أحدث المشاركات
صفحة 1 من 5 12345 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 41

الموضوع: حرائق البلبل في سرير الوردة

  1. #1
    الصورة الرمزية مازن دويكات قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Nov 2008
    المشاركات : 132
    المواضيع : 14
    الردود : 132
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي حرائق البلبل في سرير الوردة

    حرائق البلبل في سرير الوردة
    (1)

    البلبلُ السكرانْ
    خبأ صوتهُ
    في زهرة البستانْ
    وحين اختلط الشذى بالصدح ِ
    اشتعل المكانْ


    قد يحدث الحريق من شرارة طائشة، أو من نظرة ساحرة تصوّبها على عجلٍ عيون امرأة من قرنفل وزرقة غائمة، قد يحدث من شذا الوردة ومن صدح ذبيح، كأنك زهرة البستان وكأنني البلبل السكران ماذا تبقى ليحدث الحريق؟ سيحدث الحريق!
    سيحدث لحظة تساقط حقول الورد على التنهدات الذبيحة، وبعد انفلات قطرات الحياة من نهدي سحابة بستان، وستحدث أشياء غامضة تساعد في تشكيل المشهد، تضفي عليه لمسات ساحرة. ومع ذلك أقول: يعذبني بعض الوضوح في الأشياء، لأن من حقي أن أدخل في الغامض السري، وأخرج بوضوح من إنجازي، ويكون أجمل حين يتمطى في سرير الروح كعاشقة تنتظر. أحب الوضوح الذي لم يكن، الوضوح الذي سيكون، شريطة أن أخرجه بأصابع روحي من كهف الأبدية الغامض. قد يحدث الحريق، ذات يوم سيحدث الحريق.
    ***
    ذات صباح مررت ببرعم لم يتفتح بعد، اشرأب نحوي كأنه يهمس لي: سرْ أيها العاشق، لم يحن بعد وقوف التأمل، فمشيت. ذات صباح مررت بوردة متفتحة، اشرأبت الروح نحوها كأنني كنت أهمس: ما أجملك أيتها الوردة؟
    سبحان من جعل البرعم وردة، البرعم ذكوري الدلالة، والوردة بكل جلالها وبهائها أنثوية الدلالة، من منابع العبق إلى زوابع الشبق.
    بين صباح وصباح، يتحول البرعم إلى حالات أكثر اتساعاً تفضي إلى الحرير الملون في الأرض وإلى قوس قزح في أعالي اللازورد، كذلك في السماء متسع، إن أردنا الوصول. هذا هو النشيد الكوني الخارج من البستان والداخل في الكينونة العظمى.. الإنسان.. الإنسان.. الإنسان. آدم برعم الخليقة الأولى وحواء أول الوردات في بستان الخالق الأعظم. أعني الأرض. والأرض كذلك أنثى.
    أبحثُ عن أنثى
    لا أرض تحملها أو أفقُ
    أنثى كالوردة
    ليس يُرى فيها العبقُ
    يا الله أعنّي. إني أحترقُ

