دقّتْ علَى دقََّاتِهَا السَّاعَاتُ** وحَلََتْ عَلى أفْيَائِها الأوقاتُ
وعلَتْ على أرجائِها وتَمَايَلَتْ **طرَبًا وحامَتْ فوقها الرّايَاتُ
هيَ واحةٌ فيها الزُّهورُ تنَفَّسَّتْ ** وتعَطَّرَتْ منْ عِطْرِهَا السَّاحَاتُ
ريحُ الصَّبَا حِينَ الصَّبَاحِ تأرَّجَتْ**بالنَّشْرِ تنْشُرُ عطرَها النَّفحَاتُ
حمَلَتْ نسائمَ واحةٍ قدْ زَيَّنَتْ ** رَوْضَاتها أزهارُهَا العَطِرَاتُ
وشدتْ بِهَا الأطيارُ بالشِّعْرِ الذي **حامتْ به وَ عَلََتْ لها السَّجعَاتُ
أشجارها الخضراء مدَّتْ ظلَّها **وتفتَّحَتْ في روضها الزَّهرَاتُ
غسَلَ النَّدى أثوابَها بصفائهِ**فتقطَّرَتْ بالجوهرِ الثَّمَرَاتُ
وخيوطُ نورٍ قدْ بدتْ منْ بينها** وكأنَّما أغْصَانُهَا شُرُفَاتُ
وكأنَّما ابْتَسَمَ الضِّياء وقدْ بدَتْ** بسَّامةً من حولهِ الثَّغرَاتُ
فهواءُها رطْبٌ, وصوْتُ طيورِها طرَبٌ, وبين ظلالِها لمعَاتُ
هي واحةً للنُّور شعَّ بريقُها** فتَلَأْلَأَتْ من نورها الصفحاتُ
الشِّعر فيها منْهَلٌ , والفكر فيها مغْزَلٌ, حِيكتْ به الأبياتُ
إنَّ القصيدةَ من أراد بناءَها ** فأساسُها الأفكارُ والكلماتُ
لَبِنَاتُها الألفاظُ يربطُها معًا** معنًى وأنغامٌ لها وصِلَاتُ
والشعر مثل النَّهرِ يجري موجُهُ **عذبًا تحن لمائه الفلواتُ
تنشق عنه جداول وكأنها ** أغصان دوح وهي مشتجرات
تجري الجداولُ في مرابعها كما ** تجري إلى أوْكارِهَا الحيَّاتُ
وكأنَّها في الزَّحف ذات عزيمةٍ **وتحثُّها في زحفها الغاياتُ
والْمرء يبلغ ما يريد إذا سَعَى** وتقُودُهُ للغايةِ العَزمَاتُ
الشِّعْرُ بستان الحروفِ , وفيه ألوان القطوف ِ, كأنَّها باقاتُ
وتَجمَّعتْ فيه الصُّنوفُ , كأنَّها قوسُ الطُّيُوف , إذا بدَتْ غيْمَاتُ
في الشِّعْرِ راحة خاطرٍ أفضى بما **جالتْ به الأفكار والْخَطَرَاتُ
والشِّعْرُ نافذةٌ لأفكارِ الفتَى** منها تُطِلُّ منَ الفَتى النَّفثَاتُ
ويصول فكرٌ أو يجول كأنَّما ** طابتْ لهُ الغَدَواتُ والرَّوحَاتُ
والقصْدُ طابَ مع القصيدِ ورُبَّما **خانَتْ فتًى في سيرهِ خُطوَاتُ
فإذا الفتى عثرَتْ به أقدامُهُ ** فَلَهُ إلى درْبِ النَّجاةِ هداةُ
فاخْتَرْ حروفَكَ في القصائدِ إنَّها ** حسنَتْ إذا كانتْ بها الْحَسَنَاتُ
هي لَمْ تزلْ دارًا تطيب لساكنٍ ** ولزائرٍ عادتْ به الزَّوْراتُ
تزدادُ حسْنًا كلَّما شابتْ كما ** لو أنَّها ما مَرَّت السَّنَوَاتُ
وإذا أتى الظمآن يرجو عذبَها** لَرَواهُ من نبع الصفاء فراتُ
فيها معانٍ للوفاء وصحبةٌ** ووجوهُ شعرٍ طيِّبٍ نَضِرَاتُ
فإذا جلَسْتَ على ضفاف جمالِها ** لَمْ تدرِ كيف جرَتْ بك الأوقَاتُ