أحدث المشاركات
صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 11 إلى 13 من 13

الموضوع: المهندس .. الشهيد يحيى عياش .. رمز الجهاد و قائد المقاومة في فلسطين

  1. #11
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Jul 2003
    العمر : 46
    المشاركات : 113
    المواضيع : 46
    الردود : 113
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    أولاً: القرية والعائلة

    1- رافات تدخل التاريخ

    تقع قرية رافات، على قمة هضبة مرتفعة ضمن سفح عرق الجبال التي تشكل رأس المثلث بالنسبة لمدن نابلس ورام الله وقلقيلية. وعلى الرغم أنها تبعد عن مدينة طولكرم (27) كيلومتراً، إلا أنها تتبع من الناحية الإدارية لواء سلفيت في محافظة نابلس، لأن مدينة نابلس التي تقع على مسافة (38) كيلومتراً شمال شرق القرية ذات نشاط تجاري أوسع وأكبر من مدينة طولكرم إلى جانب توفر المواصلات والطرق إليها بشكل أفضل. وتحيط مجموعة من قرى العرقيات برافات، فالزاوية تقع إلى الشمال، ومسحة إلى الشمال الشرقي وتجاورها بديا وسرطه من الشرق، في حين تقع دير بلوط في الجنوب وبروقين وكفر الديك في الجنوب الشرقي. وتمتد الأراضي المحتلة منذ عام 1948 بانبساط واضح في الاتجاه الغربي حيث التجمعات الاستيطانية الواسعة مثل مستوطنات (عيليه زهاف) و(بدوئيل). واسم (رافات) مشتق من جذر (رفا) سامي مشترك يفيد اللين والتراخي والرفاه والشفاء، وبذلك يكون معناها مكان الراحة والاستسقاء(1).

    تبلغ مساحة أراضي رافات (8125) دونماً من بينها (24) دونماً مخصصة للبناء ودونمان للطرق والوديان، والباقي تعتبر أراضي زراعية يزرع فيها القمح والشعير والكرسنة والخضار. وتشير الإحصاءات إلى أن نحو (634) دونماً من أراضي القرية مزروعة بأشجار الزيتون ونحو (200) دونماً أخرى مزروعة بأشجار الفواكه كالتين والعنب وغيرها. كما تحتوي أراضي القرية على أساسات مبان تاريخية وأرضيات مرصوفة بالفسيفساء والبلاط ومداخن منحوتة في الصخر وصهاريج تعود إلى العصور القديمة وبخاصة القرن السادس الهجري(2).

    الحياة في رافات لم تكن يوماً سهلة، فالقرية تفتقر إلى مصادر المياه الجارية والكهرباء والاتصالات، إذ تشرب رافات من مياه الأمطار وتعتمد معظم العائلات على بطاريات السيارات ومولدات الكهرباء المتنقلة لتشغيل الأجهزة الكهربائية. وحتى عام ،1967 لم يكن بالقرية مسجد، إذ أن المسجد القديم الذي بناه المماليك عام 672هـ هدمته القنابل خلال الحرب العالمية الأولى نظراً لوقوع القرية على خط التماس بين الجيش العثماني والجيوش البريطانية الغازية. وتعاني القرية من صعوبة وصول السيارات إليها بسبب تدهور وضع الشارع الرئيسي الذي تم تعبيده عام ،1985 كما أن عدم وجود شبكة للهاتف تربط القرية بالعالم الخارجي زاد من معاناة أهل القرية(3).

    وفي ضوء هذه الأوضاع، لا غرابة أن تتأخر مسيرة التعليم في القرية، إذ لم يكن في رافات سوى خمسة رجال يلمون بالقراءة والكتابة حتى العام 1948. وهو العام الذي تم فيه تأسيس مدرستان، واحدة للبنين، أعلى صفوفها الخامس الابتدائي، وثانية للبنات ضمت الصفين الأول والثاني الابتدائي فقط(4).

    أما بالنسبة لعدد سكان رافات، فإنه لا تتوفر إحصاءات دقيقة حول هذا الموضوع. إذ تشير الوثائق القديمة بأن (92) نفساً كانوا يسكنون القرية عام ،1922 ما لبث عددهم أن ارتفع في عام 1931 إلى (127) يسكنون (31) بيتاً. وفي نيسان1945 قدرت المصادر البريطانية عدد سكان رافات بنحو (180) شخصاً. وفي التعداد العام للسكان الذي أجرته المملكة الأردنية الهاشمية في الضفة الغربية بتشرين ثاني/ نوفمبر 1961 كان عدد سكان القرية (375) شخصاً، بينهم 167 من الذكور و 208 من الإناث(5). ومنذ الاحتلال الصهيوني للضفة الغربية لم يجر أي تعداد للسكان، وإن كانت معظم المصادر الصحفية تقدر عدد سكان رافات اليوم بين 1500 و 1700 نسمة معظمهم من الفتيان والشباب. ويعتمد هؤلاء في معيشتهم على الزراعة والعمل في ورش البناء في فلسطين المحتلة منذ عام 1948.

    ظلت رافات قرية مغمورة حتى خلال سنوات الانتفاضة، إذ لم تذكرها وسائل الإعلام سوى مرة واحدة فقط حين اقتحمت قوات الاحتلال مسجد القرية بسبب نشاطات الشباب المسلم في مواجهة الدوريات العسكرية، غير أنها أضحت محط أنظار وسائل الإعلام المحلية والإسرائيلية والعالمية. فمنذ عام ،1992 تعرضت قرية رافات وسكانها للحصار والمراقبة والتفتيش والاقتحام المستمر فيما انتشر جنود المستعربين والوحدات الخاصة على مداخل قرى الزاوية ودير بلوط المؤديتين لرافات بالإضافة إلى إقامة حواجز عسكرية دائمة في محيط القرية. وذلك بسبب شاب واحد من أهل القرية طاردته سلطات الاحتلال وأصبح فيما بعد المطلوب رقم (1) للدولة العبرية التي نشطت كل أجهزتها للكشف عن مكانه ومحاولة إلقاء القبض عليه.

    2- عائلة عياش

    ينحدر يحيى عياش من عائلة عرفت بتدينها وبساطة أفرادها وماضيها الجهادي. فآل عياش، شاركوا في الانتفاضات والثورات الفلسطينية ضد الانتداب البريطاني منذ وعد بلفور وحتى الثورة العربية الكبرى عام 1936(6).

    عبد اللطيف ساطي محمود عياش، والد الشهيد، ظل ملتصقاً بأرض الآباء والأجداد يعمل في الزراعة تارة وفي أعمال نقش الحجارة تارة أخرى. وفي عام ،1955 تطوع عبد اللطيف في الجيش العربي الأردني حيث خدم كجندي بسلاح المشاة في عدة مواقع عسكرية، وعلى وجه التحديد تلك المواجهة لبلدة كفر قاسم على خط الهدنة بين الكيان الصهيوني والضفة الغربية.

    وحين ترك الجيش عام ،1963 عاد عبد اللطيف إلى مهنة الزراعة ونقش الحجارة في قريته وتزوج من قريبته عائشة عياش(7).