    ***
    السماء كذلك لنا، لنا منها ما لنا على الأرض، كم من السنوات الضوئية يكفي لحرث أرضنا بلهاثنا ثم نصعد إلى سريرنا الأزرق. قالت العاشقة: هيأت لك كل ما تشتهي. الملاءات، الوسائد، أساور الفضة، طاسات العسل. قوارير العطر. كل ما تشاء، لكنني لن أكون معك. قال العاشق: لمن سأصعد إذن.
    " على هذه الأرض ما يستحق الحياة".
    ***
    لا أحد يفهم لغة الغيم، لا أحد سوى بذرة الأثلام الدفينة، ومنقار الطير المرتعش، والإنسان الطيب، لا أحد يفهم لغة الغيم، إلا أنت. يعدو البرق كثور هائج في الأعالي، كذلك الرعد، وعلٌ شبقٌ في قطيع النجوم يقال: من ها هنا يبدأ المطر، هوذا الصواب في لغة الحكمة، ليظهر الوعل الشبق والثور المجنح، وما يزيد في اشتعال الفصول الأربعة، في نهارات الأرض الطويلة.
    لا أحد يفهم لغة الغيم. لا أحد سوى بذرة الأثلام الدفينة، ومنقار الطائر المرتعش، والإنسان الطيب، لا أحد يفهم لغة الغيم، إلا أنتِ.
    ***
    يغطي مساحة الكون ويزيد. يحتشد في بؤرة تضيء أيقونة الجسد، ينفلت في الليل من أصابع نبضي، أقف بينهما محايداً، لا شيء يعنيني، لا شيء سوى أنك نقطة جذب لكل مقدس وحميم. لم يتغير شيء من عاداتنا الصغيرة, شجرة الأسكدنيا تفرش ظلالها كل ظهيرة، وتطلق براعمها في الربيع، كذلك الثمرات تقف على أرجلها النحاسية في صيف شكيم* المتورد، يمشي إلينا من عَلٍ، ترف بالأجنّة، ثم تقذف بذورها في فم الشتاء الفاغر، ولا تراب إلا ما يخصنا، ولنا الأثلام التي تشمس أحشاءها الحمراء في ظهيرة نيسان، ثمة أجنّة تتحرك فيها.
    من ها هنا يبدأ الذي سيغطي الكون، وينهمر في بؤرة مشتعلة ليضيء أيقونة الجسد، ولك الآن أن تدخليني آمنة مطمئنة أيتها الأجمل في عرائس شكيم.
    شيءٌ ما يلمعُ في عينيك فأرتعدُ
    يتلوى كنسيج النار على شفتيك وينعقدُ
    يسحبها بخيوط ليس يراها أحدُ
    تنهمران علينا، يرتعشُ الجسدان ونتحدُ
    هي قبلتنا أحلم أن تأتي
    كفراشة صبحٍ
    تسرق حصتها من زنبقةِ الوقتِ
    يلفح جنحيها ضوء الشمسْ
    تصعدُ في الأفقُ وتبتعدُ
    فيطاردها ثغري بأصابعه الخمسْ
    هي قبلتنا تأتي أو لا تأتي
    ونظل على المقعد، نخلدُ للصمتِ
    نتبادل أزهارَ الحمّىفنعودُ ونتقدُ

    ................
    * شكيم: الأسم الكنعاني الأقدم لمدينة نابلس المحتلة, مسقط الروح والبدن ومكان إقامتي الدائم

  2. #2
    الصورة الرمزية مازن دويكات قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Nov 2008
    المشاركات : 132
    المواضيع : 14
    الردود : 132
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    (2)
    أيتها الوردة الشرسة، في كل الأوقات يسكنني عبقُ ناري، يدل عليّ في لحظات الضياع التي ترفّ من كل جهة، يقودني من يدي المرتعشة، يفحّ بي: إجلس أيها الولد المعذب في تويجي، شاغب كما تشاء، وحين تتعب، نَمْ في سريري المطرز بالندى ريثما أعود.
    كم سنة نمت يا صغيري في انتظار الذي لا يأتي، كم من الأعوام مضت وخيول حنينك تلهث خلف من تراوغ كظبي مدلل في برية صغيرة؟ أية كلاب بوليسية يملكها هذا العاشق، وهو الشارد من عذاب الوردة الشرسة، وقمع العاشقات في مملكة الأزهار.

    يرسم عصفوراً أزرق
    تأتي امرأة من أقصى المدنِ ِ
    تمسكه من جنحيه
    فينفرط الريش ُعلى المقعدْ
    يبكي دمعاً ذهبياً
    تعدو القطرات ُ
    فوق قماش اللوحةِ
    تتشّكل زهرة زنبقْ
    يحتار بأي الألوان سيطلقها في وَعر البرية
    يغمضُ عينيه ويَغمسُ ريشته
    فيسيل الأسودْ
    ثانية تأتي امرأة من أقصى المدنِ ِ
    تمسكها بأصابعها المرتعشة
    فتنفرط الأوراق على المقعدْ
    يرسم طائرةً ورقية
    يطلقها في أقصى المدنِ ِ
    يلمحها القناص الجبلي ويبدأ
    لاشيء هنا، لا شيء
    سوى خيطان تتدلى من أعمدة الهاتف
    ودمٍ أبيض يغطي الإسفلت الأسودْ


