أحدث المشاركات
صفحة 1 من 4 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 33

الموضوع: بين صفريّة الموجود ومئويّة المنشود

  1. #1
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي بين صفريّة الموجود ومئويّة المنشود

    بين صفريّة الموجود ومئويّة المنشود

    في لحظة من لحظات التّفكّر والتّفكير في حياتنا، قد نحسّ بصفريّتها؛ لأنّنا نريد مئويّتها.. وبين الصّفر والمئة نضيع، ونضيّع كلّ ما بينهما. وذلك؛ لأنّ لحظة التّفكير هذه قد يلفّها ويدثّرها أخطبوط السّخط، والغضب، والحزن على ما ينقصنا من تحقيق لرغبات دفينة. وحين نلقي بهذا الدّثار جانبا، وننتبه لما نمتلكه - ما بين الصّفر والمئة- نجده كثيرا... وهذا يغيظنا؛ لأنّ حاجة معيّنة نفتقدها تجعلنا في ضبابيّة فكريّة، تحجب عنّا نور وضوء ما نملك، سواء أكان هبة من ربّ العالمين، أو أمرا رغبنا فيه وحقّقناه، وكان ميزة لنا يحسدنا عليها الحاسدون، ويتمنّاها الرّاغبون...
    يحرم بعض الأطفال الحنان في صغرهم.. يكبرون، ويكبر معهم هذا الشّعور، حيث ينفخونه ويخزنونه في خوابي معتمات، ولا يسمحون للنّور باختراقها.. يهربون إليها، ويستأنسون بوحشتها، وظلمتها، حين يسلّط عليهم النّور الذي يرفضون مصابيحه. وكأنّهم على عهد الحرمان، وتجميد العواطف باقون.. ولكلّ دفء المشاعر التي تمنح لهم رافضون.. وعن كلّ ما يحرّك مشاعرهم الطّيّبة يعمهون.. وأبواب الفرح يصفقون، ويقدّسون طين الشّقاء الذي جبلت عليه نفسيّاتهم القاتمة. ويقضون الحياة على ما مضى يتحسّرون. وعن أجسادهم التي أوجعوها وسربلوها بأشواك تذمّرهم وسخطهم، لثياب الخزّ التي تأتيهم عِوضا هُم ممزّقون. ويظلّون للحظّ نادبين، وربّما بمأساتهم مستمتعين؛ لأنّهم أصبحوا عليها مدمنين. ويضيع العمر مع ضياع مشاعرهم؛ ليصبحوا عند اقتراب نهايته نادمين.
    يخفق قلب الفتى أو الفتاة حين تلامس أنامل الحبّ شغاف هذا القلب طريّا، فيحتضن الحبّ حتّى يعشّش فيه، ويتخذ من شرايينه صنابير مودّة وعشق يغدقها على الحبيب، ويُغلَّف العقلُ بغلاف القلب، وشفافيته تجاه مَن يحبّ، فيُمنَع من التّدخل لضبط تدفّق الشّرايين؛ لئلّا تنفجر يوما ما، فيقعد صاحب القلب مهزوما مذلولا.. ويبقى الجسم خاضعا لما يمليه عليه هذا القلب، فينسج العشق أوشحة السّعادة السّندسيّة التي تغطّي مثالب كثيرة، وتلفّ صعابا عديدة، وتحجب عن العين رؤية قبائح مقزّزة ورهيبة.
    وتدور دائرة الأيّام، ويحرم القلب البقاء وتوأمه، فتنقلب الأوشحة السّندسيّة مطاطيّة تمنع أوكسجين حبّ جديد أن يخترق المسامات، أو أن يلامس هذا القلب. وتحرق الآهات والتّنهّدات جدران القنوات التي تخرج منها؛ ليبقى الاصطلاء ووهجه مانعين دخول من يحاول الاقتراب والتّطبيب.
    وبعد يأس، وعيش بأس، وتخطيط وفحص، يرتبط صاحب القلب التّعس بزوج .. فالحياة تتطلّب التّكاثر والبقاء، واستقرارا قد يعوّض الخسارة والعناء. وقد يلعب والحظ لعبة رابحة، ويحظى بمن تحبّه، وتتمنّى أن تكون ظلّه، وتزيل همّه، ولكنّه يبقى حبيس وهم عشقه القديم، وتغدو مشاعره كالمطّاط الذي غلّف به قلبه، تمطّها وهميّة سعادة ما مضى، وتقلّصها واقعيّة ما أتى.. ويعيش شرذمة مشاعريّة، لا يجد فيها وهج نيران عشقه القديم، ولا ينفعه همس حبّ يمنحه محبٌّ جديد...ويطوي سنوات عمره ناقما على الموجود، ومتحسّرا على المنشود. ويظلّ وَهْم تحقيق مدفون الرّغبات هو المرغوب.. ويتذمّر لكثرة ما ينوء تحته ممّا جلبه لنفسه من المصاعب والخطوب.
    يُحكِم الفقر أغلاله حول معاصم كثيرة مدّة وجيزة، ثم تفتح أبواب الرّحمة والفرج والإغداق على الأيدي المكبّلة؛ لتحرر وتبسط وتحظى بخيرات المشتهى والمرتجى، فتمتلئ الجيوب وتنار الدروب؛ أملا أن يغرس الفرح أوتاده في القلوب؛ لتبقى عامرة بالشكر، ولتمحوَ ما سببته أيّام ندب الحظّ والفقر من ذنوب.
    بعد هذا كلّه، ترى الوجوه وكأنّها وشمت بالكآبة، والأجسام تتحرّك برتابة، ولا شيء ممّا تمرغوا لأجله على ثرى الدّعاء يجلب لهم السّعادة.. لا يكتفون بما نالوا، وألسنتهم تلهج: هل من مزيد؟ بل تراهم في فلسفة فقريّة يقولون: لو كان هذا فيما مضى، أيام أرّقنا العوَز والجوى.. فلا هُم في نعيم الغنى يرفلون، ولا ذلَ الفقر يطلّقون.. ومنهم من يجبرهم الحرص على خزن ما كسبوه؛ لأنّهم يخافون أن يفقدوه... ويظلّون دائمي التّفكير بما عانوا ويعانون، فلا هُم مع المال متأقلمون، ولا لحياة شحّ مَوارده ناسون... وخوفا من فقد الموجود، يعيشون الفقر؛ ليحافظوا على الغنى الذي أخفيَ، ولا يظهر للوجود.
    وتظلّ النّفس على أرجوحة تحقيق الرّغبات، تتأرجح على أغصان الحيرة فيما تملك وما تريد، وربما ظلّت تدور في دائرة هل من مزيد؟!

