ظلام يلف الدنيا... كل الشموس المتطفلة الكاذبة لم تقو على البقاء ساطعة،بان خداعها و ذهب بريقها و ما عادت تضيء قلوبنا المظلمة شموس ذابت في سديم الكون و راحت أدراج الرياح، لن يذكرها التاريخ إلا في مزابله و لن تتشرف بالتوقيع في دفتر النجوم الزاهرة..
وحدها شمسك بقيت موهجة تنير لي طريق الحياة.. وحدك كنت الرفيق في ظلم العتمة و متاهات الليالي المظلمات. وحدك...نعم وحدك وهبتني سر البقاء و منحتني من فيض أنوارك أسرارَك الكثار، كنت تقول لي إن قلبي لن يتحمل أكثر من ذلك... و كنت أنا أقول لك هل من مزيد... قلبي الصغير المنطفئ عاد أكثر إشراقا بك، و صار يجد للفرحة طريقا و للبهاءات سبلا كثيرات ..كنت قبلك موحشا مقفرا خاليا من وهج الحياة و نور الجباه الذي يملكه الآخرون..و في عز التقلبات و التوهان... وجدتك في طريقي منارة سطع نجمها و شامة حسن عند الناس ذكرها..تبعتك و تقصيت أخبارك و رحت أستمد منك في مناماتي قوت يومي و كلمات الإصطبار و الاستمرار..تأتيني كل مساء..تربت على كتفي و تتمنى لي ليلة سعيدة، و كنت أنا أفرح بقدومك و أنام بملء راحتي و أراك في منامي تلبس جبة بيضاء زاهية.. كنت تنظر لي بعين الكريم و كنت تقول لي أن الطريق أمامي سينفتح و سأجد في دنياي الخير الذي كنت أبحث عنه..يذكر أصدقائي مغامراتهم مع بنات حواء و ما تمكنوا من انجازه رفقتهن...و أنا اذكرك عندهم فتصيب وجههم الصفرة و يستغربون...نعم أنا لست مثلهم...أنا كنت افضل منهم... هم بحثوا عن الجسد و أنا بحثت عن الروح..هم وجدوا و أنا وجدت،و شتان بيني و بينهم.
كان قلبي ينخلع من مكانه و تصيبه الرجفة حين أقرأ كلامك، كان كلامك يفعل فيَ فعل السحر في المسحور، لم أكن أعلم أن هذا البيان الذي يسحر الإنسان يمكن أن يتحكم في جسده فيجعله يتراقص و يهتز طربا لأحرفك المتنورات...لم أكن لأتحكم في هذا الجسد و أنا في قاعة الدرس..أهتز بمجرد تذكري لحكمك البليغات .. يستغرب زميل لي بجانبي و يقول: هل مسك طائف من الجن يا رفيق؟
ترى هل مسني طائف من الجن؟؟؟
لا أبدا لم يمسني جن و لا هم يحزنون، و إنما هي أعضاء جسدي و أطرافه و خلاياه و جزيئاته و ذراته حنت إلى مقالتك و اشتاقتك إلى لباقتك فجعلت تضطرب و تغلي مثل مدمن على مخدر لا يملك أعصابه إلا بعد أن يسري الخدر في عروقه الفانيات.
كنت أحتاج أن أملأ عيني بك و أْسمع أذني كلامك و أحاديثك الرائعات...كنت أمني يدي بأنها سوف تصافحك و رجلي بأنها حتما سترافق رجلك إلى حيث يعلم الله..
كنت أرغب أن أبقى معك على طول الخط و على عرضِ المسافات الطويلات..
كنت أريد لهذه الروح التي عقلت بك ذات قراءة لما كنت قد كتبته في إحدى المنتديات أن تقابل روحك و تنهل منها ما لا ينضب من زاد الحياة..
