أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: حب يتسكع خارج البيت

  1. #1
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Jun 2016
    المشاركات : 30
    المواضيع : 6
    الردود : 30
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي حب يتسكع خارج البيت

    حب يتسكع خارج البيت



    اصطحبها بعد أن أقنعها أن لا حل غير هذه الطريقة، و هو يعدها بتكرار الفعلة إن نجحت خطته ، أراد أن يفر بها ليوم أو بعضه، بعيدا عن المدينة التي رفضتهم، فالعلمة مدينة تتعقب الحب و تطارد الطيور، هي تماما مركز بوليسي يمارس الرقابة على القلوب، يخنق الأعناق و يجثم صخبها على صدرك.
    رغم عدم اقتناعها باديء الأمر بخطته الغريبة و المحفوفة بالمخاطر، إلا أنها رضخت للمشاعر التي تنتابها، و استسلمت للحيوان الذي يسكنها، هذا الحيوان الذي تحسه يكاد يتمرد عليها و قد يفتك بها، كل يوم تنهش الأحاسيس صدرها و هي تنتظر لحظة تنفرد فيها به، وقت مستقطع من الحياة، بعيدا عن الجدران الأربعة، و قد بدا الأمر مثل الأفلام الهندية.
    أشار لسائق التاكسي بالتوقف بجانب الطريق، على مقربة من الغابة.
    -رقم هاتفك عندي، عندما أعيد الاتصال بك لا تتأخر في القدوم لتعيدنا.
    -سأكون بانتظار اتصالك سيدي.
    أمسكها من خصرها حيث كانت الغابة تلتقط أنفاسها، ، و تتربص بنبض القلب الذي كان يسارع بالخطو نحو الغابة، بخطوات بطيئة تخللتها بعض القبل و بعض عبارات الحب؛ التي كثيرا ما انسلت منه في شكل بخار يشبه الابتسامات و أحيانا جمل مشفرة. دلف بها نحو زاوية من الطبيعة الأولى.
    ثم بحركة رشيقة و بشقاوة شيخ بلغ الخمسين خيبة، التقطها بين ذراعيه و هو ينهش عينيها، تناولها كفريسة تتمتع بافتراسها، تنتظر أن يغرس شفتيه في فمها بقوة و هي تئن شوقا لزمن تحبه خارج التوقيت، لا تريد للساعة أن تستطرد في وظيفتها الرتيبة، تريد للوقت أن يصاب بالزكام؛ فيستريح و يأخذ إجازة مرضية، ليهملهما قليلا، ليترك لهما مساحة كافية للعبث، للطيش، للحب. تريد للجاذبية أن تصاب بالعطب، ليتحررا، فيخرجا من دائرة الوجود قليلا.
    لم يكن بيد الأشجار إلا دعوة العصافير لحفلة تبدو صاخبة، كذلك الشمس، التي استيقظت على خطتهما، و من لحظتها و هي تترصدهم، و تترقب انفراده بها، و رغم كثافة الأشجار إلا أنها استطاعت أن تنفذ إليهم؛ فترسم تعابير و تفاصيل أجسامهم على الأرض، تفاقمت حرارة الجو، و تقلصت المسافة بينهما فغدت قاب قوسين من النار.
    -كم اشتقت لرائحة العرق التي تملأ رقبتك.
    قالها و هو يطارد نقطة عرق تتدحرج على جسدها، مرر يديه على شعرها الذي مشطه الريح. و هي تلفظ الشوق تنهدات لغوية:
    -و لكم اشتقت للدغات شاربك، و كأنها حقن مخدرة.
    و استسلمت تماما لبحة صوته، لقوة ذراعيه و إن كانت مختلطة بالارتعاش و الرجفة، عزت ذلك للهواء البارد قليلا، سافرت في رائحة دخان السجائر العالق بمعطفه، و هو يلتهم الصمت الذي كان يحتضنهما، يقلص المسافة بينهما، بعناق يتمناه طويلا، يريده قيدا يشبه العبودية لرائحة جسدها.
    أحسا ببعض الحركات تقترب منهما، سارع بسرعة نحو مصدر الضوضاء، و هو يهمس لها:
    -لا تخافي دونك الموت حبيبتي.
    انطلق صوت صفارة سيارة الدرك الوطني، ليندس للغابة نحوهم و بسرعة دركيان، اتجه نحوهما قبل الوصول إليهما، و هو يصيح بوجههما:
    -انتظرا حتى ترتدي ملابسها و بعدها افعلا ما يحلو لكما.
    اقتادهما الدركيان نحو مركز الدرك، و صفارة السيارة تعوي و كأنها تشي بهما، ربما هو الفرح بصيد ثمين و ذبح عظيم. نظر نحوهما أحد رجالف الأمن و هو يرشق العجوز بنظرة لوم و سب:
    -ماشي عيب عليك، الشيوخ اللي مثلك راحوا حجو.
    -الحج خليتو لصحابك.
    في مركز الدرك كان قائد المركز ينظر لوجههما و هو يبتسم سخرية و اشمئزازا منهما:
    -سبحان الله، كيف استطعت أن تفعل هذا؟، ألا تستحيان من عملكما هذا، و كأنكما مراهقان تهربان بحبكما بعيدا عن الناس. أتعرف أن هذا إخلال بالأدب العام؟.
    طأطأ الشيخ رأسه، لتنفلت دمعة أحرقت قلبه، ثم تناول من جيبه بعض الأوراق و هو يتحدث بنبرة سخط ابتلعته حشرجة البكاء و صوت صدئ ينبعث من حنجرته الملتهبة.
    - إسمع بني، هذه المرأة هي زوجتي، و هاك دفتر العائلة و بطاقتينا. حضرات القائد، البيت الذي أملكه مكون من غرفة واحدة، مع أربع فتيات و ولدين، حتى النوم نتناوب فيه، فأين يمكنني أن أمارس الحب، إلا الهرب به نحو الغابة.