    بنى عبد اللطيف وعائشة بيتهما المتواضع، وكونا عائلة صغيرة ضمت بالإضافة إليهما ثلاثة أبناء: يحيى الذي ولد في عام ،1966 ومرعي الذي ولد عام ،1969 وأخيراً يونس الذي ولد في عام 1975.

  2. #12
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Jul 2003
    العمر : 46
    المشاركات : 113
    المواضيع : 46
    الردود : 113
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    ثانياً: مسيرة التاريخ ورحلة الحياة

    - أيام الصبا والطفولة

    في يوم الأحد الموافق 6 آذار (مارس) من عام ،1966 زفت القابلة البشرى للشيخ عبد اللطيف ساطي محمود عياش بولادة ابنه البكر الذي أسماه يحيى تيمناً بنبي الله يحيى بن زكريا عليهما السلام. وتقول والدته: «كانت ولادته سهلة رغم أنه كان المولود البكر، إذ لم يكن هناك أي تعسر أو ألم أثناء ولادته لأنه ولد صغير الحجم. فقد كان وزنه عند ولادته كيلو غراماً ونصف فقط. وكل من رآه أثناء ولادته لم يكن يتصور بأن هذا الطفل سيعيش ويكبر ويصبح رجلاً»(8).

    وبين أزقة رافات، وفي كنف بيت متدين، عاش يحيى طفولة هادئة. ويؤكد شبان رافات وشيوخها اليوم أن يحيى كان مثالاً للطفل المؤدب الهادىء، حتى أن أحد أعمامه يقول «كان هادئاً أكثر من اللزوم، ولا يحب الاختلاط كثيراً بغيره من أطفال الحي، حتى أنني كنت أعده انطوائياً بعض الشيء»(9). وتضيف والدته: «كان يحيى طفلاً هادئاً جداً وخجولاً، ولم يكن يبكي كالأطفال الذين في مثل سنه، وهو في الرابعة من عمره ذهب مع الرجال يوم الجمعة إلى المسجد يصلي معهم ومن يومها بدأ يرتاد المسجد، وهو في هذه السن المبكرة، حفظ يحيى الكثير من سور القرآن القصيرة والآيات القرآنية التي كان يستمع إليها من المقرىء في المسجد»(10).

    ويتابع والده الحديث: «كان يحيى طفلاً صغيراً لم يتجاوز أربعة أعوام حين توجه إلي مراراً طالباً مني السماح له بمصاحبتي إلى المسجد لأداء الصلاة.. كان يلح بالطلب ويشدني من ملابسي لكي آخذه معي. ونظراً لإلحاحه، ورغبة مني في تلبية طلبه، وهو الابن البكر، فقد بدأت باصطحابه إلى المسجد القديم في القرية، وهو قريب من بيتنا. وكثيراً ما دهش الحضور وأبدوا استغرابهم من الطفل الصغير. وكانوا يقولون لي هذا صبي صغير، ولا يتقن الوضوء فكيف يتقن فرائض الصلاة وسننها؟»(11).

    ويؤكد أحد المصلين في مسجد القرية الصغير ما ذكره والدا يحيى فيقول: «يحيى كان من الشباب الذين داوموا على صلاة المسجد، وكان يحب أن يصلي في الصف الأول. وأذكره عندما كان يجلس في الجهة الغربية للمسجد ليقرأ القرآن»(12).

    كبر الطفل يحيى، ودخل المدرسة الابتدائية في قريته عند بلوغه السادسة من عمره، وبرز يحيى بذكائه الذي لفت إليه أنظار معلميه، إذ أنه لم يكن يكتفي بحفظ الدروس المقررة للصف الأول، بل كان يحفظ دروس الصف الثاني أيضاً. فقد كانت الصفوف في مدرسة القرية مجمعة بحيث تكون كل مرحلتين دراسيتين في غرفة واحدة نظراً لمحدودية عدد الغرف الدراسية في المدرسة. وعليه، التقطت إذنا يحيى المعلومات والدروس التي كان المعلم يشرحها للصف الثاني حتى أنه حفظ دروس القراءة في كتاب الصف الثاني من قراءة التلاميذ أمامه في الحصص. ويتحدث الشيخ عبد اللطيف عن ذكاء يحيى فيقول: «أيام المدرسة كان معروفاً بتفوقه في دراسته وخصوصاً في مادة الرياضيات لدرجة أنه كان متقدماً على صفه سنة وأحياناً سنتين في مادة الرياضيات»(13).

    ورافق التفوق يحيى منذ الصف الأول وحتى إنهائه المرحلة الثانوية وحصوله على شهادة (التوجيهي)، فقد نال المرتبة الأولى دائماً خلال دراسته لاثنتي عشرة سنة في رافات والزاوية وبديا. وكان يحيى قد انتقل إلى مدرسة الزاوية الإعدادية بعد إنهائه الصف السادس الابتدائي في مدرسة رافات نظراً لكون مدرسة قريته لا تستوعب أكثر من هذه المرحلة. ودرس يحيى المرحلة الإعدادية والأول ثانوي في مدرسة الزاوية، ثم انتقل بعد ذلك إلى قرية بديا حيث درس الثاني والثالث ثانوي (الفرع العلمي) في مدرسة بديا الثانوية، وحصل على شهادة الدراسة الثانوية بمعدل (92.8%)(14).

    وهنا نتوقف عند قصة نادرة حدثت مع يحيى أثناء دراسته في مدرسة رافات، إذ تقول والدته: «كان يحيى في الصف الثاني الابتدائي، وكان الصف الأول الابتدائي يدرس في نفس الغرفة. وحدث أن تجمع طلاب الصفين مرة داخل الغرفة وتدافعوا من غير قصد، فوقع أحد التلاميذ على زاوية الدرج وجرح رأسه. وعندما جاءت المعلمة وسألت: من فعل ذلك؟ فقال أحد التلاميذ رأساً: إنه يحيى. فقامت المعلمة بضرب يحيى وتأنيبه، فعاد إلى البيت متأثراً لأنه ضرب دون أن يقترف أي ذنب. وفي صباح اليوم التالي طرق الباب، وعندما نهضت وفتحت الباب كانت المعلمة أمامي، فاستقبلتها مرحبة. وعندما دخلت أخذت تعتذر وتبدي أسفها الشديد، وهي خجلة لأنها ضربت يحيى بدون سبب. فقد اكتشفت بعد نهاية اليوم الدراسي، عندما حققت مع الطلاب أن يحيى كان مظلوماً، وأنه لم يكن له أي ضلع فيما حدث حتى أنه كان بعيداً عن التجمع الطلابي.. كانت المعلمة قد جاءت إلى بيتنا قبل توجهها إلى المدرسة كي تعتذر ليحيى، وكانت تشعر بالخجل والأسف الشديدين، وتأنيب الضمير. ولكن يحيى طلب منها ألا تعتذر، لأن الأمر لا يستحق وليس هناك أي مشكلة، وأنه ليس غاضباً. ثم ترك البيت متوجهاً إلى المدرسة»(15). ويروي الشيخ عبد اللطيف قصة أخرى تعبر عن جانب آخر من أخلاق يحيى الصغير فيقول: «كتب معلم الرياضيات بالصف الأول الثانوي في مدرسة الزاوية الإعدادية مسألة على السبورة، وقال للتلاميذ: من يستطيع أن يحل هذه المسألة؟ فلم يجبه أحد، وجلس طلاب الصف عاجزين عن حل المسألة… جن جنون المعلم من ضعف التلاميذ في هذا الصف، فذهب يشتكي إلى مدير المدرسة. وبالصدفة، كان هناك المعلم الذي يدرس الصف الأول الإعدادي الذي كان فيه يحيى، فقال: أنا مستعد أن أحضر لكما طالباً من الصف الأول الإعدادي ليحل المسألة. وفعلاً، ذهب وأحضر يحيى ثم توجه الجميع إلى الصف الأول الثانوي. وبالفعل، قام يحيى بحل المسألة وسط دهشة المدير والمعلمين والتلاميذ»(16).

