أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: رؤية نقدية لقصة " الذى يدوم ولا يدوم " للأديب منير المنيرى

  1. #1
    الصورة الرمزية هشام النجار أديب
    تاريخ التسجيل : May 2013
    المشاركات : 959
    المواضيع : 359
    الردود : 959
    المعدل اليومي : 0.24

    افتراضي رؤية نقدية لقصة " الذى يدوم ولا يدوم " للأديب منير المنيرى

    اسمحوا أن اقدم هنا رؤية نقدية لاحدى قصص الأديب المغربى منير المنيرى الذى تعرفت على قصصه أثناء تحكيمى واشرافى على احدى مسابقات القصة القصيرة

    الذى يدوم ولا يدوم

    قصة: بقلم / الأديب المغربى منير المنيرى

    لا يملك الآن إلا التسليم لحكم عقله والقبوع بين الجدران وحيدا، بعدما زفت أخته الثالثة والأخيرة إلى زوجها، الكل له ولا شيء له، اللعنة على الصحة والمال والوظيفة كلها عملات لشيء اسمه اللحظة،آه أتذكر.
    "كم وددت أن أرى أحفادي من صلبك كآخر طلب لي؟"
    فتجيب وأنت منغمس في الذي تظنه يدوم:
    ـ عما قريب إن شاء الله.
    ثم تقنع بالذي علمتك إياه مدرسة علم النفس في الجامعة،حتى تكسب عطفها وتنهال عليك بالقبلات كأنك طفل في عقده الأول، فتسير في مجرى تيار العبث، إلى أن تستيقظ في ذلك اليوم لما دويت أرجاء كيانك وذرفت فيه عيناك على الثرى والناس بجانبك يصبرونك عنهما ...
    كان عليك أن تعدل وتتأمل في الذي يدوم بين مفترق رحيلهما ولكن الشيطان، الشيطان غرك باسوداد صدغك وبعضلاتك المفتولة ،كم كانت ذكرى جميلة في الطابق العلوي عند زملاء العمل أنت الآن أجدر بالرثاء منهم، لأنهم أخذوا بالذي يدوم وتركوك راكضا وراء الذي يدوم ولا يدوم، وحيدا وسط الترهات و أوحال المياه العفنة التي بلت قدميك وطرحتك صريع الجدران الأربع أو الخمس أو الست أو الثمان، لا يهم طبخ وغسيل ولا من يعول في أغلب الأحايين أنت أنت، أحزان في أفراح وأفراح في أحزان والحق أحزان في أحزان، الغرف السبع، الفناء، أنظر إلى تلك الصورة المعلقة فوق غرفة الضيوف، الأب والأم والأخوات الثلاث وأنت واسطة بينهما ، من قال إن الاجتماع سيزول الزواج والموت وأنت واسطة بينهما أحدهما بعد عنك والآخر يرسل رياحه فيلاعب شعرات رأسك البيض دون أن يميل سوادهما، من قال بعد فالمال والجاه صانعاه ولكن أين تلك النفس المتناثرة بين الذي يدوم ولا يدوم، بين زمان العشق والهوى وزمان الأسف والندامة.
    ها أنت تصل إلى مقهى الأحباب، اسم على مسمى، مقهى الذي يدوم ولا يدوم، تجلس وحدك لأنك السباق دائما قبل أصدقائك، يأتيك إدريس بجلبابه الواسع وطاقيته الحمراء، صورة من التبات كأعمدة الكهرباء المستوية على طريق منزلك، كلما رأيته تذكرت اليوم الذي استضافك فيه نادلا حريصا على جلب الزوار والقلوب واليوم الذي اشترى فيه المقهى وأهدى لك كرسياً لإخلاصك ووفائك وسابق جميلك بجانبه لطول العمر، كم غريبة هذه التي يغدو فيها السارق بين عشية وضحاها زاهدا والحمال تاجرا وأنت لم تغد سوى كهلا يحمل أعباء الوحدة على كاهله، ممتطيا جواد الزمان نحو اللامعلوم هاهم قدموا وجلسوا حول الخوان أمامك يصيح عمر وهو يعبث بدخان سيجارته:
    ـ الرجل على لسان زوجته قبل الزواج، أستاذ وبعده بثلاث أو أربع سنوات ضمير مخاطب أو غائب رومانسية ولا كل الرومانسيات.
