أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: قال صديقي

  1. #1
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Jul 2006
    الدولة : مونتريال - كندا
    العمر : 64
    المشاركات : 119
    المواضيع : 13
    الردود : 119
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي قال صديقي

    سألني صديقي الجالس أمامي في الطائرة وقد بداً لي أن الملل قد بدأ ينال منه ، فقد مضت ساعات طويلة ومازلنا فوق السحاب ، سألني قائلاً هل لنا أن نتحدث لنسري عن بعضنا بدلا من انشغالك بهذا بالكتاب الذي تقرأه منذ بدأت الرحلة ؟ ابتسمت له وقلت لو عرفت العالم الذي يأخذني إليه هذا الكتاب لتمنيت مثلي ألا يقطع علي أحد استغراقي فيه. قال وأنا لم أسألك عن الكتاب الذي يبدو قديماً منذ أقلعنا محترماً استغراقك فيه الذي جعلك وكأنك انفصلت عن عالمنا إلى عالم مجهول ، غير أني لم أتبين عنواناً له فغلافه صفحة بيضاء لا كتابة عليها سوى بعض خطوط ورسوم باهتة بخط اليد لا تحمل لي معني أدركه ، فما عنوانه ؟
    لم أجب وران الصمت علينا لدقائق لم يقطعه إلا صوت صديقي الهامس: أعتذر لك فلابد أن سؤالي عن الكتاب أثار داخلك ما جعل تلك الدمعة تنساب من عينك.
    انتبهت وامتدت يدي لمنديل مسحت به ما ابتل من وجهي وقلت له: لا عليك ،إنما تذكرت عندما كنت شاباً لا أملك ثمناً لكتاب فكنت أذهب للمكتبات العامة أنهل ما أنهل من كتب فيها أروي بها ظمأ لا يعرف ارتواء للعلم والمعرفة والثقافة ، وكنت أقوم بنسخ ما يعجبني من تلك الكتب والمعارف بخط يدي ومن بينها هذا الكتاب الذي بين يدي الآن ، لم يكن التصوير متاحاً في تلك الأيام ولو كان ما كنت فعلت فلم يكن في مقدوري أن أصور نفسي حتى أصور ورقة في كتاب.
    عنوان هذا الكتاب ياصديقي هو (مختارات للمستقبل) وكتبته على الغلاف برسم يعبر عن ذلك كما كانت هي عادتي دائماً وحتى الآن ، وذلك لحبي للفنون والإبداع في شتى المجالات. ترى هنا على الغلاف الذي صنعته بيدي مجموعة من الزهور وأمامها سهم يتجه رأسه لأعلى، ذلك هو ما تخيلته ليعبر عن العنوان. جمعت في هذا الكتاب مجموعة كبيرة من شعر العرب القدماء والتي كانت لي عليها مآخذ حيث كان يراودني دائماً حلم التجديد في الشعر وهو ذلك الفن الذي توارثناه ومازال هو هو لم يتغير له شكل ولا مضمون وكأنه خاتم من الذهب يتوارثه الخلف عن السلف ، يقدسون فيه أنه كان من صنع الجد الأكبر والذي لا يمكن التفريط فيه بأي حال. كنت أحلم دائماً بيوم يرسله الغد أستطيع فيه الوصول لشكل جديد لذلك الفن البديع بما يناسب تغير الزمن والمكان والفكر والآلة التي لا تهدأ فيها طباع التغير والتحول والترقي.
    سأل مبتسماً: وهل فعلت بعد أن غادرت أحلام الشباب مع شمس الشباب ؟
    أجبت: لا، لم تغادر الأحلام وإن كان الشباب قد ولي للمغيب. لقد اكتمل تصوري للتجديد وبدأت في نشره لعلني أفلح في ذلك.
    قال: تعلم أنه ليس لي في الشعر والأدب ولكني اعرف أن هناك ما يعرف بالشعر الجديد وأشياء من هذا القبيل، غيرك قام بهذا، عن أي تجديد تتحدث إذن ؟
    ابتسمت وقلت: هذا موضوع كبير ليس لك فيه، ولكن كل محاولات التجديد على مر تاريخ الأدب والشعر لم تفلح في تغيير لأنها لم تكن منطقية أو بعيدة عن النية السليمة الخالصة وكانت تبعد عن الأسس كثيراً وتتنكر للمبادئ الثابتة ، بعضها كان معول هدم ، وبعضها كان جهلاَ أو عجزاً ، والآخر كان تافهاً. لم أقتنع بأي منها، ولكن ما توصلت إليه منذ سنوات قليلة شيء آخر.
    قال: ولماذا تفعل ذلك ؟ ليس هذا مجالك ، وهل تضيع وقتك الثمين في قضية خاسرة لا محالة ؟
