أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: فى السابعة إلا الربع تقريبا

  1. #1
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Oct 2008
    العمر : 57
    المشاركات : 25
    المواضيع : 7
    الردود : 25
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي فى السابعة إلا الربع تقريبا

    فى السابعة إلا الربع تقريبا


    العربى عبدالوهاب


    حين كانت برودة الصباح تغزو الأوصال وتفيق البيوت من نعاسها الليلى كان سائقو العربات وعاملو المزلقانات ورجال المرور يهشون النوم عن أحداقهم ويفتحون بصعوبة طريقا لهم وسط الشبورة الكاسية .
    لم يذكر بالضبط متى بدأت عيناه ترقبان عقارب الساعة وهو يحاول الانفلات من إسارها، ثم يجد نفسه فى الشارع مقتربا من الناصية فى السابعة إلا الربع تقريبا، حين تحاذيه عابرة باتجاه الطريق العام، حيث تلتقط العربات تلك التجمعات الصباحية الصغيرة وتفر الى مدينة العاشر الصناعية كالعادة .
    على غير وجهتها كان يسير قاصدا إحدى المصالح الحكومية، حين تدب بخطوها الوثاب نازلة سلم البيت، يكون هو قد استقبل برودة الشتاء وتكون هى قد ودعت حلاوة النوم ولملت جسدها المنغوم فى حيز الجيب الأسود المحبوك على تلك التفاصيل متلاقيا مع بلوزة بيضاء من الموهير، يترجرج الجسد إثر تعجل القدمين اللتين تتركان للحذاء فرصة عزف الإيقاع . .
    كان يستكمل معها الإيقاع .
    يوازن بين تعجله وبين وصوله للناصية . حين يمـر كل منهما بجوار الآخر مانحا للحياة ابتسامه دافئة، ويمضى فى طريقه؛
    فى ذلك الوقت يصحو ـ هناك ـ الخفير مودعا زوجته وعياله الذين يهشون لمقدمه فى الحلم، يصحو على وجه موظف الأمن بصرامته المعهودة، فينهض ليعد شاى الصباح فى تكاسل، فاتحا البوابة الكبيرة للمصنع، فى انتظار القادمين لوردية النهار .

    ربما بعد ساعة تقريبا من إيقاظ الخفير تدب الحركة وتطلع الوجوه الليلية متعجلة، تمنى نفسها بالركون إلى دفء العربات، تعبر وجوه النهار البشوشة، يتبادلون التحية محاولين بعث روح الحياة فوق ملامحهم المتعبة .
    الآن يجلس الخفير القرفصاء حول السخان، وسط كشك الأمن الزجاجى فى انتظار الشاى أن يدخل فى الغليان . . يتبادل بضع كلمات فاترة مع موظف الأمن المنشغل بانفلاق أول خيط للنهار من رحم الأمس .
    ويهاتف رئيس الأمن ـ النائم الآن ـ كى يستعد للنزول ويشرب الشاى .

    قبل أيام كان الشاب يحاول أن يستوقفها عند الناصية فى السابعة إلا الربع تقريبا، لكنها ارتبكت وسقط منها الكارت الذى يحمل صورته الشخصية وهو يتجول وحيدا . . ولما ارتبكت، ولم تلتفت إلا لعينيه الحالمتين .أصابه الخرس ثم فر هاربا كمن خدش حياء الشارع، فقرر أن يطرق البيوت من أبوابها . . أصابع يدها اليسرى كانت دوما محتمية بالجيب، واليمنى بعيدة عنه بحكم مجيئه عن يسارها . . قال لنفسه " ربما يكون ارتباكها مرجعه إلى تجاوزه إطار المصادفة .
    هل كانت حيرته ترجع إلى الإحساس الحقيقى أم للعادة ؟!! "

    بعدما ترحل الشبورة عن مناطق المدينة الصناعية،مخلفة أشعة الشمس التى تلاطف أعين السائقين أمام المصانع، فيرسل كل واحد ـ منهم ومنهن ـ عينيه ملوحا، واعدا نفسه بقضاء إجازة الأسبوع فى أحضانها .إذا لم يكن مضطرا إلى التطبيق .

    فى تمام الثانية عشرة تقريبا . .يرفس البـك غطاءه الدافئ ويهبط متكاسلا درجات السلم الداخلى، واصلا إلى حجرة الطعام، بعدما يكون قد قطع مسافة طويلة داخل الهول . . .ثم يرتدى على مهل ملابسه الأنيقة جدا .

    ويقود سيارته الحديثة جدا .
    ويخطو نحو الحياة بقلب من حديد .

    تغيبت بعد محاولة إعطائها الكارت بيوم واحد، وفى السابعة إلا الربع صباحا لام نفسه لأنه ترك الكارت على الأرض وفر خجلان آسفا. كما همس لنفسه أن يغير الشارع . . صحيح أنه حاول أن يهشم حاجز الخجل ويسألها، أن تفلت يدها اليسرى من الجيب، وتغيبت وأصر أن يكون ابنا حقيقا للبلادة،ولم يفلح .

