من ذكريات العشق و الهوى
الحب ......كلمة قد تكون من أقل الكلمات عدد حروف ..لكنَ فيما بين هذين الحرفين مسافة تسع الوجود و ما حوى ، فلا تكاد فضيلة على هذه الأرض تنسب إلا إلى هذا الشعور بمعناها العظيم الدافق ، الذي لا يكاد تدع شيئاً في هذه الأرض إلا وهي ضاربة فيه بسهم خيراً كان أم شراً .
و شعلة الحب المقدسة هي تلك التي تنصب في قلوب البشر فتقلب أحوالهم رأساً على عقب ، و ترفع الإنسان رجلاً كان أم امرأة على مدارج غريبة تصل السماء بالأرض ، وتغير حياته لتجعل بها شفقاً غروبياً يخلق في الدنيا مشاعر كونية تمزج البشر ببعضهم في حالة إنسانية غريبة ، فترد الجميع إلى سر أرواحهم المستقر في أعماقهم ،فكما يلد الفجر في قلوب البشر تجديداً يحيل كل شيء جميلاً غناء ، كذلك يصنع الحب إذ يبدل الناس حتى ما يكاد يعرفهم من كان يراهم قبل الحب من بعدما أحبوا .
والحب الذي عرفته يوماً بل أياماً كان منه قصة صبغت حياتي بألوانها لواذ ثلاث سنوات ، فما كنت أنام و لا أصحو إلا على ما تحمل الأيام من أحداثها و تصاريفها العجيبة .
جمعتني و إياها مقاعد الجامعة منذ السنة الأولى ،و ما كان بيننا كلام و إن كان كل منا يعرف الآخر كزملاء الجامعة كلهم ،
ولم يلفت نظري إليها شيء يوماً حتى جمعتنا الأقدار مطلع السنة الثالثة فصرنا صديقين ، و بدأت صداقتنا ككل الصداقات
سطحية أول الأمر ثم أخذت تكبر شيئاً فشيئاً ، كنبتة يحيطها راويها بسقياه و عنايته يوماً فيوماً .
و هكذا بدأ طيف الحب بالحياة و النمو داخلي ،و كانت هي على جمال و مكانة عاليين ، و يميزها من غيرها ممن عرفت من الفتيات طيبة عجيبة ، و براءة نادرة في بنات جيلها ، وهي إلى ذلك لطيفة بالغة اللطف ، و لبقة غاية اللباقة ، يصعب على شاب عرفها ألا يتحرك شيء في عواطفه تجاهها .
و لما عزمت على مصارحتها بما يكنه قلبي لها ، فجأني أنها على حب يربطها بقريب لها ، فصرت من صدمتي كأنني واقف على شفا جرف هار أكاد أهوي فيه ، و صار رأسي كمرجل يغلي ، ثم بدأ الدم يتنزل منه على جسمي كله كحمم النار ، و فقدت الإبصار لحظات فلم يعد حولي إلا الظلام ، و غبت عن الوعي دون أن أغيب ، و ذلك أشد مرارة و أقسى .
بعدئذ ... أخفيت حبي لها تحت معطف كسوته علاقتنا أسميته " الصداقة الأخوية " لكنَ تحته بحر حب يموج هادراً تارة ، و يسكن كما الطفل النائم في مهده طوراً ،حاولت كتمانه كثيراً لئلا تخشاه فتفسد علاقتنا التي كانت تنعم على روحي بقطرات مطر تمنحها الحياة وسط شظف الألم و صحاري العذاب التي كنت أعيشها ، بيد أن حجب الستر كانت تتفتق كثيراً عن أشعة تطل منها عبارات حب و نظرات عشق لا بد أنها أدركت معناها مرات فتجاهلته لئلا يحصل ما لا تريد .
لكنَ حجاب الكتمان تبدد ، و معطف الستر تمزق ، في لحظة قررت قطع حبل الود بيننا فيها ، فأوقعتني صريع الألم ، و ما عاد شيء فيَ سليماً معافى ،بل تكسرت سعادتي على نصال الراق ، و تحطمت أشتات آمالي على بساط قسوتها المفاجئة ، و غدوت ذرة سابحة في الفراغ لا هدف لها و لا طريق .و لبثت على حالي تلك أشهراً أشكو فيها أساي لغيري حتى ملوني و ملوا قصتي ، إلى أن انفرجت ظلال الأسى عن قبس سعادة اتسع حتى شمل قلبي كله ، فأحياني من بعد موت دونه كل موت ، و حملني على بساط مجنح إلى جنة كل ما فيها رقة و هناء و سحر ، بعدما كنت كالضائع في بئر مهجور سقط به من عشرات السنين .
لكنَ القدر لم يشأ ان يترك فيَ بثرة من ألم احتبست في صدري من فعلها ، إذ عادت بعد أشهر لتعتذر عن فعلتها و ما أجرمته بحقي ، فجددت جدول الحب في نفسي بعدما هجره ماؤه ، و سكنته حشائش اليأس و أتربة الضياع .
لقد أحببتها .... و لست أنكر .... و ملأني حبها حتى طغى على قلبي فأذابه ، و جعل على عقلي غشاوة تمنع عنه أي تفكير بغير شأنها ، لكنَ كل ما أحاطني و أحاطها جعلنا من جديد نفترق ، حتى صرنا لا نلتقي ، بل لا يمكن ان نلتقي يوماً كعمودين من أعمدة المعابد القديمة ، قد يقتربان من بعضهما كثيراً ، لكنهما أبداً لا يلتقيان .
أقول اليوم لها وداعاً ... وداعاً يا من أحببتها فغلبني حبها على نفسي ، وداعاً يا من عذبتني و أرقتني و سلبتني كل شعور إلا حبها و الخوف عليها .... و كل تفكير إلا بها ... وداعاًَ يا من كنت كل شيء في حياتي يوماً .... وداعاً .....يا من كنت أغلى حبيبة..... و أغلى أخت......و أغلى صديقة ... و بت اليوم أغلى ذكرى لا تمحوها السنون من قلب و عقل صبغا بلونك أمداً طويلاً...
وداعاً...
وداعاً....
وداعاً.......