    العلمة: مدينة جزائرية تبعد عن العاصمة حوالي 330 كام

  2. #2
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,113
    المواضيع : 317
    الردود : 21113
    المعدل اليومي : 4.95

    افتراضي

    سرد رائع ـ تتضافر فيه عبارات الوصف مع التصوير البديع وبحبكة محكمة
    لتأخذنا وتفكيرنا لنستهجن الأحداث بلغة مشوقة متماسكة وبأسلوب نفسي
    وفلسفي ـ لتصفعنا بالنهاية الصادمة في النهاية.
    الفكرة ممتازة ـ طرحت الكثير بأسلوب ملئ بالأثارة..
    لتكون النهاية المبكية المضحكة.
    دمت وحرفك المتمكن الباهر
    ولك تحياتي وتقديري. نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,786
    المواضيع : 391
    الردود : 23786
    المعدل اليومي : 4.14

    افتراضي

    بأسلوب شائق وسرد ماتع تتبعت توالي الأحداث وتفاعلت مع بطليها في انتظار لحظة الفصل لأصطدم بما دفعهم للتسكع بحبهم بعيدا لتكون المآساه
    هنا الفقر لم يدفع الحب للهروب منهما بل هربا به معا
    جاء الوصف دقيقا والخاتمة مباغتة موجعة .. استمتعت بالقراءة هنا
    دام ألقك أديبنا الفاضل
    تحية وتقدير
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #4

المواضيع المتشابهه

  1. فلهفي على حبٍّ أتاني عطاءُهُ
    بواسطة فتحي علي المنيصير في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 24-01-2007, 10:59 PM
  2. ميلاد حبّ
    بواسطة الاسطورة في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 05-09-2004, 08:34 PM
  3. حبُ الحياة ..
    بواسطة بثينة محمود في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 02-09-2004, 05:42 PM
  4. حبٌّ أبي قدرٌ عليَّ
    بواسطة زاهية في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 29-05-2004, 09:30 PM