    في الليل حين تهجع عرائس " شكيم "، تنهمرين عليّ من كل صوب، من شمال حقول القرنفل تأتين، من جنوب غابات السفرجل تأتين، من غرب وديان المسك تأتين، من شرق تلال الصنوبر والصفصاف وهضابها تأتين.
    وأنا أحتار، من أية جهة أتلقّى القناطير المقنطرة من حضورك القاسي الحنون.
    ليتني أكثر من واحد، لأقدر على استيعابك المدهش. ليتني أكثر من واحد في واحد، كل واحد يشبهني من ألفي إلى يائي، لأن أي اختلاف قد يوقعني في لبسٍ أنا في غنى عنه، قد لا تعرفينني وقد لا أعرفك. حقاً لا أدّعي إحاطتي بك من كل جانب، ولا أقول كما قالت العّرافة لي ذات يوم:

    وعّرافةٍ قرأت في يدي
    عيونكِ لي قبل أن تولدي
    وأنك مربوطة في وريدي
    فليس يفيدك أن تبعدي
    فنامي بقلبي، نامي وسوف
    أهّز سريرك
    في نبضي المجهدِ
    وحين تفيقين
    أطلقي خصل الشعر
    من سجنها المعتم الأسودِ
    لأن جدائله لا تحب التنزه
    إلا على ساعدي


    حقاً أقول، إنني أكره العرافات وقارئات الكف وضاربات الرمل، إلا أنني في لحظة ضعفٍ إنساني، أوقعتني العرافة كأنها أدركت أنني عاشق، وكيف لا يكون الشاعر عاشقا! وكيف لا تكون الوردة نقطة جذبه الأولى والأخيرة، وبؤرة تنهمر الشهوات فيها؟
    لذلك، أوقعتني العّرافة، وقالت لي ما قالته دون أن أصدقها، لكن الشِّعر، قد يذهب بعيداً، يتبع رنين الأنوثة وتجليات ضوئها المبهر المدهش، وقد يجلس على قارعة الحرائق الوردية، يهجس للعابرين حكايا المرأة الغامضة والواضحة كزوبعة. والشعر سهل الانقياد وراء المدهش، قد يتبعها من ينابيعها في الأعالي، إلى مصبها في الوديان، وأطراف الغابات، دون الاستعانة بالكلاب البوليسية، هكذا قال الشاعر ذات يوم:

    تعالي حبيبة روحي الشريدة
    ضلوعي إليك جسورٌ مديدة
    أفتش عنك بهذا الظلام
    وليس معي غير ضوء القصيدة
    وبوصلة في دمي
    لترصد خطوك فوق الدروب البعيدة


    هذه عدتي وعتادي، هذه ممتلكاتي، هذا هو عالمي، وكل ما أملك ضوء القصيدة، كم أنا فقير أيتها الوردة، كم أنا غني أيتها الوردة.
    حقاً، وما العيب في أن أكون أنا، كما خلقني الله على هذه الأرض، أعدو كمهرٍ جموح في مكاني المفعم بالجغرافيا، وفي زماني الطاعن بالتاريخ، كم أكره مصطلح " شرقيّ " لأنني في الواقع لا أحمل في تاريخي وجغرافيتي عقدة النقص من الآخر.
    أجل أنا شرقي مع كراهيتي للمصطلح، وحبي العميق لدلالته الممتدة بين صليبين، أسطورة الملهاة وواقعية المأساة، هذا هو أنا، منذ فجر السلالات وأنا أسير صوب ما أحب، لم أقل مرة لمن أحب تعال أنت، قد أقولها في القصيدة، لأشكّل البعد الجمالي الذي يثري النص الشعري، أكثر من كونها أمراً ذكوريا يفترض الطاعة الأنثوية.
    ولست صوفياً لأذوب في الآخر وأتماهى فيه، ولا أريد له أن يكون ما لم أرده لنفسي، أومن بالكينونة بشقيها، التحرك في السيرورة بغية التحول الأبدي في الصيرورة، أومن بالانصهار المتساوي والمتوازي مع إلغاء المسافة ما بين الوردة والبلبل، ما بين العبق والنشيد، فإن لم يكن هذا هو الحب، فماذا يكون إذن؟

    بجمرة حبنا نحن احترقنا
    ولم نعرف رمادك من رمادي

    .......................... يتبع

  3. #3
    الصورة الرمزية وفاء شوكت خضر أديبة وقاصة
    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : موطن الحزن والفقد
    المشاركات : 9,734
    المواضيع : 296
    الردود : 9734
    المعدل اليومي : 1.48

    افتراضي

    للتثبيت تكريما لأديب سامق ..



