( المحطة الأولى )
.. بدأ الشتاء يخلع عن كاهله عباءة شهوره ليهديها مقلوبة لزهر الربيع ، والسحب حملت حقائبها ومضت تبحث عن موطن جديد ، وبضع قطرات تتناوب على ري مساحات عطشى ..
.. وقبل التسلم والتسليم ، لبست سترة صوفية ورحت قاصدا الكورنيش البحري .
وصلت هناك ، المكان شبه خاو ، إلاّ ممن أتقاسم وأياهم عشق التفردّ بالجلوس على مقاعد الرصيف الحجرية والخشبية ، ومشاهدة الأمواج المتصارعة مع الصخور ، حيث تعلو فوقها وترمينا برذاذها المالح .. وصوتها المتلاطم يمتزج مع صوت بائع الكعك وبائع الترمس والعرانيس ..
.. هناك ، جلست أتأمل البحر وأمواجه وأسراره ، وأغوص بأعماق ذاتي .. وسؤال يتردد : لماذا لم أستقر بعد .. لماذا لا يعجبني العجب ؟؟
فترات انقضت ، غير شاعر بثقل كنزة الصوف ، فقد ابتلت ، وغمرتها المياه ... لا يهم ، فالغوص مع أعماق الذات مبتل أكثر ..
حين ذلك ، ومن دون وعي ، راحت عيناي تلاحق خطوات آيبة من بعيد ..
وصلت الى آخر الرصيف ، واتكأت على مقابض الدرابزين الممتد عرض الكورنيش ، وسرحت مع أفق الشمس المغادر وطيور النورس ..
.. بينما كنت في غوص مع ذاتي ، هتف هاتف مفاجئ ، وقرع على بوابة القلب ..
من دون تفكير
من دون انذار
من دون وعي
ساقتني قدماي نحوها .. اقتربت .. دنوت .. تفرّستها بدقة .. ولاحت التفاتة من عينيها ..
تسارعت دقات قلبي ، خفقان لم أشعره من قبل ..
وايضا من دون تفكير نطق لساني بجملة غريبة :
هل أنتِ ممن لا يعجبهم العجب ؟؟
حين وصل سؤالي الغريب إلى مسمعي ، خجلت من نفسي واحمرّت وجناتي .. وسارعت راكضا مهرولا بالإبتعاد ..
.. صوت من خلفي تناقلته الريح كترداد الصدى :
تمهل .. الآن ،،،، لا عجب .
.....
يتبع المحطة الثانية .
محمد قانصوه ( جهباذ )
فجر 24 حزيران 2010