كنت أريد أن أرقى بسلم يعلو الأرض حتى أتجول فوقها و ألمح منبع هذا النور الذي خط بضغطات *كليك* على أيقونات لوحة مفاتيح حاسوبه جمل الوفاء و كلمات البهاء و حروف الهناء و كل ضغطة كانت بحرف و كل حرف بنقطة ماء بارد حلو سائغ للشاربين
هل يا ترى هذا الذي أخطه ينفع أن يبقى مكتوبا على بساطته و علاته؟هل يا ترى ما أكتب من كلام سيبلغك أني فعلا قد اشتقت لك.. حتى وإن لم تعرفني و إن لم ترني؟أنا ما عدت أدري أو أعي شيئا مما حصل و يحصل و يكفيني من الحياة أني وجدتك فيها، فمتى أراك و متى أسلم عليك و متى تأتي الليلة التي سأغني فيها مع تلك التي غنت ذات يومأغدا ألقاك؟؟؟؟أغدا ألقاك؟؟؟؟أ غـــــدا ألقـــــاك؟؟؟؟؟؟؟؟
و جاء الغد و لم ألقاك.. رحت أبقش في صندوق يحوي رسائلي و رسائلك..أشواقي و أوراقك..كنت أعود لنصوصك كل مساء..أقرؤها و أعيد قرائتها .. ليس بالعين فقط و إنما بالعقل و القلب أيضا..نعم ..نعم.. لقد جعلت منها قوتا أستمد منه الطاقة و أقتات على حروفه و معانيه..كيف لا أعتاش منها و هي مكتوبة بخط يدك و بقلمك و على أوراق ارتوت من عرق يدك الطاهرة الحنون..تلك اليد التي تمنيت لو أني صافحتها وقبلتها... و تلك اليد التي كنت أتخيلك مرارا تمررها على رأسي و تربت بها على كتفي و تمسح بها عني عرق الجهد في الجبين و دموع العين على الخدين....و كيف لا أرتوي بها و هي كقطرة الماء تبلل جاف النبت وكقطرة الدم تضخ في القلب لتبعث في الجسد الحياة... و كيف لا و هي تستنفر في جسدي كل جزيئة و خلية فأعلم أنني ما زلت حيا...و مضت علي ليال كأنها السنون، و مرت مدة طويلة تركتني فيها منعزلا، أواجه وحدي تصاريف الدهر و مشاكل الزمن الكثيرات، كنت أقول أنك قد تظهر في كل لحظة تحمل عني هذا الحمل الذي يثقل يوما عن يوم، و كنت أقول في نفسي أنك لا بد قادم، و لا بد أن ينتهي انقطاعك الذي جاء مفاجئا و دون سابق إنذار، كنت أعدك في صيفي لتنفعني في شتائي فلم تأت لا في الشتاء و لا في الصيف، لا تقل لي أني كنت أبني الوهم و أصنع الخرافة، و لا تقل لي أنك فعلا لن تعود...قطعت علي موارد النور و حجبت عن عيني ضوء الشمس الذي به أهتدي في الطريق، صرت كالموت أخبط خبط عشواء، لا أعرف ليلا و لا نهارا و لا أعرف كيف سأقدر أن استمر حيا في ظروف أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها تواطأت معك بشكل رهيب....كانت ليالي تمر كما الاختناق، مملة رتيبة، طويلة كئيبة، لا حلم بارد أهنأ به، و لا وسادة رطبة أضع عليها رأسي، و لا سرير مريحا أرمي عليه هذا الجسد الذي هده الرهق و أتعبه الزمن.كنت أريدك بجانبي تدفع عني غمزات الشياطين و همزات الحاسدين، كنت أرقب أن يسطع نجمك الذي لأجله فقط تجدني ما زلت على قيد الحياة، و لولا حبل الأمل الذي عقدته ببابي لكنت الآن ممن يسكنون القبور و يوزعون على أهلها تراتيل الحضور و فزعة السكن و وحشة المكان...تسألني أمي عن حالي ما الذي غيرها فأجيبها خوفا على كبدها من الالتياع أنني بخير... و أنا أقصد أنني لست بخير... أخشى عليها من قرحة في القلب هي التي تشكو من قرحة في المعدة.كنت أرقبك أن تأتي كما كنت تفعل من زمن و تقرأ علي بعضا من آيات القرآن الكريم و تذكر لي الرسول عليه السلام و نستمع معا لأذكار الذاكرين و أمداح المادحين، لكنك في كل ليلة كنت تخلف الموعد و لا تأتي.. حتى إذا انقضى الليل منيت نفسي بأمنية صغيرة و قلت لها اهدئي فغدا يعود...قلبك الذي كان يتلقى عني الصدمات ما عاد يقوم بواجبه و صدرك الذي بكيت عليه طويلا ما عاد دافئا كما كان... هل يا ترى انتهت مدة صلاحيتك و لم تعد صالحا لشيء، هل يا ترى تذكر أنك قد تركت خلفك من يحتاجك فعلا كاحتياج الرضيع لحليب أمه و كاحتياج النهار لضوء الشمس، هل يا ترى تذكر أن لك موعدا مع الزمن أخلفته و خذلت من كان ينتظر،و ماذا عساني أكتب لك؟ دعوة لإحيائي أم وثيقة توقع عليها لتتسلم جثتي الهامدة.اليوم لجأت إلى صديق رفيق، و قلت له هل تعيرني حضنك أبكي عليه قليلا فقال لي: إنني أخجل أن أرى الدمع يسير على خدك، و لو طلبت غيرها لوجدتني من الملبين...يخنقني البكاء يا رفيق، يجعل في حلقي غصة فلا يصبح قادرا على الكلام... أفلا ترحم هذه الدمعات التي تنسكب شوقا لك و رغبة في مد حبل الوصال؟..