    قلت: أما لماذا أفعل ذلك فأقول لكي لا أشبه من ولد وأكل وشرب ومات ولا يبق له أثر ، الواجب على كل مسلم مفكر أن يترك علماً ينتفع به في الدنيا وأن يسعي لذلك كيفما أتيح له ذلك ، وأما عن إضاعة الوقت فأنت تعرف أن أبنائي يحملون معظم الأعباء منذ تقاعدت ، وأما عن القضية فلست أرى أني سأخسرها بعون الله.
    قال: وكيف تنشر فكرك الجديد هذا ؟
    قلت: عقدت له عدة لقاءات مع أدباء معظمهم اقتنع به وأقوم حالياً بمناقشته مع شعراء الشعر القديم في البلاد العربية لهم مواقع على الشبكة.
    قال مستنكراً: شعراء الشعر القديم ؟؟! وعلى الشيكة !! كيف ستقنع هؤلاء ؟ أراك ذهبت للمكان الخطأ.
    قلت: وماذا في ذلك ؟ وأي خطأ فيه ؟
    قال: أراك بذلك وكأنك ذهبت إلى مسجد تدعو فيه المصلين إلى تغيير قبلتهم أو أن يغيروا عدد ركعات الصلاة !
    قلت: هذا تشبيه غير صحيح.
    قال: ياصديقي هذا واقع للأسف ، لعلك نسيت الفكر الذي يسيطر على عقول الشعوب العربية والذي فرض عليها لكي تخرج من أطر الزمن وتتركه للشعوب الأخرى.
    بدا على وجهي الاهتمام وقلت: ماذا تقصد ؟ أفصح.
    قال: منذ أكثر من نصف قرن بدأ حكام تلك الشعوب في تنفيذ الخطط التي تكفل استمرار أنظمتهم ، تلك الخطط التي لم تأخذ في حسابها مصلحة الشعوب من الأساس بل صالح الحاكم وما يبقيه في كرسيه مهما كان ثمن ذلك ، وكان من ضمن سبل هؤلاء الحكام سبيل سلب عقول تلك الشعوب وتجميدها وشل قدرتها على الابتكار والإبداع وشغلها دائماً بسراب لا يتحقق أبداً. وكانت أكبر جريمة اقترفوها في حق شعوبهم هي رسم السياسة التعليمية في المدارس والإعلام على أسلوب التلقي لا التفكير والتحليل ، فما يطرح عليك هو الصحيح وهو الحقيقة عليك الأخذ به وبها كما يلقى عليك وإلا الرسوب نهاية العام. إن سأل طالب لماذا هذا قيل له هو هكذا قم بحفظه ولا تسأل ولا تفكر ، وإن تجرأ على رفض معلومة أجابته العصا، كانت النصوص الأدبية تطرح للحفظ ويتم تحليلها وعليهم الإيمان بهذا التحليل كما هو فذلك هو الصحيح وليس هناك تدبر أو تغذية للإدراك. خرجت الأجيال مجبولة على التلقي وأخذ المعلومة من يد الإدارة كما هي ولم تتعود على التفكير أو التغيير أو التبديل. وكان نتيجة ذلك أن افتقروا افتقاراً جسيماً للإبداع والابتكار وصار ما درسوه مثل الكتاب المنزل، ويكون هو الصحيح وأي رأي غيره لا يستحق مناقشته من الأساس. إنه جمود الفكر القانع المقتنع بما هو فيه فذلك هو المثالي وليس هناك فكر غيره. من هنا تجد أن الشعوب الأخرى والتي تربت على الإبداع منذ الصغر أبدعت وتقدمت في الأرض وفي السماء والكواكب وصاروا يصدرون علومهم ونتاج إبداعهم للشعوب العربية الفاقدة للإبداع بالثمن الباهظ كما شاء لهم. أتقول لي إذن أنك ذاهب لهؤلاء تقنعهم بتغيير أو تعديل في أسس راسخة عندهم.
    قلت: وماذا ترى إن فعلت ؟
    قال: سيسخرون منك ويرفضونك ويفعلون بك الأفاعيل، أو يحاولون إقناعك بما في رأسهم هم ويستخفون بأي جديد تعرضه بل ويكرهونك كأنك جئت تهدم عليم بيوتهم.
    قلت: وما الحل إذن ، كيف يكون إصلاح ذلك ؟
    قال : إصلاح ! أي إصلاح ؟ لا إصلاح للأجيال الحالية التي تربت في كنف هذه التربة التعليمية. الأمل سيكون فقط إذا أتيح لأجيال جديدة أن تتعلم وفق خطط دراسية جديدة بوسائل تعليمية تحث على استعمال الفكر وتنمي القدرة على الابتكار والإبداع وإبداء الرأي، عندها فقط سيتاح المجال للتجديد والتغيير والتطوير والتقدم ، ولكن أنى لها ذلك ؟ إنها قضية سياسية في المقام الأول وليست قضية أدبية.
    نظرت من خلال نافذة بجواري فوجدت الظلام يلف كل شيء خارجها ، فعدت بهدوء وعبوس لا أخفيه إلى الكتاب الذي كنت أقرأه ، ورحت أقلب صفحاته وأنا أنظر للاشيء، وتمتمت شفتاي: بل سيسمعون ، ألست أنا مثلهم أنتمي للأجيال القديمة؟! لم فكرت في التجديد والتطوير إذن ؟!