    قال الخفير وهو يدلى بشهادته : كان البك فى طريقه الصحيح حين فتح له بوابة المصنع . . وأنه شاهدها تتمايل بخطواتها على الإسفلت؛ وقال موظف الأمن كانت قد ختمت منى إذنا بالخروج للتأمين الصحى، ومرقت من البوابة الصغيرة للمصنع سائرة على الطوار حين سمعنا أنا والخفير فرامل سيارة البك وارتج سور المصنع من شدة الارتطام وأضاف بجلد ولم تكن البوابة الكبيرة مفتوحة ولم أسمع زامرة السيارة .
    قال أحد المارة وقال الخفير وموظف الأمن ـ الذى رفت بعد يومين تماما ـ أنها كانت تبتسم ويدها اليسرى مطروحة فوق محتويات حقيبتها وأسفل اليد كارت قديم مضرج بدمائها . .وتاهت ملامحه .

  2. #2
    الصورة الرمزية مازن لبابيدي شاعر
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Mar 2008
    الدولة : أبو ظبي
    العمر : 64
    المشاركات : 8,888
    المواضيع : 157
    الردود : 8888
    المعدل اليومي : 1.51

    افتراضي

    أخي العربي عبد الوهاب
    قصة رائعة ، تشد القارئ في حبكة مشوقة
    أردت منذ البداية تقريباً أن أربط بين الخطين الذين سارت عليهما الأحداث لأجدها في خاتمة موفقة .
    تقبل تحيتي وتقديري
    يا شام إني والأقدار مبرمة /// ما لي سواك قبيل الموت منقلب

  3. #3
    الصورة الرمزية د. نجلاء طمان أديبة وناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : في عالمٍ آخر... لا أستطيع التعبير عنه
    المشاركات : 4,224
    المواضيع : 71
    الردود : 4224
    المعدل اليومي : 0.68

    افتراضي

    رائعة !

    منذ بدء الحبك وحتى الخاتمة استطاع القاص ببراعة التوغل في جوانيات وبرانيات الشخوص. المحور الزمكاني ؛ تحكم فيه القاص باقتدار وسار بذات المقدرة في تكنيك القطع المتوازي بين الشخوص الأبطال وحالاتهم الاجتماعية؛ مفرزًا الوضع من جهة واحدة - وهي جهة المتلقي- كاملًا مكتملًا. الخيط الحبكي كان مشدودًا, لكن السرد الوصفي طغى هنا بما لا يستحسن في القص القصير على حين يكون مفضلًا وبشدة في الرواية, أيضًا النهاية كانت موفقة لكن, كان الأفضل لو انتهت عند: " وأسفل اليد كارت قديم مضرج بدمائها".

    تقديري لقلم مبشر في القص
    الناس أمواتٌ نيامٌ.. إذا ماتوا انتبهوا !!!

  4. #4
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Oct 2008
    العمر : 57
    المشاركات : 25
    المواضيع : 7
    الردود : 25
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مازن لبابيدي مشاهدة المشاركة
    أخي العربي عبد الوهاب
    قصة رائعة ، تشد القارئ في حبكة مشوقة
    أردت منذ البداية تقريباً أن أربط بين الخطين الذين سارت عليهما الأحداث لأجدها في خاتمة موفقة .
    تقبل تحيتي وتقديري
    الشاعر الدكتور / مازن لبابيدى
    سعيد بمرورك واهتمامك بالنص
    وتعقيبك الدال على شاعر مرهف
    وقارئ حصيف متميز
    شكرا يا سيدى

  5. #5
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Oct 2008
    العمر : 57
    المشاركات : 25
    المواضيع : 7
    الردود : 25
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. نجلاء طمان مشاهدة المشاركة
    رائعة !

    منذ بدء الحبك وحتى الخاتمة استطاع القاص ببراعة التوغل في جوانيات وبرانيات الشخوص. المحور الزمكاني ؛ تحكم فيه القاص باقتدار وسار بذات المقدرة في تكنيك القطع المتوازي بين الشخوص الأبطال وحالاتهم الاجتماعية؛ مفرزًا الوضع من جهة واحدة - وهي جهة المتلقي- كاملًا مكتملًا. الخيط الحبكي كان مشدودًا, لكن السرد الوصفي طغى هنا بما لا يستحسن في القص القصير على حين يكون مفضلًا وبشدة في الرواية, أيضًا النهاية كانت موفقة لكن, كان الأفضل لو انتهت عند: " وأسفل اليد كارت قديم مضرج بدمائها".

    تقديري لقلم مبشر في القص
    المبدعة الدكتورة / نجلاء طمان
    قراءتك واعية
    ومرورك بالنص أسعدنى
    معك تماما أن الوصف غير مستحب فى النصوص القصيرة
    ولكن قد يكون ضروريا فى بعض النصوص
    لإيهام القارئ بحيادية زائفة للراوى
    ربما
    سعيد بمرورك الجميل
    تقبلى تحياتى

المواضيع المتشابهه

  1. مسلسل أرباب المهن ورباتها - الحلقة السابعة - الخباز.....
    بواسطة أبو القاسم في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 16-11-2019, 08:15 PM
  2. الربع الخالي
    بواسطة د0 احمد فنديس في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 17-11-2016, 09:23 PM
  3. إِليكِ، بدون مناسبة تقريباً
    بواسطة خالد العارف في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 06-11-2013, 03:12 PM
  4. ترنيماتٌ نيلية ٌفى قصر ِ الرشيد...!!
    بواسطة عبدالوهاب موسى في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 30-11-2011, 09:39 PM
  5. باقي 7 أسابيع تقريبا على الانتداب الدولي الامريكي/ الفرنسي الجديد في لبنان
    بواسطة ابو نعيم في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 28-03-2005, 08:09 PM