    فيعلق فؤاد زميل عملك بالمصلحة:
    ـ هي حياتنا نحياها معهم ولا يهمنا إلا الصفة والأولاد، أما الرومانسية الله يرحم أيام الطابق العلوي أيام العزوبة.
    وقبل أن يتمم وخزت نفسك الحساسة ورحت تسترق النظرات باتجاه سحن وملامح الثلاثة فؤاد، عمر، إدريس،
    كلهم غيروا الواجهة وأصبح لكل واحد منهم شأن يملأ به صفحات يومه ويفرغ فيه ينابيع عواطفه، كأن لا عهد له بما قضاه معك أيام الذي يدوم ولا يدوم أيام الهوى والنزق والطيش، بعد قليل سيفترق الكل وتبقى وحدك مع إدريس حتى ينصرف الزبناء ويغلق مقهاه حوالي الحادية عشر ليلا، ثم تتوجه لمنزلك منفردا لتراجع مسلسل أحزانك أو ترمي جسدك الكليل بين أحضان الذي يدوم ولا يدوم.
    الجوار جمعك معها والعشق،جوار المنزل و عشق الروح والجسد اللذان لم تجد لهما طريقا إلا من خلال أحلام مراهقتك المبكرة ومع ذلك فقد كانت هي الوحيدة التي حطمت أسوار حياضك الملقى في قلوب فتيات حيك وجامعتك، بالفعل تزوجت بعد أن خيبت آمالها في حفل زفاف ابن عمك عزيز، حين رمت عليك بنانها المخضوبة وسبحت معك في بحرالعشاق وقالت :
    ـ الخطاب يطرقون الباب وأنت تعرف أبي. أتواعدني بالزواج؟
    فأجبتها بعفويتك المتمدنة:
    ـ نحن صغار و العمر أمامنا.
    ـ و الزواج.
    ـ بعد أن نلهو ونأخذ حظنا من الحياة.
    من تم بعدت عنك وأمام عينيك الزائغتين تزوجت وغادرت الحي إلى بيت الزوجية وأنجبت ولكن لم تتغير نظراتك إليها وفي كل مرة تعزي نفسك في بيوت أصحاب الذي يدوم ولا يدوم، إلى أن ترملت وأصبحت وجها مألوفا ومع ذلك تعففت واختبأت وراء ستار العادات والتقاليد والأعراف ولم تستطع أن تحيي ذكريات حبك الأول مرة أخرى الآن أنت في حاجة إليها، هي مثلك في سن الأربعين لا يهمك ما يقولون لا فرق بين القوام الممشوق والقوام الممتلئ ولا بين البكر والثيب، لأن أنغامهم لم تعد تطربك انهض واطرق بابها وإن فتح لك فلا تسأل إلا عن الذي يدوم.
    وبعد أن تيقن أن عليه أن يأخذ بالذي يدوم ، خرج من منزله مع أخواته الثلاث بعدما شاورهن في زواجه من الأرملة، محملين بالورود والهدايا وكثيراً من الآمال وقصدوا الباب الأحمر الفولاذي عند منعطف الحي قرب محل بيع السكر وما هي إلا دقائق حتى وصلوا فخفق قلبه مع إيقاع طرقات أخته يسرى للباب ونبع صوات من داخل البيت:
    ـ من الطارق؟
    فردت كبرى الأخوات عائشة بعبارة المقام المعهود في مثل هذه المناسبة :
    ـ ضيف الله.
    وهناك حل الصمت مكان الكلام وفي داخل المنزل وراء الباب الفولاذي كانت حوادث كثيرة تقع؛ كانت زينب تحظر وجبة العشاء وأنيس ابنها الوحيد يراجع درس العربية في غرفته والبشير أخوها يتفرج في الأخبار المسائية وبعد هنيهة تقدمت زينب من المطبخ بخطاها وبجسدها الممتلئ ففتحت الباب للضيوف واستقبلتهم ببشاشتها المعهودة في فناء المنزل وبالتقاء العيون وابتسامة ألف وتسعمائة وثمانية وثمانين وببضع كلمات ومجاملات سمعت الزغاريد من البيت وما هو إلا أسبوع واحد حتى التأمت كلومه وسكنت هواجسه وأقيمت وليمة العرس في منزله بحضور الأحباب والأخلاء والجيران وأصبح آخدا بالذي يدوم وتاركا الذي لايدوم بعدما تجاوز الأربعين من عمره.

