أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: جولة في جماليات الأسلوب في قصيدة قاتلة للشاعر علي أسعد

  1. #1
    الصورة الرمزية د. عمر جلال الدين هزاع شاعر
    تاريخ التسجيل : Oct 2005
    الدولة : سوريا , دير الزور
    العمر : 50
    المشاركات : 5,078
    المواضيع : 326
    الردود : 5078
    المعدل اليومي : 0.75

    Lightbulb جولة في جماليات الأسلوب في قصيدة قاتلة للشاعر علي أسعد

    يتغنى شاعرنا الكبير برؤية عين المحبوب
    فيبدؤ وصفه بالشعور بحرارة الصيف في مقلتيها
    ثم يمتد إلى وصف سواد وبياض العين
    في صور خلابة تستمد ألوانها من جزالة حرفة وبديع صنعته
    وإتقانه لأدواته التي تخيرها في رسمتلك اللوحة
    فيقول :
    ـــــــــــــــــ
    صيف عينيك .. واللظى المشهور ُ
    وســواد ٌ كـأنـه الديـجـور ُ
    وبيـاض كـأن ّ قلبـي تجـلـى
    بين عينيـك فالصبـاح المنيـر

    ـــــــــــــــــ
    ثم ينتقل ليصف رموشها
    فيجعل منها سيفاً لملك الموت وفي هذا تعبير عن شدة تأثير تلك الرموش الساحرة
    لدرجة أنها تردي من يراها قتيلاً قبل أن يهنأ بإشباع ناظريه من المنظر
    وهو بيت على قصره فإنه يحمل بين حروفه معنى كبيراً يحتاج لوقفة مطولة لشرحه
    وهذا ما أعني به الكم الهائل من جزالة اللفظ
    أو الدرجة التعبيرية العالية للمفردات
    فشاعرنا فنان يجيد هذا الفن
    ويستخدم في بيت من الشعر مفردات قليلة فيصوغ منها معنى ضخماً
    وإليكم البيت :
    ــــــــــــــــــ
    ورموش كـأن سيفـاً لعزرائيـل
    فينـا فـلا يطـول الـسـرور

    ــــــــــــــــــ
    أما في وصف ارتداد لحظها فهو يضفي على نظرتها لون الحياء
    وخفر الطهر والنقاء
    وهذا مما يزيد جمال غرضه قبل أن يباشرنا بغزلية راقية التصوير
    فقد جعل العين منطلقاً لقصيدته
    والعين من أسمى أعضاء الحواس إن لم تكن أسماها
    ـــــــــــــــــ
    وارتــدادٌ معـانـق لحـيـاء ٍ
    هو أحلى ممـا تكـن ّ الصـدور

    ــــــــــــــــــ
    ثم يحاكي بلغته السلسة ونغمته الرقراقة حركة العين في محجرها وهي تنتقل في كل اجاهات المكان لتراقب كل صغيرة وكبيرة
    مخالطاً تلك الحركة بشعور حسي من الهيبة والخشية
    وهذا حال كل عين حيية
    ــــــــــــــــــ
    وانتبـاه لكـل شـئ صغـيـر ٍ
    وارتجـاف كـأنـه المـذعـور

    ـــــــــــــــــــ
    وعندما يستشعر مبدعنا أنه قد ولج إلى غرضه في الوصول بالقارىء وأحاسيسه إلى معنى الحب
    يمنح مرافقيه من قراء هذا البيان سجادة مخملية لكي يطؤوها معه فوق خشونة ووعورة الأرض التي يسيرون عليها
    فهو يندفق بحنان ليصف الحب بأنه غابة خضراء جمعت أوراقها غي دفتر من الينع و الزهو
    وهذا حال من دخل هذه الغابة صادقاً بحسه
    ـــــــــــــــ
    إنـه الحـب دفتـرٌ شـجـري ّ
    من تفانى .. فنبضه اليخضـور

    ـــــــــــــــــ
    ثم يجذبنا معه لدقة في التعبير لكل من عسر عليه أن ينهل من تعريفه الأول للحب
    فيصفه مرة أخرى بأنه حالة من التيه الجميل في رنات الكؤوس التي يثمل بها شاربوها حباً وولهاً
    وأنه حالة من التحليق بنشوة سحرية لا يعرفها إلا من ذاق طعمها
    ـــــــــــــــ
    إنه الحـب .. والموائـد سكـرى
    وكـؤوس قلوبـنـا والشـعـور