    وعلى أثر هذه الحادثة، بعث مدير مدرسة الزاوية الإعدادية في ذلك الوقت رسالة تقدير واحترام إلى والد الطالب يحيى عياش، يهنئه فيها على ذلك الشاب الذكي، صاحب الأخلاق الرفيعة. وقال المدير في نهاية رسالته: «إنني أتوقع أن يكون لهذا الفتى شأن عظيم في حياته المستقبلية»(17).

    2- في جيل الشباب

    لم يكن يحيى عياش اجتماعياً بالمفهوم المتداول، إذ أنه تميز بصمته وعدم مخالطته لعموم شباب القرية بشكل عام. ورغم ذلك، فقد كان معروفاً بين أوساط شباب رافات وبخاصة أبناء جيله وأقرانه بتفوقه المتواصل وتمتعه بقدر كبير من الالتزام بتعاليم الدين الإسلامي، ولم يكن يقبل أي تهاون في ذلك. وقد أتم يحيى عياش حفظ القرآن الكريم كاملاً عن ظهر قلب، وحصل على شهادة تقدير من مديرية الأوقاف الإسلامية بالقدس لتفوقه في دراسة العلوم الشرعية وتجويد القرآن الكريم ما تزال محفوظة في صالة منزل والديه(18).
    يقول والده: «يحيى كان ولداً هادئاً منذ طفولته، سواء في المدرسة والجامعة، أو البيت والبلد.. وكان مشهوداً له بأنه لم يتسبب في مشكلة مع أحد، والله يرضى عليه كان حنوناً على أمه وأخوته.. وكان عندما يسمع الآذان كان يترك كل شيء بيده ويذهب مباشرة للصلاة في الجامع. وكذلك، كان يحيى هادئاً جداً وقليل الكلام، ويمكن أن تجلس معه ساعات طويلة دون أن تسمع منه شيء وإذا سألته يجيب على قدر السؤال وبدون زيادة»(19). وتضيف أم يحيى: «يحيى.. أنتم لا تعرفونه.. أطهر القلوب يحيى.. يحيى لم يرتكب جهالة في حياته، ولم يتعرض لبنات الناس لا بالكلمة ولا بالفعل.. حتى عندما كان في جيل الشباب، كان خلقه رفيعاً وسريرته نظيفة، ولم يأت بأفعال تغضب الخالق أو الخلق. ولم يحاول مرة أن يعمل مشكلة مع شباب القرية أو أهلها»(20)
    ويؤكد شباب القرية هذا الكلام، حيث تحدث أحدهم قائلاً: «كان يحيى ذلك الشاب النموذجي الذي يقتدي به الشباب.. كان هادئاً، رزيناً، متديناً، حسن الأخلاق، يحب الخير للناس ولا يؤذي أحداً ولا يغضب أحداً ولا يغضب من أحد. وكان يذهب إلى المسجد وهو شاب ويؤدي فرائض الصلاة الخمس كل يوم»(21).

    أما هوايات يحيى عياش في بداية شبابه فكانت فك وتركيب وتصليح الأجهزة الكهربائية، إذ اعتاد أهل القرية إرسال أجهزتهم المنزلية التي تتعطل إلى بيت الشيخ عبد اللطيف حتى يقوم يحيى بإصلاحها وإعادتها إليهم. وقد بدأ الأمر هذا مع يحيى كهواية سرعان ما تطورت فيما بعد لتتحول إلى ولع دفعه لدراسة الهندسة الكهربائية(22). وتضيف أم يحيى قائلة عن كفاءة يحيى في ممارسة هوايته: «كانت لديه عقلية متفوقة ونبوغ منذ صغره، والكل كان يلحظ ذلك عليه. فما أن يرى أحدهم يقوم بعمل حتى يحفظه، وعندما يمارسه، كان يتقنه بمهارة تدهش الجميع»(23).

    3- ابن نموذجي

    تتحدث أم البطل عن تصرفات يحيى في البيت وعلاقته بوالديه وشقيقاه، فتقول: «إن الله قد حرمني من إنجاب البنات، وكان -الله يرضى عليه- لا يفارقني عندما أصاب بمرض، ويتمتم فوق رأسي داعياً الله أن يمن علي بالشفاء. وكان يطبخ الطبيخ ويذبح الدجاج، ويحضر الطعام، وينظف البيت.. قلبي وربي راضيان عنك يا يحيى.. الله والسماء تحرسك يا يحيى»(24). وتتنهد الأم وتنهمر الدموع من عينيها، ثم تضيف: «كان هادئاً ومؤدباً، ولم يحاول مرة أن يغضبني أو يغضب والده. ولم يكن يضرب أخوته أو يزعلهم»(25). ولأن يحيى كان دائماً يداعبها قائلاً: «أنا لا أحب إلا طعامك، وليس هناك امرأة في العالم تطبخ طعاماً لذيذاً مثلك»، فإنه نادراً ما تناول طعاماً من عند أحد -ولا حتى أقاربه- وفق ما أشارت والدته(26).

