الجريمة والمراهقة
الجريمة والمراهقة
الجريمة لدى المراهقين تأخذ حيزا كبيرا ومعقدا لدى كل المجتمعات في العالم, لكني سأحاول هنا أن أبين العلاقة ما بين الجريمة والنقص في التربية المنزلية.
عندما يقوم الأخصائيين في علم النفس بدراسة معاهد (الأحداث) يجدون أن عوارض الحالات الموجودة في تلك المعاهد غير ثابتة فهي من الحدث العادي إلى الحدث المصاب بانفصام في الشخصـيّة. لكن ما لذي يجمعهم في صفة واحدة وهي صفة الجريمة؟؟
أسلط الضوء على الأسرة المكونة من أم وأب وأطفال, الأم وبمساعدة الأب تعتني بالأطفال, تهتم بهم وتحاول فهمهم وتحلل نفسيتهم كل واحد على حدة.
ما معنى كلمة طفل عادي؟
هل أن يأكل , يشــرب ويضحك يكون الطفل عادي؟؟
بالطبع لا ..!! الطفل العادي يجب أن يشعر ويلمس الأمان والثقة والمحبة في البيت, تلك الدوافع تجعله يثبت من شخصيته لتتبلور علاقته في المجتمع الكبير.
لكن .. ماذا لو أن هذا الطفل بعد حين بدأ بإثارة المتاعب, أن يحطم, يرعب ويتعب الآخرين؟ حتى يقع أخيرا في خانة المجرمين!! ما لدافع وراء تصرفاته؟ لماذا اختار الأساليب المتعبة؟
كي يكون الطفل عادي عليه أولا أن يعرف الأطر السليمة والحدود المتاحة له ولتصرفاته قبل أن يشعر بالحرية
ماذا لو أن هذا الطفل خرج عن ما ذكرناه من أطر وقواعد وحدود البيت والأســرة؟؟؟
هذا الولد أو تلك الفتاة يجدون أن تلك المبادئ قد تحطمت وهم باتوا لا يشعرون بالحرية, وباتوا يشعرون بالندم ولو بقي لديهم بصيص أمل لبحثوا عنه في مكان آخر غير البيت!! في بيت الخال أو العم .. بيت الجد والجدة حتى تتاح لهم فرصة إيجاد ملاذ ولو كان مؤقت.
لنفرض مثلا أن طفلا ســرق قطعة حلوى, إن أول ما يفعله هو أن يهرب باتجاه أمّه الطّيّبة !!
أمه هي الوحيدة التي يحق لها أن تأخذها منه حســب فهم هذا الطفل!! لكن لماذا؟؟
إنّ الطيبة حقيقة الأمر من صنيع هذا الطفل, لقد أكتشفها وطورها من خلال وأثناء الرضاعة. لكن دور الأم هنا لا يقتصر فقط على أن تأخذ منه ما سرق لإعادته لاصـحابه بل دورها تماما كدور الأب عليها أن تقوم بالتوعية الكاملة والمسـاعدة في البحث عن الكامن وراء تصرف طفلها. عندما يسرق الطفل من خارج المنزل يستمر في بحثه عن أمّه, لكنه ينظر أيضا وبعيون باحثة عن دور أبيه في هذه المرحلة حتى يمنعه الأب من استمراره في مسيرته السيئة. إن الأب المحافظ والشديد اللهجة في التربية والذي بدوره يحمي أسرته من ارتكاب الجريمة .. ليس بالضرورة أن يكون قاسي القلب في التربية, لكن من الضروري جدا أن يكون قويا ومحافظا في مساعدة الأم في تربية أولاده.
عندما يرى الأولاد هذا الأب تكبر فيهم روح المحبة والثقة في النفس تجاه أنفسهم الأسـرة و المجتمع. وتبعث فيهم الإحساس بشـعورهم بالذنب تجاه ما فعلوه, وتصبح عندهم الرغبة القوية في إصلاح غلطتهم.
لكن لو استمرت الحالة كما هي تزداد الأمور سوء , لتبدأ حالة المحبة والثقة تنخفض تدريجيا, حتى تبدأ بأول مراحل المرض النفسي وأولى تلك المراحل هي الكآبة عندها يفقد الطفل إحساسه بمن حوله على أنّه واقع!
و يبدأ في القبول بالعنف والجريمة على أســاس أنه الواقع.
الجناية تعني أنّه هناك أمل !! ليس من الضروري أن يكون هناك مرض ما في حال إصـابة الطفل بما يدعى بالانطواء على الذات؟؟!! حالة الانطواء في بعض الأحيان مجرد ناقوس خطر لمرحلة قصيرة, هي مجرد نداء لمن يهمهم الأمر بالانتباه وطلب الوضع تحت المراقبة من شخص قوي حنون وأهل للثقة.
الطفل العادي لديه المقدرة على إيجاد السبل للتحكم بتصـرفاته عندما يجد المساعدة والتوعية من البداية في بيته وبين أهله واخوته, حتّى أنه تكون لديه القدرة على التحكم بما يدعى (بالعقل الباطن).
أمّا الطفل الانطوائي فلا توجد لديه أبدا المقدرة على التحكم بالعقل الباطن وهو بأمس الحاجة للمسـاعدة .
بين هاتان الحالتان الطفل العادي والطفل الانطوائي هناك حالة الطفل الذي لازالت لديه القدرة أن يجد الاستقرار الصحي والنفسي في حال وجوده في السنوات الصعبة في جّو مليء بالمحبة والتربية السليمة. من السهل جدا على طفل بين 6 إلى 7 ســنوات أن يجد مجالات أفضل لقبول المساعدة على طفل عمره 10 أو 11 سنة.
لو تمكن الطفل من الاعتماد على نفسه وبنى علاقات مع أطفال و راشدين ! أصبح مجبرا على إيجاد الحلول للمشـاكل الّتي ستعترضه وعليه النجاح بها.
إذا دور الأســرة كاملة الأم والأب والأولاد ..عندما يتعاون الوالدان في تربية أطفالهم تتكون لدى كلّ منهم فكرة خاصة عن الطفل وحين يتحاوران عن تلك الفكرة يصبح من السهل إيجاد الحلول و إبعاد الأطفال عن الجريمة
فيجد الطفل مكانه في الأسـرة, المجتمع والعالم .
جزء من دراســـة لي في الطبّ النفســي باللغة الســويديّة.
هشام الخطيب
المرجع العلمي المعتمد
الدكتور Donald W Winnicott
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نورا القحطاني
