شُبَّـاكي الأخرس
كل الشبابيك التي تبدو هنالك .. ساهرة...
وبها الوجوه تلألأت خلف الستائر فــَرْحةً.
إذ شاقها همس النسيم يداعب الأحلامَ ليلا .. والجفونْ .
وتذوب عشقا في أصيص الذكرياتِ زهورها.
تغفو على حلو الأحاديث الحميمة ..في الليالي الساحرة.
كل الشبابيك التي تبدو هنالك ..مشرقة.
إلاكَ ، شباكي أنا
(فصامتٌ
ومقفرٌ..
ومظلمٌ
وبالجوى مكبلٌ.)
يلتف حول إطاره ثوب الكآبة من خيوط العنكبوت.
يسكنه عفريت الشتاءِ ...
ويستبيح ضلوعه شوكُ الصبابة والشجون ْ.
وتطل من أستاره أنات قلب هادرة.
كل الشبابيك التي تبدو هنالك ..صاخبة.
إلاكَ ، أنت فصامت...
يا أيها العصفور حط على موانئ شوقه
غرد عليه مع النهار لساعة.
أو عند فاتحة المساءِ ولو ثوان عابرة.
كل الشبابيك التي تبدو هنالك .. مزهرة.
إلاكَ ، أنت فمقفرٌ..
يا أيها الغصن الذي يحبو ،ولا يرنو له
عَـرِّج قليلا نحوه ..
فلربما أسعدت غصنا لم يعد فيه الرحيقْ
يشتاق دوما للربيع ليلتقي فيه الرفيقِ.
وربما آنست صدرا حانيا، يوما على عتباته ،
تغفو عليه إذا الرياح قسى عليك زئيرها
يضربك في جوف الليالي الماطرة.
يا أيها الماء المعتق في زجاجات الصباح
قبــِّل شفاه براعمي عند الشروق ْ.
فالغصن يأكله الحريقْ.
بلسم عذابات الجراح ِ.
فربما أيقظت شيئا من زهور ذابلات ...
في أصيص الذكريات وفي متاهات الجنون ِ.
وربما أحييت شيئا من ملامح غائرة.
كل الشبابيك التي تبدو هنالك ساطعة.
إلاكَ ، أنت فمظلم
يا أيها البدر المسافر حط عندي مرة ..
وانشر ضياءك في الزوايا والحنايا والقصائد والعيون.
هدهد فراشات الحنينْ.
واضمم لقلبك ،صادقا، أنات قلب حائرة.
كل الشبابيك التي تبدو هنالك مبهجة.
إلاكَ ، أنت فبالجوى مكبل
يا أيها العصفور كن لي بهجة ً...
واسكب غناءك في فمي.
دفئا لروحي في الليالي البائساتِ ..
وكن أنيسي في رواق الذكريات ...
وكن رفيقي في الدروب العاثرة.
******
يا ليلة للحب رائعة الشذا
ما زال شباكي هنا ..
بين الشبابيك التي تختال تضحك في الأفق.
ما زال يطحنه الأرق.
مازال يرنو نحو عينيك البعيدة يرتجي منها الألق.
عودي إليه أميرة للسحر زفتها النجومْ
تنبت الحناء زهرا في يديها، والبشارةُ في الجبينْ.
عودي إليه وحطمي صخر الهمومْ.
مازال شباكي هنا ... يبدو وحيدا في العراءْ.
عودي إليه لتسكنيه ، وتطردي بوم الكآبة والصقيعْ.
عودي إليه ، فإنه مازال يحلم بالرواءْ.
عودي إليه لكي يعود له الربيعْ.
ليطلَّ وجهُـكِ باسما كالعيد من شرفاته
تحدوه أطياف الضياء الغامرة..