    ـــــــــــــــــ
    ثم يصل بنا إلى تأثيرات هذا الحب في محيط ما نشعر
    وفي الجو الذي ندركه بحواسنا
    فيخبرنا أن هذا الحب هو حالة من الألق الذي يغمر الكون بضيائه ونوره
    فتنحني له المجرات هيبة وتقديراً وإكراماً لما فيه من سمو وصدق شعور
    ـــــــــــــــــ
    يغمز الضوء .. لو نظـرت إليـه
    وتصلـي كـواكـب ٌ وبــدور

    ــــــــــــــــــــ
    ويدرك شاعرنا بفطنته أن العود في نهاية المطاف بالقارىء إلى الجنان والزهور والاخضرار هو من السحر بمكان بحيث أنه يجعل من أبياته وحدة متعانقة أجزاؤها بحنان
    مما يصعب على من يمر بها أن ينسى ما فيها من جمال وصور
    لأنها بحد ذاتها معرض لأندر صور صيغت بفن قدير للتعبير عن أرق وأنبل شعور
    فيقول :
    ــــــــــــــــــ
    والبساتيـن ذكريـات خـضـار ٍ
    والينابيع .. طفلة ٌ .. والبحـور

    ــــــــــــــــــــ
    وبعد
    فهو الذي أبدع هذه القصيدة
    وسحرنا بسحرها
    ويؤكد لنا ولحبيبته بعد هذه الجولة المكوكية بين الجنان والكواكب ممتطياً شعاع النور وحاملاً بين جنبيه نبضات والهة
    بأنه ليس هناك من أنثى كحبيبته في كل هذا الوجود
    وهذا ما تراه عين كل حبيب
    وبأنه ليس هناك من هو أكثر منه عشقاً وحباً
    فهو العاشق الكبير
    وحق له ولكل من يقدر على أن ينثر كنزاً بهذه القيمة
    أن يتفرد بوصف نفسه بالعاشق الأكبر
    ـــــــــــــــ
    لم يعد في الوجود أنثـى سـواك ِ
    وأنا العاشق الكبيـر ُ .. الكبيـر ُ

    ــــــــــــــــ
    ومما يسعد النفس حقاً أن نقف ولو باختصار على بعض ما في القصيدة من جماليات الأسلوب
    فالمفردات الرقيقة المنتقاة بعناية فائقة
    قد لامست شغافنا
    وفعلت فعلها فجعلت النفس تستريح في نسمة من الشذى
    و السهولة التي تفعم بها روح القصيدة قد سهلت اختراق قرائها لها كأنهم كلهم هم هذاالشاعر
    وهذه ميزة تحتسب لشاعرنا بالقدرة في الوصول
    وبحسن الاصطفاء لما يناسب غرضه
    فنجد :
    ( الحياء , الحب , شجري , اخضرار , سكرى )
    وفي ذات الوقت نجد توظيفاً لمعان على النقيض من سابقاتها
    لكي يؤكد لنا الشاعر قدرته على إظهار الحس العالي للمفردة الرقيقة بالقدرة الكامنة للمفردة الضد
    فهو يستخدم في قصيدة غزلية وصفية حسية
    معاني الموت و الذعر ..
    فنجد :
    ( السواد , الديجور , القبور , عزرائيل )
    وتنصب كما نلاحظ هذه الألفاظ البسيطة اليسيرة في جمل ومقطوعات موسيقية مترابطة بوحدة الروي الهادىء في رائية تعبق شعوراً
    و التراكيب التي عنى الشاعر بسبكها في بيانه
    كانت على درجة من الوضوح ولانسيابية العالية
    فهي تراكيب متدوالة غير عسيرة
    وليس فيها من التقديم والتأخير
    أو الجمل الاعتراضية التي قد تأخذ القراء في كبوة حسية , إلا ما ندر
    ومع ذلك
    فوجود مثل هذا الأسلوب قد خدم الغرض
    لأنه انتقى من الجمل الاعتراضية ما يزيد من معنى بيانه
    فهنا مثال شاهد :
    ــــــــــــــــــــــ
    يالرمشيـك - كـم أطـالاً برزقـي
    كرماً
    - والأنـام حولـي قبـور