    رؤية نقدية بقلم / هشام النجار:

    تحليل موضوعى :

    قصة الأديب المغربى منير المنيرى ( الذى يدوم ولا يدوم ) صاغها بأسلوب غير تقليدى ومزج فيها بحرفية بين حكاية البطل وذكرياته عن معاناته مع الوحدة والعزوبية وحياة اللهو والعبث ( الذى لا يدوم ) ، وبين حكاية الراوى عنه ، والتى جاءت فقط فى خاتمة القصة بعد أن استقر البطل عند ( الذى يدوم ) . وكأن القاص يقدم النهاية خارج سياق حكاية البطل عن نفسه ، كرسالة قصيرة لمن لا يزال موهوماً مخدوعاً من الشباب ب(الذى لا يدوم) معرضاً عن وهارباً من ( الذى يدوم ) فى حضن الاستقرار وبيت الزوجية .

    تجديد ابداعى :

    رسائل خفية :
    القصة بها الكثير من الرسائل الخفية التى أرسلها القاص بطريقة فنية مبتكرة منها :
    أولا : الرغبة الجسدية لا تصلح أساسا لزواج مستقر ( يدوم ) ؛ فالزواج علاقة انسانية فى المقام الأول .. نقرأ هذه الرسالة فى أكثر من مشهد ، أهمها وهو يحث نفسه على القيام بالخطوة التى قد يلومه عليها المجتمع من حوله ، بعد أن ساد فى عرف الناس من حوله أن الزواج ما هو الا اشباع للجسد فقط ؛ يقول " هى مثلك فى سن الأربعين ، لا يهمك ما يقولون ، لا فرق بين القوام الممشوق والقوام الممتلئ ، ولا بين البكر والثيب ؛ لأن أنغامهم لم تعد تطربك .. انهض وأطرق بابها وان فتح لك فلا تسأل الا عن الذى يدوم " .
    ثانياً : حياة اللهو مهما اتسعت علاقاتها وتنوعت أساليبها الا أنها عاجزة عن ملئ الفراغ النفسى داخل الانسان وعاجزة عن إشباع عواطفه بصورة كاملة لأنها تعتمد فقط على إشباع جانب واحد فقط وهو الجانب الجسدى ؛ لذلك فهو اشباع ( لا يدوم ) يقول القاص عن أصدقاء البطل ورفاقه القدامى فى حياة اللهو قبل استقرارهم فى بيت الزوجية " كلهم غيروا الواجهة واصبح لكل واحد منهم شأن يملأ به صفحات يومه ويفرغ فيه ينابيع عواطفه ، كأن لا عهد له بما قضاه معك أيام الذى يدوم ولا يدوم أيام الهوى والنزق والطيش " .
    ثالثاً : الموت يحدث كل يوم فلماذا لا يدلنا على الذى يدوم والذى لا يدوم فى العلاقة الانسانية بين الرجل والمرأة ؟
    و تلك أعمق رسائل القصة على الإطلاق وقد صاغها القاص ببراعة وحرفية تدل على عمق تأمله وتمكنه من أدواته .
    البطل لم يتغير بموت والديه فقد غره الشيطان وعماه عن حقيقة ( الذى يدوم ولا يدوم ) .. يقول القاص " تسير فى مجرى تيار العبث الى أن تستيقظ فى ذلك اليوم لما دويت أرجاء كيانك وذرفت عيناك على الثرى والناس بجانبك يصبرونك عنهما ، عليك أن تعدل وتتأمل فى الذى يدوم بين مفترق رحيلهما ولكن الشيطان .. الشيطان غرك " .
    الموت والزواج والبطل واسطة بينهما ، أحدهما زال وبعد عنه والآخر " يرسل رياحه فيلاعب شعرات رأسك البيض دون أن يميل سوادهما " .