    4- طالب في كلية الهندسة

    حصل يحيى عياش على شهادة الدراسة الثانوية من مدرسة بديا الثانوية عام ،1984 وكان معدله 8.92%، وعند إمعان النظر في كشف الدرجات التي حصل عليها، نجد أنه حصل على معدل 95% في مبحثي الفيزياء والرياضيات، وكان هذا مؤشر واضح على ذكاء وعبقرية متوقعة في مجالات ستترك آثاراً واضحة للعيان على مستقبل يحيى عياش.
    وما هي إلا أسابيع قليلة، حتى غادر يحيى الضفة الغربية متوجهاً إلى عمان لفحص إمكانية الدراسة، وبعد تسعة أيام فقط، قضاها المهندس في ضيافة أحد أعمامه، عاد يحيى أدراجه إلى رافات على الرغم أن إعلان أسماء المقبولين تضمن قبول يحيى في كلية العلوم بالجامعة الأردنية وكلية الهندسة بجامعة اليرموك. وعبثاً حاول الوالد إقناع ابنه بالموافقة على الدراسة في جامعة اليرموك وعدم الالتفات إلى المصاريف المالية المترتبة، إذ رفض يحيى هذا العرض رفضاً قاطعاً، وأصر على الالتحاق بجامعة بيرزيت* [جامعة بيرزيت: جامعة خاصة تأسست عام 1972 ككلية تملكها عائلة (ناصر) التي تقطن في قرية بيرزيت، ما لبثت عام 1976 أن تحولت إلى جامعة. وتعتبر هذه الجامعة من أهم جامعات الضفة الغربية وقطاع غزة، إذ أنها تستقبل عادة النخب الأكاديمية من أوائل الطلاب والمتفوقين.] لدراسة الهندسة الكهربائية. وأخبر الابن والده بأنه قرر الدراسة بتلك الجامعة كونها قريبة على رافات، وبالتالي يستمر التواصل بينه وبين عائلته إلى جانب أن تكاليفها المادية منخفضة نسبياً(27).
    سافر يحيى في شهر أيلول (سبتمبر) من عام 1984 إلى مدينة رام الله للتسجيل في جامعة بيرزيت، ورافقه والده في تلك الرحلة التي شكلت حدثاً مفصلياً في حياة الشهيد. وجاءت رغبة الوالد في مشاركة ابنه أعباء عملية التسجيل والبحث عن سكن مناسب بهدف الاطمئنان على الحياة الجامعية الجديدة للطالب القروي الطيب. ونتوقف هنا، ليحدثنا رئيس سابق للكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت وهو صديق شخصي ليحيى عياش حيث قضى معه ثلاث سنوات على مقاعد الدراسة، إذ يقول الأستاذ أبو محمد: «بدا يحيى للوهلة الأولى مثل معظم أبناء القرى حيث أن مدينة بيرزيت تعتبر من المناطق البعيدة التي ذهب إليها خارج قريته الصغيرة. ولا غرابة في ذلك، إذ تنحصر معرفة ابن قرى نابلس فقط بمدينة نابلس التي يزورها في المناسبات. وقد كانت سمة البساطة والطيبة والتدين وعدم المعرفة بتعقيدات أمور الدنيا وتداخلاتها واضحة تماماً سواء على الوالد أو الابن»(28).
    أما الأستاذ إبراهيم، الذي شارك الشهيد الغرفة في قرية أبو قش القريبة من الجامعة عند بداية العام الدراسي الأول (1984/1985)، فيقول عن طبيعة يحيى وأخلاقه وعلاقاته: «كنت أسكن مع أخي في قرية أبو قش قرب الحرم الجديد لجامعة بيرزيت. وعندما تخرج أخي، تقدم الشهيد يحيى عارضاً عليَّ أن يسكن معي في البيت حيث كنت وحيداً، وكنت أدفع 25 ديناراً كأجرة للبيت وهو مبلغ بسيط في حينه. لذلك، لم أرغب في استقدام طالباً آخر ليشاركني السكن في نفس الغرفة حتى تقدم يحيى عياش، عندها غيرت موقفي، ووافقت على طلب ذلك الشاب السمح ذو الأدب الرفيع والذي عرفته من خلال نشاطات الكتلة الإسلامية داخل الحرم الجامعي. فقد كان متميزاً بحسن سلوكه وتسامحه وتواضعه إلى جانب حيائه الشديد». ويضيف زميل الشهيد: «كان يحيى لطيف المعشر، حسن السلوك، لين الجانب إلا في الحق، متسامحاً، صادق الكلام أبداً، ومحقاً في المعاملات المالية، وفي الحقيقة، إن أكثر ما يميز سيرة الشهيد، أنه كان مسلماً غيوراً على إسلامه بالفطرة الربانية، حتى أنه كثيراً ما كان ينتهز أي عطلة أسبوعية أو إضراب داخل الجامعة ليعود إلى قريته، ليكون بعيداً عن جو الفساد. وكثيراً ما كان يبدي لي اشمئزازه من التبرج السافر والانحلال الخلقي لبعض طلاب وطالبات الجامعة. وكنت أحس من خلال مناقشاتنا الليلية قبل النوم أن هذا الشخص لا يمكن أن تنفع معه كل إغراءات الدنيا. فتمسكه بالدين كان بالفطرة الربانية الشديدة الصفاء، القوية الثبات. وقد أيقنت مع مرور الأيام معه في السكن أن هذا الشخص يعيش ويحيى لدينه فقط.. إن قناعتي هذه مبنية على استنتاجات أكيدة من خلال نقاشاتنا المتبادلة يومياً حول كل الأمور الأكاديمية والسياسية المحلية والخارجية». ويلخص الأستاذ إبراهيم تحليله لشخصية يحيى عياش، بالقول: «عرفت يحيى بالابتسامة التي لا تفارقه وصمته الطويل وطبعه الهادىء. وعلى الرغم أنه كان رقيق الصوت، ولا يتحدث في الجلسات العامة إلا أنه لم يكن ليبقى ساكتاً عندما يكون الأمر يخص الإسلام والمسلمين. فتراه يهب بفطرته السليمة وحبه للدين منافحاً عن الحق. ولهذا لم يكره أحد عدا أعداء الفطرة الإسلامية، ولم يكن له أعداء من الطلاب أو أصحاب السكن أو الأهالي عموماً»(29).
    أما فيما يتعلق بالطالب يحيى عياش داخل أسوار الجامعة، فإن زميل الشهيد يعرج على هذه النقطة باختصار معبراً عن واقع تلك الفترة. إذ أن يحيى «كان دائماً يغض الطرف داخل أسوار الجامعة، وبقي بعيداً عن أجواء الصخب والعبث. وكثيراً ما شاهدته منشغلاً بتلاوة القرآن وطاعة الرحمن بالذكر والمأثورات»(30).
    ويؤكد الأستاذ إبراهيم أن ذكاء يحيى ونبوغه وتفوقه قد رافقه في دراسته الجامعية، ويستشهد على ذلك بأن الشهيد حصل على العلامات الجيدة رغم أنه لم يكن يطيل السهر حيث تميز باستيعابه الممتاز للمادة العلمية وتثبيته للمعلومات التي يلقيها الدكتور والتي لفتت أنظار كل من الطلاب والأساتذة على حد سواء.
    وبعد هذه الصورة التي رسمها زميل الشهيد في السكن، يستكمل الصحفي فايد أبو شمالة الذي عاصر الشهيد أثناء فترة الدراسة في جامعة بيرزيت عن قرب تشكيل كلمات الرسالة التي تركها المهندس للأجيال: «هناك الكثير من الأشياء التي يمكن الحديث عنها في موضوع الشهيد يحيى عياش. وقد تحدث الناس الكثير، والصورة في الذاكرة مشرقة وبراقة. وتدور في مخيلتي دائماً صورة شاب ودود ولطيف، له جاذبية خاصة، مميز في هيئته وحركته ويلفت النظر لكونه شديد الحياء، إذا تحدث بصعوبة تسمع صوته، خلوق وحساس المشاعر يتأثر بالحسن ويفرح له ويتأثر بالقبيح ويتضايق منه، وأذكر أنني كنت أعجب كثيراً من شدة إيمانه وإخلاصه، وأتذكر مقولة (الأتقياء الأخفياء) الذين إذا حضروا لم يعرفوا وإذا غابوا لم يفتقدوا.. وحقيقة كان منهم، فقد كان يشارك في كل شيء ولا يبرز في أي شيء.. وكان يتفاعل مع الأحداث بشكل قوي دون أن يصدر عن تفاعله أي ضجيج أو صخب». ويضيف أبو شمالة: «لست أذكر أن أحداً من إخوانه قد تضايق يوماً منه أو اشتكى أو أظهر امتعاضه من السكن معه، رغم أن مشاكل السكن كانت كثيرة بين الطلاب لأن مجال الاحتكاك على مدار اليوم وكان كل اثنان يسكنان في غرفة واحدة، وهذا يجعل مجال الاحتكاك أكبر، ولم يكن رحمه الله يظهر امتعاضاً حيثما سكن»(31).
    وفي نفس سياق الحديث وموضوعه، نقل رئيس الكتلة الإسلامية بالجامعة انطباعاته عن يحيى بنقاط محددة وعبارات نقتبس منها التالي: «شاب بسيط ومتواضع تميز ببساطة ما يرتديه من ثياب وأحذية. وهو شاب ورع وتقي، حرص على عدم البقاء في الجامعة في أيام العطل الأسبوعية حتى يبتعد عن الفساد. ولم يُعرف أنه شكا من أحد أو انتقد أحداً، أو أن أحداً زعل منه، فقد أحب زملاءه وأساتذته واحترمهم، وكانت معاملته مع الجميع حسنة للغاية وبالتالي احترمه الناس وأحبوه. وعلى الرغم أنه كان من أنشط الشباب في كلية الهندسة، إلا أنه كان حريصاً على الابتعاد عن الأضواء، ويتشدد في ذلك»(32).
    تخرج يحيى عياش مهندساً كهربائياً من جامعة بيرزيت في شهر آذار (مارس) من عام 1993م، وهذا يعني أنه قضى ثمان سنوات على مقاعد الدراسة الجامعية. ويعود السبب في ذلك إلى الإضرابات والإغلاقات المستمرة لجامعة تعتبرها سلطات الاحتلال «جامعة تخريج الكوادر القيادية» لمختلف الفصائل الفلسطينية. ففي شهري كانون أول (ديسمبر) من عام ،1986 وكانون الثاني (يناير) من عام 1988 أصدر الحاكم العسكري الإسرائيلي عدة قرارات بتعطيل الدراسة وإغلاق الجامعة لمدد متعاقبة أدت إلى خسارة الطلبة أكثر من سنتين أكاديميتين. ولئن، جاءت اللحظة التاريخية وتحقق حلم الشيخ عبد اللطيف بحصول فلذة كبده على الشهادة الجامعية بتفوق، إلا أنه لم يشاهد ذلك على أرض الواقع ولم يكحل عينيه برؤية يحيى ضمن فوج الخريجين في الاحتفال الذي أقامته الجامعة. فقد غاب يحيى عن الحفل ولم يحضر مراسم تسليم الشهادات، لأنه كان وقتها مطلوباً لجهاز الشاباك وتطارده قوات الاحتلال بسبب دوره في التخطيط لعملية رامات افعال بتل أبيب في تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 1992.