  2. #2
    الصورة الرمزية صفا عبد المنعم (خلود) قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Sep 2012
    المشاركات : 28
    المواضيع : 4
    الردود : 28
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    فتمتلئ الجيوب وتنار الدروب؛ أملا أن يغرس الفرح أوتاده في القلوب؛ لتبقى عامرة بالشكر،

    ما لأجملها وما أرقي معني حروفك سيدتي
    تحيتي لكِ

  3. #3
    الصورة الرمزية أحمد الأستاذ أديب
    تاريخ التسجيل : May 2011
    الدولة : في قلبٍ ما
    المشاركات : 2,021
    المواضيع : 65
    الردود : 2021
    المعدل اليومي : 0.43

    افتراضي

    وتظلّ النّفس على أرجوحة تحقيق الرّغبات، تتأرجح على أغصان الحيرة فيما تملك وما تريد، وربما ظلّت تدور في دائرة هل من مزيد؟!
    (إنَّ الإنسان خلق هلوعا)
    صدق الله العظيم
    أديبتنا القديرة: كاملة بدارنة
    حقائق إنسانية بلغة رائعة, وأسلوب مميز..
    بوركت
    سأكتفي بكِ حلما

  4. #4
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.72

    افتراضي

    من التفاؤل أن نقول بأننا نملك ما بين صفرية الموجود ومئوية المنشود الكثير، ومن الواقعية أن نعترف بتكبيل أخطبوط السخط بأذرعه للحظات التفكير يمنعها عن الاعتراف بإمكانية تحقق الرضى بالموجود، وبين الواقعية والتفاؤل تنطلق أحلامنا لتمنحنا شيئا من الطاقة نستعين بها على المواصلة

    فلسفة سامية بفكر سديد وتأمل عميق يحسبان لهذا الحرف المتمكن

    دمت وروعة الأدب يا سيدة الحرف

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  5. #5
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 4,790
    المواضيع : 82
    الردود : 4790
    المعدل اليومي : 1.10

