رحمة الله
كتبت اليك من الأبجدي*** وصغت كلاماً من الأجودِ
كلامي ثمانٍ وعشرون حرفاً *** بلغتُ بها غايةَ المقصدِ
فمنها جمعتُ لوصْفك سفراً *** تبعثرَ فيك ولم يصمُدِ
فواصلتُ نحوك كي أدنوَ *** وهيهات مثلي قصير اليدِ
فأنت من النورِ نورٌ يشعُّ *** على المظلماتِ بلا مَوقدِ
وأنتَ الرسولُ بلا ريبةٍ *** وأنتَ السلامُ من الموجدِ
وأنتَ الهداية للكائناتِ *** ونبضُ القلوبِ إلى الأرشدِ
شفيعُ العبادِ بيومِ الحسابِ *** بيومٍ جليلٍ بلا مُنجدِ
تدلُّ إلى المكرماتِ العظام *** مناراً بما فيك من محْمدِ
حباكَ الكريمُ بخلْقٍ عظيمٍ *** فكنت الودودَ الحليمَ الندي
وكنتَ الأمينَ وكنتَ الصدوقَ *** وكنتَ الكمالَ من الأمُجدِ
فما كنت فظّاً بأمرٍ ولا *** غليظاً بطبعٍ ولم تعتدِ
صفاتك شمسٌ تنيرُ القلوبَ *** تراها سناً مقلةُ الأرمدِ
فخلْقُ الأنامِ لخُلْق الرسولِ *** كحالِ النحاسِ من العسجدِ
ويوم النزاعِ جمعت النفوسَ *** أياد إلى الحجرِ الأسودِ
أيا رحمةَ الله للعالمينَ *** تجلّتْ بوسعٍ إلى المُلحدِ
وَيَا صاحبَ الحوضِ والموردِ *** وبابَ الجنانِ مع المقلدِ
وَيَا سيّد الخلقِ من آدم *** وخيرَ نبي وخيرَ فدي
تعالتْ صفاتُ النبوّةِ فيك *** صغيراً يتيماً بلا موردِ
كفاكَ المعيلُ أبو طالبِ *** فكنتَ الرضيعَ وكان الثدي
بعثت رسولاً زمانَ الفسادِ *** والمشركين بلا مَرشدِ
نفوسٌ من الحقدِ تستلهم *** والجاهليّة ما ترتدي
كأنّ القلوبَ صخورُ الجبالِ ***وفيها المياه ولم توردِ
شققت العقولَ كشقّ الحديدِ *** وخضتَ الجدالَ ولم تفندِ
دليلك يُعلي من الجاهلين *** عُقولاً تتوقُ إلى الأغيدِ
وبيْضاً تصونُ طريق السلامِ *** وتحمي الحياة بلا مغمدِ
وبلّغت دينَ السماءِ سلاماً *** بكدٍّ وجدٍّ ولم تجهدِ
حملت العناءَ وأُوذيتَ حتّى *** نبيٌّ كمثلكَ لم يَعهدِ
وخلفك كانَ علىٌّ حساماً ****يذودُ عن الدينِ من فسّدِ
وشدّ حزامُك عزمٌ ومالٌ *** لأمّ البتولِ بما تفتدي
بتوراةِ موسى وأنجيلِ عيسى *** نبياً ذُكرْت وبالمسندِ
عرجتَ من القدسِ تعلو السماءَ *** ركبتَ البراقَ ولم تشهدِ
حشودُ الملائك من حولهِ *** والأنبياءُ مع السُجّدِ
فأبصرتَ غيباً يفوقُ الخيالَ *** وصرْت إلى العالمِ السرمدي
قرأتَ بثقلِ الوجودِ كتاباً ** ينيرُ الدروبَ إلى الأسعدِ
ينيرُ النفوسَ وإن أعتمتها *** دَياجِ الظلام من المولدِ
وينقلُ في المورثاتِ الدليلَ *** إلى العالمِ الأمثلِ الأفيدِ
تحدّى البلاغةَ كي تأتيَ *** بسطرٍ مثيلٍ فلم تهتدِ
سعيتُ إليه بثقلِ الخطايا *** وكنتُ بذاك الشقيّ الردي
قدمتُ لأغرف من شاطئيه *** زلالاً غسولاً به أهتدي
سعيتُ لألقى رسولَ الانامِ *** فجأتُ المقامَ مع المسجدِ
وحين قربتُ تسارعَ قلبي *** لنورٍ المدينةِ من أبعَدِ
وهالتْ دموعي لشوق اللقاءِ *** وروحي توارتْ فلم أخلدِ
دخلتُ المقامَ سكوناً وعقلي *** يصلّي عليه هوى المنشدِ
خجلتُ لأرفعَ رأسي الشغوفَ *** لأبصر كونَّا بلا أعمدِ
جريءٌ ولكن حيائي إليه *** أجلُّ من الخاشعِ المُخردِ
كأن الوجودَ ظلامٌ أنيرَ *** بديباجهِ الأبلجِ الأشهدِ
فكانَ المقامُ بنورِ الرسولِ *** شعاعاً على العالمِ الأبعدِ
وطالتْ به القبةُ الخافقين *** خضراء باللونِ والمقصدِ
تطوفُ عليه قلوبٌ علاها *** عظيمُ الذهولِ من المشهدِ
كأن الرسولَ جليسُ المقامِ *** يمدُّ يديه الى العُبّدِ
فيمسحُ عنهم شقاءَ الحياةِ *** ويدعو الرحيمَ لبسطِ اليدِ
فتخرجُ ملء اليدين عطاءً *** والنورُ فيها إلى الفرقدِ
سلامٌ عليك أبا القاسمِ *** سلامُ المحب الوفيّ الصّدي
ولمّا مضيتُ تجلّى أمامي *** يشدُّ النّفوسَ إلى السؤددِ
تجلّى حديثاً بوحي السماءِ *** وهدياً من الواحدِ الأوحدِ
نداءُ الرسولِ ملاذٌ وحصنٌ *** يجارُ به كلّ مستنجدِ
فيا خاتمَ الأنبياءِ الأمان *** وزدني إلى جودك المزبدِ
فأنتَ الرؤوفُ بكل العبادِ *** حتّى عفوتَ عن المُجحدِ
نصلًي عليه وآل النبي *** بكلّ صلاةٍ ولم نزهدِ
إلهي أجرني بقربِ الحبيبِ *** ففيه النجاةُ بيومِ الغدِ