قرص الشمس واضح لا ريب فيه... تمرّ من أمامه شاحنة.. تقتصّ منه حقيقة مؤقتة بالامتداد.... و تعبر بسلام.... تعاقرني النهنهات سِفر انتظار في حافلة نتجه معها إلى عمان... كنا نمضي بسلام حتى استيقظتُ من هدأتي على صوت طَرْقٍ في رئتنا اليسرى، لم يرمش قلبي لما حدث، إذ كان يحدّق فيه، تسلبه الأحداث الإنصات.... و يرسل هو زفرات المبيت عبر النافذة... كان يحيى يساعد في إصلاح العطل، و زكريا يقف بعيدا إذ لا مكان لازدحام... استرقتُ نظرةً لأستبين ما حصل... ثمّ استأنفتُ هدأتي..
خطوط الشّارع واضحة... يسلبني منها الأفق ليقف بيني وبينها، الإشراق يغزو عيني اليمنى من جهة يحيى.. و ننتظر وصول حافلة أخرى... يهمس لي يحيى: " ما عادت أيدي الحافلات تطول قرص الشّمس لتسلبه بعض حقيقته، و خيوط الشّمس راحت تتدلى عناقيد ثريّا"..... ذاك لأنه علا يا أخي... " و يلفّنا الانتظار...."
مرّ من الوقت ما توارد به الصدّى فيّ.. كلّ الأشكال غزتني على هيئة أصوات... وأنا أهيّئ كفّي للرّحيل... الغائبون... يرتّلون على الرّحيل أذكار الوجع... و أنا أهذي بما هو آتٍ... تقلّبني العتمة على وجْهيها ال تلخّص روحا واحدة.... أشعر أنّي أكرّر أرشيف قتامة مَقيت... أردّده حدّ الشّبع.. ألملم فتاته.. أدّخره لذات يباس....
و تصل الحافلة الجديدة... فأدخلها و قد انفصلت عن أخويّ.. أقرأ قليلا في " مثل غيمٍ سكّريّ" فيدغدغني النّعاس... أشتهيه أكثر من الشِّعر.. وأغطّ فيه.. كأنّي وحدي من يستقلّ ومن يقرأ ومن يشتهي.... و أصحو لأكمل ما ابتدأت..... و لأنّي أكره التغييب... يجتاحني الصّحو على دفعات.. كي لا يتركني وحيدة منه.... فقليل دائم خيرٌ من كثيرِ منقطع... قيدُ النّسيان لما لا أذكر، أشتمّ لذة النّسيان فأفتعل ما يوصلني إليها... مزُنُ الصّدى تفتعل أرضا في خوائي لتفرغ ما فيها... وهدأتي تتصل بنبض والديّ وإخوتي جميعا بلا استثناء... على بعد مترين تماما منّي أنبض مرتين.. و بقيّتي تنبض على بعد أشواق ورائي حيث غادرنا.... و بصري يمتدّ فيّ.. يعلل الغياب بقصر النّظر...
.... الطّريق جديدة على ذاكرتي... سيارة مرسيدس أتمنى لو أقتني سوداء مثلها.. جامعة الإسراء تركض خلفي، و يمتصّني الطريق، أرْشَحُ كلّ ثواني الغياب... المارّون... يعبّؤون أسفار المطر... يقدّمون قرابين الجفاف... و يقتصّون للذّكريات، فتحتلّهم رؤىً ككلماتي مَطَرِيّة... لا تعترف بالفواتح، يلفّها صوت أقدام المارّة في طريق اقترفه السّكون ذات مطر... و تحت ضوء العيون ال استمدّت نورها من عشق مكنون... كجَزْرِ الكتابة ال علاه تسونامي خراب...
وأجلس في السيّارة....
أمرّ على الطريق، أمسحه بزفرات تعب تسللت لشريان بجانب القلب يرتخي....
يا روحي... يا لصيقتي.... أتسلّل إليكِ عبر أسلاك الغياب وأشقّ نهر الدّم أعبّده بوح حنين.... ما تراي أفعلُ و قد بدأتُ درب نسيان مفتعلٍ لما لم أختزن يوما... قد ولّى عصر النّسيان بعد أن خرجتُ بي عن دائرة المشاعر... أتنهّدُ الطّريق نهنهات نوافذ انسكبت على كانون غيم لقاء.... و يتمطّى الوجع على صدري وِرْدَ مساء.... أذكار ما بعد الصّلاة..... وأنام....
عبلة الزّغاميم.. الـــ 24-12-2011ــــــروح العطشى...