  2. #2
    الصورة الرمزية وفاء شوكت خضر أديبة وقاصة
    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : موطن الحزن والفقد
    المشاركات : 9,734
    المواضيع : 296
    الردود : 9734
    المعدل اليومي : 1.48

    افتراضي

    الأخ الفاضل / رأفت عيسى .
    السلام عليك ورحمة الله .
    سأحاول الرد ببساطة الإنسان القارىء ، الذي يستمد العلم والفكر بلغة يتحدث بها ، وهي لغته الأم واللغة التي أنزل الله كتباه الحكيم فيها لأنه سبحانه وتعالى من علم الإنسان ما لم يعلم ، فهي لغة نزلت للعرب العجم على حد سوء ، لأنها لغة مهما صعبت على غير المتحدثين فيها إلا أن تعلمها بات سهلا عليهم .
    أخي الفاضل ، عصر الكمبيوتر ، وعصر السرعة المجنونة الذي صار إليه مآلنا ، لا يتيح لأي قارىء أن يبحث عن كتاب المنجد ومختار الصحاح ليفتش عن معاني مفردات يحتاجها ليفهم النص ، فما بالك أن القراءة باتت محصورة على جهزة الحاسوب حتى بيع الكتب وشراءها ، فلم يعد يرتاد المكتبات إلا طلبة الجامعات غالبا ، للبحث عن ما يلزم ما يقومون به من بحوث ، كما أود أن أزيدك بمعلومة ، أن الغالبية باتت تدفع ثمن البحث ، تبتاعه كما تبتاع الوجبة السريعة الجاهزة .
    لا نعترض على التغيير والتحديث ، ولكن بما يناسب العصر ، فلن تجد من يمسك برقعة خطت عليها قصيدة ومعها رقعة أخرى فيها جدول الضرب ، ليبحث عن مفردات صعب عليه فهمها ، وليس لأن أفقه ضيق ولكن لأن اللغة هي وسيلة التعبير .
    هل يصح أن أقول لوالدي تعبيرا عن مشاعري .. فأرة امتشقت عرش قلبي ، فبت صريح همس الصراصير ، أو ما شابه ، وأشرح له نظرية الشعر الحديث المبتكر ، ليمتد بنا النقاش والجدل حتى ليكاد يغمد سكينا في قلبي .
    أستاذي لعلنا في الشعر الحديث نكسر قافية ، نخلخل البحور ، ولكن أن نغير المنطق والمفردات والصور والتشبيه بصورة تعجز العقل فهذا مستحيل .
    اللغة العربية بكل فورع الأدب فيها ، تتميز بالنغم والصورة وجمال المفردات ، فلم تسعى لتغييرها ، والتغيير فيها يلزم للغة جديدة يتحدث فيها الناس ، التبسط في أسلوب الكتابة يوصل الفكرة بصورة أسهل وأسرع للمتلقي ، وهذه هي الغاية لنشر الوعي والثقافة بين الناس ، لمعالجة مشاكل ، وبث قيم جديدة بينهم تصلح ما فسد في هذا الزمن المنفتح على كل ما هو خبيث ، إضافة إلى أن الغالبية العظمى باتت تتجه للمدارس الأجنبية والذي أثر تأثيرا سلبيا على اللغة وعلى أدابها .
    البساطة في اختيار المفردات والعمق في المعنى هو ما يجعل القصيدة أقرب للعقول والنفوس .
    أخي الفاضل ، أكثر الأدباء شهرة وأوسع انتشارا هم من خاطبو عقل الإنسان بلغته السهلة المفهومة وليس من صعب المفردات ، بل خاطبم بلسانهم ومشاعرهم وعرف معاناتهم ،
    وجهة نظر فقط ليس أكثر ، ولكني أتمنى أن أفهم أسس مدرستك الجديدة ، فالعلم ينفع ولا يضر .
    نزار قباني نجح بسهولة وسلاسة شعره ، وكثير غيره ممن كتبوا الشعر الحديث ، وليس بالأحاجي والطلاسم .
    احترامي لك ولوجهة نظرك .
    تحياتي .
    //عندما تشتد المواقف الأشداء هم المستمرون//

