|
وهج التوبة ! ! |
صالح علي العمري-الظهران |
جاءت إليه و نار الجوف تستعرُ |
و دمعة العين لا تنفكّ تنهمرُ |
جاءت إليه تجرّ الهمّ مخبتةً |
كأنها أشعث أضنى به السفرُ |
فراشها السهد ، و الأحزان كسوتها |
و البؤس يعصر قلبا كاد ينفطرُ |
جاءت إليه و موج الغمّ ملتطمٌ |
والنفس لهفى ، وحبل السعد منبترُ |
جاءت إلى الرحمة المسداة في لهفٍ |
في ساحة ا لأمن.. لا ذلٌ ولا خطرُ |
الحدُّ يُدرءُ . . و الأحكام عادلةٌ |
والذنب مغتفرٌ ، و العرض مختفرُ |
تقدمت و الضمير الحيُّ يشحذها |
لجنّةٍ نحوها الأرواح |
واستجمعت تفضح الأسرار في أسفٍ |
لعلّها في مقام العرض تستترُ |
وهج الفضيحة أمرٌ يستهان به |
فحرقة الجوف لا تبقي و لاتذرُ |
فأقبلت و رسول الله في حِلَقٍ |
من صحبه و فؤاد الدهر مفتخرُ |
كأنه الشمسُ . . أو كالبدر مزدهرا |
أستغفر الله.. ماذا الشمس و القمرُ؟! |
فأفصحت – يالهول الخطب- وانفجرت |
و طالما هدّها الإطراق و الفكرُ |
قالت له : يا رسول الله معذرةً |
ينوء ظهري بذنبٍ كيف يُغتفرُ!! |
فجال عنها و أغضى عن مقالتها |
و للتمعّر |
واسترسلت يا أجلّ الخلق قاطبةً |
يا أرحم الناس طُرّا: غرّني الغررُ |
فجال عنها و أغضى عن مقالتها |
رحمى..وللعفو في إعراضه صورُ |
قالت وللصدق في إقرارها شجنٌ |
والصمت يطبق والأحداث تُختصرُ |
أصبت حدّاً فطهّر مهجةً فنيت |
وشاهدي في الحشا، إن كُذب الخبرُ |
دعني أجود بنفس لا قرار لها |
فالنفس مذ ذاك لا تنفك تحتضرُ |
حرارة الذنب في الوجدان لاعجةٌ |
إني إلى الله جئت اليوم أعتذرُ |
فقال عودي.. وكوني للجنين تُقى |
فللجنين حقوقٌ |
فاسترجعت وانثنت شعثاء شاردةً |
فهل لها فوق نار الوزر مُصطبرُ؟! |
ما أودعت سجن سجّانٍ و كافلها |
تقوى الإله . . فلا سوطٌ و لا أَسرُ |
تغصّ في كل ليل حالك قلقا |
و عندها سامراها : الهمُّ و السهرُ!! |
واغتالها غائل الإشفاق من سقرٍ |
سبحان ربي. . وما أدراك ما سقرُ!! |
لم تنتظر قرّة ً للعين أو سندا |
و إنما هو حتف الروح تنتظرُ |
لكل ميلاد أمٍّ فرحةٌ و رضا |
و ما لميلادها سعدٌ و لا بِشَرُ!! |
حتى إذا حان حينٌ و انقضى أجلٌ |
و قد تقرح منها الخدّ والبصرُ |
حلّ المخاض فهاجت كلّ هائجةٍ |
مثل الأسير انتشى و القيدُ ينكسرُ |
طوت عليه لفاف البين وانطلقت |
فروحها للقاء الطهر |
أمٌّ تغشّى حياض الموت مشفقةً |
إذا اعترى المذنبين الأمن والخدرُ |
و أقبلت .. يارسول الله : ذا أجلي |
طال العناء و كسري ليس ينجبرُ |
فقال قولة إشفاقٍ و مرحمةٍ |
و القلب منكسرٌ ، و الدمع ينهمرُ |
غذّي الوليد إلى سنّ الفطام فقد |
جرت له بالحقوق الآيُ و السورُ |
فاسترجعت ، ولها آهات محتسبٍ |
بمهجةٍ غيّرت و جدانها الغِيَرُ |
ومرّ عامٌ .. وفي إصرارها جلدٌ.. |
ومرّ عامٌ .. فلا ضعفٌ و لا خورُ |