    لم أجد كلمات تليق بهذا النص الفاره غير التثبيت ..

    مرحبا بك أخي الكريم في واحة الخير ..
    سعداء بانضمامك إلى أسرتنا ..


    لك التحية والتقدير .
    //عندما تشتد المواقف الأشداء هم المستمرون//

  4. #4
    الصورة الرمزية شريفة العلوي أديبة وشاعرة
    يرحمها الله

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : بقلب جيبوتي
    المشاركات : 2,093
    المواضيع : 139
    الردود : 2093
    المعدل اليومي : 0.36

    افتراضي

    الكلمة كائن حي منذ أقدم العصور وستظل تمتد فينا بكل صورها كتابة وصوتا ثم في تحولها الى الفعل ...والكلمة للأدب عماد وللصدق عمود وللخيال إعتماد ..وللسؤدد إمتداد ..تتشكل الكلمة من عرض ووصف ثم تنعطف الى مسار التحليل والتفسير والتصوير حتى تقرب المسافة بين الإدراك والوعي هكذا الكلمة تعد سلاحا بحدين
    صاحب المدن القصائدية مازن دويكات ....هذه الجزيرة هي إحدى مدنك التي تطفو على محيط لغة الإبداع والتي تتجاوز معايير الحدود في الإتساع ..هل نحن أمام لغة تمد سواعد ذائقتنا الى مدى لا يحد حتى التخيل ؟ أم إننا بحاجة لمعرفة المدن التي نسكنها حتى نبقى من سكان مدنك القصائدية بصورة دائمة , لأننا بحاجة الى أن نتكيف مع طقس هذا الجمال كي نتعلم ونروض فكرنا مع أشرعة الخيال التي تبحر فينا قبل ان نتعلم السباحة في بحرك العميق ................رائعة هذه السلسلة المميزة بدءا بالعنوان وانتهاءا بالدهشة
    [/SIZE]

  5. #5
    الصورة الرمزية سعيدة الهاشمي قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Sep 2008
    المشاركات : 1,346
    المواضيع : 10
    الردود : 1346
    المعدل اليومي : 0.24

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

    صدقا أيها الأديب المبدع لن ينفع الكلام ولا الرد على ما كتب، ولأني لا أريد تشويه

    جمال المكتوب هنا بكلمات بائسة سأرحل لمملكة صمتي أنتشي بحلاوة الحرف المنثور

    سأحط الرحال على ضفاف حرفك لكي أعود حين تعود.

    تحية تقدير لك أخي ودمت بإبداع.

  6. #6
    الصورة الرمزية مازن دويكات قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Nov 2008
    المشاركات : 132
    المواضيع : 14
    الردود : 132
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وفاء شوكت خضر مشاهدة المشاركة
    للتثبيت تكريما لأديب سامق ..



    لم أجد كلمات تليق بهذا النص الفاره غير التثبيت ..

    مرحبا بك أخي الكريم في واحة الخير ..
    سعداء بانضمامك إلى أسرتنا ..


    لك التحية والتقدير .

    الأخت الفاضلة المبدعة

    وفاء شوكت خضر

    مرورك العذب حمل معه المسرة

    وحضورك الخصب نثر الغبطة

    أشكرك أينها النبيلة على تثبيت النص.

    دمت أيتها المبدعة ذخراً للكلمة الحرة الواعية.