    التصوير الفنى :

    هناك علاقة وثيقة بين الموت والزواج من ( جهة الذى يدوم والذى لا يدوم ) فهناك أشكال ومظاهر ومال وجاه ( لا يدوم ) !
    وهناك فى المقابل مايدوم بعد الموت من خير وعمل صالح ، وما يدوم أثناء الزواج من بر وعطف وعشرة واحترام متبادل .
    تلك اذاً أهم الصور الفنية وأقواها فى القصة التى زاوجت بين ما هو مادى محسوس وما هو غيبى متخيل ، بين الحياة والموت : " أحزان في أفراح وأفراح في أحزان والحق أحزان في أحزان، الغرف السبع، الفناء، أنظر إلى تلك الصورة المعلقة فوق غرفة الضيوف، الأب والأم والأخوات الثلاث وأنت واسطة بينهما ، من قال إن الاجتماع سيزول الزواج والموت وأنت واسطة بينهما أحدهما بعد عنك والآخر يرسل رياحه فيلاعب شعرات رأسك البيض دون أن يميل سوادهما، من قال بعد فالمال والجاه صانعاه ولكن أين تلك النفس المتناثرة بين الذي يدوم ولا يدوم، بين زمان العشق والهوى وزمان الأسف والندامة " .
    فاذا كان العمر يمضى ويفاجئنا الموت دون أن نقدم شيئا لما بعده فيبقى الأسف والندامة ، أيضا سنأسف ونندم اذا مر بنا العمر دون أن نبصر الذى يدوم فى علاقتنا بالمرأة قبل فوات الأوان : " أين تلك النفس المتناثرة بين الذى يدوم ولا يدوم ، بين زمان العشق والهوى وزمان الأسف والندامة "
    هذه الحقائق وهذه الرؤى وهذا الفهم العميق لقيمة الذى يدوم ، ولهوان الذى لا يدوم يدركه الانسان العاقل ذو الرؤية البعيدة بعد النضج التام وبعد خوض تجارب الحياة : " أصبح آخذا بالذى يدوم وتاركاً الذى لا يدوم بعدما تجاوز الأربعين من عمره ".

  2. #2
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.71

    افتراضي

    قراءة تحليلية لافتة لقصة جميلة
    لا حرمك البهاء أيها الرائع


    تنقل لقسم النقد التطبيقي والدراسات النقدية

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

المواضيع المتشابهه

  1. رؤية نقدية لقصة " ربطة عنق " للأديب حسام القاضى
    بواسطة هشام النجار في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 14-03-2017, 05:39 PM
  2. رؤية نقدية لقصة الساقية للأديب محمد فطومى
    بواسطة هشام النجار في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 02-03-2016, 09:20 PM
  3. رؤية نقدية لقصة دُميـَة .. للأديب رائد أحمد محمد محمد
    بواسطة هشام النجار في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 25-08-2015, 10:58 PM
  4. رؤية نقدية لقصة " حقيبة متربة وجورب أبيض " .. للأديب حسام القاضى
    بواسطة هشام النجار في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 21-05-2015, 08:57 PM
  5. رؤية تاريخية لقصة " الوغد الذى .. " للأديب حسام القاضى
    بواسطة هشام النجار في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 19-03-2015, 08:05 AM