الله أكبر . . والأذكار |
سلوتها |
حتى إذا ما انقضت أيام محنتها |
تكاد لولا عرى الإيمان تنتحرُ |
جاءت به ورغيف الخبز في يده |
"وليس يعلم ما الدنيا و ما القدر"ُ !! |
وليس يدرك ما تفشيه لقمته |
و الشمل عمّا قريبٍ سوف ينتثرُ |
يلهو.. و لم تبلغ الأحداث مسمعه |
جهلاً. . "وعن مثله يُستكتم الخبر"ُ |
قالت: فديت رسول الله ذا أجلي |
قد ملّني الصبر، والعقبى لمن صبروا |
فقال: من يكفل المولود من سعةٍ |
أنا الرفيق له.. يا سعد من ظفروا!! |
فاستله صاحب الأنصار في فرحٍ |
وحاز من خير فوزٍ حازه بشرُ |
كأنما الروح من وجدانها انتسلت |
يا للأمومة . . و الآهات تنفجرُ |
وكفكفت دمعةً حرّى مودِّعةً |
و للأسى صورةٌ من خلفها صورُ |
حتى إذا ما انطوى عن ظهرها ألقٌ |
واستسلمت لقضاء زفّه القدرُ |
شدوّا عليها رداء الستر واحتُفرت |
الله أكبر. . ماذا ضمّت الحفرُ |
الحكم لله فردٍ لا شريك له |
ما أنزل الله . . لا ما أحدث البشرُ |
وفي الحدود نقاء النفس من لممٍ |
وفي القصاص حياة الناس فاعتبروا.. |
وشذّرتها شظى الأحجار فالتجأت |
و في تألمها عتقٌ و مطّهرُ.. |
فالعين مسملةٌ .. و الخدّ منهشم |
و الشعر في جندل الأحداث منتثرُ |
لو أن للصخر قلبا لانشوى ألما |
و قد ينوء بأثقال الأسى الحجرُ |
أو أن للطفل عين -والدماء سدى- |
ماذا عسى أن يقول الطفل يا بشرُ؟! |
هناك- والجسد الذاوي يفوح شذى- |
لم يبق إلاّ جمال الطهر والظفرُ |
واستبشرت بعبير التوب واغتسلت |
كما ينقي صلاد الصخرة المطر |
وقال فيها رسول الخير قولته: |
تابت و توبتها للناس |
لو وزّعت بين أهل النخل قاطبةً |
كانت لهم دون بأس الله مُدّثر |
قام النبي وصفّ الصحب في أثرٍ |
فيهم أبو بكرٍ الصدّيق و العمرُ |
صلى وصلّوا وضجوا بالدعاء لها |
و دعوة المصطفى للعبد مُدّخر |
في ذمة الله يا من فاح مرقدها |
عطرا، وطبتِ وطاب القبر و المدر |
بيّنتِ حكما، و كنتِ للتقى مثلاً |
وفاز بالصحبة الغراء |
سارت إلى جنة الفردوس فابتسمت |
لها الربى و النعيم الخالد النَضِر |
وجنّة الخلد تجلو كل بائسةٍ |
يحلو إليها الضنى والجوع والسهر |
إن غرّها طائف الشيطان في زمنٍ |
فلم تزل بعدها تعلو و تنتصر |
هناك قصة توبٍ تزدهي مثلا |
للتائبين و فيها البرّ و العبر .. |
في كل لفتة حزنٍ نور موعظةٍ |
أليس في سيرة الأصحاب مُدّكر |
و رب ذنبٍ دعا لله صاحبه |
إن أخلص العزم أو إن صحّت الفطر |
يا من يصرّ على الآثام في صلفٍ |
و الموت خلف جدار الغيب مستتر |
الله يفرح إن تاب المسيء ..ألا |
قوموا إلى الله و استعفوه و ابتدروا |
لا تأمن العمر والأيام راكضةٌ |
وقد يجيء بما لم تحذر القدر!! |
في الدهر زجرٌ وفي الأحداث موعظةٌ |
فما لقلبي المعنّى ليس ينزجر؟! |
كم غرّ إبليس والأهواءُ من نفرٍ!! |
وأعظم الذنبِ أنّ الذنبَ يُحتقرُ |