 2001 م .
    (104) الأسوار ، ص 23 .
    (105) انظر، د. يوسف أبو العدوس ، همزة الاستفهام بين المفهومين النحوى والبلاغى ، مجلة مؤتة للبحوث والدراسات، المجلد الثانى، العدد الثانى ، كانون الأول ،1987، ص 170 : 171.
    (106) الأسوار ، ص 7 .
    (107) تكرر فى الأسوار ، ص 64 ، 83 .
    (108) تكرر فى الأسوار ، ص 83 ، 85 .
    (109) تكرر فى الأسوار ، ص 65 ، 84 .
    (110) تكرر فى الأسوار ، ص 84 .
    (111) انظر ، د. عبد الفتاح عثمان ، الأسلوب القصصى عند يحيى حقى ، ص 205 : 206 ، مكتبة الشباب ، القاهرة ، 1990 م .
    المصادر والمراجع والدوريات
    أولا – المصادر والمراجع :
    1 – ابن يعيش :
    شرح المفصل ، ط : عالم الكتاب ، بيروت ، د-ت .
    2 – أنجيل بطرس سمعان " الدكتورة " :
    دراسات فى الرواية العربية ، ط : الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 1987 م .
    3 – حامد أبو أحمد " الدكتور " :
    مسيرة الرواية فى مصر ، ط : الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2000 م .
    4 – رشاد رشدى " الدكتور " :
    فن كتابة المسرحية ، ط : الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 1998 م .
    5 – روبرت همفرى :
    تيار الوعى فى الرواية الحديثة ، ترجمة : د. محمود الربيعى ، ط : الثانية، دار المعارف ، القاهرة ، 1975 م .
    6 - رينيه ويلك – أوستن وارين :
    نظرية الأدب ، ترجمة : د. محيي الدين صبحى ، ط : المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، 1987 م .
    7 – سعد مصلوح " الدكتور " :
    فى النص الأدبى " دراسات أسلوبية إحصائية " ، ط : الثالثة ، عالم الكتاب، القاهرة ، 1422 هـ - 2001 م .
    8 – شعيب حليفى :
    شعرية الرواية الفانتاستيكية ، ط : المجلس الأعلى للثقافة ، القاهرة ، 1997 م .
    9 – صلاح فضل " الدكتور " :
    منهج الواقعية فى الإبداع الأدبى ، ط : الثالثة ، دار الآفاق الجديدة ، بيروت ، 1406 هـ - 1986 م .
    10 – طه وادى " الدكتور " :
    دراسات فى نقد الرواية ، ط : الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة ، 1989 م .
    11 – عبد الفتاح عثمان " الدكتور " :
    الأسلوب القصصي عند يحيى حقي ، ط: مكتبة الشباب، القاهرة، 1990م .
    12ـ عبد الفتاح عثمان"الدكتور":
    بناء الرواية ، ط : مكتبة الشباب ، القاهرة ، د ـ ت.
    13ـ عبد المحسن طه بدر" الدكتور":
    نجيب محفوظ : الرؤية والأداة، ط: دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة، د ـ ت.
    14ـ عبد الملك مرتاض"الدكتور":
    في نظرية الرواية، سلسلة عالم المعرفة، العدد"240"، الكويت، شعبان 1419هـ ـ 1998م.
    15- محمد جبريل :
    الأسوار " لحظات مصيرية " ط : الأولى ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 1973 م .
    16ـ محمد يوسف نجم" الدكتور":
    فن القصة، ط: الأولى، دار صادر، بيروت ، دار الشرق، عمان، 1996م.
    17ـ نبيل راغب" الدكتور":
    موسوعة الإبداع الأدبي،ط: الأولى، لونجمان، 1996م.
    18- نبيلة إبراهيم " الدكتورة " :
    فن القص فى النظرية والتطبيق ، ط : مكتبة غريب ، القاهرة، د- ت .
    ثانيا- المراجع الأجنبية :
    19- J. Milton Cowan, Hans , Wehr. Macdonald and Evans Ltd , London , 3 rd Ed . 1980
    20 -Roger Caillois , G. Gruneaun : le Reve et les sociètès humaines , Gallimard , 1967 .
    ثالثاـ الدوريات :
    21ـ حميد لحمدانى :
    عتبات النص السردي، مجلة علامات، دورية يصدرها النادي الأدبي الثقافي بجدة، العدد 12، شوال 1423هـ ـ ديسمبر 2002م.
    22ـ طه محمود طه" الدكتور":
    القصة في الأدب الإنجليزي ، مجلة القصة، السنة الأولى، العدد الثاني، القاهرة، فبراير 1964م.
    23ـ فرانسوا مورياك :
    الروائي وأشخاص روايته، ترجمة:عادل الغضبان، مجلة الكتاب، ديسمبر 1952م.
    24ـ يوسف أبو العدوس"الدكتور":
    همزة الاستفهام بين المفهومين اللغوي والبلاغي، مجلة مؤتة للبحوث والدراسات، المجلد الثاني، العدد الثاني، كانون الأول 1987م.
    (انتهت الدراسة)

  7. #7
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صابرين الصباغ مشاهدة المشاركة
    ماشاء الله
    دكتور حسين جهد يستحق التصفيق
    وأديب كبير وروائي يستحق هذا الجهد
    الكاتب السكندري الكبير
    الاستاذ محمد جبريل
    الصديق العزيز انتهيت منذ أيام قلائل من قراءة روايته الرائعة
    (( حارة اليهود ))
    وهى حارة سكندرية لها تاريخ خاص جدا بها
    اديب يستحق القراءة للتعلم من إبداعه
    دمت مبدعا
    مودتي واحترامي دكتور
    شكراً للأديبة القاصة المبدعة الأستاذة صابرين الصباغ، على هذا التعليق الجميل، مع موداتي

المواضيع المتشابهه

  1. "البائـس" ...قراءة نقدية تحليلية فى قصة "الانتقام الرهيب " للأديب : محمد نديم
    بواسطة د. نجلاء طمان في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 07-07-2022, 11:34 PM
  2. رؤية نقدية لقصة " البديل المؤقت " لمحمد فطومى
    بواسطة هشام النجار في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 15-08-2015, 05:25 PM
  3. قراءة في قصيدة " من أدب الحكمة " لمحمد السديري
    بواسطة د.مصطفى عطية جمعة في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 17-09-2007, 09:54 PM
  4. قراءة نقدية في رواية قلاع ضامرة للأديب السوري عبد الرحمن حلاق
    بواسطة د.مصطفى عطية جمعة في المنتدى قِرَاءَةٌ فِي كِتَابٍ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 04-03-2007, 09:09 PM
  5. قراءة في رواية «المينا الشرقية» لمحمد جبريل
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 09-05-2006, 11:05 PM