نؤمن ببعض الأمور في يقيننا لنستخدمها كتوابل تمنح نكهة لائقة لأفكارنا ,
ولكن هذا لا يعني بأننا نلتزم بتطبيقها في مجريات أمورنا ومعاملاتنا اليومية ولا مانع أيضا من أن تكون من الأمور المسلمة بها كظاهرة واقعية بموافقة الجميع سواء أكان ذلك تكاسلا أم كان تواكلا .
عندما أحاول استرجاع الماضي أصل إلى تقاطع الدروب فاحتار يا ترى أيهم أولى بأن أسلك ؟
فيثب جواب أرعن من مخيلتي ويحدث فوضى صغيرة في منقطة السؤال , وحينها اضطر إلى أن أساير اللحظة وأومئ بالموافقة المؤقتة , فأمتثل فيها لظروف غير محايدة لا ينحاز داخلي لهذه الاتفاقية فيبقى هناك شيء لم اقله واترك مسافة بين الذي يجب أن أقول والذي سأقوله لاحقا لأمتلك ثغرة مقننة بإتقان .
المجتمع كفيل بأن يخلق لك جسرا من الأعراف ولكنه لا يضمن لك السلامة ..أرشق ذاتي بأسئلة كثيرة ومن الأسئلة هناك
سؤال جلدت به نفسي ما إذا كنت قد ورثت من هذه البيئة البركانية (في بلاد العفر) والمتميزة بدرجات عالية من الملح الطبيعي تلك الصفات المتأصلة بالملح ؟
صحيح أن الملوحة الزائدة قاتلة ولكن انعدامها قتل آخر.. والقتل بفقد الشيء أسوأ من زيادة الشيء , لأن فقدان أمر ما لا يعذر وجود الآخر الذي يفتقده , ولكن طغيان الشيء يعطي مبررا مقنعا للقضاء عليه خاليا من عيوب النقص .
كنت أبادر بكشف عيوبي للآخر ربما لأمنح لذكائه حرية الكشف ولذة المغامرة عن محاسن تكشف على الضفة الأخرى مواهبه وهذا لا يهتدي إليه الجميع . ولكي يلتقط اللبيب من الإشارة عليه أن يصل إلى أعتابها أولا , أنا لست ملزمة بأن ألعب دوره ودوري ..فعزيز النفس لا يطمع بالفتات ..وإن جاع يعلن على الملأ صومه متأنقا بالزهد .
و مع الأخذ بالاعتبار بأن هذه البيئة التي أنتمي إليها بكل عشقٍٍ وزهو .. تتسم بالشفافية , ولكل ذرة رمل فيها سمات وخصائص متفاوتة مما يدلل على عدم الخضوع لفوضى التمويه بين الكيانات أو ضياع المتفرد على هامش التكدس .
وربما هي التي أزاحت عندنا فوارق الطبقات رغم وجود التباين العاري بين الناس كما في أي مكان كان ..حيث يتعايش الكل معا والكل يتنفس من نفس الهواء حتى وان اختلف نوع الخبز ..
سأل جاره قائلا ما نوع الهواء الذي يتنفسه الحاكم في بلادكم ؟
قال : إنه يتنفس بقايا الاوكسجين المغسولة بزفير حارسه الشخصي .
هكذا في بلادنا الحاكم رغم سلطته الجبارة إلا انه يتناول الفتات ويدعي الأسبقية وبالتالي فأنه يشرب الظمأ في العيون ويطعم من الجوع قبل اطلاق كرسي مائدته صرخة صريرها المعتادة في وجبة غداء.. لا يتفاجأ برؤيته لأمور غريبة له في كل عين عين..ولا نصبغ على اسمه مقدمات يطول شرحها يكفي انه فلان ابن فلان كأي مواطن يعجز عن دفع فواتير الكهرباء لأن العجز عن دفعها لا يقلل من مواطنته ولا انتماءه لقبيلته
وهذه الملوحة التي اتخذت من كل المعادن النفيسة متكئا من مراصد الكون كم تشربت من فراتٍ رباني غدق ذاتي الحماية وحفظ الحقوق.. ثم وارت على الحضارات القديمة أكوام الغبار حتى تراودها السحابة في السماء عن جذبها .
إلا إني مازلت أكتب وأحترق وأظمأ أمام نهر جارٍ من أجل أن أقيم أعمدة تاريخية من الورق , ورق لا يختلف من أوراق التكيتو* التي أقنعت البحر بالمجاورة الدائمة .
وسيأتي اليوم الذي سيقول فيه طفل لم يدركني في الوطن بأني حفظت لهم رائحة المهاجرين الأوائل إلى الضفة الأخرى ورغم ما يجري من تهجير لغة القرآن والدنو من لغة الغرب حبا للانتشار ولكن قد لا يعي معاناتي مع ذي القربى ومغبة الجهد كرها عن الاغتراب ..
قد لا نقدّر مسافة الفرق والتباين بين بيئة و أخرى , يبدو لي أحيانا بأن كل النظريات التي شخصت الإنسان حسب مناخ بيئته وتشكلات تضاريسها كانت خاطئة في الحسابات وإلا كيف يكون الإنسان الصحراوي رقيقا عطوفا رغم التشققات التي تنقش خرائط مصغرة على جبينه لتاريخ شقائه مع صعوبة الظروف المناخية ومشقته في التنقل بينما يتسم سكان التبت بخشونة فاضحة وملامحهم مكفهرة ..و البدوي فوضوي الهندام لكنه يتأنق في ضيافة الضيف ويعطي أفضل ما لديه عن طيب خاطر ..لذا ملوحة البيئة البركانية في بلادي قد تكون سببا لكل ما أحبه في قناعاتي.
لا فرق بين الانتقاء العشوائي وإجراء القرعة لأنهما يفضيان إلى نتيجة واحدة وهي تسليم الأمور لعوامل الصدف التي إن أصابت ستكون لضربة الحظ فيها يد الطولى وان خابت لأنها عملية غير مدروسة وعارضة بل هي حالة طارئة فمن الطبيعي أن تكون مسبوقة بالتكهن , لا تحزن يا .. فأنا مازلت لا أعلقني على مشجب التكهن .
* أشجار التكيتو : أشجار تنبت إما على شاطئ البحر أو في عمق البحر يصل طولها من 5 أمتار الى 7 ذات أرواق عريضة و دائمة الاخضرار .