    5- في سفينة الكتلة الإسلامية

    تعتبر هذه المحطة من أهم المحطات في حياة الشهيد القائد يحيى عياش، إن لم تكن الأهم، باعتبار أن الكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت والتي عاش فيها ما يزيد عن خمس سنوات شكلت محضناً ومدرسة قامت بصقل شخصية المهندس ووجهتها نحو المسار الذي عرفت به.
    ففي إطار الكتلة الإسلامية التي انتمى إليها، بنى يحيى علاقاته وتصوراته، وطور ثقافته واطلاعه، وفهم الصراع الذي يحاك ضد الإسلام والحركة الإسلامية سواء في داخل الجامعة، وحتى في خارجها حيث الصراع المباشر مع الاحتلال الصهيوني. فالحواجز العسكرية على الطرق المؤدية إلى الجامعة ومداخلها والإغلاقات المتواصلة للجامعة إلى جانب المواجهات المباشرة والمظاهرات المناهضة للاحتلال وسياساته، تركت بصمات متكررة على وشغلت حيزاً كبيراً في يوميات يحيى عياش.
    بداية علاقة يحيى مع الكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت تعود إلى يوم 2 تشرين أول (أكتوبر) 1984. إذ جرت العادة عند الكتلة الإسلامية أن تقيم حفل تعارف يضم الطلبة من أبناء الكتلة وجميع الطلبة الجدد الذين يلبون الدعوة ويظهرون موافقة مبدئية على الانضمام إلى صفوف الكتلة. وتم خلال هذا اللقاء، الذي عقد في مسجد بيرزيت القريب من الحرم الجامعي القديم، التعارف بين الطلاب القدامى والجدد، وعرف الشهيد وقتها بنفسه قائلاً: «أخوكم في الله يحيى عياش من رافات - سنة أولى هندسة». وكانت عبارة (أخوكم في الله) هي عنوان المحبة بين كل أبناء الكتلة الإسلامية، وأثبتت الأيام أنهم جميعاً حقاً أخوة في الله(33).
    وشارك المهندس إخوانه في كافة المواقع ومراحل الصراع والاحتكاكات المباشرة سواء كانت مع سلطات الاحتلال وحتى مع الكتل الطلابية المنافسة. وحققت الكتلة بروزاً وحضوراً سياسياً فاعلاً، وغدت تجمعاً طلابياً له وزنه ومكانته في العمل النقابي داخل الجامعة. ولعل أهم الأحداث التي شارك فيها شهيدنا تمثلت بتنظيم الكتلة الإسلامية مظاهرة طلابية عارمة يوم5 كانون أول (ديسمبر) من عام ،1986 ما لبثت أن تحولت إلى مواجهات عنيفة بين الطلاب وقوات الاحتلال الصهيوني أسفرت عن استشهاد اثنان من شباب الكتلة الإسلامية هما جواد أبو سلمية وصائب ذهب. وتركت هذه المواجهات آثارها البالغة على المهندس الذي شاهد أخاه وزميله جواد يسقط بالقرب منه إثر إصابته بوابل من نيران جنود العدو. ويؤكد الأستاذان إبراهيم وأبو محمد بأن يحيى لم يتخلف يوماً عن أي اجتماع للكتلة أو نشاط أو مسيرة داخل الجامعة. ويشدد الأستاذ أبو محمد في استعراضه لطبيعة يحيى ومآثره داخل الكتلة الطلابية الإسلامية على تميز المهندس باقتراحاته لرفع مستوى الكتلة وتطوير أدائها. ويضيف: «لا يذكر نفسه أو يمتدحها أثناء حديثه، ويتحدث بصوت خفيض دون أن يرفع صوته على أحد قط، وينسحب من أي نقاش تعلو فيه الأصوات. ولهذا، حرص يحيى على الطرح التوفيقي في تناوله للمواضيع أثناء النقاش، والابتعاد عن الثرثرة في المواضيع الجدلية. ومع كل هذا، كان يحيى لا يتكلم في المجموع ولا يتحدث بشكل مباشر إلا مع شخص واحد فقط ولا يزيد على ذلك»(34).
    كان يحيى يمتاز بهدوءه المعروف وصمته دون أن يسهب في الكلام إذا ما طلب منه أن يبدي رأياً في موضوع معين. وعلى الرغم من ذلك، يقول مسؤول الكتلة الإسلامية: «كثيراً ما كان يطرح يحيى أموراً نشعر أنها أكبر من حجمنا أو أنها لا تتناسب مع هدوء شخصيته، مثل مطالبته الكتلة الإسلامية بالتشدد وميله إلى التلويح بالقوة لأخذ حق الكتلة والمحافظة على مكتسباتها في ظل الأجواء التي كانت تعترض الشباب المسلم»(35).

