اختصرت هذه الفضيحة المشهد كله بدون مبالغة ، ليس فى بعده السياسى فقط انما الحضارى أيضاً ، واذا كان أطراف النزاع السياسى تورطوا فى توظيف السقطات لمطامع السلطة ، ففى التفاصيل الخفية أسباب تخلفنا وخروجنا عن سياق التقدم وغيابنا عن مواكب النهضة . عبد الفتاح السيسى يقود دراجة ويتحدث عن المشكلة الاقتصادية والتريليونات ، لكن لست متأكداً من أنه سيتحدث عن ثورة أخلاق وضمائر ، واليابانيون والصينيون يقودون دراجات كذلك . نأخذ القشور فقط ولا نهتم بالمضمون والقوة الكامنة ، وعبد الفتاح الصعيدى مدرب كاراتيه ، لكنه ينام عقب التدريبات فى حضن الرذيلة ، أما الكاراتيه فى اليابان والصين فشأنه مختلف تماماً ، شأن كل شئ مختلف عندهم ، لذلك نهضوا وتقدموا ، ولذلك تخلفنا وتأخرنا ، حتى ولو قمنا بالحركات الظاهرية وأظهرنا ميداليات التفوق ، وتحدثنا كما يتحدث الكبار ، لأننا افتقدنا القوة المحركة المتمثلة فى الأخلاق ، وقوة الضمير وسمو الروح . الأخلاق والفضائل هى القوة المحركة للبناء الحضارى عند الأمم ، وقد جعلها الله سنة كونية لا تحابى مؤمناً أو كافراً ، والتفوق لمن يمتلكها قال تعالى " كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً " . هذا يفسرغلبة أمم أخرى على أمة الاسلام ؛ وابتعاد المسلمين عن جوهر دينهم وعن قيم العدل والشجاعة والعفة والفضيلة والسقوط فى فحش القول والعمل كفيل باخضاعهم لأمم مناوئة لها تخلقت بتلك الأخلاق الحية التى لها أثر بالغ فى تغيير مجرى تاريخ الأمم . الصينيون واليابانيون رؤيتهم ووجهتهم مختلفة تماماً فهم لا يبنون على غير أساس عندما يتعلق الأمر ببرامج تنمية اقتصادية أو اصلاح سياسى ، وأيضاً لا يمارسون الكاراتيه كما يمارسه عبد الفتاح الصعيدى ، فالقضية هناك قضية روح وطاقة كامنة وليس فقط حركات وشعارات ومظاهر جوفاء . تعكس الأخلاق الصينية نوعاً من التقوى السرية أو تقديس الأسرة وطاعة ولى الأمر والحاكم بمثابة الأب للعائلة الكبيرة التى هى الدولة والشعب ، وهو خليفة السماء على الأرض فاذا كان سلوكه أخلاقياً فالدولة فى أحسن أحوالها ، واذا انحرف انهار النظام ، والحاكم هناك يقوم بدور دينى وأخلاقى بجانب دوره الادارى وتسيير أمور الدولة . واليابانيون يقبلون كل ما هو حسن وكل ما يرقى الأخلاق سواء أكان فكراً أم معتقداً . ولا يعيرون اهتماماً للاختلاف فى العقائد الدينية فالنظم الأخلاقية التى أخرجتها عقائدهم هى التى – من وجهة نظرهم – تنظم علاقة الانسان بالانسان داخل المجتمع ولا يهم ما يثار من اختلاف حول مصدر الأخلاق ، وهناك قيم مشتركة بين الحضارة الاسلامية والكونفوشية أو البوذية أو الشنتوية ، فهى جميعها تدعو الى السلام والعدل والمساواة والحب والعفو والتسامح والفضيلة . اليابانيون أكثر تفاعلاً وتطبيقاً لما جاء فى مصادر قيمهم وأخلاقهم ، ومنها الاسلام الذى يلعب دوراً مهما فى توجيه طاقة الانسان اليابانى الى الخير والبناء والسمو والعمل ، والمصريون غارقون جميعهم فى مستنقع الانحدار الأخلاقى قولاً وعملاً . الأفضلية والانتصار لمن ينجح فى تحقيق المعادلة وحمل الأمانة واقامة النظام الأخلاقى على الأرض ، والخطاب الذى ورد فى القرآن موجه الى الانسان فى كل مكان وفى كل زمان . يحرص اليابانيون على اتخاذ المثل الأعلى والسمو الخلقى أساساً لتنظيم حياة الفرد والجماعة ، واليابان ليست أمة مال وقوة جسمانية وعقلية لا هم لها الا الربح حتى وصفت بأنها حيوان اقتصادى ، انما هى وليدة بطولة عريقة ، حققت الازدهار والتقدم والرفاهية من خلال الزهد فى الحياة والصد عن توافه المادة والتبذل والانحراف الأخلاقى . يقول مختار كنعان فى تقديمه لترجمة البوشيدو " هناك شبه جلى جداً بين مبادئ البداوة والعروبة الصادقة الخالصة وبين خلق اليابانى واغراقه فى الاباء والبطولة ، والفرق هو أن العربى أغفل بطولته بين الحين والآخر ، بينما اليابانى حرص عليها كل الحرص فنسج من البطولة والخصائص القومية شباك مدنيته ومظاهر تطوره ورقيه " . الأفضلية بين البشر أفضلية فى الأساس للجانب الخلقى على أى جانب آخر من جوانب التفاخر والتفاضل بين البشر " ان أكرمكم عند الله أتقاكم " والخطاب هنا موجه للانسان فى كل مكان وفى كل زمان . يتفوق اليابانيون والصينيون فى الكاراتيه وفنون القوة والدفاع عن النفس ، وفى النظم الادارية والبرامج التنموية والاقتصادية والسياسية ، لأنهم يتحركون من منطلق أخلاقى وتدفعهم القوة الكامنة . أما نحن فلا يبدو أننا نتحرك فى الاتجاه الصحيح على كل المستويات