  7. #7
    الصورة الرمزية مازن دويكات قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Nov 2008
    المشاركات : 132
    المواضيع : 14
    الردود : 132
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    (3)

    وردتان، وردة في الصباح الربيعي تستلقي في سرير شذاها الرائع، ووردة في الصباح الخريفي تستلقي في سرير شوكها اللاسع، وما بين الروعة واللسعة، ثمة مسافة في غورها تزحف العقارب، وعلى قباب أقواسها تحط الكواكب.
    ما جدوى التوازي حين تنعدم اللقيا، وما جدوى التداخل والتمازج حين يتوفر ما هو أقسى وأمّر من الخصوصية المفقودة بفعل التلاقح الكاذب!
    قد تصغي النحلة إلى حفيف الأوراق، وقد تتوقف قبل أن تأخذ ما قسم الله لها من الشهد، لاعتقادها أن ما ستحمله في خرطومها الدقيق قد يفسد خلية العسل. كم أنت ذكية أيتها النحلة! ليت الإنسان يمتلك مثل هذه الشفافية قبل أن يغير على أقراص العسل، لكن الشهوة والرغبة كالعربة الخربة، لا يدرك سائقها إلى أي هاوية سيصل، إلا بعد أن يستقر في قعر الوادي. قد لا أعرف تشبه من وردة الخريف، العربة أم السائق، لا فرق، ما دام المشبه به يؤدي إلى الكارثة. بالأمس خاطب " أوديب " ابنته " أنتيجونا" قائلاً: "خذي بيدي أنتيجونا، إذا كان لابد أن أصل الهاوية فما حاجتي لامتطاء الحصان". هذا هو واقع خريف الملك أوديب، كأنه ووردة الخريف سيان!
    يا وردةً في مزهرية أضلعي
    مدّي جذورك داخلي وتفرعي
    أشواكك الخرساء أدمت مهجتي
    هذا دمي المسفوك ريّك فاجرعي

    ****
    أمريكا السيدة البيضاء الدامية حد السواد، عوّدتنا على إنتاج المصطلح وفرضه على أقفاص الدجاج في العالم الثالث واللاهث خلف علفها المشبع بالسمنة الزائدة، بغية تحويله لحماً في المسلخ الدولي. أمريكا صاحبة الأسلحة الغبية من قبل، والأسلحة الذكية من بعد، ولأنني أحب الحديث عن الوردة والغيمة والنهر والشجرة، وهذا يتعارض مع مزاج أمريكا وتكوينها، لذا سأكتفي فيما يخصها بالسطو فقط على عبقرية روح الاكتشاف عند مكتشفها السيد كولومبس، لأكتشف أن هناك غيمة ذكية وغيمة غبية.
    قيل للغيمة الغبية: هل أنت غيمة؟ قالت الغيمة الغبية: لا. جاء البرق وجاء الرعد، أومض الأول ودوى الثاني، فانفجرت الغيمة الغبية، قيل لها: هل أنت غيمة؟ قالت: لا. فسحّ ماؤها، روى الأرض فنبتت الأعشاب والأزهار، أطلقت أغصانها الأشجار، قيل لها: هل أنت غيمة، قالت: لا. وبعد أن أخذت كل الكائنات كفايتها من الماء، استردت الشمس ما تبقى بفعل التبخّر، قيل لها: هل أنت غيمة؟ قالت: لا. أعادت السماء إنتاج غيومها فاقترب البرق والرعد، قيل لها هل أنت غيمة؟ قالت الغيمة الغبية: أعتقد ذلك.
    ضحكت الغيمة الذكية من الغيمة الغبية وأسلمت نهديها واحدا للبرق والآخر للرعد.
    الغيمة في مقعدها الأزرقْ
    تستجلي الأشياءْ
    أين سأطلق مائي لحظة أن يتدفقْ
    في أي إناءْ!
    ما أجمل أن يمتلئ الدورقْ
    وارتعشت فيها الأعضاءْ