  3. #13
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Jul 2003
    العمر : 46
    المشاركات : 113
    المواضيع : 46
    الردود : 113
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    - شيخ الإخوان في رافات

    كشف أقطاب الحركة الإسلامية في الضفة الغربية، بأن يحيى عياش لبى دعوة الإخوان المسلمين وبايع الجماعة في بداية العام الدراسي الثاني (1985/1986)، وأصبح جندياً مطيعاً وعضواً عادياً بإحدى أسر (مجموعات) الإخوان المسلمين في مدينة رام الله. ويضيف هؤلاء بأن يحيى عمل بجد ونشاط وقام بكافة تكاليف وأعباء الدعوة الإسلامية سواء داخل الجامعة أو في مدينة رام الله وحتى في قريته. ووظف المهندس السيارة التي اشتراها والده في خدمة الحركة الإسلامية، حين دأب على السفر إلى رافات، وقام بإرساء الأساسات وشكل أنوية لمجموعات من الشباب المسلم الملتزم. وحينما انفتح الأفق على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، كانت هذه المجموعات في طليعة السواعد الرامية ورماة القنابل الحارقة التي واجهت قوات الاحتلال خلال سنوات الانتفاضة المباركة. ونظراً للدور الريادي الذي قام به، وحكمته في حل المشاكل وتصفية الخلافات بين الشباب من مختلف الانتماءات السياسية والأيدلوجية، فقد اعتبرته الفصائل الفلسطينية (شيخ الإخوان في رافات)، رجعت إليه في كافة الأمور التي تتعلق بالفعاليات أو الإشكالات خلال الأعوام (1988 - 1992).

    وتعد سنوات الانتفاضة الأربعة الأولى، من أكثر الفترات غموضاً في حياة المهندس. فباستثناء حادث واحد تمكنا من رصده، وهو قيام سلطات الاحتلال بفرض منع التجول على القرية يوم 12/10/،1991 ومن ثم شن هجوم تحت وابل من الأسلحة الرشاشة على مسجد رافات بحجة أن حماس تستخدم المسجد في التحريض على مقاومة الاحتلال، فإننا لم نستطع أن نعثر على مشهد آخر أو مظهر ثان يدل على آثار القرية وشبابها أثناء الانتفاضة. وهذا إن دل على شيء، فإنه -بلا شك- يدل أن تلك الفترة كانت الأكثر أهمية في حياة يحيى السرية والخاصة والتي ظهرت آثارها لاحقاً، غير أن جميع زملائه يتذكرون حادثاً وقع له أثناء عودته مع عدد من رفاقه بعد أدائهم لصلاة العشاء في مسجد أبو قش، إذ اعترضهم مجموعة من جنود الاحتلال في عدة سيارات عسكرية. وبعد عدة مداولات بين الجنود الإسرائيليين، أطلق العدو سراح الشباب باستثناء يحيى الذي قيدت يداه ورجلاه واقتيد في إحدى السيارات العسكرية إلى منطقة جبلية وعرة ومعزولة خارج القرية. وقد شعر يحيى بما يدبره الجنود حين توغلوا به في إحدى الأودية المعتمة، خاصة وأنه سمع عن استشهاد العديد من الشباب خلال الانتفاضة بمثل هذه الطريقة. وتوقع يحيى أن يطلق جنود الاحتلال النار عليه ليبدو الأمر وكأنه مقتل هارب من وجه السلطات، ولهذا رفض يحيى الانصياع لإرادة الجنود بمغادرة السيارة والابتعاد قليلاً، وبدلاً من الفرار، ظل يحيى ملاصقاً للجنود الذين راحوا يدفعونه بعيداً عنهم، إلى أن ظهرت فجأة ثلاث نساء يرتدين لباساً أبيض وبشكل غير متوقع توقفن لمشاهدة ما يحدث، الأمر الذي أربك الجنود وجعلهم يسرعون إلى سيارتهم ومغادرة المكان دون أن يقتلوا المهندس(36). وتؤكد صحيفة معاريف هذه الحادثة، حيث أشارت إليها في سياق تعليقها الذي نشرته تحت عنوان (القضاء على الأسطورة) يوم الأحد 7 كانون ثاني (يناير) 1996. وعلقت الصحيفة العبرية على الحادثة بالقول: «كانت هذه برهاناً على أن عياش محمي من قبل الله وأن أجهزة المخابرات الإسرائيلية غير قادرة على إصابته»(37).
    ويكشف أبو الفداء -أحد المقربين من الشهيد قبل مطاردته، والذي شارك معه في تأسيس حركة حماس في رافات- بأن يحيى جاءه بعد صلاة يوم الجمعة في كانون الثاني (يناير) من عام ،1988 وطلب منه أن يرافقه إلى المسجد الأثري القديم الذي بني بأمر من الظاهر بيبرس. وعند وصولهما المسجد، قال له يحيى: «أيرضيك ألا يكون للإسلام صوت في انتفاضة القرية؟؟ لماذا لا نؤسس حركة حماس في القرية كما في غيرها». واتفق الاثنان وتعاهدا، فكانت شرارة حماس الأولى وانطلاقتها في القرية. ويضيف أبو الفداء، أنه خرج ويحيى ملثمين لإغلاق الشارع الرئيسي للقرية في يوم إضراب أعلنته حركة حماس، وفجأة ظهرت دورية عسكرية صهيونية على نفس الشارع. فاختبأ خلف الجدار الحجري القريب، وحين نظر أبو الفداء إلى يحيى، فإذا به يقرأ القرآن، ثم يقول له: «أبا الفداء، ما ظنك باثنين الله ثالثهما»(38).
    ويروي أبو الفداء حادثة أخرى، تعبر عن أخلاق يحيى وشخصيته القيادية، فيقول: «اجتمعنا في منزل يحيى ذات يوم لتدارس أوضاع الحركة والانتفاضة، فغضبت من شقيقي وصحت فيه لسبب ما، فزجرني يحيى وقال: نحن دعاة، لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك»(39).
    7- خطبة وبيت وزواج

    بدأت العائلة القروية الصغيرة تلمس بدايات التحول في شخصية الابن البكر وغموض تحركاته، وبخاصة مع مطلع عام 1991. ويبدو أن رحلة المهندس بالإعداد والتجهيز لملاحم البطولة قد شغلت تفكيره وأخذت حيزاً كبيراً من وقته وجهده. وتتحدث والدته التي كانت من أقرب الناس إليه حول التغير الذي لمسته في حياة يحيى بتلك الفترة، فتقول: «في السنة الأخيرة لدراسته الجامعية، كان يبدو دائماً ساهماً، واجماً، شارد الذهن، مطرق الرأس.. يبدو عليه الانشغال والتفكير.. أسأله: ما بك يا يحيى، فيجيب لا شيء. وعندما ألح عليه يقول: إنني مشغول بموضوع التخرج والعمل بعد أن أتخرج. وبعد تخرجه من الجامعة، كان يبدو دائماً غامضاً وفي حياته سر. ولم أعلم بأنه يخفي عليّ أنه يدبر لشيء ما»(40).