    ــــــــــــــــ
    و الأسلوب التوكيدي الواثق هو سمة القصيدة الأساسية
    فنجد شاعرنا يؤكد على ما يقوله بأساليب عدة
    كم يقول للسامع
    هذا دليلي
    وهذا شاهدي
    وهذه حجتي
    وهنا أمثلة :
    ــــــــــــــــــــــــ
    وارتــدادٌ معـانـق لحـيـاء ٍ
    هو أحلى ممـا تكـن ّ الصـدور

    ـــــــــــــــــــــــ
    فاستخدام الضمير ( هو ) أداة لتأكيد ما يقوله
    على الرغم مما قد نجده من استخدامه لأداة تشبيه هي ( كأن ) التي تعني في معناها حالة من عدم الثقة
    ولكن باقترانها في كل مرة بحقيقة ثابتة في نظر الشاعر
    جعل من هذه الاداة وسيلة لتوثيق رؤاه
    فهنا
    ــــــــــــــــــ
    صيف عينيك .. واللظى المشهور ُ
    وســواد ٌ كـأنـه الديـجـور ُ
    وبيـاض كـأن ّ قلبـي تجـلـى
    بين عينيـك فالصبـاح المنيـر

    ـــــــــــــــ
    لم تكن ( كأن ) اداة عدم ثقة أو إرجاج في الفكرة
    لأن السواد هو حقيقة أما بياض عينها
    والقلب قد تجلى في ذلك البياض
    ...
    أما عاطفة شاعرنا هنا
    فهي واضحة كالشمس في كبد السماء
    يراها حتى الأعمى
    فهيتنبض بمشاعره
    وبمكنونات قلبه
    وتفيض رقة وعذوبة
    ....
    وأما :
    أين ومتى ومن في القصيدة
    فهي فسأتركها لكم تمعنون فيها
    واترك الخيال لكم لكي ترونها بعيونكم أنتم
    فهي قصيدة لكل منا
    يراها بعن قلبه
    ويشعرها بحسه الذاتي
    ...
    ولا يسعني في نهاية هذه الجولة الحميمية في حروف شاعرنا الحبيب
    إلا أن أشيد بالجو العام
    وبحسن التوظيف
    وفرادة الأسلوب
    ولكم وله مزيداً من التقدير
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #2
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Nov 2006
    الدولة : سوريا ..حمص
    العمر : 51
    المشاركات : 1,617
    المواضيع : 37
    الردود : 1617
    المعدل اليومي : 0.25

    افتراضي

    أخي الحبيب الدكتور هزاع


    يشهد الله أنك من الأعزاء على قلبي

    وبكم أفخر

    ولا أنكر أنك فاجأتني مرتين
    أول مرة برابط هذه الدراسة

    والمرة الثانية في القراءة الموفقة

    فقد أحسست أنك غصت في أعماقي وفي خلجات قلبي

    وفي غيبوبتي أثناء الكتابة وبعدها

    كما رأيتك تتنهد بين السطور وترحل بين كل حرف وحرف .كأنك أنت الكاتب ولست أنا


    لك الله يا دكتور

    أحييك بتحية لا تنضب مياهها

    ولا تتكسر أغصانها

    ولا يأفل نجمها


    كن بخير ياصديقي ...

    وأشكرك جداً

  3. #3
    الصورة الرمزية د. عمر جلال الدين هزاع شاعر
    تاريخ التسجيل : Oct 2005
    الدولة : سوريا , دير الزور
    العمر : 50
    المشاركات : 5,078
    المواضيع : 326
    الردود : 5078
    المعدل اليومي : 0.75

    افتراضي

    بل أنا من يشكر قلمك الساحر
    الذي خط لنا من البيان شعراً
    وسحراً
    بوركت بوركت
    ولك المحبة

المواضيع المتشابهه

  1. صفات الأسلوب -حسين علي الهنداوي
    بواسطة حسين علي الهنداوي في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-05-2016, 06:03 PM
  2. جماليات الماضي في أسلوب القاضي
    بواسطة أحمد عيسى في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 05-03-2014, 10:29 AM
  3. جماليات التعبير الشعبي الشفهي {الحكاية الشعبية ـ الموال 00 }
    بواسطة الشربينى خطاب في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 07-09-2007, 08:05 PM
  4. الرائع علي أسعد أسعد لبى الدعوة
    بواسطة تركي عبدالغني في المنتدى الروَاقُ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 07-12-2006, 12:20 AM
  5. جماليات الحركة التصويرية في القرآن الكريم
    بواسطة د. حكمت صالح في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 22-09-2004, 05:07 AM