تحلق الناس حول تلك النافورة العجيبة ,والتي تلفظ المياه و الرذاذ بصحبة الألوان والأنغام.
البعض جلس منتشياً بروعة المنظروبهاء المكان ,والبعض شرع في الرقص حول قرص الساحة, وقلة من الناس انزوت بالقرب ,تراقب بصمت و فضول هذاالحفل البديع.
لم تمض سويعات قليلة على وصول ذاك الشاب الغريب إلى تلك البلاد النائية الجميلة.
هوفي مقتبل العمر , وجهه المفعم بتراسيم الخجل و البراءة و الطهر ,وشاربان لم تكتمل ملامحهما بعد , و عيون خضراء نقية ,تأ كل كل شيئ تقع عليه ,كما النار في الهشيم.
هذه المرة الاولى التي يشاهد فيها هذه السحنات و المخلوقات الجميلة !
نساء لا يرتدين من الثياب إلا ما يستر عوراتهن ، رجال يحتسون قوارير الجعة ، كهول لم تحطمهم قسوة الايام فاطلقوا العنان لما تبقى لديهم من قوة ,يرقصون بفرح وهمة.
نظر إلى صديقه الجالس بالقرب مهمهماً: ألا يجدون شيئاً يلبسونه !!؟
لم يتمالك الصديق نفسه من الضحك ,فأرسل قهقهات هستيرية ,لفتت إليه انتباه بعض الحاضرين.
- صبراً ياأخي ، لم تر شيئاً بعد.
اعتدل الصديق في جلسته ,و تابع كلامه ,بشكل أشبه ما يكون بالوعظ ,بعد أن غابت ابتسامته:
- منذ ساعات وصلت الى قارة جديدة ,تتصف بكثير من العادات و التقاليد ,والتي لا تمت إلى عالمنا و مجتمعنا بأي صلة.
-لا تستهجن أي شيء تراه هنا، يجب عليك أن تسمع ,لكي تتعلم ,و تشاهد لكي تدرك وتحلل , ماذا يدور حولك ,وتغوص في أغوار عقول من حولك, مكتشفاً مساحات جديدة ,ستكون بالنسبة لك جزيرة الأمان ,حيث ستقف على صخورها, لتكشف عباب بحر هذا العالم الجديد.
مضت دقائق صامتة ,أمضاها الاثنان في التحديق الى وصلة موسيقية هادئة ,اشتبكت فيها الايدي, و تعانقت الهامات , على أنغام شجية و صوت نسائي رخيم.
- ها ,في فمك سؤال يؤرقك ! هات ماعندك ؟
- هي موج من الاسئلة ,و لكن سأحاول اختصارها ,كي لا أثقل عليك.
- لا تشعر بالحرج ، كلنا عند لحظة وصولنا ,داهمتنا الملايين من الأسئلة ,و أجابنا عليها إخوة لنا , ممن سبقونا إلى هذه البلاد ,أو أدركنا كنهها بتقادم الأيام.وغداً ستقف هاهنا ,في وسط هذه الحديقة الغناء لتجيب عن تساؤلات كثيرة.
بين معمعة السؤال والإجابة , وبدون سابق إنذار أو وعيد ,اقتربت منهم فتاة فائقة الجمال ,أرسلت ضفائرها الذهبية على كتفيها !
كانت عيناها بلون السماء الصافية ,ووجهها كالبدر في ليلة التمام ، ذات بشرة بيضاء مترعة بحمرة, كأنما أترعت من زهور العالم كله.
اقتربت بثبات و شجاعة مستغربة ,وهمست بكلمات رقيقة لم يفهم منها ذاك الغريب شيئا.
أيقظه صوت صديقه من غفوته:
- إنها تريد أن تراقصك !!
- ماذا ..؟؟؟
- إنها تدعوك للرقص ! ألا تسمع ؟
- لماذا أنا ؟أنا لا أجيد الرقص و ..
كلمها صديقه بلغتها المجهولة ,و لا تزال بهية الجمال تنظر بعينيين و قحتين الى ذاك الفتى المقتول على نطع الجمال والدهشة.
تجيبه و قد أرفقت حديثها بابتسامة خجولة , و رمش أطلق جعبة من العتاب والحيرة.
- إنها تقول :لا عليك ! ستعلمك هي الرقص، يجب أن لا ترد دعوتها هيا... قم.!!!
- ولكن.. أنا. كيف. لما....؟
أمسكت بيديهاالحريريتين يده ,و سحبته حول ذاك القرص العجيب ,متوسدة استغرابه و ذهوله و غروره الدفين...
سبعة أعوام مرت ,وما زال ذاك الفتى الذي اكتمل رسم شاربيه على سدة شفتيه ,يراقص خيال تلك الملاك الشقراء ,ينظر إليها و قد ملأت الساحة صخباً و جمالاً.
وهوما يزال ينتصب على تلك الأريكة الخشبية الخضراء ,و بعيونه ذات اللون نفسه, يراقب بصمت ضوضاء الراقصين, و يجيب على أسئلة القادمين الجدد بلا حرج ,و لا ملل, بل بمتعة و فخر
ويرقب بين الجموع متسائلاً: هل سيعود مرة أخرى طيف تلك النسمه البيضاء, لتدعوه إلى الرقص...؟