  3. #3
    الصورة الرمزية محمد إبراهيم الحريري شاعر
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    المشاركات : 6,296
    المواضيع : 181
    الردود : 6296
    المعدل اليومي : 0.95

    افتراضي

    الأخ رافت عيسى تحية لك ـ
    من نافلة القول أن نرعى باهتمام اي فكرة تجدد نسغ الحياة وتعيد ملاحة الصبا على محيا لغة وتضخ دم الانبعاث من تحت رماد التخلف عنقاء الفكر .
    ما قرأته أخي لم يكن إلا انبهارا بلغة استعصمت بيقين الخلود فمدت سواعدها لتحضن العلوم جديدة وقديمة وتترجم مشاعر أمة على صفحات المجد والعزة أدبا وعلوم لغة وتشريع بيان .
    أخي لا اطيل عليك إن استطعت أن تجدد ضمن مشروعية الفكر لا أن تكون شطحات صوفية خيال .
    سنرى فكرك واين يتجه ونحن نراقب لا شماتة ظن بل ترقب ما سيجري
    أخوك محمد
    كان بودي أن اطيل لكن الظروف تحكم اكثر من الواقع التصوري
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #4
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Jul 2006
    الدولة : مونتريال - كندا
    العمر : 64
    المشاركات : 119
    المواضيع : 13
    الردود : 119
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    لا تستبقا الأمور
    سأنتظر معكما ما تتمخض عنه المناظرة
    والله المعين

المواضيع المتشابهه

  1. قال حب قال...
    بواسطة ريمة الخاني في المنتدى أَدَبُ العَامِيَّة العَرَبِيَّةِ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 03-08-2008, 10:40 AM
  2. صديقي المناضل (جيفارا)...هذه الدنيا !!
    بواسطة يوسف الحربي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 01-11-2005, 05:47 PM
  3. المعرفة يا صديقي ... حزن ..
    بواسطة يوسف الحربي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 09-12-2004, 02:05 AM
  4. إهداء الى صديقي الأندلسي ...وجميع الحداثيين ..
    بواسطة يوسف الحربي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 29-02-2004, 04:25 PM
  5. عدو عدوي ليس بالضرورة صديقي
    بواسطة علي قسورة الإبراهيمي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 25-01-2003, 10:26 PM