    ***
    مرةً أخرى عدت ترددين المقولات الجاهزة والقادمة إلينا مغلفة بورق السوليفان، والمصنّعة بأيد مرتجفة. هذه المقولات أثبتت بطلانها وهشاشتها ليس على أرضنا فقط، بل في أرض المنشأ. جميل عدم نسيانك أن الرومانسية في الأدب هي نتاج نظام الإقطاع، وكان الأجدر أن لا تنسي أن عنترة فارس الحب الرومانسي ما هو إلا ابن عبدة سواد حبشية مذله مهانة، لم يُعترف بحريته إلا بعد ردحٍ من الزمن، كذلك قيس بن الملوح مجنون ليلى، وقيس بن ذريح مجنون لبنى، كانا فقيرين حد التسول. والأسماء كثيرة والشواهد أكثر، وقيل أيضاً إن الرواية ملحمة البورجوازية، وهذه المقولة تدور في الفلك السابق نفسه، السؤال، أين أبطال أميل زولا وديستويفسكي من البرجوازية؟
    وإن كنت لا تؤمنين بالحب لأنه محض عبودية، بماذا تؤمنين إذن؟ هل هناك اختراع آخر ونحن لا ندري! اصغي لحديثك، وكأنني أصغي للشاعرة " سافو " في أناشيد " لا العسل تشتهيه نفسي... ولا النحل " وهي تخاطب رفيقاتها الموزّيات الثلاث " آتيس" و " تيليسيبا " و " ميجارا ". ومن المؤسف أنني لم أعد أذكر اسم بطلة البرتو مورافيا في رواية " أنا وهو " وهي تنشد الرضى من ذاتها خلال المرور الموتور على الاستدارات والتعرجات في كنوزها الباذخة.
    جميلٌ أن نختلف، ولكن ليس على صيغة شروط ""خطأي صواب، وصوابك خطأ، وأنا أعلم منكَ في كل شيء حتى في أشيائك السرية". نحن ندافع عن كيانٍ واحد. إلا أننا نختلف. أنا أدافع عن أنوثة المرأة وأريدها كما خلقها الله، وأنت تدافعين عن ذكورتها وتريدينها كما " سافو ".
    ويا امرأة من جموح الأيائلْ
    عيونك مصرٌ وشامٌ وبابلْ

  8. #8
    في ذمة الله
    تاريخ التسجيل : Jan 2008
    المشاركات : 2,240
    المواضيع : 61
    الردود : 2240
    المعدل اليومي : 0.38

    افتراضي

    الاستاذ مازن دويكات

    عميقة رؤاك..حدَّ الذهول..!

    سلمت..وسلم مدادك..

    محبتي
    الفكـرة ُ..العالـية ُ..
    لا تحتاجُ.. لصوتٍٍ..عـال ٍ..

  9. #9
    الصورة الرمزية روميه فهد أديبة
    تاريخ التسجيل : Feb 2007
    الدولة : مارس
    المشاركات : 772
    المواضيع : 12
    الردود : 772
    المعدل اليومي : 0.12

    افتراضي

    أستاذ مازن ..

    ماذا أقول ؟
    تالله أبدعتَ هنا بكثافة و بكثافة ..أحببتها جدا.. وحفظتها في جهازي ضمن المفضلة .

    حيّاك الله في الواحة ..

    دمتَ لمن تحب ..

    روميه
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  10. #10
    الصورة الرمزية سمو الكعبي شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2007
    الدولة : في صومعتي
    المشاركات : 1,967
    المواضيع : 70
    الردود : 1967
    المعدل اليومي : 0.31

    افتراضي

    الأديب مازن:
    استرسال وتعمق تبين أنه قلم أديب تنثال الكلمات من سنان قلمه
    تقدير واحترام
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    فلنغتم أوقاتنا بسماع القران :http://quran.muslim-web.com/

صفحة 1 من 5 12345 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. حرائِقُ الرّحيل
    بواسطة تركي عبدالغني في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 28
    آخر مشاركة: 22-02-2013, 08:14 AM
  2. حرائقُ في القلب
    بواسطة مختار عوض في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 21-03-2010, 10:37 PM
  3. ضدّان على سرير المعنى
    بواسطة شكري بوترعة في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 28-07-2009, 06:07 PM
  4. حرائق الحب والسفر
    بواسطة شجاع الصفدي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 21-03-2009, 03:20 AM
  5. فوق سرير أبيض
    بواسطة أحمد حسن محمد في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 29-03-2007, 05:30 AM