الرسائل.. بين خالد وس 1
س..
في هذا الزمن البارد الموجز في كل شيء.. قررتُ أن أبعث إليكِ رسالة في ظرف موسوم بطابع بريد، فلشدما صرتُ أومن والناس يختزلون أفراحهم وأحزانهم وحتى أخبارهم العادية في رسائل الجوال القصيرة، أن رسائل البريد العادي أكثر حميمية وصدقا من غيرها.. وأكثر مدعاة للحنين، ذلك أنها تأتي دون إشعار مسبق وهي تختار الغفلة موعدا لها.. تأتي كأجمل ما يكون مجيء الهدايا الملغومة.. تأتي ومعها فيض من ذكريات الطفولة والماضي الخرافي المسكون بالانتظار والترقب.. تفاجئنا وقد تسللت خلسة من أسفل الباب فنكاد نتعثر بها على حين لهفة.. تراودنا عن فضها ونتمنع لوقت أطول حتى نشفي الغليل من تأخرها بعد كل ذاك الغياب.. نحاول فك شيفرات الخط في الكلمات تلك : من خالد.. إلى س..نحدق في الطابع كأنما هو اختبار في التوازي والتعامد وتناسق الزوايا.. وحين نفتح الظرف نتمنى أن تحتوي الورقة على ثلاث صفحات عوض صفحتين، وكم يخيب بنا شيء من الأمل ونحن نعثر على صفحة واحدة لا غير.. نقرأها بعينين هاربتين وذاكرة مفقودة.. نقرأها ثانية بعينين مفقودتين وذاكرة منسية وقلب هارب.. فالركض هو كل ما يتقنه القلب خلف الكلمات.. نعيد ترتيب فقراتها.. نقرأها مجزأة مرات ومرات تارة من الوسط وطورا من النهاية.. يحدث للشوق أن يمضي بنا في كل الاتجاهات.. وحين نفرغ منها نصير ممتلئين بالحلم والخيال، نعلوا فوق واقعنا شيئا ما، يصيبنا بعض الجنون.. بعض الجنون نحتاجه لنواصل الحياة. نبدأ البحث عن أثر لبصمات الأصابع.. نجتهد في معرفة تفاصيل كاتبها انطلاقا من خط يده ( إن كان عصبي المزاج أو هادئ الأعصاب، إن كان فوضويا أو مرتبا، إن كان عاديا أو استثنائيا...).. نشتمُّها عسانا ندرك بعضا من عطره العالق بها.. يربكنا أنها عادية دون عطر ولا آثار، وأنها استثنائية في حضورها الطاغي، إذ أن رسالة واحدة كفيلة بقلب أيامكَ ولياليكَ رأسا على عقب للسببين : إما أنها تستحق، أو..
أدري أن رسالتي هذه عادية جدا جدا، وأن خط يدي صامت لا ينبئ عن شيء، وأدري يقينا أني لم أكتسب يوما عادات العطر، لذا..
ظلي بخير، وليرعكِ الله
خالد