    افتراضي

    موضوع يعايشه الجميع في الواقع ويرونه ليس غريبا أن تختاري كلماتك بعناية أستاذتنا الفاضلة وتخرجي لنا بهذه المقامة البديعة الهادفة والتي تستحق التأمل مرارا لما فيها من تأثير الصدق والمنطق والرجوع للنفس مرارا
    نفع الله بك

  6. #6
    أديبة
    تاريخ التسجيل : Jan 2006
    المشاركات : 6,061
    المواضيع : 182
    الردود : 6061
    المعدل اليومي : 0.91

    افتراضي

    ويطوي سنوات عمره ناقما على الموجود، ومتحسّرا على المنشود. ويظلّ وَهْم تحقيق مدفون الرّغبات هو المرغوب.. ويتذمّر لكثرة ما ينوء تحته ممّا جلبه لنفسه من المصاعب والخطوب


    السلام عليكم
    لا يمكن أن ينكر أحد أن سنوات العمر الأولى, ولربما عمر الطفولة كلها ,
    تحدد الكثير من المشاعر القادمة على طول الحياة وعرضها,
    فمن عاش المشاعر الصعبة في الطفولة كالإهمال ,عدم الحنان والاحتواء ,الذل ,الفقر ,الظلم ,الخيبات ,
    وغيرها الكثير ستؤثر على كل حياته الآتية تأثيرا سلبيا من الصعب الخلاص منه ,
    ومن الناس كالألواح الخشبية لا يتأثرون بشيء ,ولا يهتمون بأحد ولا حتى بأنفسهم ,وهؤلاء عادة منحرفين عن سراط الله ,
    نص يشبه المقامة بلغة جميلة رخيمة ,
    شكرا لك عزيزتي كاملة
    ماسة

  7. #7
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صفا عبد المنعم (خلود) مشاهدة المشاركة
    فتمتلئ الجيوب وتنار الدروب؛ أملا أن يغرس الفرح أوتاده في القلوب؛ لتبقى عامرة بالشكر،

    ما لأجملها وما أرقي معني حروفك سيدتي
    تحيتي لكِ
    شكرا لمرورك وكلماتك أخت صفا
    بوركت
    تقديري وتحيّتي

  8. #8
    الصورة الرمزية كريمة سعيد أديبة
    تاريخ التسجيل : Nov 2009
    المشاركات : 1,435
    المواضيع : 34
    الردود : 1435
    المعدل اليومي : 0.27

    افتراضي

    الرائعة كاملة بدرانه
    يشرفني دائما أن أعانق حرفك الهادف الجميل...
    هذا هو الأدب الحق الذي يحمل فكرا إنسانيا ساميا ومتعة جمالية رائعة
    دمت متألقة ورائعة
    {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}

  9. #9
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد الأستاذ مشاهدة المشاركة
    (إنَّ الإنسان خلق هلوعا)
    صدق الله العظيم
    أديبتنا القديرة: كاملة بدارنة
    حقائق إنسانية بلغة رائعة, وأسلوب مميز..
    بوركت
    شكرا لحضورك الكريم أستاذ أحمد
    بوركت
    تقديري وتحيّتي

  10. #10
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ربيحة الرفاعي مشاهدة المشاركة
    من التفاؤل أن نقول بأننا نملك ما بين صفرية الموجود ومئوية المنشود الكثير، ومن الواقعية أن نعترف بتكبيل أخطبوط السخط بأذرعه للحظات التفكير يمنعها عن الاعتراف بإمكانية تحقق الرضى بالموجود، وبين الواقعية والتفاؤل تنطلق أحلامنا لتمنحنا شيئا من الطاقة نستعين بها على المواصلة

    فلسفة سامية بفكر سديد وتأمل عميق يحسبان لهذا الحرف المتمكن

    دمت وروعة الأدب يا سيدة الحرف

    تحاياي
    شكرا شاعرتنا الرّاقية بحرفها وفكرها الأخت ربيحة على هذه الكلمات، والمرور الرّائع
    بارك الله فيك وببهائك
    تقديري وتحيّتي

صفحة 1 من 4 1234 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. بمعروف(للعمري) بين الموجود والمنشود
    بواسطة كاملة بدارنه في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 05-08-2022, 06:58 PM
  2. صورة الواقع والأمل المنشود
    بواسطة خليل ابراهيم عليوي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 20
    آخر مشاركة: 27-08-2009, 02:04 PM
  3. الامل المنشود
    بواسطة علي حسين الموصلي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 27-07-2004, 11:21 AM