    ولأن حنان الأم يطغى في مثل هذه الحالات، وعاطفة الأب تقوده في اتخاذ القرارات، وبعد مداولات بين الوالدين، واعتقاداً منهما بأن ابنهما يمكن أن ينشغل في أمور الحياة الدنيا كغيره من أبناء جيله ويبتعد عما يمكن أن يشوش على تحصيله العلمي، قرر الوالد أن يغريه ببناء منزل مستقل ويزوجه إحدى قريباته. ويقول الشيخ عبد اللطيف متذكراً تلك اللحظات: «أثناء دراسة يحيى في الجامعة، ورغبة مني ترغيبه بالحياة، قمت بتشييد بيت له ووضعت الأساس وهو غائب عن المنزل. وعندما عاد من الجامعة وشاهد الأساسات، اعترض عليها وقال أنه يكتفي بغرفتين فقط ولا حاجة لبناء بيت كبير.. ثم خطبنا له عروساً وهي ابنة خالته، وفيما بعد اشتريت له حاسوباً وزوجته». ويشير الأب إلى أن قلقه على ابنه بدأ «بعد انتظام يحيى في دراسته، ففي السنة الدراسية الأولى في جامعة بيرزيت وقعت مظاهرات طلابية احتجاجاً على ممارسات الاحتلال مما أدى إلى استشهاد طالبين. وبعد استشهاد الشابين، وكان أحدهما صديقاً ليحيى، سارعت بالسفر إلى الجامعة رغم حظر التجول. وسرت مشياً على الأقدام لكي أصل إلى نور العين حتى التقيت بيحيى، فعانقته وقبلته كثيراً»(41). تزوج المهندس ابنة خالته، هيام عياش، بتاريخ 9 أيلول (سبتمبر) من عام 1991م. ولكن، سرعان ما طرق زوار الفجر منزله، وأصبحت القوات الخاصة وأعتى رجال الأمن والمخابرات الصهاينة من رواد البيت. فمضى يحيى في طريق العزة والكرامة تاركاً وراءه زوجة وابناً أسماه (براء) تفتحت عيناه على الحياة في 1 كانون الثاني (يناير) 1993. ولم يلتم الشمل مرة أخرى، إلا بعد نحو عام ونصف حين نجح المهندس في تخطي جيش المخبرين وضباط الشاباك والوحدات الخاصة التي كانت تداهم المنزل باستمرار، وانتقلت هيام مع براء إلى قطاع غزة، لتعيش الزوجة مع زوجها، ويتعرف الابن على أبيه المجاهد. وقد رزق المهندس قبل استشهاده بيومين فقط، بابنه الثاني الذي أسماه (عبد اللطيف) تيمناً بوالده، غير أن العائلة أعادت اسم يحيى إلى البيت حين أطلقت على الطفل عبد اللطيف اسم (يحيى).

    8 - ابن كتائب عز الدين القسام

    الشهادة الجامعية وبخاصة في فرع الهندسة التي تؤهل صاحبها للمناصب والوظيفة المرموقة، إلى جانب الاستقرار والزوجة والابن والمنزل والسيارة وغيرها من المغريات النفسية والحسية التي توفرت للشهيد يحيى عياش لم تنل ممن قرر أن يعمل في سبيل الله مجاهداً محتسباً الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى. فمضى المهندس بهدوء وبدون أضواء متفرغاً وبشكل كلي إلى الهدف الذي لم يغب عن وجدانه يوماً واحداً: أن يعود علمه وذكاءه وقدرته وعمله إلى فلسطين وأن تعود فلسطين إليه. وأنشغل الشهيد منذراً نفسه لله ثم لهذا الدين، واشتعلت فلسطين بعملياته المتميزة نوعاً وعدداً، وعندها أيقنت الدوائر الإسرائيلية من سياسية وعسكرية وأمنية بأن يحيى عياش ليس رجلاً فلسطينياً عادياً. وبكلمات تفيض فخراً واعتزازاً بيحيى، يتحدث الشيخ عبد اللطيف عن أهداف المهندس ومبتغاه، قائلاً: «الله سبحانه وتعالى يكرم الشهيد بأن يجعله خالداً في قلوب الناس، ولو أراد إنسان أن يفعل ذلك فلا تكفيه فلوس الدنيا كلها لينال هذا الحب والتكريم. ويحيى كان يعمل لله، وليس طمعاً في منصب أو دينار. وكنت أكرر عليه مراراً: هل تريد من وراء هذا العمل أن تصبح مشهوراً أو مهماً أو أن تصبح رئيساً مثلاً. فكان الله يرحمه، يجيب، أعوذ بالله، أنا أريد فقط أن أبقى مجاهداً في سبيل الله حتى استشهد»(42).

    بدايات المهندس مع العمل العسكري ترجع إلى أيام الانتفاضة الأولى، وعلى وجه التحديد عامي 1990 و 1991. فقد استقر لدى يحيى رأي ما لبث أن ترسخ لديه كقناعة وهدف، حيث بدأ يسعى لتحويل الحجر إلى قنبلة تنفجر في صدور المحتلين وتقض مضاجعهم. وبإلهام من الله سبحانه وتعالى وعون منه، توصل صاحب الحق إلى مخرج لمشكلة شح الإمكانات المتوفرة وندرة المواد المتفجرة، وذلك بتصنيع هذه المواد من المواد الكيماوية الأولية التي تتوفر بكثرة في الصيدليات ومحلات بيع الأدوية والمستحضرات الطبية. فكانت العملية الأولى بتجهيز السيارة المفخخة في رامات افعال بتل أبيب، وبدأت أثر ذلك المطاردة المتبادلة بين يحيى عياش ودولة الاحتلال وأجهزتها الأمنية والعسكرية.

    قدر الله سبحانه وتعالى أن يكتشف العدو السيارة المفخخة في رامات افعال بطريق الصدفة، ويومها عرف خبراء المتفجرات الصهاينة أن عبقرية فذة في عمليات التفجير ستكون في مواجهتهم. وبعد تحقيق شديد وقاس مع المجاهدين اللذين اعتقلا أثر العثور على السيارة المفخخة، طبعت الشاباك اسم يحيى عبد اللطيف عياش في قائمة المطلوبين لديها للمرة الأولى. ولأن المجاهدين المعتقلين، لم يكونا على اطلاع بدور المهندس في تجهيز العملية والتخطيط لها، فإن ضباط الشاباك وضعوا اسم يحيى في المرتبة الخامسة من حيث الخطورة. ولذلك، داهمت قوات كبيرة من الجيش وحرس الحدود يرافقها ضباط ومحققين من الشاباك سلفيت وقراوة بني حسان بحثاً عن زاهر جبارين وعلى عاصي اعتقاداً بأن أحدهما قد نجح في التوصل إلى المعادلات الكيميائية المفزعة لهم.
    وأما يحيى عياش، الذي عد نفسه مطارداً ومطلوباً لسلطات الاحتلال منذ ساعة اعتقال البطلين عماد عبد الرحيم وأحمد حسن، فإن الشاباك لم تكلف نفسها عناء تجهيز قوة لمداهمة قريته واعتقاله. ولعل اعترافات المجاهدين وملف يحيى في الإدارة المدنية وما يتوفر من معلومات لدى ضباط المخابرات أيام دراسته الجامعية أوحت للمحققين أنهم أمام شاب بسيط لا تتعدى تهمته توفير الخدمات أو تقديم المساعدة لكتائب الشهيد عز الدين القسام.
    حين جلس يحيى يستعرض بهدوء شريط الأحداث التي أعقبت عثور جنود الاحتلال على السيارة التي أعدها، واستمرار عمليات المداهمة والتفتيش التي تركزت على المجاهدين الأربعة، زاهر وعلي وعدنان وعبد الفتاح، دون أن يبدو من سلطات الاحتلال وأجهزتها ما يدل على خططها تجاه المهندس، جمع الشهيد المعادلات المتوقعة وأخذ يقلب الاحتمالات الأرجح. وبعد تفكير عميق، وبفضل ذكاءه ورباطة جأشه، قرر المهندس أن يبادر بجس النبض عن طريق الإدارة المدنية الإسرائيلية في سلفيت. فطلب من خاله الذي يريد السفر إلى السعودية أن يقدم له طلباً لتصريح خروج إلى عمان موحياً لعائلته بأنه يريد مرافقة خاله للعمل هناك. وبعد يومين، ذهب الخال لإحضار التصاريح حيث تبين بأن الإدارة الإسرائيلية قد رفضت إعطاء الخال تصريح ابن أخته وطلبت أن يأتي يحيى بنفسه ليأخذه. ولكن المهندس رفض في اليوم التالي أن يذهب لمقر الإدارة المدنية، وطلب من والده أن يذهب بدلاً منه. وبعد مقابلة المسؤولين الإسرائيليين عاد الشيخ عبد اللطيف من سلفيت ومعه كتاب من المخابرات العامة (الشاباك) تطلب من يحيى الحضور، بزعم أن شخصاً قد اشتكى عليه ويجب أن يحضر إلى مقر الإدارة المدنية، وإذا لم يثبت عليه أي شيء، فإنهم -أي الإسرائيليين- سوف يعطونه التصريح ويعود إلى البيت(43).
    وفي ظل إلحاح ومناشدة الوالد لابنه بالمثول أمام المحققين في مكاتب الإدارة المدنية الإسرائيلية، لثقته بأن يحيى لم يرتكب أي خطأ أو مخالفة يستحق عليها العقاب أو السجن. وبعد الضغط الشديد الذي تعرض له الشهيد القائد، يحسم المهندس أمره، ويقول لوالده مفصلاً موقفه بشكل حاسم: «إذا ذهبت إليهم، عمرك ما بتشوفني، لأني سأعيش بين أربع حيطان ولا تقدر على رؤيتي ولا أقدر على رؤيتك.... (ويصمت الشهيد برهة ثم يستأنف حديثه)... أنا لا أريد أن أخرج، أنا أريد أن أستشهد في وطني فلسطين»(44). وقبل أن يغادر المهندس المنزل، عانق والده وشقيقيه ثم توجه نحو والدته مودعاً: «يا أماه، إما النصر أو الشهادة ولا ثالث لهما بإذن الله»(45).
    يعتبر يوم الأحد الموافق 25 نيسان (إبريل) من عام ،1993 بداية المطاردة الرسمية ليحيى عياش. ففي ذلك التاريخ، غادر المهندس منزله، ملتحقاً برفاق الجهاد والمقاومة، الذين كانوا يتخذون من كهوف ومغارات فلسطين قواعد انطلاق لهم في رحلاتهم المظفرة ضد جنود ودوريات الاحتلال. وفي مساء ذلك اليوم، داهمت قوات كبيرة من الجيش والمخابرات المنزل وقامت بتفتيشه والعبث بالأثاث وتحطيم بعض الممتلكات الشخصية للمهندس. وبعد أن أخذ ضباط الشاباك صورة الشهيد جواد أبو سلمية التي كان المهندس يحتفظ بها، توجه أحدهم لوالده مهدداً: «يجب على يحيى أن يسلم نفسه، وإلا فإنه سوف يموت، وسوف نهدم المنزل على رؤوسكم»(46). وتواصلت المداهمات والاستفزازات من قبل جيش الاحتلال وأجهزته، بهدف إشاعة جو الخوف والرعب بين العائلة القروية، اعتقاداً بأن ذلك يؤثر في معنوياتهم ويثني المهندس عن مسيرته المباركة. ولكن هيهات لهم ذلك، فقد واصل المهندس طباعة عناوين المجد والحرية وأعاد للحياة الفلسطينية طعمها، وخلال ثلاث سنوات، كان الشهد لفلسطين والعلقم لبني صهيون. وخاب ظن سلطات الاحتلال وأجهزتها القمعية التي حصدت الفشل في مخططاتها، وتخبطت في رحلة البحث عن المهندس، بينما وقفت أم يحيى في فخر واعتزاز تواجه محققي الشاباك وجنود الاحتلال حيث نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية والتي رافقت قوات الجيش التي داهمت منزل العائلة بعد عملية البطل صالح صوي في تل أبيب عن أم المهندس: «لقد تركنا جميعاً دون أن نشبع منه وداس على الشهادة الجامعية.. منذ أن أصبح يحيى مطلوباً، فإنه لم يعد ابناً لي، إنه ابن كتائب عز الدين القسام»(47).

صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12

المواضيع المتشابهه

  1. وقالت نملة ( المهندس البطل الشهيد )
    بواسطة ابراهيم عبد المعطى في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 09-01-2008, 12:09 PM
  2. عياش يحيا-قصيدة في ذكرى الشهيد المهندس يحيى عياش
    بواسطة فارس عودة في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 12-07-2004, 08:39 AM
  3. قصيدة عن يحيى عيّاش ذكّرني بها استشهاد المجاهد د. عبد العزيز الرنتيسي
    بواسطة أيمن العتوم في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 23-05-2004, 10:20 PM
  4. يحيى عياش ** حياته ** جهاده ** إستشهاده
    بواسطة النجم الحزين في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 07-05-2004, 11:07 PM
  5. استشهاد قائد المقاتلين العرب فى الشيشان
    بواسطة اسكندرية في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 19-04-2004, 01:31 AM